الأخلاق الاصطناعية وصدمات الضمير
هناك ذكاء اصطناعي وغباء اصطناعي، مثلما هناك أخلاق طبيعية وأخلاق اصطناعية. وكما يحتاج القلب عندما يتوقف بسبب كوليسترول الشرايين إلى صدمات كهربائية، يحتاج الضمير عندما يتوقف بسبب كوليسترول النفس إلى صدمات افتراضية!
في مطلع العام الحالي (2012) أطلقت رئاسة الوزراء البريطانية موقعها الإلكتروني الجديد في حضور لفيف من الصحفيين. وفي كلمة قصيرة اعترف "ديفيد كاميرون" بأنه صار يتردد في تسجيل وإرسال أي من أفكاره وقراراته إلكترونيًا خوفًا من تسربها ومحاسبته على كل كلمة يكتبها. فهو يقر بأنه كثيرًا ما يقول ويكتب كلامًا لا يعنيه، فيفلت منه ما كان يجب أن يخفيه. ورغم أن "لسانك حصانك" كما يقول المثل، فإن الكلام المنطوق يظل أقل خطرًا وأسهل أثرًا، مما توثقه الكلمات وتسجله الكاميرات.
الأخلاق الاصطناعية هي نوع جديد من الذكاء يفتعله الإنسان، ليس لأنه أخلاقي بسجيته وتنشئته، بل لأنه مجبر على التخلق بما ليس فيه، خوفًا من الانتقال الفيروسي للأصوات والكلمات عبر العالم الافتراضي. لا يحدث هذا فقط خوفًا من تسريبات "ويكيليكس" بل ورعبًا من تسريبات الذاكرة والضمير، لأن "حبل الكذب قصير." أما الذكاء الأخلاقي فهو القدرة على التفريق بين الصحيح والخطأ، والتصرف انطلاقًا من القيمة التي تعتقد أنت بصحتها. وهناك سبع لبنات ضرورية لبناء ذكاء أخلاقي راسخ هي: التفهم والضمير والإرادة والاحترام واللطف والتسامح والعدل. وهذا ما عنيته عندما قلت ردًا على سؤال عن أعلى قيمة على الإطلاق بأن "أهم قيمة في الحياة هي أن يتمتع الإنسان بوعي أخلاقي راسخ."
في عالم الأخلاق الاصطناعية لم يعد "الغباء الأخلاقي" مقبولاً. فأنت مجبر كإنسان معاصر على قول الحقيقة وإلا فإن الانتشار الفيروسي للمعلومات سيكشفك قبل أن تخلد إلى النوم في سريرك، وقبل أن يصحو ضميرك. فعلى مدى الأسبوعين الماضيين تبادلت عدة رسائل مع أحد خبراء إدارة الجماهير وتجارة الضمير. والحكاية هي أن أخانا – وهو أحد المنافحين عن الأخلاق والداعين إلى مجتمع إبداعي استنادًا إلى القيم – سمح لنفسه بأن يقتطع عشرات الصفحات من بعض كتبنا وخلاصاتنا، ويلصقها في بعض كتبه. وباستخدام الذكاء الافتراضي وسرعة انتقال المعلومات ومحركات البحث، استطعنا حصر كل المسروقات كلمة.. كلمة. ومما زاد في ورطته أنه قال الشيء ونقيضه ثلاث مرات خلال عشرة أيام، وكأنه يكذب على نفسه. فقد انكشف واعترف بما اقترف، وبعدما توسل، حاول أن يتنصل، وبدأ بالهجوم ثم أصابه الوجوم. لكن الذكاء الرقمي كشفه ووضعه في مواجهة نفسه.
في برنامج "التحول القيادي" أركز على أن نقطة التحول الجوهري هي الانطلاق من المركز لبناء شخصية قيادية قوية ومؤثرة. والمركز هنا هو معادل افتراضي للضمير. في هذه النقطة نطلب من المشارك أن ينظر صباح كل يوم في المرآة ويسأل الشخص الذي يراه: "هل أنت محترم؟" كل من يستطيع طرح هذا السؤال على نفسه في الصباح، لن يخاف أن تكشفه نظم الأخلاق الاصطناعية الذكية في المساء.
نسيم الصمادي
هناك ذكاء اصطناعي وغباء اصطناعي، مثلما هناك أخلاق طبيعية وأخلاق اصطناعية. وكما يحتاج القلب عندما يتوقف بسبب كوليسترول الشرايين إلى صدمات كهربائية، يحتاج الضمير عندما يتوقف بسبب كوليسترول النفس إلى صدمات افتراضية!
في مطلع العام الحالي (2012) أطلقت رئاسة الوزراء البريطانية موقعها الإلكتروني الجديد في حضور لفيف من الصحفيين. وفي كلمة قصيرة اعترف "ديفيد كاميرون" بأنه صار يتردد في تسجيل وإرسال أي من أفكاره وقراراته إلكترونيًا خوفًا من تسربها ومحاسبته على كل كلمة يكتبها. فهو يقر بأنه كثيرًا ما يقول ويكتب كلامًا لا يعنيه، فيفلت منه ما كان يجب أن يخفيه. ورغم أن "لسانك حصانك" كما يقول المثل، فإن الكلام المنطوق يظل أقل خطرًا وأسهل أثرًا، مما توثقه الكلمات وتسجله الكاميرات.
الأخلاق الاصطناعية هي نوع جديد من الذكاء يفتعله الإنسان، ليس لأنه أخلاقي بسجيته وتنشئته، بل لأنه مجبر على التخلق بما ليس فيه، خوفًا من الانتقال الفيروسي للأصوات والكلمات عبر العالم الافتراضي. لا يحدث هذا فقط خوفًا من تسريبات "ويكيليكس" بل ورعبًا من تسريبات الذاكرة والضمير، لأن "حبل الكذب قصير." أما الذكاء الأخلاقي فهو القدرة على التفريق بين الصحيح والخطأ، والتصرف انطلاقًا من القيمة التي تعتقد أنت بصحتها. وهناك سبع لبنات ضرورية لبناء ذكاء أخلاقي راسخ هي: التفهم والضمير والإرادة والاحترام واللطف والتسامح والعدل. وهذا ما عنيته عندما قلت ردًا على سؤال عن أعلى قيمة على الإطلاق بأن "أهم قيمة في الحياة هي أن يتمتع الإنسان بوعي أخلاقي راسخ."
في عالم الأخلاق الاصطناعية لم يعد "الغباء الأخلاقي" مقبولاً. فأنت مجبر كإنسان معاصر على قول الحقيقة وإلا فإن الانتشار الفيروسي للمعلومات سيكشفك قبل أن تخلد إلى النوم في سريرك، وقبل أن يصحو ضميرك. فعلى مدى الأسبوعين الماضيين تبادلت عدة رسائل مع أحد خبراء إدارة الجماهير وتجارة الضمير. والحكاية هي أن أخانا – وهو أحد المنافحين عن الأخلاق والداعين إلى مجتمع إبداعي استنادًا إلى القيم – سمح لنفسه بأن يقتطع عشرات الصفحات من بعض كتبنا وخلاصاتنا، ويلصقها في بعض كتبه. وباستخدام الذكاء الافتراضي وسرعة انتقال المعلومات ومحركات البحث، استطعنا حصر كل المسروقات كلمة.. كلمة. ومما زاد في ورطته أنه قال الشيء ونقيضه ثلاث مرات خلال عشرة أيام، وكأنه يكذب على نفسه. فقد انكشف واعترف بما اقترف، وبعدما توسل، حاول أن يتنصل، وبدأ بالهجوم ثم أصابه الوجوم. لكن الذكاء الرقمي كشفه ووضعه في مواجهة نفسه.
في برنامج "التحول القيادي" أركز على أن نقطة التحول الجوهري هي الانطلاق من المركز لبناء شخصية قيادية قوية ومؤثرة. والمركز هنا هو معادل افتراضي للضمير. في هذه النقطة نطلب من المشارك أن ينظر صباح كل يوم في المرآة ويسأل الشخص الذي يراه: "هل أنت محترم؟" كل من يستطيع طرح هذا السؤال على نفسه في الصباح، لن يخاف أن تكشفه نظم الأخلاق الاصطناعية الذكية في المساء.
نسيم الصمادي