العراق عبر العصور
تأليف : طارق فتحي
نوري باشا السعيد
نوري
باشا السعيد، أبرز السياسيين العراقيين أثناء العهد الملكي. ولد نوري بن
سعيد صالح بن الملاّ طه القرغولي في محلة (تبة الكرد) بالقرب من ساحة
الميدان وذلك بحدود سنة 1887 وقتل في سنة 1958 وأما بخصوص نسبه فأغلب الظن
انه من عرق مزيج كردي - شركسي.
تولى منصب رئاسة الوزراء في العراق 14
مرة بدآ من وزارة 23 مارس 1930 إلى وزارة 1 مايو 1958. كان نوري السعيد ولم
يزل شخصية سياسية كثر الجدل والأراء المتضاربة عنه. اضطر إلى الهروب مرتين
من العراق بسبب انقلابات حيكت ضده.
ولد في بغداد وتخرج من الأكاديمية
العسكرية التركية في إسطنبول، خدم في الجيش العثماني وساهم في الثورة
العربية وانضم إلى الأمير فيصل في سوريا، وبعد فشل تأسيس مملكة الأمير فيصل
في سوريا على يد الجيش الفرنسي، عاد إلى العراق وساهم في تأسيس المملكة
العراقية والجيش العراقي.
هو نوري بن سـعيد بن صالح ابن الملا طه،
من عشيرة القرغولي البغدادية : سياسي، عسكري المنشأ، فيه دهاء وعنف. ولد
ببغداد سنة 1888م، من عائلة من الطبقة الوسطى ،حيث كان والده يعمل مدققاً
في إحدى الدوائر في العهد العثماني وتعلم في مدارسها العسكرية.
وتخرج
بالمدرسة الحربية في الاستانة (1906) ودخل مدرسة أركان الحرب فيها (1911)
وحضر حرب البلقان (1912-13 19) وشارك في اعتناق « الفكرة العربية» أيام
ظهورها في العاصمة العثمانية عسكري وسياسي من قادة العراق ومن أساطين
السياسة العراقية والعربية وعرابها إبان الحكم الملكي، وزير ورئيس وزراء
لفترات متعددة ساهم بتأسيس عصبة الأمم وهيئة الأمم المتحدة والجامعة
العربية التي كان يطمح بترأسها .
كانت
له ميول نحو مهادنة بريطانيا على الرغم من حسه الوطني العالي. بدأ حياته
ضابطا في الجيش العثماني وشارك بمعارك القرم شمال البحر الأسود بين الجيش
العثماني والجيش الروسي وبعد خسارة العثمانيين عاد لوحده من القرم إلى
العراق، قاطعا مسافات كبير ما بين سيرا على الأقدام أو على الدواب. انتمى
إلى الجمعيات السرية المنادية باستقلال العراق والعرب عن الدولة العثمانية .
ثم
شارك في الثورة العربية الكبرى مع الشريف حسن بن علي، يشير عبد الوهاب بيك
النعيمي في مراسلات تأسيس العراق بأنه قد اختير لعضوية المجلس التأسيسي
للعراق عام 1920 من قبل الحكومة البريطانية في العراق برئاسة المندوب
السامي السير بيرسي كوكس حيث تشير المراسلات بأنه كتبت المس بيل بعد أول
لقاء لها مع نوري سعيد:
" إننا نقف وجهاً لوجه أمام قوة جبارة ومرنة في
آن واحد، ينبغي علينا نحن البريطانيون إما أن نعمل يداً بيد معها أو نشتبك
وإيّاها في صراع عنيف يصعب إحراز النصر فيه" وفي اعتقاد السفير البريطاني
في بغداد بيترسون بان، نوري باشا ظلّ لغزاً كبيراً، لأنه بات بعد العام
1927 وتحديدا بعد أنتحار رئيس الوزراء عبد المحسن بيك السعدون أصبح نوري
السعيد صعب الإقناع في بلد لم يتعود الإذعان لرجل أو الخضوع لسلطة ونوري
كان يريد بناء العراق رغم كل الدعايات ضده من الحكومات والشعب.
المناصب والوظائف التي شغلها
درس
في المدرسة الاعدادية العسكرية في إسطنبول كان نوري السعيد دبلوماسيا من
الطراز الأول يتحدث الإنجليزية بطلاقة ، كان يبدو في مظهره جاداً وحازماً
بل وقاسياً عند الضرورة ، حاد الطبع ، عصبي المزاج، سريع الغضب ، الصفات
التي لازمته طيلة حياته السياسية ، حتى قيل عنه أنه كثيراً ما كان يشترك في
المشاجرات والمشاحنات .
لكنه إذا ما أراد الوصول إلى غاية ما أو تكريس
سياسة ما، فإنه لا يثور ولا يتأثر، بل يتحمل النقد اللاذع من خصومه ويتعمد
الغموض في أحاديثه ويوحي لمخاطبيه عن قصد بإشارات متناقضة أو تنطوي على
تفسيرات متعددة، وبالفعل، كان نوري مناوراً بصورة فريدة، يعرف كيف يستغل
الظروف والمتغيرات ويكرّسها لخدمة أهدافه. كان ميكافيلياً بالفطرة، يؤمن
بأن الغاية تبرر الوسيلة، فكان يجيد اختيار ساعته ويعرف كيف يقتنص الفرص
الثمينة لتقوية أوراقه الرابحة له مبدأ خاص في الحكم عرف به وهو مبدأ "خذ
وطالب".
تولى نوري السعيد منصب رئاسة الوزراء في العراق 14 مرة :
• 23 مارس 1930 - 19 أكتوبر 1932.
• 20 أكتوبر 1932 - 27 أكتوبر 1932.
• 25 ديسمبر 1938 - 6 أبريل 1939.
• 7 أبريل 1939 - 21 فبراير 1940.
• 22 فبراير 1940 - 21 مارس 1940.
• 9 أكتوبر 1941 - 8 أكتوبر 1942.
• 9 أكتوبر 1942 - 25 ديسمبر 1943.
• 26 ديسمبر 1943 - 3 يونيو 1944.
• 21 نوفمبر 1946 - 11 مارس 1947.
• 6 يناير 1949 - 10 ديسمبر 1949.
• 15 سبتمبر 1950 - 10 يوليو 1952.
• 2 أغسطس 1954 - 17 ديسمبر 1955.
• 18 ديسمبر 1955 - 8 يونيو 1957.
• 3 مارس 1958 - 13 مايو 1958.
حياته السياسية
من
أهم القرارات السياسية الذي كان لنوري السعيد دورا رئيسيا فيها وخلق ضجات
عنيفة هو دوره في تشكيل حلف بغداد 1954 والأتحاد الهاشمي بين العراق
والأردن 1958. كان نوري السعيد الدبلوماسي الأول والأكثر شهرة في العالم
العربي. كان حاد المزاج سريع الغضب ولكنه جاد وحازم في قراراته خصوصا إذا
ما أراد الوصول إلى غاية ما أو تكريس سياسة ما، فإنه لا يثور ولا يتأثر بل
كان يتحمل النقد اللاذع من خصومه, كان يتعمد الغموض مما يجعل المتخاطبين
معه يفهمون ما يريد أن يقوله وليس ما قاله.
وصف نوري السعيد بأنه
رجل الغرب في العالم العربي، ولكن كانت لديه من المواقف القومية ما يعد في
حسابات اليوم منتهى الراديكالية، وكان مقتنعا بأن لابد للعراق أن يعتمد على
دولة كبرى ليردع أعداه. أحد عرابي تأسيس الجامعة العربية حيث تنافس مع
رئيس وزراء مصر الأسبق مصطفى النحاس على تزعم واستظافة الجامعة العربية في
بغداد إلا أنها أقيمت في مصر.
عمل على تعريب مدينة كركوك بتوطين
الموظفين العرب فيها، مستخدما أسلوب نقل الموظفين سنويا منها وإليها،
فالموظفين التركمان والأكراد وقسم من العرب كانوا ينقلون سنويا إلى
المحافظات الأخرى لقضاء أربعة سنوات خدمة مدنية فيها، وينقل إلى كركوك
موظفين عرب ليقضوا بقية عمرهم الوظيفي والحياتي فيها.
مصرع نوري السعيد
بعد
سماع نوري باشا السعيد للتفاقم المتلاحق الأحداث بعد اعلان الجمهورية
والتي لم تمنحه الوقت الكافي لاللمقاومة ولاللهرب، الا انه حاول الاختباء
ولمدة يومين كاملين تمهيدا للهرب ومقاومة النظام الجديد كما فعل عند قيام
حركة رشيد عالي الكيلاني عام 1941. عرف نوري السعيد بمقدم قوة عسكرية من
المهاجمين لغرض القاء القبض عليه .
وتنكر بزي امرأة ليتمكن من العبور
من بين المهاجمين والحشود الملتفة حولهم، استقل سيارة انطلق بها إلى إلى
منطقة الكاظمية لاجئا لبيت صديقه الحاج محمود الاستربادي التاجر الكبير
وعميد عائلة الاستربادي المعروفة، كما فعلها سابقا بعد ثورة 1941 حيث لجأ
نوري السعيد إلى بيت الحاج محمود الاستربادي خلال حركة رشيد عالي الكيلاني
التي ساعدته على الانتقال خارج بغداد إلى محافظة العمارة وانتقل من هناك
إلى خارج العراق مع الوصي عبد الاله ليتدبروا اسقاط حكومة الثورة يومذاك.
وبعد
جلاء الموقف امام القادة الجدد ادركوا مخاوفهم بان هروب نوري السعيد
المعروف بدهائه وحنكته سيسبب لهم مصاعب جمة وربما باسلوبه واطلاعه على
خبايا الامور سيقنع الإنجليز بالاطاحة بالحكم الجمهوري الجديد.
في مساء
14 يوليو/ تموز اعلن القائد المنفذ للحركة عبد السلام عارف مكافئة مالية
للقبض على السعيد، وبعد يوم من ذلك قام من جانبه عبد الكريم قاسم زعيم
الحركة ورئيس وزرائها بتكرار اعلان ذلك ، وتوالت اعلانات هروب نوري السعيد
بشكل هستيري من خلال بيانات اذاعتها وزارة الداخلية من دار الاذاعة
العراقية مما وجه اهتمام الشارع نحو البحث عن السعيد بشكل تراجيدي محموم،
واسقطت
من يد السعيد كل محاولات الاختباء والهرب وبدأت تضيق الدائرة حول تحركاته،
كان هدفه ان لا يبقى مختبئا بل الفرار إلى خارج العراق ليتدبر امر مقاومة
النظام الجديد. ففي يوم 15 يوليو/ تموز انطلق على وجه السرعة تاركا خلفه
بيت الاسترابادي في محاولة منه للتقدم بخطوة للامام نحو خارج العراق متوجها
نحو بيت الشيخ محمد العريبي عضو مجلس النواب وأحد المقربين في منطقة
البتاويين وسط بغداد التي كانت تأن من الفوضى التي تعج بها جراء سقوط
النظام الملكي وانهيار الدولة،
حيث امتزجت فيها مشاعر الفرح بنجاح
الحركة واعلان الجمهورية وبالحزن جراء اعمال العنف والقتل العشوائي من قبل
الدهماء والغوغائيين والاحزاب الشيوعية التي اخذت تمارس القتل المنظم بسحل
معارضيها في الشوارع. توجه السعيد على عجل إلى البتاويين تعرف اليه أحد
الشبان في منطقة الكاظمية وهو يروم الركوب في السيارة بعد ان انكشفت ملابسه
التنكرية، ابلغ الشاب السلطات بتزويدها برقم السيارة المنطلقة. وبعد
اجتياز عدد من الحواجز والطرقات الفرعية بصعوبة جمة، وصل إلى بيت البصام
وتصحبه الحاجة زوجة الحاج محمود الاستربادي للدلاله،
وبعد ترجله من
السيارة تعرفت المفارز الأمنية على السيارة فتمت ملاحقته وما لبث ان تطورت
المواجهة إلى اشتباك بالاسلحة الخفيفة بين نوري السعيد وعناصر القوة
الأمنية حيث اصابت رصاصة طائشة أثناء تبادل إطلاق النار، السيدة
الاسترابادي واردتها قتيلة ،
في حين حوصر السعيد ولم يتمكن من دخول
البيت أو الهرب عبر الازقة المجاورة ، وهنا اختلفت الروايات حول مصرع
الباشا فإحدى الروايات تذكر بانه اصيب بعدد من الإطلاقات من قبل أحد عناصر
القوة المهاجمة والتي ادت إلى وفاته ، وتذكر رواية أخرى وردت في مذكرات
الدكتور صالح البصام أحد اصدقاء نوري السعيد الشخصيين، بانه عندما وجد نفسه
محاصرا وان مصيره سيكون مشابه لمصير الامير عبد الاله فانه اطلق على نفسه
رصاصة الرحمة، كي لايعطي فرصة لخصومة بالامساك به واهانته وتعذيبه.
وهنالك
رواية أخرى ضعيفة اوردها وصفي طاهر المرافق الياور لنوري سعيد والذي يعد
من المقربين لعبد الكريم قاسم وذو الميول الماركسية بانه وعندما وصل اسماع
الحكومة بانه تم العثور على نوري السعيد ارسلت وزارة الدفاع مفرزة عسكرية
بامرة العقيد وصفي طاهر للتحقق من ذلك ، وعند وصول المفرزة اطلق النار عليه
، وكانه كان بانتظارهم طوال فترة وصول المعلومات للقيادة ومن ثم تجهيز
المفرزة والذهاب إلى البتاويين البعيدة عن وزارة الدفاع ومن ثم الاستدلال
على مكان الاشتباك ،
ويورد بعض الشهود من المتجمهرين بانه وعندما
وصل وصفي طاهر كان نوري السعيد قد مات منذ فترة وقام طاهر بإطلاق بعض
الاعيرة النارية ابتهاجا بمصرع الباشا على مكان الحادث بضمنها جثة السعيد.
وضعف
هذه الرواية يكمن في ان وصفي طاهر كان الياور المرافق لنوري سعيد حتى قيام
الجمهورية وبعد ترنح النظام الملكي وبوادر انتهائه تقرب للضباط الوطنيين
وخصوصا عبد الكريم قاسم الذي عرف قبل حركة 1958 بانه كان يلف حوله مجموعة
من العناصر الشيوعية من مدنيين وعسكريين.
وبقي طوال حكم قاسم مقربا منه
وعينه المدعي العام للمحكمة العسكرية الخاصة مع ابن خالته ذو الاتجاه
الشيوعي المقدم فاضل عباس المهداوي رئيساً لمحكمة الشعب سيئة الصيت ,
والذين اعدموا جميعاً فيما بعد في حركة 8 فبراير/ شباط 1963.
دفن
في مقبرة الكرخ بعد ان جلبت جثته إلى قبو بوزارة الدفاع حيث كان يتواجد
العميد عبد الكريم قاسم الذي بعد أن تأكد من وفاته أمر بأن ينقل جثمانه إلى
المستشفى ثم الطب العدلي لاستكمال الإجراءات الأصولية لدفنه.
مات نوري
السعيد ولم يترك لأهله أي مال أو تركة وقد قامت الحكومة البريطانية بتخصيص
مبلغ قليل لزوجته يكاد يكفي لسد رمقها. وفي مطلع الثمانينيات من القرن
الماضي التمست ابنته الرئيس الأسبق صدام حسين للعودة للعراق فسمح لها
بالعودة وخصص لها مكافأة بسيطة إلا أنها أودعت في دار الرعاية الاجتماعية
بعد فرض الحصار الاقتصادي على العراق عام 1991 على أعقاب احتلال الكويت
وتردي الأوضاع الاقتصادية.
تأليف : طارق فتحي
نوري باشا السعيد
نوري
باشا السعيد، أبرز السياسيين العراقيين أثناء العهد الملكي. ولد نوري بن
سعيد صالح بن الملاّ طه القرغولي في محلة (تبة الكرد) بالقرب من ساحة
الميدان وذلك بحدود سنة 1887 وقتل في سنة 1958 وأما بخصوص نسبه فأغلب الظن
انه من عرق مزيج كردي - شركسي.
تولى منصب رئاسة الوزراء في العراق 14
مرة بدآ من وزارة 23 مارس 1930 إلى وزارة 1 مايو 1958. كان نوري السعيد ولم
يزل شخصية سياسية كثر الجدل والأراء المتضاربة عنه. اضطر إلى الهروب مرتين
من العراق بسبب انقلابات حيكت ضده.
ولد في بغداد وتخرج من الأكاديمية
العسكرية التركية في إسطنبول، خدم في الجيش العثماني وساهم في الثورة
العربية وانضم إلى الأمير فيصل في سوريا، وبعد فشل تأسيس مملكة الأمير فيصل
في سوريا على يد الجيش الفرنسي، عاد إلى العراق وساهم في تأسيس المملكة
العراقية والجيش العراقي.
هو نوري بن سـعيد بن صالح ابن الملا طه،
من عشيرة القرغولي البغدادية : سياسي، عسكري المنشأ، فيه دهاء وعنف. ولد
ببغداد سنة 1888م، من عائلة من الطبقة الوسطى ،حيث كان والده يعمل مدققاً
في إحدى الدوائر في العهد العثماني وتعلم في مدارسها العسكرية.
وتخرج
بالمدرسة الحربية في الاستانة (1906) ودخل مدرسة أركان الحرب فيها (1911)
وحضر حرب البلقان (1912-13 19) وشارك في اعتناق « الفكرة العربية» أيام
ظهورها في العاصمة العثمانية عسكري وسياسي من قادة العراق ومن أساطين
السياسة العراقية والعربية وعرابها إبان الحكم الملكي، وزير ورئيس وزراء
لفترات متعددة ساهم بتأسيس عصبة الأمم وهيئة الأمم المتحدة والجامعة
العربية التي كان يطمح بترأسها .
كانت
له ميول نحو مهادنة بريطانيا على الرغم من حسه الوطني العالي. بدأ حياته
ضابطا في الجيش العثماني وشارك بمعارك القرم شمال البحر الأسود بين الجيش
العثماني والجيش الروسي وبعد خسارة العثمانيين عاد لوحده من القرم إلى
العراق، قاطعا مسافات كبير ما بين سيرا على الأقدام أو على الدواب. انتمى
إلى الجمعيات السرية المنادية باستقلال العراق والعرب عن الدولة العثمانية .
ثم
شارك في الثورة العربية الكبرى مع الشريف حسن بن علي، يشير عبد الوهاب بيك
النعيمي في مراسلات تأسيس العراق بأنه قد اختير لعضوية المجلس التأسيسي
للعراق عام 1920 من قبل الحكومة البريطانية في العراق برئاسة المندوب
السامي السير بيرسي كوكس حيث تشير المراسلات بأنه كتبت المس بيل بعد أول
لقاء لها مع نوري سعيد:
" إننا نقف وجهاً لوجه أمام قوة جبارة ومرنة في
آن واحد، ينبغي علينا نحن البريطانيون إما أن نعمل يداً بيد معها أو نشتبك
وإيّاها في صراع عنيف يصعب إحراز النصر فيه" وفي اعتقاد السفير البريطاني
في بغداد بيترسون بان، نوري باشا ظلّ لغزاً كبيراً، لأنه بات بعد العام
1927 وتحديدا بعد أنتحار رئيس الوزراء عبد المحسن بيك السعدون أصبح نوري
السعيد صعب الإقناع في بلد لم يتعود الإذعان لرجل أو الخضوع لسلطة ونوري
كان يريد بناء العراق رغم كل الدعايات ضده من الحكومات والشعب.
المناصب والوظائف التي شغلها
درس
في المدرسة الاعدادية العسكرية في إسطنبول كان نوري السعيد دبلوماسيا من
الطراز الأول يتحدث الإنجليزية بطلاقة ، كان يبدو في مظهره جاداً وحازماً
بل وقاسياً عند الضرورة ، حاد الطبع ، عصبي المزاج، سريع الغضب ، الصفات
التي لازمته طيلة حياته السياسية ، حتى قيل عنه أنه كثيراً ما كان يشترك في
المشاجرات والمشاحنات .
لكنه إذا ما أراد الوصول إلى غاية ما أو تكريس
سياسة ما، فإنه لا يثور ولا يتأثر، بل يتحمل النقد اللاذع من خصومه ويتعمد
الغموض في أحاديثه ويوحي لمخاطبيه عن قصد بإشارات متناقضة أو تنطوي على
تفسيرات متعددة، وبالفعل، كان نوري مناوراً بصورة فريدة، يعرف كيف يستغل
الظروف والمتغيرات ويكرّسها لخدمة أهدافه. كان ميكافيلياً بالفطرة، يؤمن
بأن الغاية تبرر الوسيلة، فكان يجيد اختيار ساعته ويعرف كيف يقتنص الفرص
الثمينة لتقوية أوراقه الرابحة له مبدأ خاص في الحكم عرف به وهو مبدأ "خذ
وطالب".
تولى نوري السعيد منصب رئاسة الوزراء في العراق 14 مرة :
• 23 مارس 1930 - 19 أكتوبر 1932.
• 20 أكتوبر 1932 - 27 أكتوبر 1932.
• 25 ديسمبر 1938 - 6 أبريل 1939.
• 7 أبريل 1939 - 21 فبراير 1940.
• 22 فبراير 1940 - 21 مارس 1940.
• 9 أكتوبر 1941 - 8 أكتوبر 1942.
• 9 أكتوبر 1942 - 25 ديسمبر 1943.
• 26 ديسمبر 1943 - 3 يونيو 1944.
• 21 نوفمبر 1946 - 11 مارس 1947.
• 6 يناير 1949 - 10 ديسمبر 1949.
• 15 سبتمبر 1950 - 10 يوليو 1952.
• 2 أغسطس 1954 - 17 ديسمبر 1955.
• 18 ديسمبر 1955 - 8 يونيو 1957.
• 3 مارس 1958 - 13 مايو 1958.
حياته السياسية
من
أهم القرارات السياسية الذي كان لنوري السعيد دورا رئيسيا فيها وخلق ضجات
عنيفة هو دوره في تشكيل حلف بغداد 1954 والأتحاد الهاشمي بين العراق
والأردن 1958. كان نوري السعيد الدبلوماسي الأول والأكثر شهرة في العالم
العربي. كان حاد المزاج سريع الغضب ولكنه جاد وحازم في قراراته خصوصا إذا
ما أراد الوصول إلى غاية ما أو تكريس سياسة ما، فإنه لا يثور ولا يتأثر بل
كان يتحمل النقد اللاذع من خصومه, كان يتعمد الغموض مما يجعل المتخاطبين
معه يفهمون ما يريد أن يقوله وليس ما قاله.
وصف نوري السعيد بأنه
رجل الغرب في العالم العربي، ولكن كانت لديه من المواقف القومية ما يعد في
حسابات اليوم منتهى الراديكالية، وكان مقتنعا بأن لابد للعراق أن يعتمد على
دولة كبرى ليردع أعداه. أحد عرابي تأسيس الجامعة العربية حيث تنافس مع
رئيس وزراء مصر الأسبق مصطفى النحاس على تزعم واستظافة الجامعة العربية في
بغداد إلا أنها أقيمت في مصر.
عمل على تعريب مدينة كركوك بتوطين
الموظفين العرب فيها، مستخدما أسلوب نقل الموظفين سنويا منها وإليها،
فالموظفين التركمان والأكراد وقسم من العرب كانوا ينقلون سنويا إلى
المحافظات الأخرى لقضاء أربعة سنوات خدمة مدنية فيها، وينقل إلى كركوك
موظفين عرب ليقضوا بقية عمرهم الوظيفي والحياتي فيها.
مصرع نوري السعيد
بعد
سماع نوري باشا السعيد للتفاقم المتلاحق الأحداث بعد اعلان الجمهورية
والتي لم تمنحه الوقت الكافي لاللمقاومة ولاللهرب، الا انه حاول الاختباء
ولمدة يومين كاملين تمهيدا للهرب ومقاومة النظام الجديد كما فعل عند قيام
حركة رشيد عالي الكيلاني عام 1941. عرف نوري السعيد بمقدم قوة عسكرية من
المهاجمين لغرض القاء القبض عليه .
وتنكر بزي امرأة ليتمكن من العبور
من بين المهاجمين والحشود الملتفة حولهم، استقل سيارة انطلق بها إلى إلى
منطقة الكاظمية لاجئا لبيت صديقه الحاج محمود الاستربادي التاجر الكبير
وعميد عائلة الاستربادي المعروفة، كما فعلها سابقا بعد ثورة 1941 حيث لجأ
نوري السعيد إلى بيت الحاج محمود الاستربادي خلال حركة رشيد عالي الكيلاني
التي ساعدته على الانتقال خارج بغداد إلى محافظة العمارة وانتقل من هناك
إلى خارج العراق مع الوصي عبد الاله ليتدبروا اسقاط حكومة الثورة يومذاك.
وبعد
جلاء الموقف امام القادة الجدد ادركوا مخاوفهم بان هروب نوري السعيد
المعروف بدهائه وحنكته سيسبب لهم مصاعب جمة وربما باسلوبه واطلاعه على
خبايا الامور سيقنع الإنجليز بالاطاحة بالحكم الجمهوري الجديد.
في مساء
14 يوليو/ تموز اعلن القائد المنفذ للحركة عبد السلام عارف مكافئة مالية
للقبض على السعيد، وبعد يوم من ذلك قام من جانبه عبد الكريم قاسم زعيم
الحركة ورئيس وزرائها بتكرار اعلان ذلك ، وتوالت اعلانات هروب نوري السعيد
بشكل هستيري من خلال بيانات اذاعتها وزارة الداخلية من دار الاذاعة
العراقية مما وجه اهتمام الشارع نحو البحث عن السعيد بشكل تراجيدي محموم،
واسقطت
من يد السعيد كل محاولات الاختباء والهرب وبدأت تضيق الدائرة حول تحركاته،
كان هدفه ان لا يبقى مختبئا بل الفرار إلى خارج العراق ليتدبر امر مقاومة
النظام الجديد. ففي يوم 15 يوليو/ تموز انطلق على وجه السرعة تاركا خلفه
بيت الاسترابادي في محاولة منه للتقدم بخطوة للامام نحو خارج العراق متوجها
نحو بيت الشيخ محمد العريبي عضو مجلس النواب وأحد المقربين في منطقة
البتاويين وسط بغداد التي كانت تأن من الفوضى التي تعج بها جراء سقوط
النظام الملكي وانهيار الدولة،
حيث امتزجت فيها مشاعر الفرح بنجاح
الحركة واعلان الجمهورية وبالحزن جراء اعمال العنف والقتل العشوائي من قبل
الدهماء والغوغائيين والاحزاب الشيوعية التي اخذت تمارس القتل المنظم بسحل
معارضيها في الشوارع. توجه السعيد على عجل إلى البتاويين تعرف اليه أحد
الشبان في منطقة الكاظمية وهو يروم الركوب في السيارة بعد ان انكشفت ملابسه
التنكرية، ابلغ الشاب السلطات بتزويدها برقم السيارة المنطلقة. وبعد
اجتياز عدد من الحواجز والطرقات الفرعية بصعوبة جمة، وصل إلى بيت البصام
وتصحبه الحاجة زوجة الحاج محمود الاستربادي للدلاله،
وبعد ترجله من
السيارة تعرفت المفارز الأمنية على السيارة فتمت ملاحقته وما لبث ان تطورت
المواجهة إلى اشتباك بالاسلحة الخفيفة بين نوري السعيد وعناصر القوة
الأمنية حيث اصابت رصاصة طائشة أثناء تبادل إطلاق النار، السيدة
الاسترابادي واردتها قتيلة ،
في حين حوصر السعيد ولم يتمكن من دخول
البيت أو الهرب عبر الازقة المجاورة ، وهنا اختلفت الروايات حول مصرع
الباشا فإحدى الروايات تذكر بانه اصيب بعدد من الإطلاقات من قبل أحد عناصر
القوة المهاجمة والتي ادت إلى وفاته ، وتذكر رواية أخرى وردت في مذكرات
الدكتور صالح البصام أحد اصدقاء نوري السعيد الشخصيين، بانه عندما وجد نفسه
محاصرا وان مصيره سيكون مشابه لمصير الامير عبد الاله فانه اطلق على نفسه
رصاصة الرحمة، كي لايعطي فرصة لخصومة بالامساك به واهانته وتعذيبه.
وهنالك
رواية أخرى ضعيفة اوردها وصفي طاهر المرافق الياور لنوري سعيد والذي يعد
من المقربين لعبد الكريم قاسم وذو الميول الماركسية بانه وعندما وصل اسماع
الحكومة بانه تم العثور على نوري السعيد ارسلت وزارة الدفاع مفرزة عسكرية
بامرة العقيد وصفي طاهر للتحقق من ذلك ، وعند وصول المفرزة اطلق النار عليه
، وكانه كان بانتظارهم طوال فترة وصول المعلومات للقيادة ومن ثم تجهيز
المفرزة والذهاب إلى البتاويين البعيدة عن وزارة الدفاع ومن ثم الاستدلال
على مكان الاشتباك ،
ويورد بعض الشهود من المتجمهرين بانه وعندما
وصل وصفي طاهر كان نوري السعيد قد مات منذ فترة وقام طاهر بإطلاق بعض
الاعيرة النارية ابتهاجا بمصرع الباشا على مكان الحادث بضمنها جثة السعيد.
وضعف
هذه الرواية يكمن في ان وصفي طاهر كان الياور المرافق لنوري سعيد حتى قيام
الجمهورية وبعد ترنح النظام الملكي وبوادر انتهائه تقرب للضباط الوطنيين
وخصوصا عبد الكريم قاسم الذي عرف قبل حركة 1958 بانه كان يلف حوله مجموعة
من العناصر الشيوعية من مدنيين وعسكريين.
وبقي طوال حكم قاسم مقربا منه
وعينه المدعي العام للمحكمة العسكرية الخاصة مع ابن خالته ذو الاتجاه
الشيوعي المقدم فاضل عباس المهداوي رئيساً لمحكمة الشعب سيئة الصيت ,
والذين اعدموا جميعاً فيما بعد في حركة 8 فبراير/ شباط 1963.
دفن
في مقبرة الكرخ بعد ان جلبت جثته إلى قبو بوزارة الدفاع حيث كان يتواجد
العميد عبد الكريم قاسم الذي بعد أن تأكد من وفاته أمر بأن ينقل جثمانه إلى
المستشفى ثم الطب العدلي لاستكمال الإجراءات الأصولية لدفنه.
مات نوري
السعيد ولم يترك لأهله أي مال أو تركة وقد قامت الحكومة البريطانية بتخصيص
مبلغ قليل لزوجته يكاد يكفي لسد رمقها. وفي مطلع الثمانينيات من القرن
الماضي التمست ابنته الرئيس الأسبق صدام حسين للعودة للعراق فسمح لها
بالعودة وخصص لها مكافأة بسيطة إلا أنها أودعت في دار الرعاية الاجتماعية
بعد فرض الحصار الاقتصادي على العراق عام 1991 على أعقاب احتلال الكويت
وتردي الأوضاع الاقتصادية.