نجاح العرسان: بغداد لن تغفر للشعراء إذا تركوها وحيدة / علي مولود الطالبي
حروفه هطلت بين أبجديات كربلاء وأنغام الغزل المتجدد، يختلف كثيرا عن أقرانه بشدوه الألوان الوجدانية كلها، حلق مؤخرا في مسابقة أمير الشعراء وقرا كل المفاصل الشعرية فيها،
فكان رابعا فيها، ولو أسنده التصويت لكان أميرها، بين أروقة نجاح العرسان كان لنا هذا اللقاء ...
*شموع الحرف ذابت حين عرفتك .. فكيف يعمل نجاح العرسان على إذابة سيرة جسده وروحه فوق مرايا الورق؟
- الورق الملاذ الوحيد للروح، قبل سيرة الجسد الكثير من الأشياء تستطيع أن تفسر وتشرح سيرة الجسد، أما القلب فيحتاج إلى الشعر والورق لكي يتم فرصته في الوصولي إليه والى الآخر وشرح وتفسير سيرته .
* البيئة وما تطفح بها من أشجار اجتماعية وفكرية وثقافية، لها ظل على كل من يسكنها، فما الذي استفدت من بيئتك؟
- القرية والريف والنخل والشجر والماء والطيور والزهور والقصب والطين والبذور والثمار وووووو الاف المفردات والمعاني من حولي،أنا أسال نفسي كيف يكتب من لم يسكن أو يعش في الريف أو يكون قريبا منه، قريتي حياتي وملهمتي والحب الذي فيها أساس مكنوني .
* " ولونت بالشعر أنيابهم
وعصفورة في دمي ترجف "
هذه العصفورة الأنيقة، متى ارتجفت أول مرة على سهول الورق؟ ومن كان المساند لها؟
- أول مرة لا اذكر تاريخها بالضبط لكنها قديمة جدا، أما أول مساند لها فهي مدرستي للغة العربية إيمان اسعد عبود .
* يتكئ بعض الشعراء على جملة من التقنيات الشعرية في قولبة النص وإغناءه بالمحسنات البديعية واللفظية، ألا تجد في الإفراط في إقحامها انعكاسا سلبيا على جودة النص؟
- النص الحقيقي ليس عبدا ولا مجيرا لصالح جهة معينه إن كانت اللغة أو المعنى أو الدلالة أو ما إلى ذلك، النص الجيد والجميل وحدة قائمة بذاتها وقد تكون التقنيات التي ذكرتها من روافد جودة النص إذا كانت إدارة النص بيد محترف يعرف كيف يطيع كل ذلك .
* شعراء التفعيلة والنثر مشغولون بظاهرة " التفجير اللغوي "، ماذا تمثل هذه الإيقونة في مرسم الشعر العمودي؟
- التفجير اللغوي ليس لجهة معينه ولا لشكل كتابي معين، هو ملك الشعر والقصة وأشكال الكتابة الأخرى، المشكلة تكمن في القدرة والموهبة والإبداع، والشعر العمودي يتحرك في حيز النص وفق ما يراه في صالح النص خاصة بعد الوعي الذي منحته قصيدة الشعر لكتاب الشعر العمودي .
* يتعمد بعض الشعراء استعمال المفردات العامية في قصائدهم، ألا تجد في ذلك ثغرة على مستقبل القصيدة الفصيحة؟ وهل تعتقد أن اللغة العربية اليوم أصبحت عبئاً على الشاعر والمتلقي على حد سواء؟
- مشكلة بعض الشعراء أنهم شعراء شعبيون في داخلهم في قاموسهم في تركيبتهم النفسية، وحتى في ثقافتهم، فيحاولون أن يجعلوا للفضة الشعبية مكانا في النص الفصيح، لأنهم لا يستطيعون بسواه استدراج المتلقي وإبقائه في خانتهم، إذا علمنا إن اغلب المتلقين يملكون ثقافة شعبية ليست فصيحة .
*دعني اترك الشعر قليلا، وأبحر معك في شاطئك الخاص .. حدثني عن طقوسك العائلية، عن الدراسة، عن الشهادة، عن التوجه، وزف لي الحب بعرس خاص؟
- أنا تدرجت في دراستي من الابتدائية وحتى الإعدادية في منطقتي، درست الابتدائية في مدرسة الغاضريات الابتدائية، أما المتوسطة والإعدادية فأكملتها في ثانوية الحسينية، وبالمناسبة كانت المرحلة الإعدادية مختلطة كنا بنين وبنات في المرحلة الإعدادية، ولي ذكريات جميله في تلك الإعدادية وأكملت دراستي الجامعية في الجامعة المستنصرية في كلية التربية قسم الفيزياء وحصلت على شهادة البكلوريوس من نفس الكلية، وأنا الآن اعمل مدرسا للفيزياء في ثانوية الهجرتين للبنين في ناحية الحسينية في كربلاء، أما الحب فهو أجمل ما كنت احلم أن أعيشه، ولكن كل الفتيات اللواتي أحببتهن كان حبي لهن من طرف واحد، وأنا لا اسمي هذا حبا لان الحب يجب أن يكون متبادل لكي يتحقق شرطه في الحياة، كنت أتمنى أن اعشق امرأة تفكر في الانتحار إذا تركتها لا أن اعشق امرأة تبتسم إذا رأتني أتعذب لأنها لا تفكر فيّ، يقول الشاعر بسام صالح مهدي عني إن نجاح العرسان يعشق كل بنات الأرض ولا ادري كيف وصل إلى هذه القناعة، ولا أستطيع أن انفيها ولا أستطيع أن أثبتها، وقد يكون السبب أنني لم احصل على واحدة لأكتفي بحبها، ولذلك تجدني أكثر الشعراء غزلا - لأنني دائما ارسم قصة حب كاذبة واوهم نفسي بها وأعيشها وأعيش عليها أياما أو سنينا دون أن تشعر بي صاحبة القصة والناس ووحدي مع وحدي اغني واسهر وأتألم وأنسى وابحث عن حب آخر ويبدو أن العمر سينقضي هكذا .
* وماذا عن العراق .. وطنٌ يشكو الكثير من العوز، دور الشاعر معه، أين يكمن؟
- العراق بحاجة إلى الأيدي والقلوب والأرواح والإيمان بأنه سيد الأرض مثلما النخل سيد الشجر، أنا قلت أن العراق وبغداد سامحوا حتى قاتليهم، لكن العراق وبغداد لن يسامحوا الشعراء إذا تركوه وحيدا، العراق لا يريد السياسيين، يريد الشعراء والأدباء والفنانين إلى جواره في محنته فلنسمعه ما يحب، وأقول أيضا : شموا العراق ولا تقطفوا .
* إذن كيف لك أن تقيم لنا الوضع الثقافي والأدبي في العراق اليوم؟ وهل استطاع المثقف أن يقدم للعراق شيئاً؟
- مشكلة المثقف اليوم انه يريد من العراق أن يقدم له أولا ومن ثم يقدم هو للعراق، وهذا الفهم الخاطئ سببه تعامل السياسي مع المثقف، محاولة السياسي تجيير قلم الشاعر لصالحه عن طريق إلقاء العظمة هنا وهناك له سببت انجراف وانهيار في رؤية الشاعر أو المثقف بصورة عامه للواقع الذي يعانيه العراق، والحقيقة أن هناك جهات تتقصد إفساد وإنهاك الوعي الثقافي عن طريق تشويه صورة المثقف ولك أن تتصور المنحة التي وعدت الدولة بها الشعراء والتي لم تصرف على قلتها إلى هذه اللحظة، من هنا كان دور المثقف ضعيف لكنه يشكل خطرا دائما ووسيلة ضغط على السياسي لأنه لا يرحم متى ما وجد، انه آن الأوان ليقول كلماته، والحقيقة إننا نملك أقلاما أمضى من الرصاص بألف مرة، وهناك جانب ايجابي لبعض المحافظات ومنها محافظة كربلاء هناك سعي حقيقي لخلق ثقافة تتناسب وحجم واسم كربلاء وأنا لمست ذلك في أمير الشعراء عندما وقف معي مجلس محافظة كربلاء وقفة مشرفة وتبقى تحسب لهم ويسجلها التاريخ لهم ولا أنسى أبدا وقفتهم معي، وأتمنى من كل السياسيين ومن كل مجالس المحافظات أن تنتبه لهذا الجهد وتحاول محاكاته وعكسه على اهتماماتها الثقافية، والحقيقة إنني سأحاول أن أقدم مشروعا ثقافيا أجد فيه خدمة للثقافة الكربلائية خاصة والعراقية عامة لمجلس محافظة كربلاء، وأتمنى أن يلقى القبول .
* يعقوب الحزن الأخير، عنوان مجموعتكَ الأولى، أية قضية طرحت فيه؟ ولماذا تضوع التراجيديا من بوحك؟
- لا أتكلم عن يعقوب الحزن الأخير لأنها معروفة للعالم العربي جميعا بأسبابها وقد أشبعت نقدا وأتمنى أن لا يرى القارئ فيها حزنها فقط لان فيها من الحب الشيء الكثير، أما قصيدة يعقوب الحزن الأخير فقد عاهدت نفسي أن لا أتحدث عنها أبدا واترك الناس هم يتحدثون عنها .
* رغم انك تمزج بين الماضي والحاضر في شعرك، لكن القارئ لنصوصك يجد تقاسيماً تستوقفه، فمنها قولك : " وأضفت سكر قبلة لدمي مرقعة شبابي "، هذه الصور الطريفة من أي المناهل تستمد وحيها؟ وأي الكتب تجذبك أكثر؟
- يا سيدي أنا ابحث عما أريد، واجده بنفسي لا بقراءتي، وأنا اختلف في شعري عن كل المدارس الشعرية لأننا واعني جماعة قصيدة شعر نحن مدرسة خاصة وهذا اشتغالنا وتستطيع أن تتبع البيان إلى آخره وتجد تفسير لكل هذا، أما قراءتي فهي في حقيقة الأمر متنوعة جدا ولكن هي تترواح بين النقد والرواية أكثر مما هي في الشعر وأؤمن بان المفردة الجميلة والطيعة والتي لا تخرج بعيد في انزياحها أو تتشضى في دلالتها خارج سياق العلاقات الدلالية التي تربط بعضها ببعض مؤدية إلى المعنى هي التي تصل إلى الناس، أما التهويم والغرائبية والتغريب والإغراق في الرمزية فهي ادعاءات لتبرير فشل الشاعر في الوصول إلى المتلقي .
* رافدك يصب في مدن تضج بالشعراء، كيف لك أن تكلمنا عن رحلتك في مسابقة أمير الشعراء باعتبارها أضخم مسابقة شعرية عربية؟
- رحلة أمير الشعراء رحلة طويلة ومتعبة ممتعة في ذات الوقت، بعيدا عن كل شيء أنا وأنت واغلب الجمهور بل حتى لجنة الحكم أكدت من خلال إطرائها الكبير على جميع النصوص التي قدمتها تضعني في مقدمة المسابقة، لكن المشكلة كانت في التصويت والجمهور العراقي لم يصوت لي بالعدد الكافي من الأصوات الذي يؤهلني للفوز بينما الشاعر المصري كانت متأخرا عني بست درجات وتمكن من التغلب عليّ في التصويت العراقيون لا يصوتون إلا لنساء، والذي صوت لي هم أبناء كربلاء بصورة واضحة وأبناء الحسينية والكوادر التدريسية، ولكن كنت بحاجة إلى تصويت كل العراقيين للفوز، الحقيقة إنني لا أود الكلام في هذا الموضوع لأنه يؤلمني، وكذلك لا أريد أن يتصور البعض إنني ناكر للجميل، ولكن هذا الواقع إنني كنت صاحب اقل نسبة تصويت .
* رغم ذلك توجت بالمركز الرابع في المسابقة، هل أنت مقتنع وراضٍ بهذه المرتبة؟ وما السبب الذي جعلك تتخلف عن اللقب؟
- أنا لم أتخلف عن اللقب، أنا أمير الشعراء بشهادة الملايين، أما التصويت فلا يعني لي شيئا، وبالمناسبة طيلة فترة المسابقة كان الجميع يناديني (جاء الأمير وذهب الأمير) فانا أمير الشعراء بالدرجات وبآراء النقاد، أما ما سوى ذلك فهو المليون درهم فقط التي لم احصل عليها .
* هل تعتقد أن اللجنة أنصفتك؟ أم إن الجماهير لم تكن وفية معك؟
- اللجنة لم تنصفني طيلة المسابقة، أنصفتني في مواضع وظلمتني في مواضع أخرى، وعزاء ذلك أنهم لم يتعرفوا على تجربة العمود الجديد في العراق، والحقيقة أنني كنت دائما اشعر أن من بين المحكمين الثلاثة واحد فقط ليس معي بل كان ضدي وكان يمنحني درجة قليلة جدا ولم استطع معرفته إلى الآن، وكل ما لديّ شكوك، ورغم ذلك أقول : أن علي بن تميم كان رائعا، حتى وعبد الملك مرتاض أستاذ كبير ويستحق كل الاحترام، وصلاح فضل قرانا له ما يثبت علميته ووعيه الكبير .
* كيف كان دور الإعلام معك؟ وأين تجد مواطن الإخفاق، في الدعم أم في ماذا؟
- الإعلام كان ضعيف جدا جدا، لكن العراقية كانت رائعة معي، خاصة الأستاذ عبد الكريم السوداني والأستاذ مضر الالوسي والأستاذ والإعلامي حمزة حسين، وكذلك إذاعة محافظة كربلاء، وقناة الفرات، وقناة الفيحاء، وصلاح الدين، كنت أتمنى أن تهتم السفارة العراقية في أبي ظبي بالأمر لكنها كانت سلبية جدا وتعاملت معي بجفاء كبير ومقصود ولا اعرف أسبابه أهي سياسية أم طائفية، عكس باقي الشعراء في المسابقة حيث اهتمت بهم سفاراتهم أيما اهتمام، إن السفير اليمني لم يفارق عبد العزيز، السفير المصري وما أدراك ما لسفير المصري صنع العجب، وكذلك الملحق الثقافي الأردني، وكل السفارات إلا العراقية طلبنا منهم علم عراقي نرفعه في المسرح قالوا ليس لدينا علم (تصور ليس لديهم علم).
*بعد تسلمك الجائزة، قلت بأنك خذلت جمهورك نوعا ما، كيف يمكن لك إرضاء محبيك؟
- الحقيقة إنني كنت اقصد إنني وعدتهم أن ارجع لهم باللقب، ولكن بعد أن رأيت نتائج التصويت عرفت أنهم هم خذلوني، لأنني كنت صاحب اقل نسبة تصويت، ومع ذلك أبقى مدين للذين وقفوا إلى جانبي والى الذين لم يقفوا إلى جانبي لأنهم جمهوري ودوري هو أن اصل إليهم وان اصنع لهم لحظات الفرح وان اعبر عن حزنهم لأنهم بغض النظر عن كل شيء يستحقون ذلك لأنهم عراقيون وأنا أحب حتى قاتلي إن كان عراقيا وأسامحه على كل شئ ليس من موقع الضعف بل من موقع القوه لان القوي هو الذي يسامح لا الذي يحقد أو يفتش عن فرصة للانتقام .
* هل ترى في معجبيكَ غواية كافية لاقتفاء قوافيك؟
- لا افهم السؤال .هل المقصود بالمعجبين من الشعراء أم من المتلقين عامة؟ على كل حال يا سيدي إن في شعري غواية حقيقية للشعراء وللمتلقين على حد سواء، أتعلم شيئا لقد رأيت الكثير من طلبتي في المدرسة بدؤوا يكتبون الشعر ويوميا تصلني من كل المراحل قصائد وأنا فرح بها جدا لان ذلك يعني أن هناك وعيا تكون في أفكارهم ووجههم نحو القصيدة وبالذات قصيدة العمود وحقيقة هناك من بينهم بذرات أجد فيها الخير الكثير، أما الشعراء فأنت تعلم أن هناك شعراء باذرون لمن يأتي خلفهم وكما يقول الشاعر علاوي كاظم كشيش أنت باذر خطير في القصيدة فلا تعجب لمن يتبعك .
* مبدعي اليوم لا يتمتعون بالدعم المادي والمعنوي، ترى ما هي الاقتراحات التي توجهها إلى الحكومة عموما والى وزارة الثقافة تحديدا؟
- اقترح عليهم أولا أن يكونوا قريبين من الشعراء ويحاولون التماس معهم لا أن يتفرجوا على مشاكلهم من بعيد، وثانيا أن يعملوا على تحقيق ما بدؤوا به من سعي في قضية رواتب الشعراء أو الأدباء لان بعضهم بحاجة لها وان يسعوا إلى المصالحة الثقافية خدمة لقضية الشعر والأدب وان يكرموا مبدعيهم لأنهم يستحقون ذلك وعندما يكرمونهم فإنهم يكرمون أنفسهم وأقول أخيرا إنني يائس من تحقيق كل هذه المقترحات .
* الناقد الحقيقي سيف ذو حدين، كيف هي علاقتك بالنقاد وهل تجد نفسك في الكفة التي تستحقها؟ هل لك أن ترسم لنا بورتريه أنموذجي للناقد الحقيقي؟
- علاقتي بالنقاد أسوء مما تتوقع، والى الآن لم يكتب عني ناقد واحد كتابة حقيقية، أتعلم إن مجموعتي الشعرية لم يتعرض إليها أي ناقد أبدا، وأنا سعيد بذلك لان النقد في العراق إعلان مدفوع الثمن .
* حصدت جائزة سحر البيان، وحققت رابع أمير الشعراء في دورته الرابعة، ما هي مشاريعك المستقبلية؟
- أنا حصلت على جوائز كثيرة جدا ليس سحر البيان فقط وأمير الشعراء، حتى أنني نسيت عددها بعضها مهمة وبعضها مهمة في قيمة الجهة التي تمنحها لا بقيمتها المادية، وأنا أهم شيء لدي الآن هو مشروع قصيدة شعر وكذلك رابطة شعراء بغداد التي تأسست قبل عامين وهي رابطة تهتم بالشعر فقط وهي تهدف إلى الخروج بالتجربة الشعرية العراقية إلى العالمية بعد أن وجدت عجزا في المؤسسات الأخرى عن تحقيق ذلك خاصة إذا تأكدنا أن الكثير من الشعراء ممن يستحقون الوصول لا يمكنهم ذلك بسبب ظرفهم وظرف البلد، وكذلك لدي مجموعتين شعريتين الأولى سأحاول نشرها هنا في العراق والثانية عن طريق أكاديمية الشعر في أبي ظبي .
* نيرون تيمته روما فأحرقها جنونا، ألا تخشى جنون الشعراء؟
- أجمل شيء بالشاعر جنونه وشاعر بلا جنون شاعر بلا شعر، نيرون لم يحرق روما حبا بل لنزعة استحواذية على الأشياء، أما أنا فلا أفكر في الحب بهذه الطريقة كل الذي أتمناه أن اشعر أن قلبا يحبني أنا على ما أنا عليه بكل عيوبي وخبالي وهوسي وعبثي، وله القدرة أن يتحملني .
* أتدري انه قال قبل إعدامه : " ستخسرون معي فنانا عظيما "، كيف تسقط هذه العبارة على ذاتك؟
- قد يكون هذا القلب قريب مني ولا اعلم به أو أن هناك قلبا يحبني جدا ولا اعلم به مثلما كنت ذات يوم قلبا عاشقا ولم يشعر بي الآخر وكنت أمر من أمامه وهو غير مبال بمحترقٍ يمر إلى جواره قد يكون هناك محترق يمر إلى جواري ولا اشعر به ولا أتمنى ذلك لأحد أبدا لأنني اعلم قسوة ذلك على النفس .
* ومن هي ملهمتكَ التي ستضرم الحب نارا في جونحها؟
- ملهمتي امرأة أراها كل يوم ولا أراها وقد أراها ذات يوم ولا تراني، ليست احجية وان كانت فحلها سهل .
* هل يمكن للشاعر أن ينوب عن المعلم في منصبه الاجتماعي والأخلاقي؟
- الشاعر معلم ولكنه بلا ربطة عنق وبدله رسميه وهذا ما نريد له، لان ادلجة ومنهجة الشاعر من القواتل للشاعر والمجتمع المتعلم على يديه .
* إذا كان الشعر ديوان العرب على مر العصور، فأين ولاؤك للنثر الذي أضحى متسيدا في الساحة الأدبية العربية؟
- مازال الشعر متسيدا للساحة الأدبية العربية وادعوك إلى مراجعة هذه العبارة إذا كنت تقصد قصيدة النثر ادعوك أيضا إلى مراجعة هذه العبارة
* رأى فيلسوف جثة إمرة معلقة بشجرة فقال : " ليت كل الأشجار تحمل مثل هذه الثمار " ماذا لو كان نجاح العرسان بمحل ذلك الفيلسوف؟
- أقول ليت ليت الفيلسوف انتبه إلى أن هذه الثمرة كانت ميتة ولا كانت تلعب على أغصانها لصحت عبارته ولو كنت مكانه لقلت ليت هذه الشجرة لم تخلق .
* ما موقفك من الخراب الذي عم بلاد الرافدين؟
- حتى الخراب هنا أجمل لأنه يحتضن العراق، صدقني إن العراق قادر على أن يسحق كل الذين يرقصون على جراحه ولو بعد حين وسينهض من جديد ويعود أقوى ويغرسه عشر أصابعه في عين من لا يراه أو يدعي ذلك.
وأقول :
- وطني قليلا حين تبتسم الثواني كان حزنك فوقها يتسلق
الله يخلق من ترابك ما يشاء فكيف مثلك من ترابك يخلق
* إذا أردت مجاراتك قائلا :
أبـــي كـــحـل كــل مساء الــتـــمــنــــــــــي
ومـــــــــــا لــــيَ مـــــن بـــــــوحـــــهِ مــــهـــــــــــــــربُ
هـــروبــا يـــرى الكـــون أنّ الـــعراق
بــــــــــلاد بــــــــــــه الـــصــــبــــر لا يـــــــــتــــــعــــبُ
تــــــــــــــوســــد قـــلــبــــي إنــــــي – عـــــراقٌ-
وهــل مــثـل جرفـي هــنــا يـُــــنـجــبُ؟
و يُـــــــــــصب قـلـبـي عـلـى الـرافـديـن
لــــكـــــي لا يـــــنـــام ولا يـــــحـــــــــــــجــــــــــــــــــــبُ
فـمـا قـــلـت شــعــراً لـــغـيـــر حـبـيــب
ويــــــــا فــــخـــر روحـــي لـــه اكــــــــــــتـــــــبُ
وأيـــقـــنــت انـــك خـــضـــت الـــنــزال
فــــيـــا ألــتـف صـــوت بــــــه يــرهــــبُ
أبـي .. يـا أبي .. يا دمـــا طـــافـــحا
ويــــــا قــــــــارب الـجـرح لا تــقــلــــبُ
فأنت العراق الذي ما انـحنى
فــــيــــا لـــيــــتــــنــــــــــي دونــــه أصـــلــــــــبُ
فبماذا ترد عليّ؟
= أرح خطوتي فالمدى متعبُ عراقك يا صاحبي يذهب ُ
أرح دمعتي إنني شاعر مصابٌ بأحلامه أشيبُ
عراقك يا صاحبي هارب تعثر في خده المهرب
فرات على شطه ظاميءٌ سهى الماء واستهزأ المشربُ
صدقتَ إذا قلت أتعبني وان قلت أكرهه اكذبُ
*بعد هذه الرحلة العذبة .. أرى الشمس بدأت تجنح إلى غروبها، ولكن شمس العرسان لم تزل مشرقا، وتقف على إزهار من عشق فردوسي، حالمة بفجر موشم بالأمنيات الفرحة .
حاوره : علي مولود الطالبي
حروفه هطلت بين أبجديات كربلاء وأنغام الغزل المتجدد، يختلف كثيرا عن أقرانه بشدوه الألوان الوجدانية كلها، حلق مؤخرا في مسابقة أمير الشعراء وقرا كل المفاصل الشعرية فيها،
فكان رابعا فيها، ولو أسنده التصويت لكان أميرها، بين أروقة نجاح العرسان كان لنا هذا اللقاء ...
*شموع الحرف ذابت حين عرفتك .. فكيف يعمل نجاح العرسان على إذابة سيرة جسده وروحه فوق مرايا الورق؟
- الورق الملاذ الوحيد للروح، قبل سيرة الجسد الكثير من الأشياء تستطيع أن تفسر وتشرح سيرة الجسد، أما القلب فيحتاج إلى الشعر والورق لكي يتم فرصته في الوصولي إليه والى الآخر وشرح وتفسير سيرته .
* البيئة وما تطفح بها من أشجار اجتماعية وفكرية وثقافية، لها ظل على كل من يسكنها، فما الذي استفدت من بيئتك؟
- القرية والريف والنخل والشجر والماء والطيور والزهور والقصب والطين والبذور والثمار وووووو الاف المفردات والمعاني من حولي،أنا أسال نفسي كيف يكتب من لم يسكن أو يعش في الريف أو يكون قريبا منه، قريتي حياتي وملهمتي والحب الذي فيها أساس مكنوني .
* " ولونت بالشعر أنيابهم
وعصفورة في دمي ترجف "
هذه العصفورة الأنيقة، متى ارتجفت أول مرة على سهول الورق؟ ومن كان المساند لها؟
- أول مرة لا اذكر تاريخها بالضبط لكنها قديمة جدا، أما أول مساند لها فهي مدرستي للغة العربية إيمان اسعد عبود .
* يتكئ بعض الشعراء على جملة من التقنيات الشعرية في قولبة النص وإغناءه بالمحسنات البديعية واللفظية، ألا تجد في الإفراط في إقحامها انعكاسا سلبيا على جودة النص؟
- النص الحقيقي ليس عبدا ولا مجيرا لصالح جهة معينه إن كانت اللغة أو المعنى أو الدلالة أو ما إلى ذلك، النص الجيد والجميل وحدة قائمة بذاتها وقد تكون التقنيات التي ذكرتها من روافد جودة النص إذا كانت إدارة النص بيد محترف يعرف كيف يطيع كل ذلك .
* شعراء التفعيلة والنثر مشغولون بظاهرة " التفجير اللغوي "، ماذا تمثل هذه الإيقونة في مرسم الشعر العمودي؟
- التفجير اللغوي ليس لجهة معينه ولا لشكل كتابي معين، هو ملك الشعر والقصة وأشكال الكتابة الأخرى، المشكلة تكمن في القدرة والموهبة والإبداع، والشعر العمودي يتحرك في حيز النص وفق ما يراه في صالح النص خاصة بعد الوعي الذي منحته قصيدة الشعر لكتاب الشعر العمودي .
* يتعمد بعض الشعراء استعمال المفردات العامية في قصائدهم، ألا تجد في ذلك ثغرة على مستقبل القصيدة الفصيحة؟ وهل تعتقد أن اللغة العربية اليوم أصبحت عبئاً على الشاعر والمتلقي على حد سواء؟
- مشكلة بعض الشعراء أنهم شعراء شعبيون في داخلهم في قاموسهم في تركيبتهم النفسية، وحتى في ثقافتهم، فيحاولون أن يجعلوا للفضة الشعبية مكانا في النص الفصيح، لأنهم لا يستطيعون بسواه استدراج المتلقي وإبقائه في خانتهم، إذا علمنا إن اغلب المتلقين يملكون ثقافة شعبية ليست فصيحة .
*دعني اترك الشعر قليلا، وأبحر معك في شاطئك الخاص .. حدثني عن طقوسك العائلية، عن الدراسة، عن الشهادة، عن التوجه، وزف لي الحب بعرس خاص؟
- أنا تدرجت في دراستي من الابتدائية وحتى الإعدادية في منطقتي، درست الابتدائية في مدرسة الغاضريات الابتدائية، أما المتوسطة والإعدادية فأكملتها في ثانوية الحسينية، وبالمناسبة كانت المرحلة الإعدادية مختلطة كنا بنين وبنات في المرحلة الإعدادية، ولي ذكريات جميله في تلك الإعدادية وأكملت دراستي الجامعية في الجامعة المستنصرية في كلية التربية قسم الفيزياء وحصلت على شهادة البكلوريوس من نفس الكلية، وأنا الآن اعمل مدرسا للفيزياء في ثانوية الهجرتين للبنين في ناحية الحسينية في كربلاء، أما الحب فهو أجمل ما كنت احلم أن أعيشه، ولكن كل الفتيات اللواتي أحببتهن كان حبي لهن من طرف واحد، وأنا لا اسمي هذا حبا لان الحب يجب أن يكون متبادل لكي يتحقق شرطه في الحياة، كنت أتمنى أن اعشق امرأة تفكر في الانتحار إذا تركتها لا أن اعشق امرأة تبتسم إذا رأتني أتعذب لأنها لا تفكر فيّ، يقول الشاعر بسام صالح مهدي عني إن نجاح العرسان يعشق كل بنات الأرض ولا ادري كيف وصل إلى هذه القناعة، ولا أستطيع أن انفيها ولا أستطيع أن أثبتها، وقد يكون السبب أنني لم احصل على واحدة لأكتفي بحبها، ولذلك تجدني أكثر الشعراء غزلا - لأنني دائما ارسم قصة حب كاذبة واوهم نفسي بها وأعيشها وأعيش عليها أياما أو سنينا دون أن تشعر بي صاحبة القصة والناس ووحدي مع وحدي اغني واسهر وأتألم وأنسى وابحث عن حب آخر ويبدو أن العمر سينقضي هكذا .
* وماذا عن العراق .. وطنٌ يشكو الكثير من العوز، دور الشاعر معه، أين يكمن؟
- العراق بحاجة إلى الأيدي والقلوب والأرواح والإيمان بأنه سيد الأرض مثلما النخل سيد الشجر، أنا قلت أن العراق وبغداد سامحوا حتى قاتليهم، لكن العراق وبغداد لن يسامحوا الشعراء إذا تركوه وحيدا، العراق لا يريد السياسيين، يريد الشعراء والأدباء والفنانين إلى جواره في محنته فلنسمعه ما يحب، وأقول أيضا : شموا العراق ولا تقطفوا .
* إذن كيف لك أن تقيم لنا الوضع الثقافي والأدبي في العراق اليوم؟ وهل استطاع المثقف أن يقدم للعراق شيئاً؟
- مشكلة المثقف اليوم انه يريد من العراق أن يقدم له أولا ومن ثم يقدم هو للعراق، وهذا الفهم الخاطئ سببه تعامل السياسي مع المثقف، محاولة السياسي تجيير قلم الشاعر لصالحه عن طريق إلقاء العظمة هنا وهناك له سببت انجراف وانهيار في رؤية الشاعر أو المثقف بصورة عامه للواقع الذي يعانيه العراق، والحقيقة أن هناك جهات تتقصد إفساد وإنهاك الوعي الثقافي عن طريق تشويه صورة المثقف ولك أن تتصور المنحة التي وعدت الدولة بها الشعراء والتي لم تصرف على قلتها إلى هذه اللحظة، من هنا كان دور المثقف ضعيف لكنه يشكل خطرا دائما ووسيلة ضغط على السياسي لأنه لا يرحم متى ما وجد، انه آن الأوان ليقول كلماته، والحقيقة إننا نملك أقلاما أمضى من الرصاص بألف مرة، وهناك جانب ايجابي لبعض المحافظات ومنها محافظة كربلاء هناك سعي حقيقي لخلق ثقافة تتناسب وحجم واسم كربلاء وأنا لمست ذلك في أمير الشعراء عندما وقف معي مجلس محافظة كربلاء وقفة مشرفة وتبقى تحسب لهم ويسجلها التاريخ لهم ولا أنسى أبدا وقفتهم معي، وأتمنى من كل السياسيين ومن كل مجالس المحافظات أن تنتبه لهذا الجهد وتحاول محاكاته وعكسه على اهتماماتها الثقافية، والحقيقة إنني سأحاول أن أقدم مشروعا ثقافيا أجد فيه خدمة للثقافة الكربلائية خاصة والعراقية عامة لمجلس محافظة كربلاء، وأتمنى أن يلقى القبول .
* يعقوب الحزن الأخير، عنوان مجموعتكَ الأولى، أية قضية طرحت فيه؟ ولماذا تضوع التراجيديا من بوحك؟
- لا أتكلم عن يعقوب الحزن الأخير لأنها معروفة للعالم العربي جميعا بأسبابها وقد أشبعت نقدا وأتمنى أن لا يرى القارئ فيها حزنها فقط لان فيها من الحب الشيء الكثير، أما قصيدة يعقوب الحزن الأخير فقد عاهدت نفسي أن لا أتحدث عنها أبدا واترك الناس هم يتحدثون عنها .
* رغم انك تمزج بين الماضي والحاضر في شعرك، لكن القارئ لنصوصك يجد تقاسيماً تستوقفه، فمنها قولك : " وأضفت سكر قبلة لدمي مرقعة شبابي "، هذه الصور الطريفة من أي المناهل تستمد وحيها؟ وأي الكتب تجذبك أكثر؟
- يا سيدي أنا ابحث عما أريد، واجده بنفسي لا بقراءتي، وأنا اختلف في شعري عن كل المدارس الشعرية لأننا واعني جماعة قصيدة شعر نحن مدرسة خاصة وهذا اشتغالنا وتستطيع أن تتبع البيان إلى آخره وتجد تفسير لكل هذا، أما قراءتي فهي في حقيقة الأمر متنوعة جدا ولكن هي تترواح بين النقد والرواية أكثر مما هي في الشعر وأؤمن بان المفردة الجميلة والطيعة والتي لا تخرج بعيد في انزياحها أو تتشضى في دلالتها خارج سياق العلاقات الدلالية التي تربط بعضها ببعض مؤدية إلى المعنى هي التي تصل إلى الناس، أما التهويم والغرائبية والتغريب والإغراق في الرمزية فهي ادعاءات لتبرير فشل الشاعر في الوصول إلى المتلقي .
* رافدك يصب في مدن تضج بالشعراء، كيف لك أن تكلمنا عن رحلتك في مسابقة أمير الشعراء باعتبارها أضخم مسابقة شعرية عربية؟
- رحلة أمير الشعراء رحلة طويلة ومتعبة ممتعة في ذات الوقت، بعيدا عن كل شيء أنا وأنت واغلب الجمهور بل حتى لجنة الحكم أكدت من خلال إطرائها الكبير على جميع النصوص التي قدمتها تضعني في مقدمة المسابقة، لكن المشكلة كانت في التصويت والجمهور العراقي لم يصوت لي بالعدد الكافي من الأصوات الذي يؤهلني للفوز بينما الشاعر المصري كانت متأخرا عني بست درجات وتمكن من التغلب عليّ في التصويت العراقيون لا يصوتون إلا لنساء، والذي صوت لي هم أبناء كربلاء بصورة واضحة وأبناء الحسينية والكوادر التدريسية، ولكن كنت بحاجة إلى تصويت كل العراقيين للفوز، الحقيقة إنني لا أود الكلام في هذا الموضوع لأنه يؤلمني، وكذلك لا أريد أن يتصور البعض إنني ناكر للجميل، ولكن هذا الواقع إنني كنت صاحب اقل نسبة تصويت .
* رغم ذلك توجت بالمركز الرابع في المسابقة، هل أنت مقتنع وراضٍ بهذه المرتبة؟ وما السبب الذي جعلك تتخلف عن اللقب؟
- أنا لم أتخلف عن اللقب، أنا أمير الشعراء بشهادة الملايين، أما التصويت فلا يعني لي شيئا، وبالمناسبة طيلة فترة المسابقة كان الجميع يناديني (جاء الأمير وذهب الأمير) فانا أمير الشعراء بالدرجات وبآراء النقاد، أما ما سوى ذلك فهو المليون درهم فقط التي لم احصل عليها .
* هل تعتقد أن اللجنة أنصفتك؟ أم إن الجماهير لم تكن وفية معك؟
- اللجنة لم تنصفني طيلة المسابقة، أنصفتني في مواضع وظلمتني في مواضع أخرى، وعزاء ذلك أنهم لم يتعرفوا على تجربة العمود الجديد في العراق، والحقيقة أنني كنت دائما اشعر أن من بين المحكمين الثلاثة واحد فقط ليس معي بل كان ضدي وكان يمنحني درجة قليلة جدا ولم استطع معرفته إلى الآن، وكل ما لديّ شكوك، ورغم ذلك أقول : أن علي بن تميم كان رائعا، حتى وعبد الملك مرتاض أستاذ كبير ويستحق كل الاحترام، وصلاح فضل قرانا له ما يثبت علميته ووعيه الكبير .
* كيف كان دور الإعلام معك؟ وأين تجد مواطن الإخفاق، في الدعم أم في ماذا؟
- الإعلام كان ضعيف جدا جدا، لكن العراقية كانت رائعة معي، خاصة الأستاذ عبد الكريم السوداني والأستاذ مضر الالوسي والأستاذ والإعلامي حمزة حسين، وكذلك إذاعة محافظة كربلاء، وقناة الفرات، وقناة الفيحاء، وصلاح الدين، كنت أتمنى أن تهتم السفارة العراقية في أبي ظبي بالأمر لكنها كانت سلبية جدا وتعاملت معي بجفاء كبير ومقصود ولا اعرف أسبابه أهي سياسية أم طائفية، عكس باقي الشعراء في المسابقة حيث اهتمت بهم سفاراتهم أيما اهتمام، إن السفير اليمني لم يفارق عبد العزيز، السفير المصري وما أدراك ما لسفير المصري صنع العجب، وكذلك الملحق الثقافي الأردني، وكل السفارات إلا العراقية طلبنا منهم علم عراقي نرفعه في المسرح قالوا ليس لدينا علم (تصور ليس لديهم علم).
*بعد تسلمك الجائزة، قلت بأنك خذلت جمهورك نوعا ما، كيف يمكن لك إرضاء محبيك؟
- الحقيقة إنني كنت اقصد إنني وعدتهم أن ارجع لهم باللقب، ولكن بعد أن رأيت نتائج التصويت عرفت أنهم هم خذلوني، لأنني كنت صاحب اقل نسبة تصويت، ومع ذلك أبقى مدين للذين وقفوا إلى جانبي والى الذين لم يقفوا إلى جانبي لأنهم جمهوري ودوري هو أن اصل إليهم وان اصنع لهم لحظات الفرح وان اعبر عن حزنهم لأنهم بغض النظر عن كل شيء يستحقون ذلك لأنهم عراقيون وأنا أحب حتى قاتلي إن كان عراقيا وأسامحه على كل شئ ليس من موقع الضعف بل من موقع القوه لان القوي هو الذي يسامح لا الذي يحقد أو يفتش عن فرصة للانتقام .
* هل ترى في معجبيكَ غواية كافية لاقتفاء قوافيك؟
- لا افهم السؤال .هل المقصود بالمعجبين من الشعراء أم من المتلقين عامة؟ على كل حال يا سيدي إن في شعري غواية حقيقية للشعراء وللمتلقين على حد سواء، أتعلم شيئا لقد رأيت الكثير من طلبتي في المدرسة بدؤوا يكتبون الشعر ويوميا تصلني من كل المراحل قصائد وأنا فرح بها جدا لان ذلك يعني أن هناك وعيا تكون في أفكارهم ووجههم نحو القصيدة وبالذات قصيدة العمود وحقيقة هناك من بينهم بذرات أجد فيها الخير الكثير، أما الشعراء فأنت تعلم أن هناك شعراء باذرون لمن يأتي خلفهم وكما يقول الشاعر علاوي كاظم كشيش أنت باذر خطير في القصيدة فلا تعجب لمن يتبعك .
* مبدعي اليوم لا يتمتعون بالدعم المادي والمعنوي، ترى ما هي الاقتراحات التي توجهها إلى الحكومة عموما والى وزارة الثقافة تحديدا؟
- اقترح عليهم أولا أن يكونوا قريبين من الشعراء ويحاولون التماس معهم لا أن يتفرجوا على مشاكلهم من بعيد، وثانيا أن يعملوا على تحقيق ما بدؤوا به من سعي في قضية رواتب الشعراء أو الأدباء لان بعضهم بحاجة لها وان يسعوا إلى المصالحة الثقافية خدمة لقضية الشعر والأدب وان يكرموا مبدعيهم لأنهم يستحقون ذلك وعندما يكرمونهم فإنهم يكرمون أنفسهم وأقول أخيرا إنني يائس من تحقيق كل هذه المقترحات .
* الناقد الحقيقي سيف ذو حدين، كيف هي علاقتك بالنقاد وهل تجد نفسك في الكفة التي تستحقها؟ هل لك أن ترسم لنا بورتريه أنموذجي للناقد الحقيقي؟
- علاقتي بالنقاد أسوء مما تتوقع، والى الآن لم يكتب عني ناقد واحد كتابة حقيقية، أتعلم إن مجموعتي الشعرية لم يتعرض إليها أي ناقد أبدا، وأنا سعيد بذلك لان النقد في العراق إعلان مدفوع الثمن .
* حصدت جائزة سحر البيان، وحققت رابع أمير الشعراء في دورته الرابعة، ما هي مشاريعك المستقبلية؟
- أنا حصلت على جوائز كثيرة جدا ليس سحر البيان فقط وأمير الشعراء، حتى أنني نسيت عددها بعضها مهمة وبعضها مهمة في قيمة الجهة التي تمنحها لا بقيمتها المادية، وأنا أهم شيء لدي الآن هو مشروع قصيدة شعر وكذلك رابطة شعراء بغداد التي تأسست قبل عامين وهي رابطة تهتم بالشعر فقط وهي تهدف إلى الخروج بالتجربة الشعرية العراقية إلى العالمية بعد أن وجدت عجزا في المؤسسات الأخرى عن تحقيق ذلك خاصة إذا تأكدنا أن الكثير من الشعراء ممن يستحقون الوصول لا يمكنهم ذلك بسبب ظرفهم وظرف البلد، وكذلك لدي مجموعتين شعريتين الأولى سأحاول نشرها هنا في العراق والثانية عن طريق أكاديمية الشعر في أبي ظبي .
* نيرون تيمته روما فأحرقها جنونا، ألا تخشى جنون الشعراء؟
- أجمل شيء بالشاعر جنونه وشاعر بلا جنون شاعر بلا شعر، نيرون لم يحرق روما حبا بل لنزعة استحواذية على الأشياء، أما أنا فلا أفكر في الحب بهذه الطريقة كل الذي أتمناه أن اشعر أن قلبا يحبني أنا على ما أنا عليه بكل عيوبي وخبالي وهوسي وعبثي، وله القدرة أن يتحملني .
* أتدري انه قال قبل إعدامه : " ستخسرون معي فنانا عظيما "، كيف تسقط هذه العبارة على ذاتك؟
- قد يكون هذا القلب قريب مني ولا اعلم به أو أن هناك قلبا يحبني جدا ولا اعلم به مثلما كنت ذات يوم قلبا عاشقا ولم يشعر بي الآخر وكنت أمر من أمامه وهو غير مبال بمحترقٍ يمر إلى جواره قد يكون هناك محترق يمر إلى جواري ولا اشعر به ولا أتمنى ذلك لأحد أبدا لأنني اعلم قسوة ذلك على النفس .
* ومن هي ملهمتكَ التي ستضرم الحب نارا في جونحها؟
- ملهمتي امرأة أراها كل يوم ولا أراها وقد أراها ذات يوم ولا تراني، ليست احجية وان كانت فحلها سهل .
* هل يمكن للشاعر أن ينوب عن المعلم في منصبه الاجتماعي والأخلاقي؟
- الشاعر معلم ولكنه بلا ربطة عنق وبدله رسميه وهذا ما نريد له، لان ادلجة ومنهجة الشاعر من القواتل للشاعر والمجتمع المتعلم على يديه .
* إذا كان الشعر ديوان العرب على مر العصور، فأين ولاؤك للنثر الذي أضحى متسيدا في الساحة الأدبية العربية؟
- مازال الشعر متسيدا للساحة الأدبية العربية وادعوك إلى مراجعة هذه العبارة إذا كنت تقصد قصيدة النثر ادعوك أيضا إلى مراجعة هذه العبارة
* رأى فيلسوف جثة إمرة معلقة بشجرة فقال : " ليت كل الأشجار تحمل مثل هذه الثمار " ماذا لو كان نجاح العرسان بمحل ذلك الفيلسوف؟
- أقول ليت ليت الفيلسوف انتبه إلى أن هذه الثمرة كانت ميتة ولا كانت تلعب على أغصانها لصحت عبارته ولو كنت مكانه لقلت ليت هذه الشجرة لم تخلق .
* ما موقفك من الخراب الذي عم بلاد الرافدين؟
- حتى الخراب هنا أجمل لأنه يحتضن العراق، صدقني إن العراق قادر على أن يسحق كل الذين يرقصون على جراحه ولو بعد حين وسينهض من جديد ويعود أقوى ويغرسه عشر أصابعه في عين من لا يراه أو يدعي ذلك.
وأقول :
- وطني قليلا حين تبتسم الثواني كان حزنك فوقها يتسلق
الله يخلق من ترابك ما يشاء فكيف مثلك من ترابك يخلق
* إذا أردت مجاراتك قائلا :
أبـــي كـــحـل كــل مساء الــتـــمــنــــــــــي
ومـــــــــــا لــــيَ مـــــن بـــــــوحـــــهِ مــــهـــــــــــــــربُ
هـــروبــا يـــرى الكـــون أنّ الـــعراق
بــــــــــلاد بــــــــــــه الـــصــــبــــر لا يـــــــــتــــــعــــبُ
تــــــــــــــوســــد قـــلــبــــي إنــــــي – عـــــراقٌ-
وهــل مــثـل جرفـي هــنــا يـُــــنـجــبُ؟
و يُـــــــــــصب قـلـبـي عـلـى الـرافـديـن
لــــكـــــي لا يـــــنـــام ولا يـــــحـــــــــــــجــــــــــــــــــــبُ
فـمـا قـــلـت شــعــراً لـــغـيـــر حـبـيــب
ويــــــــا فــــخـــر روحـــي لـــه اكــــــــــــتـــــــبُ
وأيـــقـــنــت انـــك خـــضـــت الـــنــزال
فــــيـــا ألــتـف صـــوت بــــــه يــرهــــبُ
أبـي .. يـا أبي .. يا دمـــا طـــافـــحا
ويــــــا قــــــــارب الـجـرح لا تــقــلــــبُ
فأنت العراق الذي ما انـحنى
فــــيــــا لـــيــــتــــنــــــــــي دونــــه أصـــلــــــــبُ
فبماذا ترد عليّ؟
= أرح خطوتي فالمدى متعبُ عراقك يا صاحبي يذهب ُ
أرح دمعتي إنني شاعر مصابٌ بأحلامه أشيبُ
عراقك يا صاحبي هارب تعثر في خده المهرب
فرات على شطه ظاميءٌ سهى الماء واستهزأ المشربُ
صدقتَ إذا قلت أتعبني وان قلت أكرهه اكذبُ
*بعد هذه الرحلة العذبة .. أرى الشمس بدأت تجنح إلى غروبها، ولكن شمس العرسان لم تزل مشرقا، وتقف على إزهار من عشق فردوسي، حالمة بفجر موشم بالأمنيات الفرحة .
حاوره : علي مولود الطالبي