نبذة عن مدينة الحلة
في عام (405هـ) رتحل الامير ابو الحسن المزيدي من ارض ميسان، ونزل بعشائره
في بلدة النيل، القرية القريبة من مدينة الحلة (7كم) شمال شرقها واتخذها
مقراً لولايته، وتولى الولاية من بعده ابنه (دبيس) الملقب بنور الدولة،
وبعده الامير سيف الدولة (صدقه)[1] ، الذي عرف بمكانته السياسية والادبية،
وتشجيعه للادب والادباء، وقام بتمصير مدينة الحلة[2] في محرم سنة (495هـ)
واتخذها عاصمة لامارته التي ترامت في وسط العراق وجنوبه، حتى نازع السلطان
محمد السلجوقي، وانتهت بمقتله ثم تولى الولاة المزيديون على الامارة الحلية
حتى وفاة اخرهم الامير (علي) سنة (545هـ) وبوفاته انقرضت الامارة
المزيدية، وعادت الحلة تابعة للعباسيين مباشرة.
وبقيت الحياة السياسية والاجتماعية مضطربة في الحلة وقراها، تبعاً للولاة
العباسيين الصغار، وبعد سقوط الدولة العباسية، ودخول التتار بغداد
واستعدادهم لاجتياح باقي مناطق العراق، توجه وفد من علماء الحلة ووجهائها
الى هولاكو، استطاعوا ببلاغتهم وحكمتهم اقناعه بعدم استباحها، وكان ذلك
سبباً لان تستمر الحلة بدورها كمركز للاشعاع الثقافي والديني، وذلك
لمحافظتها على كنوز المعرفة الاسلامية والاثار الادبية والدينية، من دون ان
تضطرب كبقية مدن العراق، وقد اتخذتها الدولة الجلائرية عاصمة لها بعد
بغداد عام (812هـ) في عهد الدولة (قراقرنيلو) الخروف الاسود، اما اثناء
الحكم العثماني فأصبحت الحلة قائمقامية تابعة للواء الديوانية، ثم جعلت
متصرفية في النهاية، وكان يحكمها حكام اتراك انحصرت مهمتهم في جباية
الضرائب التي كانوا يفرضونها على الحليين بالاجبار.
احتل الانكليز في 15 جماد الاول عام 1335هـ وحينها اندلعت ثورة العشرين
الشهيرة، التي ساهم فيها كبار علماء الحلة ووجهائها، وقد عبروا عما يجيش في
صدورهم من كره ومقت للاجنبي عبر المجالس الدينية والادبية التي كانت زاخرة
وقت ذاك.
وقد شكلت عوامل عديدة جعلت الحلة تتفرد عن سواها كبيئة علمية ادبية دينية،
منها موقعها الجغرافي، واجواؤها الطبيعية، من حيث عذوبة الماء ونقاوة
الهواء، واعتدال المناخ وجمال المرابع، حتى سميت (بعروس الفرات، وكعبة
العلم، ومعقل العروبة).
وقد ساعد عدم استباحة التتار لها، وقربها من المراكز الدينية المقدسة في
كربلاء والنجف، على ان تكون مصدراً من مصادر الحفاظ على الثقافة العربية
والاسلامية وخزائن الكتب والعلم والتاريخ، في الوقت الذي غطى الجهل
الاقاليم العربية. وفي القرن التاسع الهجري كان ازدهار علوم الدين والادب
والشعر تتفتح في رياض الحلة وقد وصفها وقال فيها المؤرخ عبدالرزاق الحسني
في اول جريدة صدرت في الحلة (الفيحاء) بقوله (الفيحاء كما عرفها من درس
تأريخها المجيد كانت "بلدة دبيس" في ايام العباسيين زهراء بعلمائها، اذ
كانت محط رجال العلم والادب تقربت اليها اباط الإبل ونشأ فيها المحدثون
والمفسرون والفقهاء والشعراء، ومما ينقله الرواة في كتبهم انه نشأ فيها
سبعمائة مجتهد في عصر واحد).
وكان لهذا الموفور الثقافي والبيئة العلمية ان يمتد لتصبح محط العلماء
والشعراء والادباء، وقد انجبت هذه المدينة فرقة ناصعة من فحول الشعر
العراقي، كما ذكرهم الاستاذ محمد مهدي البصير في نهضة العراق الادبية وباقي
مؤرخي الادب، فكان للسيد حيدر الحلي والشيخ حمادي نوح والكوازان والحاج
حسن القيم والقزويني، والشيخ حسن العذاري، ورجب البرسي.. وغيرهم كثير ممن
نهلوا واعطوا فيضاً، من الروائع الحلية شعراً فلسفياً، وحسينياً، فاضت به
الكتب والمخطوطات.
وقد امتد الموفور الادبي والثقافي والديني هذا على صورة حلقات وتجمعات
ادبية ودينية، وبعد ثورة 1920، تحول الشعور الادبي الى شعور وطني سياسي ضد
الانكليز، مما ادى الى تأسيس جمعيات وتيارات سياسية منها ما هو ثقافي ومنها
ما اخذ طابعاً سياسياً، وقد مارس ادباء الحلة على هايتك سات وكتابها
الكتابة على شكل مخطوطات، اذ لم توجد آنذاك آفاق للنشر او لانشاء مطبوع
دوري.
وقد بدأ التعليم المدرسي (الرسمي) كأمتداد للتعليم (المواجهي) الذي كان
سائداً مع بداية القرن الماضي من قبيل المدارس الدينية والاهلية (كالمدرسة
الاهلية والكمالية والمهدية) وغيرها، التي كان بعض الميسورين من ابناء
المدينة قد امدها بالرعاية والاشراف.
كما صدرت في الحلة (5) جرائد علنية بامتياز رسمي، و(11) مجلة دورية ثقافية
(كالحكمة، والغد، والتوحيد، والرشاد) في العقد الرابع من القرن الماضي، كما
ازدانت مدارس الحلة باصدار النشرات والمجلات المدرسية منذ الثلاثينات، اذ
لاتوجد مدرسة ابتدائية او ثانوية تفتقد الى مثل هذا النشاط الصحفي والجدير
بالذكر ان اول مجلة نسوية تصدر في العراق عن معهد تربوي كانت قد صدرت في
هذه المدينة عام (1946) تحت اسم السراج، وكانت لسان حال مدرسة الحلة
للبنات.
ومن هذا الارث العلمي والحضاري العتيد تأمل المؤسسات التعليمية والتربوية
ان تواصل تفعيل هذا الثراء المعرفي وتنتجه وتشيعه ومنها جامعتنا (جامعة
بابل) التي عزمت الخطى على ان تمد هذا الجيل بما يرتقي وترتقي به وبهم
مدينة الحلة الفيحاء.
وجامعة بابل تسعى جاهدة ان تكون مصدر اشعاع ثقافي وحضاري يتفاعل على الدوام
مع فئات المجتمع من خلال انشطتها المترامية على مستوى احتضان مراكز
البحوث، والمؤتمرات والندوات بالاضافة الى منجزها العلمي واحتضان كل
البوادر والخطى الثقافية والعلمية ورعايتها، التي من شأنها ان تعيد وتكشف
عمق وامتداد دورها الريادي في اشاعة العلم ومناهجه. فجامعتنا لاتسعى ان
تكون سراجاً تعليمياً فقط، انما تخطو لان تعمل على ان تكون اداة تغيير
وتنوير حقيقية في رحاب المدينة، فهي منها واليها، انطلاقاً من سعيها في
ايجاد مثيرات ثقافية وحضارية تعمل على الخلق والابتكار والتراكم البحثي
والعلمي.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] لقد كان من اسباب النهضة الفكرية في الحلة، اهتمام امرائها بالادب
والعلم وشؤونهما، فقد اجزوا العطايا والهبات لرجال العلم والادب، وتروي كتب
التأريخ ان الامير صدقة كانت له مكتبة ضخمة تضم الوف المجلدات، وقد وصف
بأنه (يغترف من بحر جوده فقير العرب والغني).
[2] بعد وفاة الشيخ الطوسي، ضمرت الحركة العلمية في النجف، انتقلت الحركة
العلمية الامامية اليها، (في اواخر القرن الخامس انشأ الامير العربي سيف
الدولة منصور بن صدقة بن دبيس الاسدي الحلة). وبعد تمصيرها يقليل انتقلت
الحضارة العراقية اليها، وتقدمت تقدماً باهراً حتى على الزوراء (بغداد)،
ولاسيما بعد مزعجات التتار عليها، التي سلمت الحلة منها، ثم اتسعت معارفها
وتكاثر فيها العلماء حسب اتساعها وحضارتها).
وهنا صور للحله و لن اعلق على شيء واترك لكم التعليق أخوكم ابو هجران