توحيد الخالق الجزء الأول
للشيخ عبدالمجيد الزنداني حفظه الله
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد : أيها القارئ فهذا كتاب توحيد الخالق بأجزائه الثلاثة ، أقدمه إليك ، وقد راعيت فيه أن يكون متمشياً مع أحوال زماننا ، وحرصت على ضرب الأمثلة حتى يتحقق الهدف المنشود الذي طالما حثنا القرآن عليه ، وشدد العلماء عليه في هذا الزمان ، ذلك هو هدف ربط الحقائق الدينية بأدلتها المبثوثة في الكون. كما قال تعالى : ﴿أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدْ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾أو كما قال سبحانه :﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾
لذلك فقد يجد القارئ بعض حقائق علمية لم يكن قد عرفها من قبل في ميدان العلوم الكونية ، فلا يمنعه ذلك من معرفتها من المراجع الخاصة بها أو بواسطة الرجوع إلى أساتذة هذه العلوم نفسها . ومن المفيد جداً لاستيعاب هذا العلم : ضرب الأمثلة ، واستخدام وسائل الإيضاح المختلفة ، كما أن بساطة التعبير ، ووضوح الفكرة ، وسهولة البرهان ، أمور هامة جداً لتثبيت العقيدة في قلوب الناس ، كما أن الانتفاع بما جاء من الآيات القرآنية أمر نافع جداً ، فليس هناك ما يثبت المعنى العقلي ويستثير أحاسيس الوجدان كآيات القرآن .
أما أنت أيها الشاب المسلم ، فاعلم أن علم التوحيد هذا هو أصل دينك فإذا جهلت به فقد دخلت في نطاق العمي ، الذين يدينون بدين لا دليل لهم عليه ، وإذا فقهت هذا العلم كنت من أهل الدين الثابت الذين انتفعوا بعقولهم .
[size=25] :﴿ أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ﴾
فإذا انتفعت بهذا العلم ، وبغيره من العلوم النافعة فإن عليك أن تعلم أهلك وأصحابك، فتكون من الدعاة إلى الله الذين قال الله فيهم : ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ ﴾
[size=25]وبهذا أيها الإخوة تكونون مصابيح مضيئة بين أهلكم وأمتكم ينتفع الناس بكم.
أسأل الله أن يجعل العمل خالصاً لوجهه ، وأن يجعله طريقاً موصلاً إلى رضوانه.[/size]
[size=25][size=29]نور الإيمان وظلمة الكفر
ما هو الإيمان؟
[size=25]قال عليه الصلاة والسلام :(ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكنه ما وقر في القلب وصدقه العمل)
وقال تعالى :﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ﴾[الحجرات:15]
فالإيمان هو التصديق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ، وهو تصديق ثابت مستقر في القلب لا يخالطه شك أو ريب . قد انعكس على صاحبه فأصبح سلوكاً وأعمالاً صالحة مشاهدة .
[size=29]الركن الأول :
وأول أركان الإيمان وأساسه هو الإيمان بالله الذي هو تصديق المؤمن بأن له خالقاً ، عليماً ، حكيماً أوجه ولم يكن شيئاً مذكوراً . وخلقه من مني يمنى ، وصوره فأحسن تصويره، وجاء به إلى هذه الدنيا كما جاء بأبيه وأمه من قبله .
وإيمان المؤمن بربه وخالقه يقوم على الدليل القاطع والحجة الناصعة ، والبراهين المبثوثة المشاهدة في أرجاء الكون الواسع ، المدعمة بوحي من الله إلينا بواسطة الرسل الصادقين .
وإذا عرف الإنسان خالقه العظيم ، واتصل به ، عرف أنه ملك لخالقه وحده، وأنه وحده الذي يستحق العبادة والطاعة والخضوع ، وبهذا يتحرر المؤمن من كل سلطان غير سلطان الله.
﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة:21] .
والمؤمن يعلم أن الله وحده هو الهادي إلى الحق القويم ، ولن يكون أحد أعلم بحقه منه سبحانه :﴿هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ﴾[ النجم 32 ]﴿قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمْ اللَّهُ﴾[البقرة 140] ﴿قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ﴾[ الحجرات آية 16 ]. ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾[الحج 54 ].
[/size]
فيأخذ المؤمن هداه من ربه العليم الخبير فيحيا في كنف ربه وخالقه ، يهتدي بهديه الذي لا يشوبه خطأ أو باطل ، ويخضع لأمر خالقه ومالكه .
﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾[البقرة:257]
والمؤمن بربه ينجو من جحيم الاختلافات بين المذاهب والطرق البشرية القاصرة الضيقة التي يضعها بشر يزدادون علماً كل يوم ولا يزالون ينتظرون في كل يوم علماً جديداً يزيل عنهم جهلهم. أنه يتلقى الهدى من خالقه كل شيء الذي أحاط علماً بكل شيء ، والذي خلق الناس ومنحهم مقدرة محدودة بها يتعلمون ما جهلوا ، ويهتدون إلى ما غاب عنهم .
[size=25]﴿قُلْ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾[يونس:35،36] .
إن البشر قد اختلفوا فيما بينهم اختلافاً شديداً أدى بهم إلى الصراع والتطاحن ، وتسفيه بعضهم بعضاً . وإن أهم خلافاتهم الآن تدور حول تقرير أحسن الطرق التي تسير عليها حياة الإنسان أفراداً وجماعات. وقد نسوا أو تناسوا أن خالق الناس ، إله الناس ، رب الناس، ملك الناس، قد أنزل في هذا الأمر هدى يعصمهم من الضلال ، وينقذهم من شر الاختلاف .
﴿وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمْ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾[النحل:64] .
[size=25]وهل يحق لقوم أن يختلفوا حول أحسن الطرق التي تسير عليها آلة أو منصع في الوقت الذي قد أرسل إليهم صانع الآلة أو المصنع البيانات الكافية حول هذا الموضوع؟! وكذلك خالق العباد قد بين للناس طريق الحياة بواسطة رسله الصادقين . فهل يحق للناس أن يختلفوا في أمر قد بينه الله العليم الحكيم؟! [/size][/size]
[size=29]يتبع
[/size][/size][/size][/size][/size][/size]