القانون في الطب لإبن سينا
إن الطب علم يتعرف منه أحوال بدن الإنسان من جهة ما يصح ويزول عن الصحة ليحفظ الصحةحاصلة ويستردها زائلة.
ولقائل أن يقول أن الطب ينقسم إلى نظر وعمل وأنتم قد جعلتم كلهنظراً إذ قلتم أنه علم.
وحينئذ نجيبه ونقول إنه يقال إن من الصناعات ما هو نظري وعملي ومنالحكمة ما هو نظري وعملي ويقال إن من الطب ما هو نظري وعملي.
ويكون المراد في كل قسمة بلفظ النظري والعملي شيئاً أخر ولا نحتاجألان إلى بيان اختلاف القسمين فقد حصل لك علم علميّ وعلم عمليّ وإن لم تعمل قط.
وليس لقائل أن يقول إن أحوال بدن الإنسان ثلاث: الصحة والمرضوحالة ثالثة لا صحة ولا مرض وأنت اقتصرت على قسمين فإن هذا القائل لعله إذا فكر لميجد أحد الأمرين واجباً لا هذا التثليث ولا إخلالنا به.
ثم إنه إن كان هذا التثليث واجباً فإن قولنا: الزوال عن الذصحةيتضمن المرض والحالة الثالثة التي جعلوها ليس لها حدّ الصحة إذ الصحة ملكة أو حالةتصدر عنها الأفعال من الموضوع لها سليمة ولا لها مقابل هذا الحد إلا أن يحدوا الصحةكما يشتهون ويشترطون فيه شروطاً ما بهم إليها حاجة.
ثم لا مناقشة مع الأطباء في هذا وما هم ممن يناقشون في مثله ولاتؤدي هذه المناقشة بهم أو بمن يناقشهم إلى فائدة في الطب.
وأما معرفة الحق في ذلك فمما يليق بأصول صناعة أخرى نعني أصول صناعةالمنطق فليطلب من هناك.
الفصل الثاني
لما كان الطب ينظر في بدن الإنسان من جهة ما يصح ويزول عن الصحةوالعلم بكل شيء إنما يحصل ويتمّ إذا كان له أسباب يعلم أسبابه فيجب أن يعرف في الطبأسباب الصحة والمرض والصحة والمرض.
وأسبابهما قد يكونان ظاهرين وقد يكونان خفيين لا ينالان بالحسّ بلبالاستدلال من العوارض فيجب أيضاَ أن تعرف في الطب العوارض التي تعرض في الصحةوالمرض.
وقد تبين في العلوم الحقيقية أن العلم بالشيء إنما يحصل من جهةالعلم بأسبابه ومبادين إن كانت له إن لم تكن فإنما يتمم من جهة العلم بعوارضهولوازمه الذاتية.
لكن الأسباب أربعة أصناف: مادية وفاعلية وصورية وتمامية.
والأسباب المادية: هي الأشياء الموضوعة التي فيها تتقوم الصحةوالمرض: أما الموضوع الأقرب فعضو أو روح.
وأما الموضوع الأبعد فهي الأخلاط وأبعد منه هو الأركان.
وهذان موضوعان بحسب التركيب وإن كان أيضاً مع الاستحالة وكل ما وضعكذلك فإنه يساق في تركيبه واستحالته إلى وحدة ما وتلك الوحدة في هذا الموضع التيتلحق تلك الكثرة: إما مزاج وإما هيئة.
أما المزاج فبحسب الاستحالة وإما الهيئة فبحسب التركيب.
وأما الأسباب الفاعلية: فهي الأسباب المغيرة أو الحافظة لحالاتبدن الإنسان من الأهوية وما يتصل بها والمطاعم والمياه والمشارب وما يتصل بهاوالاستفراغ والاحتقان والبلدان والمساكن وما يتصل بها والحركات والسكونات البدنيةوالنفسانية ومنها النوم واليقظة والاستحالة في الأسنان والاختلاف فيها وفي الأجناسوالصناعات والعادات والأشياء الواردة على البدن الإنساني مماسة له إما غير مخالفةللطبيعة وإما مخالفة للطبيعة.
وأمّا الأسباب الصورية: فالمزاجات والقوى الحادثة بعدهاوالتراكيب.
وأما الأسباب التمامية: فالأفعال وفي معرفة الأفعال معرفة القوىلا محالة ومعرفة الأرواح الحاملة للقوى كما سنبين فهذه موضوعات صناعة الطب من جهةأنها باحثة عن بدن الإنسان أنه كيف يصح ويمرض.
وأما من جهة تمام هذا البحث وهو أن تحفظ الصحة وتزيل المرض فيجب أنتكون لها أيضاً موضوعات أخر بحسب أسباب هذين الحالين وآلاتهما وأسباب ذلك التدبيربالمأكول والمشروب واختيار الهواء وتقدير الحركة والسكون والعلاج بالدواء والعلاجباليد وكل ذلك عند الأطباء بحسب ثلاثة أصناف من الأصحاء والمرضى والمتوسطين الذيننذكرهم ونذكر أنهم كيف يعدون متوسطين بين قسمين لا واسطة بينهما في الحقيقة.
وإذ قد فصلنا هذه البيانات فقد اجتمع لنا أن الطب ينظر في الأركانوالمزاجات والأخلاط والأعضاء البسيطة والمركبة والأرواح وقواها الطبيعية والحيوانيةوالنفسانية والأفعال وحالات البدن من الصحة والمرض والتّوسط وأسبابها من المآكلوالمشارب والأهوية والمياه والبلدان والمساكن والاستفراغ والاحتقان والصناعاتوالعادات والحركات البدنية والنفسانية والسكونات والأسنان والأجناس والورادات علىالبدن من الأمور الغريبة والتدبير بالمطاعم والمشارب واختيار الهواء واختيارالحركات والسكونات والعلاج والأدوية وأعمال اليد لحفظ الصحة وعلاج مرض مرض فبعض هذهالأمور إنما يجب عليه من جهة ما هو طبيب أن يتصوره بالماهية فقط تصوراً علمياًويصدق بهليته تصديقاً على أنه وضع له مقبول من صاحب العلم الطبيعي وبعضها يلزمه أنيبرهن عليه في صناعته فما كان من هذه كالمبادئ فيلزمه أنه يتقلد هليتها فإن مبادىءالعلوم الجزئية مسلمة وتتبرهن وتتبين في علوم أخرى أقدم منها وهكذا حتى ترتقيمبادىء العلوم كلها إلى الحكمة الأولى التي يقال لها علم ما بعد الطبيعة.
وإذا شرع بعض المتطلبين وأخذ يتكلم في إثبات العناصر والمزاج ومايتلو ذلك مما هو موضوع العلم الطبيعي فإنه يغلط من حيث يورد في صناعة الطب ما ليسمن صناعة الطب ويغلط من حيث يظن أنه قد يبين شيء ولا يكون قد بينه البتة فالذي يجبأن يتصوّره الطبيب بالماهية ويتقلد ما كان منه غير بين الوجود بالهلية هو هذهالجملة الأركان أنها هل هي وكم هي والمزاجات أنها هل هي وما هي وكم هي والأخلاطأيضاً هل هي وما هي وكم هي والقوى هل هي وكم هي والأرواح هل هي وكم هي وأين هي.
وأن لكل تغير حال وثباته سبباً وأن الأسباب كم هي.
وأما الأعضاء ومنافعها فيجب أن يصادفها بالحس والتشريح.
والذي يجب أن يتصوره ويبرهن عليه الأمراض وأسبابها الجزئيةوعلاماتها وأنه كيف يزال المرض وتحفظ الصحة فإنه يلزمه أن يعطي البرهان على ما كانمن هذا خفي الوجود بتفصيله وتقديره وتوفيته.
و " جالينوس " إذ حاول إقامة البرهان على القسم الأول فلا يجبأن يحاول ذلك من جهة أنه طبيب ولكن من جهة أنه يجب أن يكون فيلسوفاً يتكلم في العلمالطبيعي كما أن الفقيه إذا حاول أن يثبت صحة وجوب متابعة الإجماع فليس ذلك له منجهة ما هو فقيه ولكن من جهة ما هو متكلم ولكن الطبيب من جهة ما هو طبيب والفقيه منجهة ما هو فقيه ليس يمكنه أن يبرهن على ذاك بته! وإلا وقع الدور.
التعليم الثاني في الأركان
وهو فصل واحد الأركان هي أجسام ما بسيطة: هي أجزاء أولية لبلنالإنسان وغيره وهي التي لا يمكن أن تنقسم إلى أجزاء مختلفة بالصورة وهي التي تنقسمالمركبات إليها ويحدث بامتزاجها الأنواع المختلفة الصور من الكائنات فليتسلم الطبيبمن الطبيعي أنها أربعة لا غير اثنان منها خفيفان واثنان ثقيلان فالخفيفان الناروالهواء والثقيلان الماء والأرض والأرض جرم بسيط موضعه الطبيعي هو وسط الكل يكونفيه بالطبع ساكناً ويتحرك إليه بالطبع إن كان مبايناً وذلك ثقله المطلق وهو بارديابس في طبعه أي طبعه طبع إذا خلي وما يوجبه ولم يغيره سبب من خارج ظهر عنه بردمحسوس ويبس.
ووجوده في الكائنات وجد مفيد للاستمساك والثبات وحفظ الأشكالوالهيئات.
وأما الماء فهو جرم بسيط موضعه الطبيعي أن يكون شاملاً للأرضمشمولاً للهواء إذا كانا على وضعيهما الطبيعيين وهو ثقله الإضافي.
وهو بارد رطب أي طبعه طبع إذا خلي وما يوجبه ولم يعارضه سبب من خارجظهر فيه برد محسوس وحالة هي رطوبة وهي كونه في جبلته بحيث يجيب بأدنى سبب إلى أنيتفرق ويتحد ويقبل أي شكل كان ثم لا يحفظه.
ووجوده في الكائنات لتسلس الهيئات التي يراد في أجزائها التشكيلوالتخطيط والتعديل فإن الرطب وإن كان سهل الترك للهيئات الشكلية فهو سهل القبول لهاكما أن اليابس وإن كان عسر القبول للهيئات الشكلية فهو عسر الترك لها ومهما تخمراليابس بالرطب استفاد اليابس من الرطب قبولا " للتمديد والتشكيل سهلاً واستفادالرطب من اليابس حفظاً لما حدث فيه من التقويم والتعديل قوياً واجتمع اليابس بالرطبعن تشتته واستمسك الرطب باليابس عن سيلانه.
وأما الهواء فإنه جرم بسيط موضعه الطبيعي فوق الماء وتحت النار وهذاخفته الإضافية وطبعه حار رطب على قياس ما قلنا ووجوده في الكائنات لتتخلخل وتلطفوتخف وتستقل.
وأما النار فهو جرم بسيط موضعه الطبيعي فوق الأجرام العنصرية كلهاومكانه الطبيعي هو السطح المقعر من الفلك الذي ينتهي عنده الكون والفساد وذلك خفتهالمطلقة وطبعه حار يابس ووجوده في الكائنات لينضج ويلطف ويمتزج ويجري فيها بتنفيذهالجوهر الهوائي وليكسر من محوضة برد العنصرين الثقيلين الباردين فيرجعا عن العنصريةإلى المزاجية.
والثقيلان أعون في كون الأعضاء وفي سكونها.
والخفيفان أعون في كون الأرواح وفي تحرّكها وتحريك الأعضاء وإن كانالمحرك الأول هو النفس بإذن باريها فهذه هي
التعليم الثالث الأمزجة
وهو ثلاثة فصول
الفصل الأول المزاج
أقول: المزاج: كيفية حاصلة من تفاعل الكيفيات المتضادات إذاوقفت على حد ما.
ووجودها في عناصر متصغرة الأجزاء ليماس أكثر كل واحد منها أكثرالآخر.
إذا تفاعلت بقواها بعضها في بعض حدث عن جملتها كيفية متشابهة فيجميعها هي: المزاج والقوى الأولية في الأركان المذكورة أربع هي: الحرارةوالبرودة والرطوبة واليبوسة.
وبين أن المزاجات في الأجسام الكائنة الفاسدة إنما تكون عنها وذلكبحسب ما توجبه القسمة العقلية بالنظر المطلق غير مضاف إلى شيء على وجهين.
وأحد الوجهين أن يكون المزاج معتدلاً على أن تكون المقادير منالكيفيات المتضادة في الممتزج متساوية متقاومة ويكون المزاج كيفية متوسطة بينهابالتحقيق.
أميل إلى أحد الطرفين إما في إحدى المتضادتين اللتين بين البرودةوالحرارة والرطوبة واليبوسة وأما في كليهما.
لكن المعتبر في صناعة الطب بالاعتدال والخروج عن الاعتدال ليس هذاولا ذلك بل يجب أن يتسلم الطبيب من الطبيعي.
إن المعتدل على هذا المعنى مما لا يجوز أن يوجد أصلاً فضلاً عن أنيكون مزاج إنسان أو عضو إنسان وأن يعلم أن المعتدل الذي يستعمله الأطباء في مباحثهمهو مشتق لا من التعادل الذي هو التوازن بالسوية بل من العدل في القسمة وهو أن يكونقد توفر فيه على الممتزج بدناً كان بتمامه أو عضواً من العناصر بكمياتها وكيفياتهاالقسط الذي ينبغي له في المزاج الإنساني على أعدل قسمة ونسبة.
لكنه قد يعرض أن تكون هذه القسمة التي تتوفر على الإنسان قريبة جداًمن المعتدل الحقيقي الأوَل وهذا الاعتدال المعتبر بحسب أبدان الناس أيضاً الذي هوبالقياس إلى غير مما ليس له ذلك الاعتدال وليس له قرب الإنسان من الاعتدال المذكورفي الوجه الأول يعرض له ثمانية أوجه من الاعتبارات.
فإنه إما أن يكون بحسب النوع مقيساً إلى ما يختلف مما هو خارجعنه.
وإما أن يكون بحسب النوع مقيساً إلى ما يختلف مما هو فيه.
وإما أن يكون بحسب صنف من النوع مقيساً إلى ما يختلف مما هو خارجعنه وفي نوعه وإما أن يكون بحسب الشخص من الصنف من النوع مقيساً إلى ما يختلف مماهو خارج عنه وفي صنفه وفي نوعه.
وإما أن يكون بحسب الشخص مقيساً إلى ما يختلف من أحواله في نفسه.
وإما أن يكون بحسب العضو مقيساً إلى ما يختلف مما هو خارج عنه وفيبدنه.
وإما أن يكون بحسب العضو مقيساً إلى أحواله في نفسه.
والقسم الأوّل: هو الاعتدال الذي للإنسان بالقياس إلى سائرالكائنات وهو شيء له عرض وليس منحصر في حد وليس ذلك أيضاً كيف اتفق بل له فيالإفراط والتفريط حدان إذا خرج عنهما بطل المزاج عن أَن يكون مزاج إنسان.
وأما الثاني: فهو الواسطة بين طرفي هذا المزاج العريض ويوجد فيشخص في غاية الاعتدال من صنف في غاية الاعتدال في السنّ الذي يبلغ فيه النشوّ غايةالنموّ وهذا أيضا " وإن لم يكن الاعتدال الحقيقي المذكور في ابتداء الفصل حتىيمتنع وجوده فإنه مما يعسر وجوده وهذا الإنسان أيضاً إنما يقرب من الاعتدال الحقيقيالمذكور لا كيف اتفق ولكن تتكافأ أعضاؤه الحارة كالقلب والباردة كالدماغ والرطبةكالكبد واليابسة كالعظام فإذا توازنت وتعادلت قربت من الاعتدال الحقيقي وأماباعتبار كل عضو في نفسه إلا عضواً واحداً وهو الجلد على ما نصفه بعد.
وإما بالقياس إلى الأرواح وإلى الأعضاء الرئيسة فليس يمكن أن يكونمقارباً لذلك الاعتدال الحقيقي بل خارجاً عنه إلى الحرارة والرطوبة.
فإن مبدأ الحياة هو القلب والروح وهما حاران جداً مائلان إلىالإفراط.
والحياة بالحرارة والنشوء بالرطوبة بل الحرارة تقوم بالرطوبة وتغتذيبها.
والأعضاء الرئيسة ثلاثة كما سنبين بعد هذا والبارد منها واحد وهوالدماغ.
وبرده لا يبلغ أن يعدل حر القلب والكبد.
واليابس منها أو القريب من اليبوسة واحد وهو القلب ويبوسته لا تبلغأن تعدل مزاج رطوبة الدماغ والكبد.
وليس الدماغ أيضاً بذلك البارد ولا القلب أيضاً بذلك اليابس ولكنالقلب بالقياس إلى الآخر يابس والدماغ بالقياس إلى الآخرين بارد.
وأما القسم الثالث: فهو أضيق عرضاً من القسم الأول أعني منالاعتدال النوعي إلا أن له عرضاً صالحاً وهو المزاج الصالح لأمةٍ من الأمم بحسبالقياس إلى إقليم من الأقاليم وهواء من الأهوية فإن للهند مزاجاً يشمهلم يصحونبه.
وللصقالبة مزاجاً آخر يخصون به ويصحون به.
كل واحد منهما معتدل بالقياس إلى صنفه وغير معتدل بالقياس إلىالآخر.
فإن البدن الهندي إذا تكيف بمزاج الصقلابي مرض أو هلك.
وكذلك حال البدن الصقلابي إذا تكيّف بمزاج الهندي.
فيكون إذن لكل واحد من أصناف سكان المعمورة مزاج خاص يوافق هواءإقليمه وأما القسم الرابع: فهو الواسطة بين طرفي عرض مزاج الإقليم وهو أعدل أمزجةذلك الصنف.
وأما القسم الخامس: فهو أضيق من القسم الأوّل والثالث وهو المزاجالذي يجب أن يكون لشخص معيّن حتى يكون موجوداً حيا " صحيحاً وله أيضاً عرض يحدّهطرفا إفراط وتفريط.
ويجب أن تعلم أنكل شخص يستحق مزاجاً يخصّه يندر أو لا يمكن أنيشاركه فيه الآخر.
وأما القسم السادس: فهو الواسطة بين هذين الحدين أيضا " وهوالمزاج الذي إذا حصل للشخص كان على أفضل ما ينبغي له أن يكون عليه.
وأما القسم السابع: فهو المزاج الذي يجب أن يكون لنوع كل عضو منالأعضاء يخالف به غيره فإن الاعتدال الذي للعظم هو أن يكون اليابس فيه أكثر وللدماغأن يكون الرطب فيه أكثر وللقلب أن يكون الحار فيه أكثر وللعصب أن يكون البارد فيهأكثر ولهذا المزاج أيضاً عرض يحده طرفا إفراط وتفريط هو دون العروض المذكورة فيالأمزجة المتقدمة.
وأما القسم الثامن: فهو الذي يخصّ كل عضو من الاعتدال حتى يكونالعضو على أحسن ما يكون له في مزاجه فهو الواسطة بين هذين الحدّين وهو المزاج الذيإذا حصل للعضو كان على أفضل ما ينبغي له أن يكون عليه.
فإذا اعتبرت الأنواع كان أقربها من الاعتدال الحقيقي هو الإنسان.
وإذا اعتبرت الأصناف فقد صحّ عندنا أنه إذا كان في الموضع الموازيلمعدل النهار عمارة ولم يعرض من الأسباب الأرضية أمر مضاد أعني من الجبال والبحارفيجب أن يكون سكانها أقرب الأصناف من الاعتدال الحقيقي.
وصحّ أن الظن الذيَ يقع أن هناك خروجاَ عن الاعتدال بسبب قرب الشمسظن فاسد فإن مسامتة الشمس هناك أقل نكاية وتغييرا " للهواء من مقاربتها ههنا أوأكثر عرضا " مما ههنا وإن لم تَسَامِت ثم سائر أحوالهم فاضلة متشابهة ولا يتضادعليهم الهواء تضاداً محسوسا " بل يشابه مزاجهم دائما ".
وكنا قد عملنا في تصحيح هذا الرأي رسالة.
ثم بعد هؤلاء فأعدل الأصناف سكان الاقليم الرابع فإنهم لا محترقونبدوام مسامتة الشمس رؤوسهم حيناً بعد حين بعد تباعدها عنهم كسكان أكثر الثانيوالثالث ولا فجون نيون بدوام بعد الشمس عن رؤوسهم كسكان أكثر الخامس وما هو أبعدمنه عرضاً وأما في الأشخاص فهو أعدل شخص من أعمل صنف من أعدل نوع.
وأما في الأعضاء فقد ظهر أن الأعضاء الرئيسة ليست شديدة القرب منالاعتدال الحقيقي بل يجب أن تعلم أن اللحم أقرب الأعضاء من ذلك الاعتدال وأقرب منهالجلد فإنه لا يكاد ينفعل عن ماء ممزوج بالتساوي نصفه جمد ونصفه مغلي ويكاد يتعادلفيه تسخين العروق والدم لتبريد العصب وكذلك لا ينفعل عن جسم حسن الخلط من أيبسالأجسام وأسيلها إذا كانا فيه بالسوية وإنما يعرف أنه لا ينفعل منه لأنه لا يحسوإنما كان مثله لما كان لا ينفعل منه لأنه لو كان مخالفاً له لانفعل عنه فإنالأشياء المتفقة العنصر المتضادة الطبائع ينفعل بعضها عن بعض.
وإنما لا ينفعل الشيء عن مشاركة في الكيفية إذا كان مشاركة فيالكيفية شبيهة فيها.
وأعدل الجلد جلد اليد وأعدل جلد اليد جلد الكف وأعدله جلد الراحةأعدله ما كان على الأصابع وأعدله ما كان على السبابة وأعدله ما كان على الأنملةمنها فلذلك هي وأنامل الأصابع الأخرى تكاد تكون هي الحاكمة بالطمع في مقاديرالملموسات.
فإن الحاكم يجب أن يكون متساوي الميل إلى الطرفين جميعا حتى يحسبخروج الطرف عن التوسط والعدل.
ويجب أن تعلم مع ما قد علمت أنا إذا قلنا للدواء أنه معتدل فلسنانعني بذلك أنه معتدل على الحقيقة فذلك غير ممكن.
ولا أيضاً أنه معتدل بالاعتدال الإنساني في مزاجه وإلا لكان من جوهرالإنسان بعينه.
ولكنا نعني أنه إذا انفعل عن الحار الغريزي في بدن الإنسان فتكيفبكيفية لم تكن تلك الكيفية خارجة عن كيفية الإنسان إلى طرف من طرفي الخروج عنالمساواة فلا يؤثر فيه أثراً مائلاً عن الاعتدال وكأنه معتدل بالقياس إلى فعله فيبدن الإنسان.
وكذلك إذا قلنا أنه حار أو بارد فلسنا نعني أنه في جوهره بغايةالحرارة أو البرودة ولا أنه في جوهره أحر من بدن الإنسان أو أبرد وإلا لكان المعتدلما مزاجه مثل مزاج الإنسان.
ولكنا نعني به أنه يحدث منه في بدن الإنسان حرارة أو برودة فوقاللتين له.
ولهذا قد يكون الدواء بارداً بالقياس إلى بدن الإنسان حاراً بالقياسإلى بدن العقرب وحاراً بالقياس إلى بدن الإنسان بارداً بالقياس إلى بدن الحية بل قديكون لدواء واحد أيضاً حاراً بالقياس إلى بدن زيد فوق كونه حاراً بالقياس إلى بدنعمرو.
ولهذا يؤمر المعالجون بأن لا يقيمون على دواء واحد في تبديل المزاجإذا لم ينجع.
وإذ قد استوفينا القول في المزاج المعتدل فلننتقل إلى غير المعتدلفنقول: إن الأمزجة الغير المعتدلة سواء أخذتها بالقياس إلى النوع أو الصنف أوالشخص أو العضو ثمانية بعد الاشتراك في أنها مقابلة للمعتدل.
وتلك الثمانية تحدث على هذا الوجه وهو أن الخارج عن الاعتدال إما أنيكون بسيطاً وإنما يكون خروجه في مضادة واحدة وإما أن يكون مركباً.
وإنما يكون خروجه في المضادتين جميعاً.
والبسيط الخارج في المضادة الواحدة إما في المضادة الفاعلة وذلك علىقسمين: لأنه إما أن يكون أحر مما ينبغي لكن ليس أرطب مما ينبغي ولا أيبس مماينبغي أو يكون أبرد مما ينبغي وليس أيبس مما ينبغي ولا أرطب مما ينبغي وإما أن يكونفي المضادة المنفعلة وذلك على قسمين: لأنه إما أن يكون أيبس مما ينبغي وليس أحرّولا أبرد مما ينبغي وإما أن يكون أرطب مما ينبغي وليس أحر ولا أبرد مما ينبغي.
لكن هذه الأربعة لا تستقرّ ولا تثبت زماناً له قدر فإن الأحر مماينبغي يجعل البدن أيبس مما ينبغي والأبرد مما ينبغي يجعل البدن أرطب مما ينبغيبالرطوبة الغريبة والأيبس مما ينبغي سريعاً ما يجعله أبرد مما ينبغي والأرطب مماينبغي إن كان بإفراط فإنه أسرع من الأيبس في تبريده وإن كان ليس بإفراط فإنه يحفظهمدة أكثر إلا أنه يجعله آخر الأمر أبرد مما ينبغي.
وأنت تفهم من هذا أن الاعتدال أو الصحة أشد مناسبة للحرارة منهاللبرودة فهذه هي الأربع المفردة.
وأما المركّبة التي يكون الخروج فيها في المضادتين جميعاً فمثل أنيكون المزاح أحر وأرطب معاً مما ينبغي أو أبرد وأرطب معاً مما ينبغي أو أبرد وأيبسمعاً.
ولا يمكن أن يكون أحر وأبرد معاً ولا أرطب وأيبس معاً.
وكل واحد من هذه الأمزجة الثمانية لا يخلو إما أن يكون بلا مادة وهوأن يحدث ذلك المزاج في البدن كيفية وحدها من غير أن يكون قد تكيف البدن به لنفوذخلط فيه متكيّف به فيتغير البدن إليه مثل حرارة المدقوق وبرودة الخصر المصرودالمثلوج وإما أن يكون مع مادة وهو أن يكون البدن إنما تكيف بكيفية ذلك المزاجلمجاورة خلط نافذ فيه غالب عليه تلك الكيفية مثل تبرد الجسم الإنساني بسبب بلغمزجاجي أو تسخنه بسبب صفراء كراثي.
وستجد في الكتاب الثالث والرابع مثالاً لواحد واحد من الأمزجة الستةعشر.
واعلم: أن المزاج مع المادة قد يكون على جهتين وذلك لأن العضو قديكون تارةً منتفعاً في المادة متبلاً بها وقد تكون تارةً المادة محتبسةً في مجاريهوبطونه فربما كان احتباسها ومداخلتها يحدث توريماً وربما لم يكن.
الفصل الثاني أمزجة الأعضاء
اعلم أنّ الخالق جل جلاله أعطى كل حيوان.
وكل عضو من المزاج ما هو أليق به وأصلح لأفعاله وأحواله بحسبالإمكان له.
وتحقيق ذلك إلى الفيلسوف دون الطبيب.
وأعطى الإنسان أعدل مزاج يمكن أن يكون في هذا العالم مع مناسبةلقواه التي بها يفعل وينفعل.
وأعطى كل عضو ما يليق به من مزاجه فجعل بعض الأعضاء أحر وبعضها أبردويعضها أيبس وبعضها أرطب.
فأما أحر ما في البدن فهو الروح والقلب الذي هو منشؤه ثم الدم فإنهوإن كان متولداً في الكبد فإنه لاتصاله بالقلب يستفيد من الحرارة ما ليس للكبد ثمالكبد لأنها كدم جامد ثم الرئة ثم اللحم وهو أقل منها بما يخالطه من ليف العصبالبارد ثم العضل وهو أقل حرارة من اللحم المفرد لما يخالطه من العصب والرباط ثمالطحال لما فيه من عكر الدم ثم الكِلى لأن الدم فيها ليس بالكثير ثم طبقات العروق الضوارب لا
بجواهرها العصبية بل بما تقبله من تسخين الدم والروح اللذين فيها ثم طبقات العروق السواكن لأجل الدم وحده ثم جلدة الكف المعتدلة وأبرد ما في البدن البلغم ثم الشحم ثم الشعر ثم العظم ثم الغضروف ثم الرباط ثم وأما أرطب ما في البدن فالبلغم ثم الدم ثم السمين ثم الشحم ثم الدماغ ثم النخاع ثم لحم الثدي والأنثيين ثم الرئة ثم الكبد ثم الطحال ثم الكليتان ثم العضل ثم الجلد. هذا هو الترتيب الذي رتبه " جالينوس "
إن الطب علم يتعرف منه أحوال بدن الإنسان من جهة ما يصح ويزول عن الصحة ليحفظ الصحةحاصلة ويستردها زائلة.
ولقائل أن يقول أن الطب ينقسم إلى نظر وعمل وأنتم قد جعلتم كلهنظراً إذ قلتم أنه علم.
وحينئذ نجيبه ونقول إنه يقال إن من الصناعات ما هو نظري وعملي ومنالحكمة ما هو نظري وعملي ويقال إن من الطب ما هو نظري وعملي.
ويكون المراد في كل قسمة بلفظ النظري والعملي شيئاً أخر ولا نحتاجألان إلى بيان اختلاف القسمين فقد حصل لك علم علميّ وعلم عمليّ وإن لم تعمل قط.
وليس لقائل أن يقول إن أحوال بدن الإنسان ثلاث: الصحة والمرضوحالة ثالثة لا صحة ولا مرض وأنت اقتصرت على قسمين فإن هذا القائل لعله إذا فكر لميجد أحد الأمرين واجباً لا هذا التثليث ولا إخلالنا به.
ثم إنه إن كان هذا التثليث واجباً فإن قولنا: الزوال عن الذصحةيتضمن المرض والحالة الثالثة التي جعلوها ليس لها حدّ الصحة إذ الصحة ملكة أو حالةتصدر عنها الأفعال من الموضوع لها سليمة ولا لها مقابل هذا الحد إلا أن يحدوا الصحةكما يشتهون ويشترطون فيه شروطاً ما بهم إليها حاجة.
ثم لا مناقشة مع الأطباء في هذا وما هم ممن يناقشون في مثله ولاتؤدي هذه المناقشة بهم أو بمن يناقشهم إلى فائدة في الطب.
وأما معرفة الحق في ذلك فمما يليق بأصول صناعة أخرى نعني أصول صناعةالمنطق فليطلب من هناك.
الفصل الثاني
لما كان الطب ينظر في بدن الإنسان من جهة ما يصح ويزول عن الصحةوالعلم بكل شيء إنما يحصل ويتمّ إذا كان له أسباب يعلم أسبابه فيجب أن يعرف في الطبأسباب الصحة والمرض والصحة والمرض.
وأسبابهما قد يكونان ظاهرين وقد يكونان خفيين لا ينالان بالحسّ بلبالاستدلال من العوارض فيجب أيضاَ أن تعرف في الطب العوارض التي تعرض في الصحةوالمرض.
وقد تبين في العلوم الحقيقية أن العلم بالشيء إنما يحصل من جهةالعلم بأسبابه ومبادين إن كانت له إن لم تكن فإنما يتمم من جهة العلم بعوارضهولوازمه الذاتية.
لكن الأسباب أربعة أصناف: مادية وفاعلية وصورية وتمامية.
والأسباب المادية: هي الأشياء الموضوعة التي فيها تتقوم الصحةوالمرض: أما الموضوع الأقرب فعضو أو روح.
وأما الموضوع الأبعد فهي الأخلاط وأبعد منه هو الأركان.
وهذان موضوعان بحسب التركيب وإن كان أيضاً مع الاستحالة وكل ما وضعكذلك فإنه يساق في تركيبه واستحالته إلى وحدة ما وتلك الوحدة في هذا الموضع التيتلحق تلك الكثرة: إما مزاج وإما هيئة.
أما المزاج فبحسب الاستحالة وإما الهيئة فبحسب التركيب.
وأما الأسباب الفاعلية: فهي الأسباب المغيرة أو الحافظة لحالاتبدن الإنسان من الأهوية وما يتصل بها والمطاعم والمياه والمشارب وما يتصل بهاوالاستفراغ والاحتقان والبلدان والمساكن وما يتصل بها والحركات والسكونات البدنيةوالنفسانية ومنها النوم واليقظة والاستحالة في الأسنان والاختلاف فيها وفي الأجناسوالصناعات والعادات والأشياء الواردة على البدن الإنساني مماسة له إما غير مخالفةللطبيعة وإما مخالفة للطبيعة.
وأمّا الأسباب الصورية: فالمزاجات والقوى الحادثة بعدهاوالتراكيب.
وأما الأسباب التمامية: فالأفعال وفي معرفة الأفعال معرفة القوىلا محالة ومعرفة الأرواح الحاملة للقوى كما سنبين فهذه موضوعات صناعة الطب من جهةأنها باحثة عن بدن الإنسان أنه كيف يصح ويمرض.
وأما من جهة تمام هذا البحث وهو أن تحفظ الصحة وتزيل المرض فيجب أنتكون لها أيضاً موضوعات أخر بحسب أسباب هذين الحالين وآلاتهما وأسباب ذلك التدبيربالمأكول والمشروب واختيار الهواء وتقدير الحركة والسكون والعلاج بالدواء والعلاجباليد وكل ذلك عند الأطباء بحسب ثلاثة أصناف من الأصحاء والمرضى والمتوسطين الذيننذكرهم ونذكر أنهم كيف يعدون متوسطين بين قسمين لا واسطة بينهما في الحقيقة.
وإذ قد فصلنا هذه البيانات فقد اجتمع لنا أن الطب ينظر في الأركانوالمزاجات والأخلاط والأعضاء البسيطة والمركبة والأرواح وقواها الطبيعية والحيوانيةوالنفسانية والأفعال وحالات البدن من الصحة والمرض والتّوسط وأسبابها من المآكلوالمشارب والأهوية والمياه والبلدان والمساكن والاستفراغ والاحتقان والصناعاتوالعادات والحركات البدنية والنفسانية والسكونات والأسنان والأجناس والورادات علىالبدن من الأمور الغريبة والتدبير بالمطاعم والمشارب واختيار الهواء واختيارالحركات والسكونات والعلاج والأدوية وأعمال اليد لحفظ الصحة وعلاج مرض مرض فبعض هذهالأمور إنما يجب عليه من جهة ما هو طبيب أن يتصوره بالماهية فقط تصوراً علمياًويصدق بهليته تصديقاً على أنه وضع له مقبول من صاحب العلم الطبيعي وبعضها يلزمه أنيبرهن عليه في صناعته فما كان من هذه كالمبادئ فيلزمه أنه يتقلد هليتها فإن مبادىءالعلوم الجزئية مسلمة وتتبرهن وتتبين في علوم أخرى أقدم منها وهكذا حتى ترتقيمبادىء العلوم كلها إلى الحكمة الأولى التي يقال لها علم ما بعد الطبيعة.
وإذا شرع بعض المتطلبين وأخذ يتكلم في إثبات العناصر والمزاج ومايتلو ذلك مما هو موضوع العلم الطبيعي فإنه يغلط من حيث يورد في صناعة الطب ما ليسمن صناعة الطب ويغلط من حيث يظن أنه قد يبين شيء ولا يكون قد بينه البتة فالذي يجبأن يتصوّره الطبيب بالماهية ويتقلد ما كان منه غير بين الوجود بالهلية هو هذهالجملة الأركان أنها هل هي وكم هي والمزاجات أنها هل هي وما هي وكم هي والأخلاطأيضاً هل هي وما هي وكم هي والقوى هل هي وكم هي والأرواح هل هي وكم هي وأين هي.
وأن لكل تغير حال وثباته سبباً وأن الأسباب كم هي.
وأما الأعضاء ومنافعها فيجب أن يصادفها بالحس والتشريح.
والذي يجب أن يتصوره ويبرهن عليه الأمراض وأسبابها الجزئيةوعلاماتها وأنه كيف يزال المرض وتحفظ الصحة فإنه يلزمه أن يعطي البرهان على ما كانمن هذا خفي الوجود بتفصيله وتقديره وتوفيته.
و " جالينوس " إذ حاول إقامة البرهان على القسم الأول فلا يجبأن يحاول ذلك من جهة أنه طبيب ولكن من جهة أنه يجب أن يكون فيلسوفاً يتكلم في العلمالطبيعي كما أن الفقيه إذا حاول أن يثبت صحة وجوب متابعة الإجماع فليس ذلك له منجهة ما هو فقيه ولكن من جهة ما هو متكلم ولكن الطبيب من جهة ما هو طبيب والفقيه منجهة ما هو فقيه ليس يمكنه أن يبرهن على ذاك بته! وإلا وقع الدور.
التعليم الثاني في الأركان
وهو فصل واحد الأركان هي أجسام ما بسيطة: هي أجزاء أولية لبلنالإنسان وغيره وهي التي لا يمكن أن تنقسم إلى أجزاء مختلفة بالصورة وهي التي تنقسمالمركبات إليها ويحدث بامتزاجها الأنواع المختلفة الصور من الكائنات فليتسلم الطبيبمن الطبيعي أنها أربعة لا غير اثنان منها خفيفان واثنان ثقيلان فالخفيفان الناروالهواء والثقيلان الماء والأرض والأرض جرم بسيط موضعه الطبيعي هو وسط الكل يكونفيه بالطبع ساكناً ويتحرك إليه بالطبع إن كان مبايناً وذلك ثقله المطلق وهو بارديابس في طبعه أي طبعه طبع إذا خلي وما يوجبه ولم يغيره سبب من خارج ظهر عنه بردمحسوس ويبس.
ووجوده في الكائنات وجد مفيد للاستمساك والثبات وحفظ الأشكالوالهيئات.
وأما الماء فهو جرم بسيط موضعه الطبيعي أن يكون شاملاً للأرضمشمولاً للهواء إذا كانا على وضعيهما الطبيعيين وهو ثقله الإضافي.
وهو بارد رطب أي طبعه طبع إذا خلي وما يوجبه ولم يعارضه سبب من خارجظهر فيه برد محسوس وحالة هي رطوبة وهي كونه في جبلته بحيث يجيب بأدنى سبب إلى أنيتفرق ويتحد ويقبل أي شكل كان ثم لا يحفظه.
ووجوده في الكائنات لتسلس الهيئات التي يراد في أجزائها التشكيلوالتخطيط والتعديل فإن الرطب وإن كان سهل الترك للهيئات الشكلية فهو سهل القبول لهاكما أن اليابس وإن كان عسر القبول للهيئات الشكلية فهو عسر الترك لها ومهما تخمراليابس بالرطب استفاد اليابس من الرطب قبولا " للتمديد والتشكيل سهلاً واستفادالرطب من اليابس حفظاً لما حدث فيه من التقويم والتعديل قوياً واجتمع اليابس بالرطبعن تشتته واستمسك الرطب باليابس عن سيلانه.
وأما الهواء فإنه جرم بسيط موضعه الطبيعي فوق الماء وتحت النار وهذاخفته الإضافية وطبعه حار رطب على قياس ما قلنا ووجوده في الكائنات لتتخلخل وتلطفوتخف وتستقل.
وأما النار فهو جرم بسيط موضعه الطبيعي فوق الأجرام العنصرية كلهاومكانه الطبيعي هو السطح المقعر من الفلك الذي ينتهي عنده الكون والفساد وذلك خفتهالمطلقة وطبعه حار يابس ووجوده في الكائنات لينضج ويلطف ويمتزج ويجري فيها بتنفيذهالجوهر الهوائي وليكسر من محوضة برد العنصرين الثقيلين الباردين فيرجعا عن العنصريةإلى المزاجية.
والثقيلان أعون في كون الأعضاء وفي سكونها.
والخفيفان أعون في كون الأرواح وفي تحرّكها وتحريك الأعضاء وإن كانالمحرك الأول هو النفس بإذن باريها فهذه هي
التعليم الثالث الأمزجة
وهو ثلاثة فصول
الفصل الأول المزاج
أقول: المزاج: كيفية حاصلة من تفاعل الكيفيات المتضادات إذاوقفت على حد ما.
ووجودها في عناصر متصغرة الأجزاء ليماس أكثر كل واحد منها أكثرالآخر.
إذا تفاعلت بقواها بعضها في بعض حدث عن جملتها كيفية متشابهة فيجميعها هي: المزاج والقوى الأولية في الأركان المذكورة أربع هي: الحرارةوالبرودة والرطوبة واليبوسة.
وبين أن المزاجات في الأجسام الكائنة الفاسدة إنما تكون عنها وذلكبحسب ما توجبه القسمة العقلية بالنظر المطلق غير مضاف إلى شيء على وجهين.
وأحد الوجهين أن يكون المزاج معتدلاً على أن تكون المقادير منالكيفيات المتضادة في الممتزج متساوية متقاومة ويكون المزاج كيفية متوسطة بينهابالتحقيق.
أميل إلى أحد الطرفين إما في إحدى المتضادتين اللتين بين البرودةوالحرارة والرطوبة واليبوسة وأما في كليهما.
لكن المعتبر في صناعة الطب بالاعتدال والخروج عن الاعتدال ليس هذاولا ذلك بل يجب أن يتسلم الطبيب من الطبيعي.
إن المعتدل على هذا المعنى مما لا يجوز أن يوجد أصلاً فضلاً عن أنيكون مزاج إنسان أو عضو إنسان وأن يعلم أن المعتدل الذي يستعمله الأطباء في مباحثهمهو مشتق لا من التعادل الذي هو التوازن بالسوية بل من العدل في القسمة وهو أن يكونقد توفر فيه على الممتزج بدناً كان بتمامه أو عضواً من العناصر بكمياتها وكيفياتهاالقسط الذي ينبغي له في المزاج الإنساني على أعدل قسمة ونسبة.
لكنه قد يعرض أن تكون هذه القسمة التي تتوفر على الإنسان قريبة جداًمن المعتدل الحقيقي الأوَل وهذا الاعتدال المعتبر بحسب أبدان الناس أيضاً الذي هوبالقياس إلى غير مما ليس له ذلك الاعتدال وليس له قرب الإنسان من الاعتدال المذكورفي الوجه الأول يعرض له ثمانية أوجه من الاعتبارات.
فإنه إما أن يكون بحسب النوع مقيساً إلى ما يختلف مما هو خارجعنه.
وإما أن يكون بحسب النوع مقيساً إلى ما يختلف مما هو فيه.
وإما أن يكون بحسب صنف من النوع مقيساً إلى ما يختلف مما هو خارجعنه وفي نوعه وإما أن يكون بحسب الشخص من الصنف من النوع مقيساً إلى ما يختلف مماهو خارج عنه وفي صنفه وفي نوعه.
وإما أن يكون بحسب الشخص مقيساً إلى ما يختلف من أحواله في نفسه.
وإما أن يكون بحسب العضو مقيساً إلى ما يختلف مما هو خارج عنه وفيبدنه.
وإما أن يكون بحسب العضو مقيساً إلى أحواله في نفسه.
والقسم الأوّل: هو الاعتدال الذي للإنسان بالقياس إلى سائرالكائنات وهو شيء له عرض وليس منحصر في حد وليس ذلك أيضاً كيف اتفق بل له فيالإفراط والتفريط حدان إذا خرج عنهما بطل المزاج عن أَن يكون مزاج إنسان.
وأما الثاني: فهو الواسطة بين طرفي هذا المزاج العريض ويوجد فيشخص في غاية الاعتدال من صنف في غاية الاعتدال في السنّ الذي يبلغ فيه النشوّ غايةالنموّ وهذا أيضا " وإن لم يكن الاعتدال الحقيقي المذكور في ابتداء الفصل حتىيمتنع وجوده فإنه مما يعسر وجوده وهذا الإنسان أيضاً إنما يقرب من الاعتدال الحقيقيالمذكور لا كيف اتفق ولكن تتكافأ أعضاؤه الحارة كالقلب والباردة كالدماغ والرطبةكالكبد واليابسة كالعظام فإذا توازنت وتعادلت قربت من الاعتدال الحقيقي وأماباعتبار كل عضو في نفسه إلا عضواً واحداً وهو الجلد على ما نصفه بعد.
وإما بالقياس إلى الأرواح وإلى الأعضاء الرئيسة فليس يمكن أن يكونمقارباً لذلك الاعتدال الحقيقي بل خارجاً عنه إلى الحرارة والرطوبة.
فإن مبدأ الحياة هو القلب والروح وهما حاران جداً مائلان إلىالإفراط.
والحياة بالحرارة والنشوء بالرطوبة بل الحرارة تقوم بالرطوبة وتغتذيبها.
والأعضاء الرئيسة ثلاثة كما سنبين بعد هذا والبارد منها واحد وهوالدماغ.
وبرده لا يبلغ أن يعدل حر القلب والكبد.
واليابس منها أو القريب من اليبوسة واحد وهو القلب ويبوسته لا تبلغأن تعدل مزاج رطوبة الدماغ والكبد.
وليس الدماغ أيضاً بذلك البارد ولا القلب أيضاً بذلك اليابس ولكنالقلب بالقياس إلى الآخر يابس والدماغ بالقياس إلى الآخرين بارد.
وأما القسم الثالث: فهو أضيق عرضاً من القسم الأول أعني منالاعتدال النوعي إلا أن له عرضاً صالحاً وهو المزاج الصالح لأمةٍ من الأمم بحسبالقياس إلى إقليم من الأقاليم وهواء من الأهوية فإن للهند مزاجاً يشمهلم يصحونبه.
وللصقالبة مزاجاً آخر يخصون به ويصحون به.
كل واحد منهما معتدل بالقياس إلى صنفه وغير معتدل بالقياس إلىالآخر.
فإن البدن الهندي إذا تكيف بمزاج الصقلابي مرض أو هلك.
وكذلك حال البدن الصقلابي إذا تكيّف بمزاج الهندي.
فيكون إذن لكل واحد من أصناف سكان المعمورة مزاج خاص يوافق هواءإقليمه وأما القسم الرابع: فهو الواسطة بين طرفي عرض مزاج الإقليم وهو أعدل أمزجةذلك الصنف.
وأما القسم الخامس: فهو أضيق من القسم الأوّل والثالث وهو المزاجالذي يجب أن يكون لشخص معيّن حتى يكون موجوداً حيا " صحيحاً وله أيضاً عرض يحدّهطرفا إفراط وتفريط.
ويجب أن تعلم أنكل شخص يستحق مزاجاً يخصّه يندر أو لا يمكن أنيشاركه فيه الآخر.
وأما القسم السادس: فهو الواسطة بين هذين الحدين أيضا " وهوالمزاج الذي إذا حصل للشخص كان على أفضل ما ينبغي له أن يكون عليه.
وأما القسم السابع: فهو المزاج الذي يجب أن يكون لنوع كل عضو منالأعضاء يخالف به غيره فإن الاعتدال الذي للعظم هو أن يكون اليابس فيه أكثر وللدماغأن يكون الرطب فيه أكثر وللقلب أن يكون الحار فيه أكثر وللعصب أن يكون البارد فيهأكثر ولهذا المزاج أيضاً عرض يحده طرفا إفراط وتفريط هو دون العروض المذكورة فيالأمزجة المتقدمة.
وأما القسم الثامن: فهو الذي يخصّ كل عضو من الاعتدال حتى يكونالعضو على أحسن ما يكون له في مزاجه فهو الواسطة بين هذين الحدّين وهو المزاج الذيإذا حصل للعضو كان على أفضل ما ينبغي له أن يكون عليه.
فإذا اعتبرت الأنواع كان أقربها من الاعتدال الحقيقي هو الإنسان.
وإذا اعتبرت الأصناف فقد صحّ عندنا أنه إذا كان في الموضع الموازيلمعدل النهار عمارة ولم يعرض من الأسباب الأرضية أمر مضاد أعني من الجبال والبحارفيجب أن يكون سكانها أقرب الأصناف من الاعتدال الحقيقي.
وصحّ أن الظن الذيَ يقع أن هناك خروجاَ عن الاعتدال بسبب قرب الشمسظن فاسد فإن مسامتة الشمس هناك أقل نكاية وتغييرا " للهواء من مقاربتها ههنا أوأكثر عرضا " مما ههنا وإن لم تَسَامِت ثم سائر أحوالهم فاضلة متشابهة ولا يتضادعليهم الهواء تضاداً محسوسا " بل يشابه مزاجهم دائما ".
وكنا قد عملنا في تصحيح هذا الرأي رسالة.
ثم بعد هؤلاء فأعدل الأصناف سكان الاقليم الرابع فإنهم لا محترقونبدوام مسامتة الشمس رؤوسهم حيناً بعد حين بعد تباعدها عنهم كسكان أكثر الثانيوالثالث ولا فجون نيون بدوام بعد الشمس عن رؤوسهم كسكان أكثر الخامس وما هو أبعدمنه عرضاً وأما في الأشخاص فهو أعدل شخص من أعمل صنف من أعدل نوع.
وأما في الأعضاء فقد ظهر أن الأعضاء الرئيسة ليست شديدة القرب منالاعتدال الحقيقي بل يجب أن تعلم أن اللحم أقرب الأعضاء من ذلك الاعتدال وأقرب منهالجلد فإنه لا يكاد ينفعل عن ماء ممزوج بالتساوي نصفه جمد ونصفه مغلي ويكاد يتعادلفيه تسخين العروق والدم لتبريد العصب وكذلك لا ينفعل عن جسم حسن الخلط من أيبسالأجسام وأسيلها إذا كانا فيه بالسوية وإنما يعرف أنه لا ينفعل منه لأنه لا يحسوإنما كان مثله لما كان لا ينفعل منه لأنه لو كان مخالفاً له لانفعل عنه فإنالأشياء المتفقة العنصر المتضادة الطبائع ينفعل بعضها عن بعض.
وإنما لا ينفعل الشيء عن مشاركة في الكيفية إذا كان مشاركة فيالكيفية شبيهة فيها.
وأعدل الجلد جلد اليد وأعدل جلد اليد جلد الكف وأعدله جلد الراحةأعدله ما كان على الأصابع وأعدله ما كان على السبابة وأعدله ما كان على الأنملةمنها فلذلك هي وأنامل الأصابع الأخرى تكاد تكون هي الحاكمة بالطمع في مقاديرالملموسات.
فإن الحاكم يجب أن يكون متساوي الميل إلى الطرفين جميعا حتى يحسبخروج الطرف عن التوسط والعدل.
ويجب أن تعلم مع ما قد علمت أنا إذا قلنا للدواء أنه معتدل فلسنانعني بذلك أنه معتدل على الحقيقة فذلك غير ممكن.
ولا أيضاً أنه معتدل بالاعتدال الإنساني في مزاجه وإلا لكان من جوهرالإنسان بعينه.
ولكنا نعني أنه إذا انفعل عن الحار الغريزي في بدن الإنسان فتكيفبكيفية لم تكن تلك الكيفية خارجة عن كيفية الإنسان إلى طرف من طرفي الخروج عنالمساواة فلا يؤثر فيه أثراً مائلاً عن الاعتدال وكأنه معتدل بالقياس إلى فعله فيبدن الإنسان.
وكذلك إذا قلنا أنه حار أو بارد فلسنا نعني أنه في جوهره بغايةالحرارة أو البرودة ولا أنه في جوهره أحر من بدن الإنسان أو أبرد وإلا لكان المعتدلما مزاجه مثل مزاج الإنسان.
ولكنا نعني به أنه يحدث منه في بدن الإنسان حرارة أو برودة فوقاللتين له.
ولهذا قد يكون الدواء بارداً بالقياس إلى بدن الإنسان حاراً بالقياسإلى بدن العقرب وحاراً بالقياس إلى بدن الإنسان بارداً بالقياس إلى بدن الحية بل قديكون لدواء واحد أيضاً حاراً بالقياس إلى بدن زيد فوق كونه حاراً بالقياس إلى بدنعمرو.
ولهذا يؤمر المعالجون بأن لا يقيمون على دواء واحد في تبديل المزاجإذا لم ينجع.
وإذ قد استوفينا القول في المزاج المعتدل فلننتقل إلى غير المعتدلفنقول: إن الأمزجة الغير المعتدلة سواء أخذتها بالقياس إلى النوع أو الصنف أوالشخص أو العضو ثمانية بعد الاشتراك في أنها مقابلة للمعتدل.
وتلك الثمانية تحدث على هذا الوجه وهو أن الخارج عن الاعتدال إما أنيكون بسيطاً وإنما يكون خروجه في مضادة واحدة وإما أن يكون مركباً.
وإنما يكون خروجه في المضادتين جميعاً.
والبسيط الخارج في المضادة الواحدة إما في المضادة الفاعلة وذلك علىقسمين: لأنه إما أن يكون أحر مما ينبغي لكن ليس أرطب مما ينبغي ولا أيبس مماينبغي أو يكون أبرد مما ينبغي وليس أيبس مما ينبغي ولا أرطب مما ينبغي وإما أن يكونفي المضادة المنفعلة وذلك على قسمين: لأنه إما أن يكون أيبس مما ينبغي وليس أحرّولا أبرد مما ينبغي وإما أن يكون أرطب مما ينبغي وليس أحر ولا أبرد مما ينبغي.
لكن هذه الأربعة لا تستقرّ ولا تثبت زماناً له قدر فإن الأحر مماينبغي يجعل البدن أيبس مما ينبغي والأبرد مما ينبغي يجعل البدن أرطب مما ينبغيبالرطوبة الغريبة والأيبس مما ينبغي سريعاً ما يجعله أبرد مما ينبغي والأرطب مماينبغي إن كان بإفراط فإنه أسرع من الأيبس في تبريده وإن كان ليس بإفراط فإنه يحفظهمدة أكثر إلا أنه يجعله آخر الأمر أبرد مما ينبغي.
وأنت تفهم من هذا أن الاعتدال أو الصحة أشد مناسبة للحرارة منهاللبرودة فهذه هي الأربع المفردة.
وأما المركّبة التي يكون الخروج فيها في المضادتين جميعاً فمثل أنيكون المزاح أحر وأرطب معاً مما ينبغي أو أبرد وأرطب معاً مما ينبغي أو أبرد وأيبسمعاً.
ولا يمكن أن يكون أحر وأبرد معاً ولا أرطب وأيبس معاً.
وكل واحد من هذه الأمزجة الثمانية لا يخلو إما أن يكون بلا مادة وهوأن يحدث ذلك المزاج في البدن كيفية وحدها من غير أن يكون قد تكيف البدن به لنفوذخلط فيه متكيّف به فيتغير البدن إليه مثل حرارة المدقوق وبرودة الخصر المصرودالمثلوج وإما أن يكون مع مادة وهو أن يكون البدن إنما تكيف بكيفية ذلك المزاجلمجاورة خلط نافذ فيه غالب عليه تلك الكيفية مثل تبرد الجسم الإنساني بسبب بلغمزجاجي أو تسخنه بسبب صفراء كراثي.
وستجد في الكتاب الثالث والرابع مثالاً لواحد واحد من الأمزجة الستةعشر.
واعلم: أن المزاج مع المادة قد يكون على جهتين وذلك لأن العضو قديكون تارةً منتفعاً في المادة متبلاً بها وقد تكون تارةً المادة محتبسةً في مجاريهوبطونه فربما كان احتباسها ومداخلتها يحدث توريماً وربما لم يكن.
الفصل الثاني أمزجة الأعضاء
اعلم أنّ الخالق جل جلاله أعطى كل حيوان.
وكل عضو من المزاج ما هو أليق به وأصلح لأفعاله وأحواله بحسبالإمكان له.
وتحقيق ذلك إلى الفيلسوف دون الطبيب.
وأعطى الإنسان أعدل مزاج يمكن أن يكون في هذا العالم مع مناسبةلقواه التي بها يفعل وينفعل.
وأعطى كل عضو ما يليق به من مزاجه فجعل بعض الأعضاء أحر وبعضها أبردويعضها أيبس وبعضها أرطب.
فأما أحر ما في البدن فهو الروح والقلب الذي هو منشؤه ثم الدم فإنهوإن كان متولداً في الكبد فإنه لاتصاله بالقلب يستفيد من الحرارة ما ليس للكبد ثمالكبد لأنها كدم جامد ثم الرئة ثم اللحم وهو أقل منها بما يخالطه من ليف العصبالبارد ثم العضل وهو أقل حرارة من اللحم المفرد لما يخالطه من العصب والرباط ثمالطحال لما فيه من عكر الدم ثم الكِلى لأن الدم فيها ليس بالكثير ثم طبقات العروق الضوارب لا
بجواهرها العصبية بل بما تقبله من تسخين الدم والروح اللذين فيها ثم طبقات العروق السواكن لأجل الدم وحده ثم جلدة الكف المعتدلة وأبرد ما في البدن البلغم ثم الشحم ثم الشعر ثم العظم ثم الغضروف ثم الرباط ثم وأما أرطب ما في البدن فالبلغم ثم الدم ثم السمين ثم الشحم ثم الدماغ ثم النخاع ثم لحم الثدي والأنثيين ثم الرئة ثم الكبد ثم الطحال ثم الكليتان ثم العضل ثم الجلد. هذا هو الترتيب الذي رتبه " جالينوس "