ظاهرة تعلق النساء بالمنشدين ، بصورهم ،
وأصواتهم ، الأسباب ، والعلاج
عندي أمر يؤرقني كثيراً ، وهو أنني مشترك في كثير من
منتديات " الإسلامية ، والتي فيها أقسام للنشيد الإسلامي " ، وهي إسلامية –
يفترض – ، أكاد أجن من كثرة الأسماء والتعليقات التي أقرؤها ، والتي تدل
على شدة تعلق الفتيات والنساء ، وفتنتهن بهؤلاء المنشدين .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن تشريع الله تعالى للأحكام فيه حكَم جليلة ،
ومقاصد عظيمة ، وفوائد نافعة ، وهو سبحانه وتعالى أعلم بعباده ، وهو أعلم
بما ينفعهم فحثهم عليه ، وبما يضرهم فنهاهم عنه .
ومن نعَم الله علينا أنه سبحانه أراد لنا الخير , وأراد
لنا العفة ، والطهارة الباطنية والظاهرية ، وأراد لنا السلامة من الآفات ،
قال تعالى : ( وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ
عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون ) المائدة/ 6 .
وحتى تتحقق الطهارة التي أرادها الله لعباده : فإنه شرع
أحكاماً من تمسك بها تطهَّر ، ومن تركها تلوَّث بقدر تركه ، وتهاونه في
الاستقامة عليها ، ومن ذلك : أنه تعالى حرَّم خلوة الرجل الأجنبي بالمرأة
الأجنبية، وحرَّم الاختلاط بين الجنسين ؛ وحرَّم نظر الرجال إلى
النساء الأجنبيات , ونظر النساء إلى الرجال الأجانب ، كما قال تعالى : (
قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا
فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُون
. وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ
فُرُوجَهُنَّ ) النور/ 30 ، 31 .
ولا شك في تحريم هذا النظر ، لا سيما إذا اقترن بشهوة ،
وإعجاب .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :
( ذَلِكَ ) الحفظ للأبصار والفروج ، ( أَزْكَى لَهُمْ )
أطهر ، وأطيب ، وأنمى لأعمالهم ؛ فإنَّ من حفظ فرجَه ، وبصرَه : طهر من
الخبث الذي يتدنس به أهل الفواحش ، وزكت أعماله ، بسبب ترك المحرم ، الذي
تطمع إليه النفس ، وتدعو إليه ، فمن ترك شيئا لله : عوَّضه الله خيراً
منه ، ومن غض بصره عن المحرم : أنار الله بصيرته ؛ ولأن العبد إذا حفظ
فرجه وبصره عن الحرام ومقدماته ، مع داعي الشهوة : كان حفظه لغيره أبلغ ،
ولهذا سماه الله حفظاً ، فالشيء المحفوظ إن لم يجتهد حافظه في مراقبته
وحفظه ، وعمل الأسباب الموجبة لحفظه : لم ينحفظ ، كذلك البصر والفرج ، إن
لم يجتهد العبد في حفظهما : أوقعاه في بلايا ومحن .
" تفسير السعدي " ( ص 565 ) .
وقال ابن القيم - رحمه الله - :
والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان ؛ فإن النظرة
تولِّد خطرة ، ثم تولد الخطرة فكرة ، ثم تولد الفكرة شهوة ، ثم تولد
الشهوة إرادة ، ثم تَقْوَى فتصبر عزيمة جازمة ، فيقع الفعل ولا بد ، ما
لم يمنع منه مانع ، وفي هذا قيل : " الصبر على غض البصر أيسر من الصبر
على ألم ما بعده " .
" الجواب الكافي " ( ص 106 ) .
وهذا هو واقع من يتعلق قلبها بمغنٍّ ، أو لاعب ، أو ممثل
، أو يتعلق قلبه بمغنية ، أو ممثلة ، فإن حالهم لا يخفى ، فقلوبهم
امتلأت بالحسرات ، وقد أدمنوا التفكير في اللقاء ، والمشاهدة لصورة
معشوقهم ، وقد يموت بسبب كمده ، وحزنه ، وكم وقع أولئك في الكبائر لأجل
هذه التعلق القلبي ، وحال تلك الأوساط العفنة غير مستور .
والذي يؤلمنا أشد الإيلام : أن تنتقل تلك الأمراض ذاتها
بين بعض الملتزمات من الأخوات ، وقد توصل الشيطان إلى إيقاعهن في ذات
الفتنة التي أوقع غيرهن من التعلق باللاعبين ، والممثلين ، والمغنين ،
ولكن لأنهن ملتزمات – في الظاهر – فإنه أوقعهن في التعلق بالمنشدين !
والحال هو الحال ، بل هو أسوأ ؛ لأنه صادر من مدعية للالتزام ،
والاستقامة ، وانظر إليها كيف رضيت لنفسها بلقب " عاشقة فلان " ! وانظر
إلى الأخرى كيف نذرت نفسها لتجميع صور معشوقها على جوالها حتى بلغ عددها (
300 ) صورة ، وهلم جرا !!
وقد تجرأ هؤلاء على تلك المعاصي بسبب عدم وجود الواعظ
الداخلي الذي ينهاهم عن الفحشاء والمنكر .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - مبيِّنا خطورة
الافتنان بأصحاب الخلقة الجميلة - :
ولهذا لا يكون عشق الصور إلا من ضعف محبة الله ، وضعف
الإيمان , والله تعالى إنما ذكره في القرآن عن امرأة العزيز المشركة ,
وعن قوم لوط المشركين ، والعاشق المتيم يصير عبداً لمعشوقه ، منقاداً له ،
أسير القلب له .
"مجموع الفتاوى" ( 15 / 293 )، وينظر: "إغاثة اللهفان من
مصائد الشيطان" ( 1 / 64 ) .
وما قاله أولئك العلماء الأعلام في عشق الصور يقصد به "
التعلق بالهيئة " ، والتصور لها في الذهن دوماً ، ولم يكن في زمانهم هذه
الصور المطبوعة على أوراق بأبهى الألوان ، وأحسن الأشكال ، وبحركات
مختلفة للمصوَّر المعشوق ! ولا شك أن هذه الصور داخلة في كلامهم رحمهم
الله ، وقد نقلنا في أكثر من إجابة عن العلماء المعاصرين تحريم الصور
الفوتوغرافية لذوات الأرواح ، وخاصة إذا ترتب على تلك الصور فتنة ، فهذا
مما لا خلاف في حرمته بين أحدٍ من أهل العلم .
وانظر جواب السؤال رقم : ( رؤية الروابط خاصة بالأعضاء
فقط ) لمعرفة حكم التصوير الفوتوغرافي .
ثانيا :
من أسباب فتنة النساء بالمنشدين – كذلك - : الصوت الحسن ،
وهو هنا صوت "المنشد" والذي لا يختلف كثيراً عن " المغني " ، وتحصل
الفتنة في هيئته ، وفي حركاته ، وفي المؤثرات المستعملة مع نشيده ، مما
يكون له أبلغ الأثر في افتتان النساء .
ولذلك أنكر العلماء النشيد المعاصر الذي انتشر حتى صار
فتنة من فتن العصر ، فبعد أن كانت الأناشيد ذات معان إيمانية ، أو جهادية
، أو علمية : صارت الآن – في كثير منها – مشابهة لأغاني الفسَّاق ، من
حيث ترقيق الصوت ، ووضع صورة المنشد على غلاف الشريط ، وعمل الفيديو كليب
معها ، وأحسنهم حالاً من يستعمل المؤثرات التي تشبه في صوتها وأثرها
الآلات الموسيقية ، ولم يعُد للمعاني أي اعتبار ، بل يُبحث عن اللحن
والمؤثرات .
وقد سبق الكلام عن ذلك في جوابي السؤالين : ( رؤية الروابط
خاصة بالأعضاء فقط ) و ( رؤية الروابط خاصة بالأعضاء
فقط ) .
ثالثا :
كما حذَّرنا النساء من مغبة الوقوع فيما حرَّم الله
عليهم ، من النظر المحرم ، والتعلق المحرَّم ، والعشق المحرَّم : فإننا
نحذِّر المنشدين المعاصرين ، وأنهم يتحملون وزراً كبيراً بما يحدث من
تعلق النساء بهم ، فنشيدهم أقرب لأغاني الفساق ، ولباسهم وحركاتهم في
النشيد تدفع النساء للفتنة بهم ، مع ما يضعه بعضهم من مساحيق التجميل ! ،
ولا شك أن ظهورهم بهذه الطريقة لا يجوز .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
وأبلغ من ذلك : أنه – أي : عمر بن الخطاب - نفى مَن
شبَّب به النساء ، وهو " نصر بن حجاج " ، لمَّا سمع امرأة شببت به ،
وتشتهيه , ورأى هذا سبب الفتنة ، فجزَّ شعره ؛ لعل سبب الفتنة يزول بذلك ،
فرآه أحسن الناس وجنتين ، فأرسل به إلى البصرة ، ثم إنه بعث يطلب القدوم
إلى وطنه ويذكر ألا ذنب له ، فأبى عليه ، وقال : " أمَا وأنا حي : فلا "
؛ وذلك أن المرأة إذا أُمرت بالاحتجاب ، وترك التبرج ، وغير ذلك مما هو
من أسباب الفتنة بها ولها : فإذا كان في الرجال من قد صار فتنة للنساء :
أُمر أيضا بمباعدة سبب الفتنة ، إما بتغيير هيئته , وإما بالانتقال عن
المكان الذي تحصل به الفتنة فيه ؛ لأنه بهذا يحصن دينه ، ويحصن النساء
دينهن .
" الاستقامة " ( 1 / 362 ) .
خامساً:
من رامت من الأخوات النجاة بنفسها ، ودينها ، من تلك
الفتنة الطاغية ، من التعلق بالصور ، وأصحابها ، وأصواتهم ، ورامت
المحافظة على قلبها من الأمراض : فلتتخلص مما معها من صور لذلك المنشد
وغيره ، ولتقطع السماع له بالكلية – حتى لو قرأ القرآن ! - ، ولتغيِّر من
لقبها الفاحش ، والذي عبَّرت فيه عن مكنونها تجاهه ، ولتبدأ ببرنامج
تجلية لقلبها ، بسماع القرآن ، ودروس العلم ، مع التعجيل بالزواج ؛ فإنه
الحل الشرعي لصرفها عن التعلق المحرم ، ولتملأ حياتها بالنافع المفيد ،
وبعدها فسيكون في قلبها البغض لتلك الصور ، وتلك المعاصي ، وليكن ذلك قبل
أن يفوت عليها الوقت .
وهذه وصايا ، ونصائح ، من شيخ الإسلام ابن تيمية ، لمن
أراد إبراء نفسه من سهام إبليس .
فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
عمن أصابه سهم من سهام إبليس المسمومة ؟ .
فأجاب :
مَن أصابه جرح مسموم : فعليه بما يخرج السم ، ويبرئ
الجرح بالترياق ، والمرهم ، وذلك بأمور ، منها :
الأول : أن يتزوج ، أو يتسرَّى ؛ فإن النبي صلى الله
عليه وسلم قال : ( إذا نظر أحدكم إلى محاسن امرأة فليأت أهله فإنما معها
مثل ما معها ) ، وهذا مما ينقص الشهوة ، ويضعف العشق .
الثاني : أن يداوم على الصلوات الخمس ، والدعاء ،
والتضرع وقت السحر ، وتكون صلاته بحضور قلب ، وخشوع ، وليكثر من الدعاء
بقوله : " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك يا مصرف القلوب صرف قلبي إلى
طاعتك وطاعة رسولك " ؛ فإنه متى أدمن الدعاء ، والتضرع لله : صرف قلبه
عن ذلك ، كما قال تعالى ( كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ
وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ) يوسف/ من الآية
24 .
الثالث : أن يبعد عن مسكن هذا الشخص ، والاجتماع بمن
يجتمع به ، بحيث لا يَسمع له خبراً ، ولا يقع له على عين ولا أثر ، فإن "
البُعد جفا " ، و " متى قلَّ الذِّكر ضعف الأثر في القلب " ، فليفعل هذه
الأمور ، وليطالع بما تجدد له من الأحوال .
" مجموع فتاوى ابن تيمية " ( 32 / 5 ، 6 ) .
سادساً:
1. على الأخ السائل أن يَحْذر من تلك المنتديات ، إذا كان يخشى من
الافتتان ، أو التأثر بها ، وليقتصر على المنتديات التي تخلو من تلك
المخالفات ؛ وكذلك عليه أن لا ييأس من واجب النصح والتذكير ؛ فالدين
النصيحة .
2. والنصيحة لمسئولي تلك المنتديات ، والمشرفين عليها : أن يتقوا الله
تعالى , وأن يعلموا أن الله سائلهم عما استرعاهم عليه ، فعليهم أن يجنبوا
منتدياتهم وسائل الفتنة ، وأسبابها ، من عرضٍ لتلك الصور , وتلك "
المقاطع " - الكليبات - والتي يترتب عليها مفاسد كثيرة .
والله نسأل أن يثبتنا ، وإياكم , وأن يصرف عنا وعنكم
الفتن ، ما ظهر منها وما بطن .
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب
منقول
وأصواتهم ، الأسباب ، والعلاج
عندي أمر يؤرقني كثيراً ، وهو أنني مشترك في كثير من
منتديات " الإسلامية ، والتي فيها أقسام للنشيد الإسلامي " ، وهي إسلامية –
يفترض – ، أكاد أجن من كثرة الأسماء والتعليقات التي أقرؤها ، والتي تدل
على شدة تعلق الفتيات والنساء ، وفتنتهن بهؤلاء المنشدين .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن تشريع الله تعالى للأحكام فيه حكَم جليلة ،
ومقاصد عظيمة ، وفوائد نافعة ، وهو سبحانه وتعالى أعلم بعباده ، وهو أعلم
بما ينفعهم فحثهم عليه ، وبما يضرهم فنهاهم عنه .
ومن نعَم الله علينا أنه سبحانه أراد لنا الخير , وأراد
لنا العفة ، والطهارة الباطنية والظاهرية ، وأراد لنا السلامة من الآفات ،
قال تعالى : ( وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ
عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون ) المائدة/ 6 .
وحتى تتحقق الطهارة التي أرادها الله لعباده : فإنه شرع
أحكاماً من تمسك بها تطهَّر ، ومن تركها تلوَّث بقدر تركه ، وتهاونه في
الاستقامة عليها ، ومن ذلك : أنه تعالى حرَّم خلوة الرجل الأجنبي بالمرأة
الأجنبية، وحرَّم الاختلاط بين الجنسين ؛ وحرَّم نظر الرجال إلى
النساء الأجنبيات , ونظر النساء إلى الرجال الأجانب ، كما قال تعالى : (
قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا
فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُون
. وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ
فُرُوجَهُنَّ ) النور/ 30 ، 31 .
ولا شك في تحريم هذا النظر ، لا سيما إذا اقترن بشهوة ،
وإعجاب .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :
( ذَلِكَ ) الحفظ للأبصار والفروج ، ( أَزْكَى لَهُمْ )
أطهر ، وأطيب ، وأنمى لأعمالهم ؛ فإنَّ من حفظ فرجَه ، وبصرَه : طهر من
الخبث الذي يتدنس به أهل الفواحش ، وزكت أعماله ، بسبب ترك المحرم ، الذي
تطمع إليه النفس ، وتدعو إليه ، فمن ترك شيئا لله : عوَّضه الله خيراً
منه ، ومن غض بصره عن المحرم : أنار الله بصيرته ؛ ولأن العبد إذا حفظ
فرجه وبصره عن الحرام ومقدماته ، مع داعي الشهوة : كان حفظه لغيره أبلغ ،
ولهذا سماه الله حفظاً ، فالشيء المحفوظ إن لم يجتهد حافظه في مراقبته
وحفظه ، وعمل الأسباب الموجبة لحفظه : لم ينحفظ ، كذلك البصر والفرج ، إن
لم يجتهد العبد في حفظهما : أوقعاه في بلايا ومحن .
" تفسير السعدي " ( ص 565 ) .
وقال ابن القيم - رحمه الله - :
والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان ؛ فإن النظرة
تولِّد خطرة ، ثم تولد الخطرة فكرة ، ثم تولد الفكرة شهوة ، ثم تولد
الشهوة إرادة ، ثم تَقْوَى فتصبر عزيمة جازمة ، فيقع الفعل ولا بد ، ما
لم يمنع منه مانع ، وفي هذا قيل : " الصبر على غض البصر أيسر من الصبر
على ألم ما بعده " .
" الجواب الكافي " ( ص 106 ) .
وهذا هو واقع من يتعلق قلبها بمغنٍّ ، أو لاعب ، أو ممثل
، أو يتعلق قلبه بمغنية ، أو ممثلة ، فإن حالهم لا يخفى ، فقلوبهم
امتلأت بالحسرات ، وقد أدمنوا التفكير في اللقاء ، والمشاهدة لصورة
معشوقهم ، وقد يموت بسبب كمده ، وحزنه ، وكم وقع أولئك في الكبائر لأجل
هذه التعلق القلبي ، وحال تلك الأوساط العفنة غير مستور .
والذي يؤلمنا أشد الإيلام : أن تنتقل تلك الأمراض ذاتها
بين بعض الملتزمات من الأخوات ، وقد توصل الشيطان إلى إيقاعهن في ذات
الفتنة التي أوقع غيرهن من التعلق باللاعبين ، والممثلين ، والمغنين ،
ولكن لأنهن ملتزمات – في الظاهر – فإنه أوقعهن في التعلق بالمنشدين !
والحال هو الحال ، بل هو أسوأ ؛ لأنه صادر من مدعية للالتزام ،
والاستقامة ، وانظر إليها كيف رضيت لنفسها بلقب " عاشقة فلان " ! وانظر
إلى الأخرى كيف نذرت نفسها لتجميع صور معشوقها على جوالها حتى بلغ عددها (
300 ) صورة ، وهلم جرا !!
وقد تجرأ هؤلاء على تلك المعاصي بسبب عدم وجود الواعظ
الداخلي الذي ينهاهم عن الفحشاء والمنكر .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - مبيِّنا خطورة
الافتنان بأصحاب الخلقة الجميلة - :
ولهذا لا يكون عشق الصور إلا من ضعف محبة الله ، وضعف
الإيمان , والله تعالى إنما ذكره في القرآن عن امرأة العزيز المشركة ,
وعن قوم لوط المشركين ، والعاشق المتيم يصير عبداً لمعشوقه ، منقاداً له ،
أسير القلب له .
"مجموع الفتاوى" ( 15 / 293 )، وينظر: "إغاثة اللهفان من
مصائد الشيطان" ( 1 / 64 ) .
وما قاله أولئك العلماء الأعلام في عشق الصور يقصد به "
التعلق بالهيئة " ، والتصور لها في الذهن دوماً ، ولم يكن في زمانهم هذه
الصور المطبوعة على أوراق بأبهى الألوان ، وأحسن الأشكال ، وبحركات
مختلفة للمصوَّر المعشوق ! ولا شك أن هذه الصور داخلة في كلامهم رحمهم
الله ، وقد نقلنا في أكثر من إجابة عن العلماء المعاصرين تحريم الصور
الفوتوغرافية لذوات الأرواح ، وخاصة إذا ترتب على تلك الصور فتنة ، فهذا
مما لا خلاف في حرمته بين أحدٍ من أهل العلم .
وانظر جواب السؤال رقم : ( رؤية الروابط خاصة بالأعضاء
فقط ) لمعرفة حكم التصوير الفوتوغرافي .
ثانيا :
من أسباب فتنة النساء بالمنشدين – كذلك - : الصوت الحسن ،
وهو هنا صوت "المنشد" والذي لا يختلف كثيراً عن " المغني " ، وتحصل
الفتنة في هيئته ، وفي حركاته ، وفي المؤثرات المستعملة مع نشيده ، مما
يكون له أبلغ الأثر في افتتان النساء .
ولذلك أنكر العلماء النشيد المعاصر الذي انتشر حتى صار
فتنة من فتن العصر ، فبعد أن كانت الأناشيد ذات معان إيمانية ، أو جهادية
، أو علمية : صارت الآن – في كثير منها – مشابهة لأغاني الفسَّاق ، من
حيث ترقيق الصوت ، ووضع صورة المنشد على غلاف الشريط ، وعمل الفيديو كليب
معها ، وأحسنهم حالاً من يستعمل المؤثرات التي تشبه في صوتها وأثرها
الآلات الموسيقية ، ولم يعُد للمعاني أي اعتبار ، بل يُبحث عن اللحن
والمؤثرات .
وقد سبق الكلام عن ذلك في جوابي السؤالين : ( رؤية الروابط
خاصة بالأعضاء فقط ) و ( رؤية الروابط خاصة بالأعضاء
فقط ) .
ثالثا :
كما حذَّرنا النساء من مغبة الوقوع فيما حرَّم الله
عليهم ، من النظر المحرم ، والتعلق المحرَّم ، والعشق المحرَّم : فإننا
نحذِّر المنشدين المعاصرين ، وأنهم يتحملون وزراً كبيراً بما يحدث من
تعلق النساء بهم ، فنشيدهم أقرب لأغاني الفساق ، ولباسهم وحركاتهم في
النشيد تدفع النساء للفتنة بهم ، مع ما يضعه بعضهم من مساحيق التجميل ! ،
ولا شك أن ظهورهم بهذه الطريقة لا يجوز .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
وأبلغ من ذلك : أنه – أي : عمر بن الخطاب - نفى مَن
شبَّب به النساء ، وهو " نصر بن حجاج " ، لمَّا سمع امرأة شببت به ،
وتشتهيه , ورأى هذا سبب الفتنة ، فجزَّ شعره ؛ لعل سبب الفتنة يزول بذلك ،
فرآه أحسن الناس وجنتين ، فأرسل به إلى البصرة ، ثم إنه بعث يطلب القدوم
إلى وطنه ويذكر ألا ذنب له ، فأبى عليه ، وقال : " أمَا وأنا حي : فلا "
؛ وذلك أن المرأة إذا أُمرت بالاحتجاب ، وترك التبرج ، وغير ذلك مما هو
من أسباب الفتنة بها ولها : فإذا كان في الرجال من قد صار فتنة للنساء :
أُمر أيضا بمباعدة سبب الفتنة ، إما بتغيير هيئته , وإما بالانتقال عن
المكان الذي تحصل به الفتنة فيه ؛ لأنه بهذا يحصن دينه ، ويحصن النساء
دينهن .
" الاستقامة " ( 1 / 362 ) .
خامساً:
من رامت من الأخوات النجاة بنفسها ، ودينها ، من تلك
الفتنة الطاغية ، من التعلق بالصور ، وأصحابها ، وأصواتهم ، ورامت
المحافظة على قلبها من الأمراض : فلتتخلص مما معها من صور لذلك المنشد
وغيره ، ولتقطع السماع له بالكلية – حتى لو قرأ القرآن ! - ، ولتغيِّر من
لقبها الفاحش ، والذي عبَّرت فيه عن مكنونها تجاهه ، ولتبدأ ببرنامج
تجلية لقلبها ، بسماع القرآن ، ودروس العلم ، مع التعجيل بالزواج ؛ فإنه
الحل الشرعي لصرفها عن التعلق المحرم ، ولتملأ حياتها بالنافع المفيد ،
وبعدها فسيكون في قلبها البغض لتلك الصور ، وتلك المعاصي ، وليكن ذلك قبل
أن يفوت عليها الوقت .
وهذه وصايا ، ونصائح ، من شيخ الإسلام ابن تيمية ، لمن
أراد إبراء نفسه من سهام إبليس .
فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
عمن أصابه سهم من سهام إبليس المسمومة ؟ .
فأجاب :
مَن أصابه جرح مسموم : فعليه بما يخرج السم ، ويبرئ
الجرح بالترياق ، والمرهم ، وذلك بأمور ، منها :
الأول : أن يتزوج ، أو يتسرَّى ؛ فإن النبي صلى الله
عليه وسلم قال : ( إذا نظر أحدكم إلى محاسن امرأة فليأت أهله فإنما معها
مثل ما معها ) ، وهذا مما ينقص الشهوة ، ويضعف العشق .
الثاني : أن يداوم على الصلوات الخمس ، والدعاء ،
والتضرع وقت السحر ، وتكون صلاته بحضور قلب ، وخشوع ، وليكثر من الدعاء
بقوله : " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك يا مصرف القلوب صرف قلبي إلى
طاعتك وطاعة رسولك " ؛ فإنه متى أدمن الدعاء ، والتضرع لله : صرف قلبه
عن ذلك ، كما قال تعالى ( كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ
وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ) يوسف/ من الآية
24 .
الثالث : أن يبعد عن مسكن هذا الشخص ، والاجتماع بمن
يجتمع به ، بحيث لا يَسمع له خبراً ، ولا يقع له على عين ولا أثر ، فإن "
البُعد جفا " ، و " متى قلَّ الذِّكر ضعف الأثر في القلب " ، فليفعل هذه
الأمور ، وليطالع بما تجدد له من الأحوال .
" مجموع فتاوى ابن تيمية " ( 32 / 5 ، 6 ) .
سادساً:
1. على الأخ السائل أن يَحْذر من تلك المنتديات ، إذا كان يخشى من
الافتتان ، أو التأثر بها ، وليقتصر على المنتديات التي تخلو من تلك
المخالفات ؛ وكذلك عليه أن لا ييأس من واجب النصح والتذكير ؛ فالدين
النصيحة .
2. والنصيحة لمسئولي تلك المنتديات ، والمشرفين عليها : أن يتقوا الله
تعالى , وأن يعلموا أن الله سائلهم عما استرعاهم عليه ، فعليهم أن يجنبوا
منتدياتهم وسائل الفتنة ، وأسبابها ، من عرضٍ لتلك الصور , وتلك "
المقاطع " - الكليبات - والتي يترتب عليها مفاسد كثيرة .
والله نسأل أن يثبتنا ، وإياكم , وأن يصرف عنا وعنكم
الفتن ، ما ظهر منها وما بطن .
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب
منقول