بركان آيسلندا عظات وعبر
علاء الدين محمود مارديني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين
أما بعد:
لقد تكاثرت في هذه السنواتِ الأخيرة المحنُ والفتن البشريّة، وتضاعفتِ الحوادثُ والكوارث الكونيّة، وما ذلك إلا نذرٌ إلهيّة يخوِّف الله بها عبادَه، ويوقظهم من سُبات الغفلة، ويحذّرهم من مَغبّة الإعراض عنه، فمن براكين محرقة، إلى فيضانات مُغرِقة ، إلى زلازلَ مُهلِكة ، إلى أمراض قاتلة، إلى تسليطِ بعض الناس على بعض، إلى إرسال بعض الدوابِّ المهلكة للحرث والنسل المدمِّرة للاقتصاد.. فحريٌّ بالعلماء وطلاب العلم أن يجَلُّوا للناس الأسبابَ الحقيقيّة التي تستجلب البلاء، في ضوء قول الله تعالى: ((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)) الأعراف: ٩٦
لقد أصبح الرماد البركاني الذي انبعث إثر ثوران بركانٍ تحت منطقة جليدية في آيسلندا حديث الساعة؛ الخبر الأول في نشرات الأخبار، وعلى الصفحة الرئيسية للصحف والمجلات، وحديث الناس من أقصى الأرض إلى أقصاها.
وهاهي آيسلندا تستسلم لرماد البركان الذي غطى سماءها بعد أن كانت واحدة من الدول الأكثر ثراء وتقدمًا في العالم، إذ احتلت عام 2007 المرتبة الأولى بوصفها البلد الأكثر تطوراً في العالم، كما تعتبر رابع أكبر دولة من حيث مستوى دخل الفرد.
وأيسلندا جزيرة تقع على مرتفع وسط المحيط الأطلسي في منطقة حدودية بين أميركا الشمالية وأوروبا، وسبق لها أن شهدت اندلاع ثورة بركانية تحت الجليد في عام 1821 استمرت لمدة عامين.
قال تعالى: ((حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )) يونس: ٢٤
لقد أصاب هذا الرماد البركاني القارة الأوربية بالذعر والهلع ، لم لا ؟
إن الرماد البركاني الأسود وصل إلى ارتفاع 11 كم وغطى مساحات شاسعة من أجواء القارة الأوربية الجميلة، فلك أن تتخيل هذا المشهد المرعب.
وطبقاً لعالم الفيزياء الجيولوجية غونار غونارسون من معهد ايسلندا للأرصاد الجوية فان ثوران البركان وقع في الجزء الجنوبي الغربي من فوهة بركان ايافيالايوكول.
فما بالكم رحمكم الله لو كان الفوران من كامل الفوهة؟
إنه غبار البركان فقط فما ظنكم لو ثار البركان؟
آلاف رحلات الطيران ألغيت، مئات المطارات أغلقت، مئات الملايين من الدولارات ذهبت، لقد أصيبت حركة الملاحة الجوية بمعظم مطارات أوروبا بالشلل التام، فترى الطائرات قابعة على الأسفلت بلا حراك وهي تحترق شوقاً للطيران والتحليق فوق جبال أوربا البيضاء .
لذا قدرت الجمعية الدولية للنقل الجوي (اياتا) الخسائر الناجمة عن هذه الكارثة على حركة النقل الجوي بـ 200 مليون دولار يومياً، وقد قدرت الخسائر الإجمالية حتى الآن بما يقرب من 2 مليار دولار.
وقال بعض الخبراء: إن شركات الطيران تحتاج إلى ثلاث سنوات لاستعادة عافيتها نتيجة لهذه الضربة غير المتوقعة، بالإضافة لإعلان بعض شركات الطيران الصغيرة عن إفلاسها.
فأوربا اليوم تواجه أكبر مشكلة للنقل الجوي في تاريخها، بل عدها البعض الأسوأ من نوعها في تاريخ الطيران المدني الأوربي.
كما أن كثيراً من المصانع أغلقت وأفلست ولحقت أضرار كبيرة بمستوردين ومصدرين، وانخفض الطلب على وقود الطائرات، ومن بين المتضررين الشركات التي تصدر الزهور والفواكه والخضروات والمواد الغذائية جواً إلى المتاجر الكبيرة في أوروبا والتي تكبدت خسائر فادحة، وكذلك شركات التكنولوجيا التي تعتمد على تسليم مكونات منتجاتها في أوقات معينة، وكذلك شركات تصنيع الأدوية، وشركات أخرى لا تعد ولا تحصى، بالإضافة إلى إقالة آلاف العمال من وظائفهم.
ففي اليابان أعلنت شركة نيسان لصناعة السيارات عن وقف ثلاثة خطوط للإنتاج لعدم تمكنها من استيراد بعض مكوناتها من ايرلندا.
وفي كوريا الجنوبية قالت شركتا سامسونغ وال جي إنهما ليستا قادرتين على تسليم 200 ألف هاتف نقال تبلغ قيمتها 30 مليون دولار، هذا والاقتصاد العالمي لم يتعاف من أزمته المالية ولم يضمد جراحه بعد.
لقد تحولت المطارات إلى فنادق كبيرة، فقد افترش العالقون أرض المطارات، والتحفوا بما يملكون من ثياب في حقائبهم، وجعلوا مقاعد الانتظار أسِرَّة لهم، فانتشرت الفوضى، وارتفعت أصوات النداءات والاستغاثات بالسفارات ولكن لا أحد يجيب لأن الأمر خرج عن السيطرة البشرية، كما هرعت فرق الدفاع المدني لتأمين مستلزمات الإقامة من أسرة وأغطية بعد أن امتلأت فنادق المدن بالنزلاء.
ومازال مصير هؤلاء النزلاء مجهولاً، لا يعرفون متى يعودون لأوطانهم وأسرهم، فقد قُدِّر عددهم بسبعة ملايين، فهذا تأخر عن تجارته وذاك تأخر عن دراسته، يعيشون على نفقات المحسنين ينتظرون طعامهم وشرابهم، وأغلى أمنياتهم الحصول على تذكرة طيران تخفف من مآسيهم.
وأمام هذه الكارثة الاقتصادية لشركات الطيران العالمية, زاد الطلب على القطارات والباصات والعبّارات المائية، وزاد الضغط كذلك على الفنادق، ونشطت شركات السكك الحديدية التي سيرت قطارات إضافية بين دول أوروبا، وارتفعت أسعار الرحلات ارتفاعاً خيالياً .
فسبحان مقسم الأرزاق، فبينما أولئك يتجرعون مرارة خسائرهم الفادحة، ينعم هؤلاء بأرباح خيالية لم تكن لهم يوما بالحسبان، (مصائب قوم عند قوم فوائد).
ومازال علماء البيئة متخوفين من نتائج هذا الرماد المجهول التأثير على النباتات والحيوانات والأنهار و المياه الجوفية، بل وحتى على الإنسان نفسه، فقد أدى ذوبان الجليد إلى إخلاء قرىً كاملة من سكانها بسبب الفيضانات.
ولقد غدا علماء البيئة وعلم الأرض والأرصاد في حيرة واضطراب، فبعضهم يقول إن البركان سيهدأ وآخرون يقولون سيزداد، وفريق ثالث يقف حائراً ولا يدري متى سيتوقف البركان عن نفث الغبار الذي يَسبَح ويُسبِّح في سماء أوربا، فقد تتواصل لعدة أيام وربما عدة أشهر وربما أكثر، وبعضهم يرى أن الأسوأ لم يأتِ بعد.
وقد صرح المتخصصون في علم الأرض بمكاتب الأرصاد بقولهم : "نرى إشارات متباينة، توجد بعض الإشارات التي تدل على أن الثوران سيهدأ ويخمد ، وأخرى تظهر أنه مستمر ومندفع ".
قال تعالى: ((وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ)) المدثر: ٣١
والسؤال المهم الآن هل سيواصل البركان ثورته ونفث الرماد في المجال الجوي وإلى أين ستحمل الرياحُ الرمادَ وإلى متى سيظل الرماد العالق في الجو بالفعل متجمعا فوق أوروبا؟.
أين العلماء؟
أين الخبراء؟
أين التقدم العلمي؟
أين التكنولوجيا؟
أين مراكز الأبحاث؟
أين أجهزة التنبؤ عن الزلازل والبراكين؟
إن الأحداث والحوادث تثبت يوماً بعد يوم قصور البشر، سواء في التحليل وتوقع الأزمات، أو في الاستعدادات والاحتياطات، أو في التصدي لها، قال تعالى: ((فَأَتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ)) الحشر: ٢.
إن الله سبحانه يخلق مايشاء من الآيات ويرسلها تذكيراً وتخويفاً قال تعالى: ((وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً)) الإسراء: ٥٩، وقال تعالى: ((سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)) فصلت: ٥٣ .
فمع هذه الأحداث ينقسم الناس إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول هم الجاحدون المنكرون، وهذا رئيس آيسلندا يقول: " إن ما يحدث عرضٌ لقوى الطبيعة".
إن هذا الرئيس شأنه شأن قوم صالح في عدم فهمهم للآية التي أرسلها الله إليهم قال تعالى: ((فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ)) الأحقاف: ٢٤ .
فلم يجدوا في السحابة التي أظلتهم سوى أنها ظاهرة من ظواهر الطبيعة التي تتسبب في نزول المطر، خاصة وأنهم كانوا ممحلين محتاجين إلى المطر، ولكن لم تكن هذه الغمامة سوى العذاب الذي قالوا فيه من قبل: ((فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ)) الأحقاف: ٢٢ .
فهؤلاء جحدوا كما جحد فرعون وقومه بالآيات التي جاء بها موسى عليه السلام، وفي هؤلاء قال تعالى: ((وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا)) الأعراف46، وقال تعالى على لسانهم: ((وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً مُجْرِمِين)) َالأعراف: ١٣٢ – ١٣٣.
قال القرطبي: أما الجراد فرجز وعذاب؛ أي أن إرسال الله الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم كان آيات من الله لهم ليرجعوا إليه سبحانه، فأما من تدبر منهم ذلك فقد تاب وأناب إلى الله، وأما من استمر في عناده؛ فلم ير في هذه الآيات سوى أنها مجرد ظواهر طبيعية تحدث وفقاً لنواميس معتادة، فقد وقع تحت طائلة العقاب.انتهى.
فترى البعض ينسب مثل هذه الأحداث الكونية إلى الطبيعة ناسياً أو متناسياً قدرة الله العظيمة، أو متأثراً باللوثة المادية وأن الطبيعة تخبط خبط عشواء.
إن النُّفوس التي أعرضت عنِ الله تعالى تأبى أن تَتَّخذ هذه الأحداث آيةً وعِبرةً وعِظةً، وتَنسِبُها إلى ظَواهِرَ طَبيعيَّةٍ فَحسب، زاعمةً أن لها أسبابًا مَعروفة، ويقولون كما قال من ساروا على دربهم ممَّن سَبَقَهم ؛ قال تعالى على لسانهم: ((وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)) الأعراف:95.
فَيَعُدُّونَ ذلك حالةً طَبيعيَّةً وليست عقوبةً إلهيَّةً، ممَّا يجعلُهُم يتمادَون في غيِّهم، ويستمرونَ في عصيانهم.
والقسم الثاني هم المعرضون، كما قال تعالى: ((وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ )) يس: ٤٦، وقال تعالى: (( وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ)) القمر: ٢.
أما القسم الثالث فهم المؤمنون الذين ينتفعون بهذه الآيات ولايمرون عليها وهم معرضون، قال تعالى في وصف عباد: ((وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً)) الفرقان:73 .
فالمسلم لا تمر عليه مثل هذه الأحداث العظيمة دون أن تكون له وقفة تأمل تنطلق من عقيدته وإيمانه بالله، فقلبه يتأثر بالآيات الكونية التي يراها ماثلة أمام عينيه، وهذه الآيات تذكره بالله وتحيي قلبه وتجدد الإيمان فيه، وتجعله متصلاً بالله ذاكراً له، شاكراً لنعمه، مستجيراً بالله من نقمته وسخطه.
إن قوم يونس عليه السلام فهموا الآية التي أرسلها الله تعالى إليهم، قال تعالى: ((فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ)) يونس98
قال ابن كثير: أي أنه لا توجد قرية آمنت بكمالها بنبيهم ممن سلف من القرى إلا قوم يونس، وماكان إيمانهم إلا خوفا من وصول العذاب الذي أنذرهم به رسولهم بعد ما عاينوا أسبابه وخرج رسولهم من بين أظهرهم، فعندها جأروا إلى الله واستغاثوا به وتضرعوا له واستكانوا وأحضروا أطفالهم ودوابهم ومواشيهم وسألوا الله تعالى أن يرفع عنهم العذاب الذي أنذرهم به نبيهم، فعندها رحمهم الله وكشف عنهم العذاب. انتهى.
وقال القرطبي: وعن ابن عباس أنهم غشيتهم ظلة ( أي: سحابة أو غمامة ) وفيها حُمرة فلم تزل تدنو حتى وجدوا حرها بين أكتافهم؛ أي أنه لولا أن أهل هذه القرية فهموا المقصود من آيات الله، وأيقنوا أن العذاب سيصيبهم، فرجعوا إلى الله، ولم يكابروا، فرفع الله عنهم العذاب.انتهى.
إن سنن الله لاتحابي أحداً من الخلق، سنته بينها سبحانه بقوله: ((فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ)) الزخرف: ٥٥، أي لما أغضبونا.
فالأمة العاتية المغرورة المستكبرة أمة تعرضت لعقوبة الله، ونازعت الله ما يستحقه من الكبرياء والعظمة، قال تعالى: ((وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الأُولَى وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى)) النجم: ٥٠ –٥٢
قال الطبري: " يقول تعالى ذكره: وأنه أهلك قوم نوح من قبل عاد وثمود، إنهم كانوا هم أشد ظلماً لأنفسهم وأعظم كفراً بربهم وأشد طغياناً وتمرداً على الله من الذين أهلكهم من بعد من الأمم، وكان طغيانهم الذي وصفهم الله به، وأنهم كانوا بذلك أكثر طغياناً من غيرهم من الأمم" .
قال تعالى: ((أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)) الروم: ٩ .
قال ابن كثير: "كانت الأمم الماضية والقرون السالفة أشد منكم وأكثر أموالاً وأولاداً، وما أوتيتم معشار ما أوتوا، ومكنوا في الدنيا تمكيناً لم تبلغوا إليه، وعمروا فيها أعماراً طوالاً، فعمروها أكثر منكم، واستغلوها أكثر من استغلالكم.
روى الحاكم في مستدركه عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنّه دخل على عائشة هو ورجل، فقال لها الرجل: يا أمّ المؤمنين؛ حدّثينا عن الزلزلة، فقالت: إذا استباحوا الزنى، وشربوا الخمور، وضربوا بالمعازف؛ غار الله عزّ وجلّ في سمائه، فقال للأرض: تزلزلي بهم، فإن تابوا ونزعوا، وإلا هدمها عليهم، قال: يا أمّ المؤمنين: أعذاباً لهم؟ قالت: بل موعظة ورحمة للمؤمنين، ونكالا وعذابًا وسخطًا على الكافرين. فقال أنس: ما سمعت حديثًا بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنا أشدّ فرحًا منّي بهذا الحديث.
روى البخاري عن جابر رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية: ((قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ)) الأنعام: ٦٥
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أعوذ بوجهك) قال: (( أو من تحت أرجلكم ))، قال: ( أعوذ بوجهك ) قال: (( أو يَلبسكم شِيَعاً ويذيق بعضكم بأس بعض ))، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( هذا أهون أو هذا أيسر).
قال مجاهد ( من فوقكم ) الصيحة والحجارة والريح (أو من تحت أرجلكم ) قال الرجفة والخسف.
قال كعب : إنما تتزلزل الأرض إذا عمل فيها بالمعاصي؛ فترعد فَرَقاً من الرب عزوجل أن يطلع عليها.
إن مايحدث اليوم في العالم من زلازل وبراكين وفيضانات ونكبات إقتصادية وخسائر مادية سببها الابتعاد عن منهج الله.
لقد عمّ قومَ نوح الطوفان، وأهلكت عاداً الريحُ العقيم، وأخذت ثمودَ الصيحةُ، وقُلبت على قوم لوط ديارهم فجعل الله عاليها سافلها وأمطر عليها حجارة من سجيل منضود، وأغرق الله فرعون وقومه، وخسف بقارون الأرض، لماذا؟
قال تعالى: ((فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)) العنكبوت: ٤٠ وقال تعالى: ((ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)) الروم41، وقال تعالى: ((وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)) الشورى: ٣٠ .
قال ابن القيم رحمه الله: أذن الله سبحانه لها (للأرض) في بعض الأحيان بالتنفس فتحدث فيها الزلازل العظام فيحدث من ذلك لعباده الخوف والخشية والإنابة والإقلاع عن معاصيه والتضرع إليه والندم، كما قال ابن مسعود -وقد وقعت زلزلة بالكوفة- إن ربكم يستعتبكم فأعتبوه (يعني يطلب منكم الاعتذار)، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما زلزلت المدينة فخطبهم ووعظهم وقال: لئن عادت لا أساكنكم فيها.(أي أها تزلزلت بسبب الذنوب والمعاصي)
إذا كنت في نعمة فارعها ---- فإن المعاصي تزيل النعم
وحافظ عليها بتقوى الإله --- فإن الإله سريع النقم
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الأمصار: أما بعد فإن هذا الرجف شيء يعاتب الله عزوجل به العباد، وقد كتبت إلى سائر الأمصار أن يخرجوا في يوم كذا وكذا في شهر كذا وكذا فمن كان عنده شيء فليتصدق به فإن الله عز وجل قال: ((قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)) الأعلى: ١٤ - 15 وقولوا كما قال آدم وزوجه: ((قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ)) الأعراف: ٢٣ وقولوا كما قال نوح: ((وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنْ الْخَاسِرِينَ )) هود: ٤٧، وقولوا كما قال يونس؛ قال تعالى: ((فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ)) الأنبياء: 78-88
ومن هنا كان النبي صلى الله عليه وسلم عند النوازل يقنت في صلواته ويتضرع إلى الله.
فهل عرفت السبب الحقيقي لهذه الكوارث؟
أما أن تحور القضية على أنها حوادث طبيعية، وأنها غضب الطبيعة وكفى، ويبقى الناس على بعدهم عن خالقهم وغفلتهم وقسوة قلوبهم، وترتجف الأرض وتلقي بحممها ولا ترتجف القلوب، فهذا وربي أشد من تزلزل الأرض وفوران البراكين.
لقد نعى الله على الكافرين وأصحاب القلوب المريضة أنهم لايعتبرون ولايتذكرون بل يزيدون في غيّهم وفسقهم قال تعالى: ((وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً)) الإسراء: ٦٠ وقال تعالى: ((وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُون فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) الأنعام: ٤٢ – ٤٣
وحكى الله مصارع الأمم التي كفرت نعمَ الله؛ قال تعالى: ((وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)) النحل: ١١٢
وقال تعالى: ((لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُورَ)) سبأ 15-17 .
فالمعاصي ماظهرت في ديار إلا أهلكتها، ولا فشت في أمة إلا أذلتها، ولا تخلخلت في دولة إلا أسقطتها، إنه ليس بين الله وبين أحد من خلقه نسب.
وهذا لا يعني أن أقواما أو مجتمعات لم يصلها شيء أنها على الاستقامة ، كلا ولكن الله يمهل ولا يهمل، والعقوبات قد تكون زلازل أو براكين أو حروباً أو تدهورات إقتصادية أو انعدام للأمن والأمان أوغير ذلك.
قال تعالى: ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)) ق:37
علاء الدين محمود مارديني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين
أما بعد:
لقد تكاثرت في هذه السنواتِ الأخيرة المحنُ والفتن البشريّة، وتضاعفتِ الحوادثُ والكوارث الكونيّة، وما ذلك إلا نذرٌ إلهيّة يخوِّف الله بها عبادَه، ويوقظهم من سُبات الغفلة، ويحذّرهم من مَغبّة الإعراض عنه، فمن براكين محرقة، إلى فيضانات مُغرِقة ، إلى زلازلَ مُهلِكة ، إلى أمراض قاتلة، إلى تسليطِ بعض الناس على بعض، إلى إرسال بعض الدوابِّ المهلكة للحرث والنسل المدمِّرة للاقتصاد.. فحريٌّ بالعلماء وطلاب العلم أن يجَلُّوا للناس الأسبابَ الحقيقيّة التي تستجلب البلاء، في ضوء قول الله تعالى: ((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)) الأعراف: ٩٦
لقد أصبح الرماد البركاني الذي انبعث إثر ثوران بركانٍ تحت منطقة جليدية في آيسلندا حديث الساعة؛ الخبر الأول في نشرات الأخبار، وعلى الصفحة الرئيسية للصحف والمجلات، وحديث الناس من أقصى الأرض إلى أقصاها.
وهاهي آيسلندا تستسلم لرماد البركان الذي غطى سماءها بعد أن كانت واحدة من الدول الأكثر ثراء وتقدمًا في العالم، إذ احتلت عام 2007 المرتبة الأولى بوصفها البلد الأكثر تطوراً في العالم، كما تعتبر رابع أكبر دولة من حيث مستوى دخل الفرد.
وأيسلندا جزيرة تقع على مرتفع وسط المحيط الأطلسي في منطقة حدودية بين أميركا الشمالية وأوروبا، وسبق لها أن شهدت اندلاع ثورة بركانية تحت الجليد في عام 1821 استمرت لمدة عامين.
قال تعالى: ((حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )) يونس: ٢٤
لقد أصاب هذا الرماد البركاني القارة الأوربية بالذعر والهلع ، لم لا ؟
إن الرماد البركاني الأسود وصل إلى ارتفاع 11 كم وغطى مساحات شاسعة من أجواء القارة الأوربية الجميلة، فلك أن تتخيل هذا المشهد المرعب.
وطبقاً لعالم الفيزياء الجيولوجية غونار غونارسون من معهد ايسلندا للأرصاد الجوية فان ثوران البركان وقع في الجزء الجنوبي الغربي من فوهة بركان ايافيالايوكول.
فما بالكم رحمكم الله لو كان الفوران من كامل الفوهة؟
إنه غبار البركان فقط فما ظنكم لو ثار البركان؟
آلاف رحلات الطيران ألغيت، مئات المطارات أغلقت، مئات الملايين من الدولارات ذهبت، لقد أصيبت حركة الملاحة الجوية بمعظم مطارات أوروبا بالشلل التام، فترى الطائرات قابعة على الأسفلت بلا حراك وهي تحترق شوقاً للطيران والتحليق فوق جبال أوربا البيضاء .
لذا قدرت الجمعية الدولية للنقل الجوي (اياتا) الخسائر الناجمة عن هذه الكارثة على حركة النقل الجوي بـ 200 مليون دولار يومياً، وقد قدرت الخسائر الإجمالية حتى الآن بما يقرب من 2 مليار دولار.
وقال بعض الخبراء: إن شركات الطيران تحتاج إلى ثلاث سنوات لاستعادة عافيتها نتيجة لهذه الضربة غير المتوقعة، بالإضافة لإعلان بعض شركات الطيران الصغيرة عن إفلاسها.
فأوربا اليوم تواجه أكبر مشكلة للنقل الجوي في تاريخها، بل عدها البعض الأسوأ من نوعها في تاريخ الطيران المدني الأوربي.
كما أن كثيراً من المصانع أغلقت وأفلست ولحقت أضرار كبيرة بمستوردين ومصدرين، وانخفض الطلب على وقود الطائرات، ومن بين المتضررين الشركات التي تصدر الزهور والفواكه والخضروات والمواد الغذائية جواً إلى المتاجر الكبيرة في أوروبا والتي تكبدت خسائر فادحة، وكذلك شركات التكنولوجيا التي تعتمد على تسليم مكونات منتجاتها في أوقات معينة، وكذلك شركات تصنيع الأدوية، وشركات أخرى لا تعد ولا تحصى، بالإضافة إلى إقالة آلاف العمال من وظائفهم.
ففي اليابان أعلنت شركة نيسان لصناعة السيارات عن وقف ثلاثة خطوط للإنتاج لعدم تمكنها من استيراد بعض مكوناتها من ايرلندا.
وفي كوريا الجنوبية قالت شركتا سامسونغ وال جي إنهما ليستا قادرتين على تسليم 200 ألف هاتف نقال تبلغ قيمتها 30 مليون دولار، هذا والاقتصاد العالمي لم يتعاف من أزمته المالية ولم يضمد جراحه بعد.
لقد تحولت المطارات إلى فنادق كبيرة، فقد افترش العالقون أرض المطارات، والتحفوا بما يملكون من ثياب في حقائبهم، وجعلوا مقاعد الانتظار أسِرَّة لهم، فانتشرت الفوضى، وارتفعت أصوات النداءات والاستغاثات بالسفارات ولكن لا أحد يجيب لأن الأمر خرج عن السيطرة البشرية، كما هرعت فرق الدفاع المدني لتأمين مستلزمات الإقامة من أسرة وأغطية بعد أن امتلأت فنادق المدن بالنزلاء.
ومازال مصير هؤلاء النزلاء مجهولاً، لا يعرفون متى يعودون لأوطانهم وأسرهم، فقد قُدِّر عددهم بسبعة ملايين، فهذا تأخر عن تجارته وذاك تأخر عن دراسته، يعيشون على نفقات المحسنين ينتظرون طعامهم وشرابهم، وأغلى أمنياتهم الحصول على تذكرة طيران تخفف من مآسيهم.
وأمام هذه الكارثة الاقتصادية لشركات الطيران العالمية, زاد الطلب على القطارات والباصات والعبّارات المائية، وزاد الضغط كذلك على الفنادق، ونشطت شركات السكك الحديدية التي سيرت قطارات إضافية بين دول أوروبا، وارتفعت أسعار الرحلات ارتفاعاً خيالياً .
فسبحان مقسم الأرزاق، فبينما أولئك يتجرعون مرارة خسائرهم الفادحة، ينعم هؤلاء بأرباح خيالية لم تكن لهم يوما بالحسبان، (مصائب قوم عند قوم فوائد).
ومازال علماء البيئة متخوفين من نتائج هذا الرماد المجهول التأثير على النباتات والحيوانات والأنهار و المياه الجوفية، بل وحتى على الإنسان نفسه، فقد أدى ذوبان الجليد إلى إخلاء قرىً كاملة من سكانها بسبب الفيضانات.
ولقد غدا علماء البيئة وعلم الأرض والأرصاد في حيرة واضطراب، فبعضهم يقول إن البركان سيهدأ وآخرون يقولون سيزداد، وفريق ثالث يقف حائراً ولا يدري متى سيتوقف البركان عن نفث الغبار الذي يَسبَح ويُسبِّح في سماء أوربا، فقد تتواصل لعدة أيام وربما عدة أشهر وربما أكثر، وبعضهم يرى أن الأسوأ لم يأتِ بعد.
وقد صرح المتخصصون في علم الأرض بمكاتب الأرصاد بقولهم : "نرى إشارات متباينة، توجد بعض الإشارات التي تدل على أن الثوران سيهدأ ويخمد ، وأخرى تظهر أنه مستمر ومندفع ".
قال تعالى: ((وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ)) المدثر: ٣١
والسؤال المهم الآن هل سيواصل البركان ثورته ونفث الرماد في المجال الجوي وإلى أين ستحمل الرياحُ الرمادَ وإلى متى سيظل الرماد العالق في الجو بالفعل متجمعا فوق أوروبا؟.
أين العلماء؟
أين الخبراء؟
أين التقدم العلمي؟
أين التكنولوجيا؟
أين مراكز الأبحاث؟
أين أجهزة التنبؤ عن الزلازل والبراكين؟
إن الأحداث والحوادث تثبت يوماً بعد يوم قصور البشر، سواء في التحليل وتوقع الأزمات، أو في الاستعدادات والاحتياطات، أو في التصدي لها، قال تعالى: ((فَأَتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ)) الحشر: ٢.
إن الله سبحانه يخلق مايشاء من الآيات ويرسلها تذكيراً وتخويفاً قال تعالى: ((وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً)) الإسراء: ٥٩، وقال تعالى: ((سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)) فصلت: ٥٣ .
فمع هذه الأحداث ينقسم الناس إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول هم الجاحدون المنكرون، وهذا رئيس آيسلندا يقول: " إن ما يحدث عرضٌ لقوى الطبيعة".
إن هذا الرئيس شأنه شأن قوم صالح في عدم فهمهم للآية التي أرسلها الله إليهم قال تعالى: ((فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ)) الأحقاف: ٢٤ .
فلم يجدوا في السحابة التي أظلتهم سوى أنها ظاهرة من ظواهر الطبيعة التي تتسبب في نزول المطر، خاصة وأنهم كانوا ممحلين محتاجين إلى المطر، ولكن لم تكن هذه الغمامة سوى العذاب الذي قالوا فيه من قبل: ((فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ)) الأحقاف: ٢٢ .
فهؤلاء جحدوا كما جحد فرعون وقومه بالآيات التي جاء بها موسى عليه السلام، وفي هؤلاء قال تعالى: ((وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا)) الأعراف46، وقال تعالى على لسانهم: ((وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً مُجْرِمِين)) َالأعراف: ١٣٢ – ١٣٣.
قال القرطبي: أما الجراد فرجز وعذاب؛ أي أن إرسال الله الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم كان آيات من الله لهم ليرجعوا إليه سبحانه، فأما من تدبر منهم ذلك فقد تاب وأناب إلى الله، وأما من استمر في عناده؛ فلم ير في هذه الآيات سوى أنها مجرد ظواهر طبيعية تحدث وفقاً لنواميس معتادة، فقد وقع تحت طائلة العقاب.انتهى.
فترى البعض ينسب مثل هذه الأحداث الكونية إلى الطبيعة ناسياً أو متناسياً قدرة الله العظيمة، أو متأثراً باللوثة المادية وأن الطبيعة تخبط خبط عشواء.
إن النُّفوس التي أعرضت عنِ الله تعالى تأبى أن تَتَّخذ هذه الأحداث آيةً وعِبرةً وعِظةً، وتَنسِبُها إلى ظَواهِرَ طَبيعيَّةٍ فَحسب، زاعمةً أن لها أسبابًا مَعروفة، ويقولون كما قال من ساروا على دربهم ممَّن سَبَقَهم ؛ قال تعالى على لسانهم: ((وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)) الأعراف:95.
فَيَعُدُّونَ ذلك حالةً طَبيعيَّةً وليست عقوبةً إلهيَّةً، ممَّا يجعلُهُم يتمادَون في غيِّهم، ويستمرونَ في عصيانهم.
والقسم الثاني هم المعرضون، كما قال تعالى: ((وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ )) يس: ٤٦، وقال تعالى: (( وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ)) القمر: ٢.
أما القسم الثالث فهم المؤمنون الذين ينتفعون بهذه الآيات ولايمرون عليها وهم معرضون، قال تعالى في وصف عباد: ((وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً)) الفرقان:73 .
فالمسلم لا تمر عليه مثل هذه الأحداث العظيمة دون أن تكون له وقفة تأمل تنطلق من عقيدته وإيمانه بالله، فقلبه يتأثر بالآيات الكونية التي يراها ماثلة أمام عينيه، وهذه الآيات تذكره بالله وتحيي قلبه وتجدد الإيمان فيه، وتجعله متصلاً بالله ذاكراً له، شاكراً لنعمه، مستجيراً بالله من نقمته وسخطه.
إن قوم يونس عليه السلام فهموا الآية التي أرسلها الله تعالى إليهم، قال تعالى: ((فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ)) يونس98
قال ابن كثير: أي أنه لا توجد قرية آمنت بكمالها بنبيهم ممن سلف من القرى إلا قوم يونس، وماكان إيمانهم إلا خوفا من وصول العذاب الذي أنذرهم به رسولهم بعد ما عاينوا أسبابه وخرج رسولهم من بين أظهرهم، فعندها جأروا إلى الله واستغاثوا به وتضرعوا له واستكانوا وأحضروا أطفالهم ودوابهم ومواشيهم وسألوا الله تعالى أن يرفع عنهم العذاب الذي أنذرهم به نبيهم، فعندها رحمهم الله وكشف عنهم العذاب. انتهى.
وقال القرطبي: وعن ابن عباس أنهم غشيتهم ظلة ( أي: سحابة أو غمامة ) وفيها حُمرة فلم تزل تدنو حتى وجدوا حرها بين أكتافهم؛ أي أنه لولا أن أهل هذه القرية فهموا المقصود من آيات الله، وأيقنوا أن العذاب سيصيبهم، فرجعوا إلى الله، ولم يكابروا، فرفع الله عنهم العذاب.انتهى.
إن سنن الله لاتحابي أحداً من الخلق، سنته بينها سبحانه بقوله: ((فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ)) الزخرف: ٥٥، أي لما أغضبونا.
فالأمة العاتية المغرورة المستكبرة أمة تعرضت لعقوبة الله، ونازعت الله ما يستحقه من الكبرياء والعظمة، قال تعالى: ((وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الأُولَى وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى)) النجم: ٥٠ –٥٢
قال الطبري: " يقول تعالى ذكره: وأنه أهلك قوم نوح من قبل عاد وثمود، إنهم كانوا هم أشد ظلماً لأنفسهم وأعظم كفراً بربهم وأشد طغياناً وتمرداً على الله من الذين أهلكهم من بعد من الأمم، وكان طغيانهم الذي وصفهم الله به، وأنهم كانوا بذلك أكثر طغياناً من غيرهم من الأمم" .
قال تعالى: ((أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)) الروم: ٩ .
قال ابن كثير: "كانت الأمم الماضية والقرون السالفة أشد منكم وأكثر أموالاً وأولاداً، وما أوتيتم معشار ما أوتوا، ومكنوا في الدنيا تمكيناً لم تبلغوا إليه، وعمروا فيها أعماراً طوالاً، فعمروها أكثر منكم، واستغلوها أكثر من استغلالكم.
روى الحاكم في مستدركه عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنّه دخل على عائشة هو ورجل، فقال لها الرجل: يا أمّ المؤمنين؛ حدّثينا عن الزلزلة، فقالت: إذا استباحوا الزنى، وشربوا الخمور، وضربوا بالمعازف؛ غار الله عزّ وجلّ في سمائه، فقال للأرض: تزلزلي بهم، فإن تابوا ونزعوا، وإلا هدمها عليهم، قال: يا أمّ المؤمنين: أعذاباً لهم؟ قالت: بل موعظة ورحمة للمؤمنين، ونكالا وعذابًا وسخطًا على الكافرين. فقال أنس: ما سمعت حديثًا بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنا أشدّ فرحًا منّي بهذا الحديث.
روى البخاري عن جابر رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية: ((قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ)) الأنعام: ٦٥
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أعوذ بوجهك) قال: (( أو من تحت أرجلكم ))، قال: ( أعوذ بوجهك ) قال: (( أو يَلبسكم شِيَعاً ويذيق بعضكم بأس بعض ))، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( هذا أهون أو هذا أيسر).
قال مجاهد ( من فوقكم ) الصيحة والحجارة والريح (أو من تحت أرجلكم ) قال الرجفة والخسف.
قال كعب : إنما تتزلزل الأرض إذا عمل فيها بالمعاصي؛ فترعد فَرَقاً من الرب عزوجل أن يطلع عليها.
إن مايحدث اليوم في العالم من زلازل وبراكين وفيضانات ونكبات إقتصادية وخسائر مادية سببها الابتعاد عن منهج الله.
لقد عمّ قومَ نوح الطوفان، وأهلكت عاداً الريحُ العقيم، وأخذت ثمودَ الصيحةُ، وقُلبت على قوم لوط ديارهم فجعل الله عاليها سافلها وأمطر عليها حجارة من سجيل منضود، وأغرق الله فرعون وقومه، وخسف بقارون الأرض، لماذا؟
قال تعالى: ((فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)) العنكبوت: ٤٠ وقال تعالى: ((ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)) الروم41، وقال تعالى: ((وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)) الشورى: ٣٠ .
قال ابن القيم رحمه الله: أذن الله سبحانه لها (للأرض) في بعض الأحيان بالتنفس فتحدث فيها الزلازل العظام فيحدث من ذلك لعباده الخوف والخشية والإنابة والإقلاع عن معاصيه والتضرع إليه والندم، كما قال ابن مسعود -وقد وقعت زلزلة بالكوفة- إن ربكم يستعتبكم فأعتبوه (يعني يطلب منكم الاعتذار)، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما زلزلت المدينة فخطبهم ووعظهم وقال: لئن عادت لا أساكنكم فيها.(أي أها تزلزلت بسبب الذنوب والمعاصي)
إذا كنت في نعمة فارعها ---- فإن المعاصي تزيل النعم
وحافظ عليها بتقوى الإله --- فإن الإله سريع النقم
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الأمصار: أما بعد فإن هذا الرجف شيء يعاتب الله عزوجل به العباد، وقد كتبت إلى سائر الأمصار أن يخرجوا في يوم كذا وكذا في شهر كذا وكذا فمن كان عنده شيء فليتصدق به فإن الله عز وجل قال: ((قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)) الأعلى: ١٤ - 15 وقولوا كما قال آدم وزوجه: ((قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ)) الأعراف: ٢٣ وقولوا كما قال نوح: ((وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنْ الْخَاسِرِينَ )) هود: ٤٧، وقولوا كما قال يونس؛ قال تعالى: ((فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ)) الأنبياء: 78-88
ومن هنا كان النبي صلى الله عليه وسلم عند النوازل يقنت في صلواته ويتضرع إلى الله.
فهل عرفت السبب الحقيقي لهذه الكوارث؟
أما أن تحور القضية على أنها حوادث طبيعية، وأنها غضب الطبيعة وكفى، ويبقى الناس على بعدهم عن خالقهم وغفلتهم وقسوة قلوبهم، وترتجف الأرض وتلقي بحممها ولا ترتجف القلوب، فهذا وربي أشد من تزلزل الأرض وفوران البراكين.
لقد نعى الله على الكافرين وأصحاب القلوب المريضة أنهم لايعتبرون ولايتذكرون بل يزيدون في غيّهم وفسقهم قال تعالى: ((وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً)) الإسراء: ٦٠ وقال تعالى: ((وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُون فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) الأنعام: ٤٢ – ٤٣
وحكى الله مصارع الأمم التي كفرت نعمَ الله؛ قال تعالى: ((وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)) النحل: ١١٢
وقال تعالى: ((لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُورَ)) سبأ 15-17 .
فالمعاصي ماظهرت في ديار إلا أهلكتها، ولا فشت في أمة إلا أذلتها، ولا تخلخلت في دولة إلا أسقطتها، إنه ليس بين الله وبين أحد من خلقه نسب.
وهذا لا يعني أن أقواما أو مجتمعات لم يصلها شيء أنها على الاستقامة ، كلا ولكن الله يمهل ولا يهمل، والعقوبات قد تكون زلازل أو براكين أو حروباً أو تدهورات إقتصادية أو انعدام للأمن والأمان أوغير ذلك.
قال تعالى: ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)) ق:37