الأمن في القرآن
إن نعم الله على عباده كثيرة لا تحصى، ويمتن الله على خلقه بما شاء منها، ولا ريب أن ذكر النعمة المعينة في معرض الامتان لدليل على مكانة تلك النعمة، ولما لها من أهمية في حياة البشرية.
وقد أمتن الله على عباده بنعمة الأمن وذكرهم بذلك في العديد من آي القرآن العظيم في أكثر من موطن، نذكر شيئاً من ذلك على سبيل التمثيل.
لقد امتن الله على عباده بنعمة الأمن في غزوة أحد حيث ذكرهم بتلك النعمة في ذلك الموطن الصعب الذي احتاجوا فيه للراحة والطمأنينة.
قال تعالى: {ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاساً يغشى طائفة منكم...} [آل عمران: 153].
قال العلامة ابن كثير الشافعي- رخمه الله-: «يقول تعالى ممتناً على عباده فيما أنزل عليهم من السكينة والأمنة، وهو النعاس الذي غشيهم، وهم مُسْتَلئمون السلاح في حال همهم وغمهم، والنعاس في مثل تلك الحال دليل على الأمان».
وقال عبدالرحمن بن سعدي –رحمه الله-: «ثمّ أنزل عليكم من بعد الغم» الذي أصابكم «أمنة نعاساً يعشى طائفة منكم»، ولا شك أن هذه رحمة بهم وإحسان وتثبيت لقلوبهم وزيادة طمأنينة؛ لأنّ الخائف لا يأتيه النعاس، لما في قلبه من الخوف، فإذا زال الخوف عن القلب أمكن أن يأتيه النعاس، وهذه الطائفة التي أنعم الله عليها بالنعاس، هم المؤمنون الذين ليس لهم إلا إقامة دين الله، ورضا الله ورسوله، ومصلحة إخوانهم المسلمين».
وقال -تعالى-: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون}[الأنعام:82].
أي: الذين آمنوا بالله –تعالى- ولم يخلطوا إيمانهم بالشرك، فأولئك لهم الأمن من الخوف والعذاب، والمشقة، والشقاء، والهداية إلى الصراط المستقيم، فإن لم يخلطوا إيمانهم بشرك وظلم لا بشركٍ ولا بمعاصٍ، حصل لهم الأمن العام والهداية التامة وإن كانوا لم يخلطوا إيمانهم بالشرك وحده، ولكنّهم يعملون السيئات، حصل لهم أصل الهداية، وأصل الأمن، وإن لم يحصل لهم كمالها، فهذا منطوق الآية، ومفهومها: أن الذين لم يحصل لهم الأمران لم يحصل لهم هداية ولا أمن، بل حظهم الضلال والشقاء.
ولقد ذكَّر الله الأمم بما مَنَّ من نعمة على أهل الحجر وهم قوم صالح، فمع ما أنعم الله به عليهم من نعمة المسكن والأمن ومع ذلك كذبوا المرسلين.
قال -تعالى-: {ولقد كذّب أصحاب الحجر المرسلين وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين وكانوا ينحتون من الجبال بيوتاً آمنين} [الحجر:80-82].
فمعنى الآيات «وكانوا» من كثرة إنعام الله عليهم، «ينحتون من الجبال بيوتاً» من المخاوف مطمئنين في ديارهم، فلو شكروا النعمة وصدَّقوا نبيهم صالحاً
-عليه السلام-، لأدرَّ الله عليهم الأرزاق، ولأكرمهم بأنواع من الثواب العاجل والآجل . .».
وفي قصة موسى -عليه السلام- يبيّن الله كيف مَنَّ على موسى بالأمن وأذهب عنه الخوف لما أمره بأن يلقي عصاه، ليعلم أنها آية؛ وليستعد لتحدي سحرة فرعون.
فقال -تعالى- مخاطباً موسى {وأن ألْقِ عصاك فلمّا رآها تهتزُّ كأنّها جانٌّ ولّى مدبراً ولم يُعقّب يا موسى أقبل ولا تخف إنّك من الآمنين} [القصص:31].
فقد أمره الله –تعالى- بأن يُقْبِل ولا يكون خائفاً فقال له: «ولا تخف»، ولكن قد يُقبل وهو غير خائف، أي: يقبل مع احتمال عدم حصول الوقاية والأمن له، فبشره -سبحانه- بذلك فقال له: «إنك من الآمنين»، حينها ذهب الخوف والمحذور، وأقبل وقد ازداد إيمانه.
وامتنّ الله -تعالى- على قوم سبأ أو مملكة سبأ وأهلها بعديد من النعم منها: أمن الطريق بين القُرى والأماكن، مع وضوح الطريق برؤية القرى.
قال -تعالى-: {وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قُرىً ظاهرةً وقدّرنا فيها السّير سيروا فيها ليالي وأياماً آمنين} [سبأ:18].
قال العلامة ابن كثير الدمشقي الشافعي -رحمه الله- في شرح هذه الآية: «يذكر –تعالى- ما كانوا فيه من الغِبْطة والنعمة، والعيش الهني والرغيد، والبلاد الرخية، والأماكن الآمنة والقرى المتواصلة المتقاربة بعضها من بعض . . .».
فمعنى قوله –تعالى- {قرى ظاهرة} أي: بينة واضحة، يعرفها المسافرون، يقيلون في واحدة ويبيتون في أخرى.
وقوله -تعالى-: {سيروا فيها ليالي وأيّاماً آمنين}؛ أي: الأمن حاصل لهم في سيرهم ليلاً ونهاراً.
فتأمل نعمة الأمن، كيف يمتنّ الله بها على الخلق منذ القدم، حيث تسافر أنت وأهلك آمناً مطمئناً، بخلاف إذا ما ذهب الأمن، وتجمع مجموعة ممن يدعون الدعوة ونصر الدين في أماكن يرصدون فيها عامة الناس فيقتلونهم في الطرق، والحافلات لا يميزون الطفل من البالغ، ولا الذكر من الأنثى؛ لأجل تحقيق مطالبهم، فما ذنب الأبرياء؟!
ولقد مَنَّ الله –تعالى- على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- بنعمة دخول المسجد الحرام وهو آمن مع أصحابه ، فتأمل هذه الآية {لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين . . .} [الفتح:27].
قوله: «آمنين» أي: آمنين في حال دخولكم.
فالله –سبحانه- لم يبشر نبيه بدخول المسجد الحرام وبفتح مكة فقط، مع أن هذه نعمة كبيرة لكن أضاف لهم بشرى أخرى مهمة، وهي نعمة الأمن، أي: تدخلون حال كونكم آمنين.
فإلى من يزعزعون الأمن في بلاد الحرمين ألم تطرق أسماعكم هذه الآية يوماً، فإن الحرمين وما يحيط بهما من أكثر الأماكن أمناً، هكذا ينبغي أن يكون الحال؛ لكي يقصد الناس مكة والمدينة بأمن وأمان، ويؤدون ركناً من أركان الدين وهو الحج بأمان، ويصلون في المسجد الحرام والمسجد النبوي بأمن وأمان، فالويل لمن يحرم الناس من هذه النعم، وينبغي الإلحاد في الحرم بالفساد، والقتل، والتفجير، والاغتيال.
المصدر :
موقع هدي الاسلام
إن نعم الله على عباده كثيرة لا تحصى، ويمتن الله على خلقه بما شاء منها، ولا ريب أن ذكر النعمة المعينة في معرض الامتان لدليل على مكانة تلك النعمة، ولما لها من أهمية في حياة البشرية.
وقد أمتن الله على عباده بنعمة الأمن وذكرهم بذلك في العديد من آي القرآن العظيم في أكثر من موطن، نذكر شيئاً من ذلك على سبيل التمثيل.
لقد امتن الله على عباده بنعمة الأمن في غزوة أحد حيث ذكرهم بتلك النعمة في ذلك الموطن الصعب الذي احتاجوا فيه للراحة والطمأنينة.
قال تعالى: {ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاساً يغشى طائفة منكم...} [آل عمران: 153].
قال العلامة ابن كثير الشافعي- رخمه الله-: «يقول تعالى ممتناً على عباده فيما أنزل عليهم من السكينة والأمنة، وهو النعاس الذي غشيهم، وهم مُسْتَلئمون السلاح في حال همهم وغمهم، والنعاس في مثل تلك الحال دليل على الأمان».
وقال عبدالرحمن بن سعدي –رحمه الله-: «ثمّ أنزل عليكم من بعد الغم» الذي أصابكم «أمنة نعاساً يعشى طائفة منكم»، ولا شك أن هذه رحمة بهم وإحسان وتثبيت لقلوبهم وزيادة طمأنينة؛ لأنّ الخائف لا يأتيه النعاس، لما في قلبه من الخوف، فإذا زال الخوف عن القلب أمكن أن يأتيه النعاس، وهذه الطائفة التي أنعم الله عليها بالنعاس، هم المؤمنون الذين ليس لهم إلا إقامة دين الله، ورضا الله ورسوله، ومصلحة إخوانهم المسلمين».
وقال -تعالى-: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون}[الأنعام:82].
أي: الذين آمنوا بالله –تعالى- ولم يخلطوا إيمانهم بالشرك، فأولئك لهم الأمن من الخوف والعذاب، والمشقة، والشقاء، والهداية إلى الصراط المستقيم، فإن لم يخلطوا إيمانهم بشرك وظلم لا بشركٍ ولا بمعاصٍ، حصل لهم الأمن العام والهداية التامة وإن كانوا لم يخلطوا إيمانهم بالشرك وحده، ولكنّهم يعملون السيئات، حصل لهم أصل الهداية، وأصل الأمن، وإن لم يحصل لهم كمالها، فهذا منطوق الآية، ومفهومها: أن الذين لم يحصل لهم الأمران لم يحصل لهم هداية ولا أمن، بل حظهم الضلال والشقاء.
ولقد ذكَّر الله الأمم بما مَنَّ من نعمة على أهل الحجر وهم قوم صالح، فمع ما أنعم الله به عليهم من نعمة المسكن والأمن ومع ذلك كذبوا المرسلين.
قال -تعالى-: {ولقد كذّب أصحاب الحجر المرسلين وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين وكانوا ينحتون من الجبال بيوتاً آمنين} [الحجر:80-82].
فمعنى الآيات «وكانوا» من كثرة إنعام الله عليهم، «ينحتون من الجبال بيوتاً» من المخاوف مطمئنين في ديارهم، فلو شكروا النعمة وصدَّقوا نبيهم صالحاً
-عليه السلام-، لأدرَّ الله عليهم الأرزاق، ولأكرمهم بأنواع من الثواب العاجل والآجل . .».
وفي قصة موسى -عليه السلام- يبيّن الله كيف مَنَّ على موسى بالأمن وأذهب عنه الخوف لما أمره بأن يلقي عصاه، ليعلم أنها آية؛ وليستعد لتحدي سحرة فرعون.
فقال -تعالى- مخاطباً موسى {وأن ألْقِ عصاك فلمّا رآها تهتزُّ كأنّها جانٌّ ولّى مدبراً ولم يُعقّب يا موسى أقبل ولا تخف إنّك من الآمنين} [القصص:31].
فقد أمره الله –تعالى- بأن يُقْبِل ولا يكون خائفاً فقال له: «ولا تخف»، ولكن قد يُقبل وهو غير خائف، أي: يقبل مع احتمال عدم حصول الوقاية والأمن له، فبشره -سبحانه- بذلك فقال له: «إنك من الآمنين»، حينها ذهب الخوف والمحذور، وأقبل وقد ازداد إيمانه.
وامتنّ الله -تعالى- على قوم سبأ أو مملكة سبأ وأهلها بعديد من النعم منها: أمن الطريق بين القُرى والأماكن، مع وضوح الطريق برؤية القرى.
قال -تعالى-: {وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قُرىً ظاهرةً وقدّرنا فيها السّير سيروا فيها ليالي وأياماً آمنين} [سبأ:18].
قال العلامة ابن كثير الدمشقي الشافعي -رحمه الله- في شرح هذه الآية: «يذكر –تعالى- ما كانوا فيه من الغِبْطة والنعمة، والعيش الهني والرغيد، والبلاد الرخية، والأماكن الآمنة والقرى المتواصلة المتقاربة بعضها من بعض . . .».
فمعنى قوله –تعالى- {قرى ظاهرة} أي: بينة واضحة، يعرفها المسافرون، يقيلون في واحدة ويبيتون في أخرى.
وقوله -تعالى-: {سيروا فيها ليالي وأيّاماً آمنين}؛ أي: الأمن حاصل لهم في سيرهم ليلاً ونهاراً.
فتأمل نعمة الأمن، كيف يمتنّ الله بها على الخلق منذ القدم، حيث تسافر أنت وأهلك آمناً مطمئناً، بخلاف إذا ما ذهب الأمن، وتجمع مجموعة ممن يدعون الدعوة ونصر الدين في أماكن يرصدون فيها عامة الناس فيقتلونهم في الطرق، والحافلات لا يميزون الطفل من البالغ، ولا الذكر من الأنثى؛ لأجل تحقيق مطالبهم، فما ذنب الأبرياء؟!
ولقد مَنَّ الله –تعالى- على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- بنعمة دخول المسجد الحرام وهو آمن مع أصحابه ، فتأمل هذه الآية {لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين . . .} [الفتح:27].
قوله: «آمنين» أي: آمنين في حال دخولكم.
فالله –سبحانه- لم يبشر نبيه بدخول المسجد الحرام وبفتح مكة فقط، مع أن هذه نعمة كبيرة لكن أضاف لهم بشرى أخرى مهمة، وهي نعمة الأمن، أي: تدخلون حال كونكم آمنين.
فإلى من يزعزعون الأمن في بلاد الحرمين ألم تطرق أسماعكم هذه الآية يوماً، فإن الحرمين وما يحيط بهما من أكثر الأماكن أمناً، هكذا ينبغي أن يكون الحال؛ لكي يقصد الناس مكة والمدينة بأمن وأمان، ويؤدون ركناً من أركان الدين وهو الحج بأمان، ويصلون في المسجد الحرام والمسجد النبوي بأمن وأمان، فالويل لمن يحرم الناس من هذه النعم، وينبغي الإلحاد في الحرم بالفساد، والقتل، والتفجير، والاغتيال.
المصدر :
موقع هدي الاسلام