السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله
أولا :
الإسراف
مذموم في الأكل وغيره . قال تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا
تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/31 ، وقال تعالى :
(وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأنعام/141 ،
وقال سبحانه : (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا
تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا) الإسراء/29 ،
وقال : (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ
وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ
الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) الإسراء/26 ، 27 .
والفرق بين
الإسراف والتبذير : "أن السرف صرف الشيء فيما ينبغي زائدا على ما ينبغي .
والتبذير صرفه فيما لا ينبغي" قاله المناوي في "فيض القدير" (1/50) .
ثانيا :
الإسراف هو
مجاوزة الحد ، ويكون ذلك بالأكل فوق الشبع ، وهذا لا يتحدد بوجبة أو وجبتين
أو ثلاثة ، فقد يأكل الإنسان وجبة واحدة في اليوم ويسرف فيها . وقد يأكل
ثلاث وجبات بغير إسراف .
وحديث
المقداد فيه الحث على التقليل من الطعام والاكتفاء بما يقيم الصلب ، وليس
فيه تعرض لعدد الوجبات ، فقد يأكل هذه اللقيمات ثلاث مرات في فطوره وغدائه
وعشائه ، ويكون مقتصدا مقلا ، فإن أراد أن يتجاوز اللقيمات - في وجبته -
فليجعل ثلثا لطعامه ، وثلثا لشرابه ، وثلثا لنفَسه ، فإن احتاج إلى وجبة
أخرى - كما هو غالب حال الناس - فلا حرج في ذلك ، ويراعي فيها ما سبق أيضا ،
وهكذا لو احتاج إلى ثلاث وجبات أو أربع ، وعدد الوجبات يختلف باختلاف
الشخص ، ونوع الطعام ، وطبيعة المجهود الذي يبذله .
والمقصود هو
حفظ البدن ، وعدم الإضرار به ، سواء بالشبع أو بالجوع .
والمقصود
أيضا : التقوي على الطاعة ، وهذا يحصل بالأكل المعتدل ، لا بالتخمة
المُثقلة ، ولا بالجوع المنهك .
قال القرطبي
رحمه الله في تفسير آية آل عمران : "قوله تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا
وَلا تُسْرِفُوا) قال ابن عباس : أحل الله في هذه الآية الأكل والشرب ما لم
يكن سرفا أو مخيلة . فأما ما تدعو الحاجة إليه ، وهو ما سد الجوعة وسكن
الظمأ ، فمندوب إليه عقلا وشرعا ، لما فيه من حفظ النفس وحراسة الحواس ،
ولذلك ورد الشرع بالنهي عن الوصال ، لأنه يضعف الجسد ويميت النفس ، ويضعف
عن العبادة ، وذلك يمنع منه الشرع وتدفعه العقل . وليس لمن منع نفسه قدر
الحاجة حظ من بر ولا نصيب من زهد ، لأن ما حرمها من فعل الطاعة بالعجز
والضعف أكثر ثوابا وأعظم أجرا.
وقد اختلف
في الزائد على قدر الحاجة على قولين : فقيل حرام ، وقيل مكروه . قال ابن
العربي : وهو الصحيح ، فإنّ قدر الشبع يختلف باختلاف البلدان والأزمان
والأسنان والطعمان. ثم قيل : في قلة الأكل منافع كثيرة ، منها أن يكون
الرجل أصح جسما وأجود حفظا وأزكى فهما وأقل نوما وأخف نفسا. وفي كثرة الأكل
كظ المعدة ونتن التخمة ، ويتولد منه الأمراض المختلفة ، فيحتاج من العلاج
أكثر مما يحتاج إليه القليل الأكل. وقال بعض الحكماء : أكبر الدواء تقدير
الغذاء " انتهى من "تفسير القرطبي" (7/ 191).
وفي
الموسوعة الفقهية (25/ 332) : "من آداب الأكل : الاعتدال في الطعام ، وعدم
ملء البطن ، وأكثر ما يسوغ في ذلك أن يجعل المسلم بطنه أثلاثا : ثلثا
للطعام وثلثا للشراب وثلثا للنفس ؛ لحديث : (ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن ،
بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه ، فإن كان لا محالة ، فثلث لطعامه ، وثلث
لشرابه ، وثلث لنفسه) . ولاعتدال الجسد وخفته ؛ لأنه يترتب على الشبع ثقل
البدن ، وهو يورث الكسل عن العبادة والعمل . ويُعرف الثلث بالاقتصار على
ثلث ما كان يشبع به . وقيل : يعرف بالاقتصار على نصف المد ، واستظهر
النفراوي الأول لاختلاف الناس . وهذا كله في حق من لا يضعفه قلة الشبع ،
وإلا فالأفضل في حقه استعمال ما يحصل له به النشاط للعبادة ، واعتدال البدن
.
وفي الفتاوى الهندية : الأكل على مراتب :
فرض : وهو
ما يندفع به الهلاك ، فإن ترك الأكل والشرب حتى هلك فقد عصى .
ومأجور عليه ، وهو ما زاد عليه ليتمكن من الصلاة قائما ، ويسهل عليه الصوم .
ومباح ، وهو ما زاد على ذلك إلى الشبع لتزداد قوة البدن ولا أجر فيه ولا
وزر ويحاسب عليه حسابا يسيرا إن كان من حل .
وحرام ، وهو الأكل فوق الشبع إلا إذا قصد به التقوي على صوم الغد ، أو لئلا
يستحي الضيف فلا بأس بأكله فوق الشبع .
وقال ابن الحاج : الأكل في نفسه على مراتب : واجب ، ومندوب ، ومباح ،
ومكروه . ومحرم . فالواجب : ما يقيم به صلبه لأداء فرض ربه ؛ لأن ما لا
يتوصل إلى الواجب إلا به فهو واجب .
والمندوب : ما يعينه على تحصيل النوافل وعلى تعلم العلم وغير ذلك من
الطاعات .
والمباح : الشبع الشرعي . والمكروه : ما زاد على الشبع قليلا ولم يتضرر به ،
والمحرم : البطنة . وهو الأكل الكثير المضر للبدن .
وقال النووي : يكره أن يأكل من الطعام الحلال فوق شبعه .
وقال الحنابلة : يجوز أكله كثيرا بحيث لا يؤذيه ، وفي الغنية : يكره مع خوف
تخمة . ونُقل عن ابن تيمية كراهة الأكل المؤدي إلى التخمة كما نقل عنه
تحريمه " انتهى .
ثالثا :
تبين مما
سبق أنه لا حرج في تناول أكثر من وجبة طعام في اليوم ، وأن ذلك بمجرده لا
يعد إسرافا ، بل الإسراف أن يأكل فوق الشبع ولو في وجبة واحدة .
ومما يدل
على جواز الوصول إلى حد الشبع ، وأن المكروه أو المحرم ما جاوزه : ما روى
البخاري (5381) ومسلم (2040) عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قال : قَالَ أَبُو طَلْحَةَ لِأُمِّ سُلَيْمٍ : لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَعِيفًا أَعْرِفُ
فِيهِ الْجُوعَ فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ؟ وفيه قصة تكثير الطعام بدعاء
النبي صلى الله عليه وسلم وقوله : (ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ
فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ، ثُمَّ خَرَجُوا ، ثُمَّ قَالَ : ائْذَنْ
لِعَشَرَةٍ ، فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ، ثُمَّ خَرَجُوا
، ثُمَّ قَالَ : ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ ، فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى
شَبِعُوا ، ثُمَّ خَرَجُوا ، ثُمَّ أَذِنَ لِعَشَرَةٍ فَأَكَلَ الْقَوْمُ
كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا ، وَالْقَوْمُ ثَمَانُونَ رَجُلًا) .
وقد بوب
عليه البخاري في صحيحه : باب من أكل حتى شبع .
وأورد فيه
أيضا قول عَائِشَةَ رضى الله عنها : (تُوُفِّىَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ شَبِعْنَا مِنَ الأَسْوَدَيْنِ : التَّمْرِ
وَالْمَاءِ) .
قال الحافظ
ابن حجر رحمه الله : " قَالَ اِبْن بَطَّالٍ : فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث
جَوَاز الشِّبَع وَأَنَّ تَرْكه أَحْيَانَا أَفْضَل ... قَالَ الطَّبَرِيُّ
: غَيْر أَنَّ الشِّبَع وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فَإِنَّ لَهُ حَدًّا
يَنْتَهِي إِلَيْهِ , وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ سَرَف ;
وَالْمُطْلَق مِنْهُ مَا أَعَانَ الْآكِل عَلَى طَاعَة رَبّه وَلَمْ
يَشْغَلهُ ثِقَله عَنْ أَدَاء مَا وَجَبَ عَلَيْهِ ا هـ ... قَالَ
الْقُرْطُبِيّ فِي الْمُفْهِم لِمَا ذَكَرَ قِصَّة أَبِي الْهَيْثَم إِذْ
ذَبَحَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِصَاحِبَيْهِ
الشَّاة فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا : وَفِيهِ دَلِيل عَلَى جَوَاز
الشِّبَع , وَمَا جَاءَ مِنْ النَّهْي عَنْهُ مَحْمُول عَلَى الشِّبَع
الَّذِي يُثْقِل الْمَعِدَة وَيُثَبِّط صَاحِبه عَنْ الْقِيَام
لِلْعِبَادَةِ وَيُفْضِي إِلَى الْبَطَر وَالْأَشَرّ وَالنَّوْم وَالْكَسَل
, وَقَدْ تَنْتَهِي كَرَاهَته إِلَى التَّحْرِيم بِحَسَبِ مَا يَتَرَتَّب
عَلَيْهِ مِنْ الْمَفْسَدَة " انتهى من "فتح الباري".
الإسلام سؤال وجواب
الحمد لله
أولا :
الإسراف
مذموم في الأكل وغيره . قال تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا
تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/31 ، وقال تعالى :
(وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأنعام/141 ،
وقال سبحانه : (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا
تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا) الإسراء/29 ،
وقال : (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ
وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ
الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) الإسراء/26 ، 27 .
والفرق بين
الإسراف والتبذير : "أن السرف صرف الشيء فيما ينبغي زائدا على ما ينبغي .
والتبذير صرفه فيما لا ينبغي" قاله المناوي في "فيض القدير" (1/50) .
ثانيا :
الإسراف هو
مجاوزة الحد ، ويكون ذلك بالأكل فوق الشبع ، وهذا لا يتحدد بوجبة أو وجبتين
أو ثلاثة ، فقد يأكل الإنسان وجبة واحدة في اليوم ويسرف فيها . وقد يأكل
ثلاث وجبات بغير إسراف .
وحديث
المقداد فيه الحث على التقليل من الطعام والاكتفاء بما يقيم الصلب ، وليس
فيه تعرض لعدد الوجبات ، فقد يأكل هذه اللقيمات ثلاث مرات في فطوره وغدائه
وعشائه ، ويكون مقتصدا مقلا ، فإن أراد أن يتجاوز اللقيمات - في وجبته -
فليجعل ثلثا لطعامه ، وثلثا لشرابه ، وثلثا لنفَسه ، فإن احتاج إلى وجبة
أخرى - كما هو غالب حال الناس - فلا حرج في ذلك ، ويراعي فيها ما سبق أيضا ،
وهكذا لو احتاج إلى ثلاث وجبات أو أربع ، وعدد الوجبات يختلف باختلاف
الشخص ، ونوع الطعام ، وطبيعة المجهود الذي يبذله .
والمقصود هو
حفظ البدن ، وعدم الإضرار به ، سواء بالشبع أو بالجوع .
والمقصود
أيضا : التقوي على الطاعة ، وهذا يحصل بالأكل المعتدل ، لا بالتخمة
المُثقلة ، ولا بالجوع المنهك .
قال القرطبي
رحمه الله في تفسير آية آل عمران : "قوله تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا
وَلا تُسْرِفُوا) قال ابن عباس : أحل الله في هذه الآية الأكل والشرب ما لم
يكن سرفا أو مخيلة . فأما ما تدعو الحاجة إليه ، وهو ما سد الجوعة وسكن
الظمأ ، فمندوب إليه عقلا وشرعا ، لما فيه من حفظ النفس وحراسة الحواس ،
ولذلك ورد الشرع بالنهي عن الوصال ، لأنه يضعف الجسد ويميت النفس ، ويضعف
عن العبادة ، وذلك يمنع منه الشرع وتدفعه العقل . وليس لمن منع نفسه قدر
الحاجة حظ من بر ولا نصيب من زهد ، لأن ما حرمها من فعل الطاعة بالعجز
والضعف أكثر ثوابا وأعظم أجرا.
وقد اختلف
في الزائد على قدر الحاجة على قولين : فقيل حرام ، وقيل مكروه . قال ابن
العربي : وهو الصحيح ، فإنّ قدر الشبع يختلف باختلاف البلدان والأزمان
والأسنان والطعمان. ثم قيل : في قلة الأكل منافع كثيرة ، منها أن يكون
الرجل أصح جسما وأجود حفظا وأزكى فهما وأقل نوما وأخف نفسا. وفي كثرة الأكل
كظ المعدة ونتن التخمة ، ويتولد منه الأمراض المختلفة ، فيحتاج من العلاج
أكثر مما يحتاج إليه القليل الأكل. وقال بعض الحكماء : أكبر الدواء تقدير
الغذاء " انتهى من "تفسير القرطبي" (7/ 191).
وفي
الموسوعة الفقهية (25/ 332) : "من آداب الأكل : الاعتدال في الطعام ، وعدم
ملء البطن ، وأكثر ما يسوغ في ذلك أن يجعل المسلم بطنه أثلاثا : ثلثا
للطعام وثلثا للشراب وثلثا للنفس ؛ لحديث : (ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن ،
بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه ، فإن كان لا محالة ، فثلث لطعامه ، وثلث
لشرابه ، وثلث لنفسه) . ولاعتدال الجسد وخفته ؛ لأنه يترتب على الشبع ثقل
البدن ، وهو يورث الكسل عن العبادة والعمل . ويُعرف الثلث بالاقتصار على
ثلث ما كان يشبع به . وقيل : يعرف بالاقتصار على نصف المد ، واستظهر
النفراوي الأول لاختلاف الناس . وهذا كله في حق من لا يضعفه قلة الشبع ،
وإلا فالأفضل في حقه استعمال ما يحصل له به النشاط للعبادة ، واعتدال البدن
.
وفي الفتاوى الهندية : الأكل على مراتب :
فرض : وهو
ما يندفع به الهلاك ، فإن ترك الأكل والشرب حتى هلك فقد عصى .
ومأجور عليه ، وهو ما زاد عليه ليتمكن من الصلاة قائما ، ويسهل عليه الصوم .
ومباح ، وهو ما زاد على ذلك إلى الشبع لتزداد قوة البدن ولا أجر فيه ولا
وزر ويحاسب عليه حسابا يسيرا إن كان من حل .
وحرام ، وهو الأكل فوق الشبع إلا إذا قصد به التقوي على صوم الغد ، أو لئلا
يستحي الضيف فلا بأس بأكله فوق الشبع .
وقال ابن الحاج : الأكل في نفسه على مراتب : واجب ، ومندوب ، ومباح ،
ومكروه . ومحرم . فالواجب : ما يقيم به صلبه لأداء فرض ربه ؛ لأن ما لا
يتوصل إلى الواجب إلا به فهو واجب .
والمندوب : ما يعينه على تحصيل النوافل وعلى تعلم العلم وغير ذلك من
الطاعات .
والمباح : الشبع الشرعي . والمكروه : ما زاد على الشبع قليلا ولم يتضرر به ،
والمحرم : البطنة . وهو الأكل الكثير المضر للبدن .
وقال النووي : يكره أن يأكل من الطعام الحلال فوق شبعه .
وقال الحنابلة : يجوز أكله كثيرا بحيث لا يؤذيه ، وفي الغنية : يكره مع خوف
تخمة . ونُقل عن ابن تيمية كراهة الأكل المؤدي إلى التخمة كما نقل عنه
تحريمه " انتهى .
ثالثا :
تبين مما
سبق أنه لا حرج في تناول أكثر من وجبة طعام في اليوم ، وأن ذلك بمجرده لا
يعد إسرافا ، بل الإسراف أن يأكل فوق الشبع ولو في وجبة واحدة .
ومما يدل
على جواز الوصول إلى حد الشبع ، وأن المكروه أو المحرم ما جاوزه : ما روى
البخاري (5381) ومسلم (2040) عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قال : قَالَ أَبُو طَلْحَةَ لِأُمِّ سُلَيْمٍ : لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَعِيفًا أَعْرِفُ
فِيهِ الْجُوعَ فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ؟ وفيه قصة تكثير الطعام بدعاء
النبي صلى الله عليه وسلم وقوله : (ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ
فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ، ثُمَّ خَرَجُوا ، ثُمَّ قَالَ : ائْذَنْ
لِعَشَرَةٍ ، فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ، ثُمَّ خَرَجُوا
، ثُمَّ قَالَ : ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ ، فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى
شَبِعُوا ، ثُمَّ خَرَجُوا ، ثُمَّ أَذِنَ لِعَشَرَةٍ فَأَكَلَ الْقَوْمُ
كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا ، وَالْقَوْمُ ثَمَانُونَ رَجُلًا) .
وقد بوب
عليه البخاري في صحيحه : باب من أكل حتى شبع .
وأورد فيه
أيضا قول عَائِشَةَ رضى الله عنها : (تُوُفِّىَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ شَبِعْنَا مِنَ الأَسْوَدَيْنِ : التَّمْرِ
وَالْمَاءِ) .
قال الحافظ
ابن حجر رحمه الله : " قَالَ اِبْن بَطَّالٍ : فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث
جَوَاز الشِّبَع وَأَنَّ تَرْكه أَحْيَانَا أَفْضَل ... قَالَ الطَّبَرِيُّ
: غَيْر أَنَّ الشِّبَع وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فَإِنَّ لَهُ حَدًّا
يَنْتَهِي إِلَيْهِ , وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ سَرَف ;
وَالْمُطْلَق مِنْهُ مَا أَعَانَ الْآكِل عَلَى طَاعَة رَبّه وَلَمْ
يَشْغَلهُ ثِقَله عَنْ أَدَاء مَا وَجَبَ عَلَيْهِ ا هـ ... قَالَ
الْقُرْطُبِيّ فِي الْمُفْهِم لِمَا ذَكَرَ قِصَّة أَبِي الْهَيْثَم إِذْ
ذَبَحَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِصَاحِبَيْهِ
الشَّاة فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا : وَفِيهِ دَلِيل عَلَى جَوَاز
الشِّبَع , وَمَا جَاءَ مِنْ النَّهْي عَنْهُ مَحْمُول عَلَى الشِّبَع
الَّذِي يُثْقِل الْمَعِدَة وَيُثَبِّط صَاحِبه عَنْ الْقِيَام
لِلْعِبَادَةِ وَيُفْضِي إِلَى الْبَطَر وَالْأَشَرّ وَالنَّوْم وَالْكَسَل
, وَقَدْ تَنْتَهِي كَرَاهَته إِلَى التَّحْرِيم بِحَسَبِ مَا يَتَرَتَّب
عَلَيْهِ مِنْ الْمَفْسَدَة " انتهى من "فتح الباري".
الإسلام سؤال وجواب