أشكر حسّادك ..!
د. عايض القرني
النقد
الموجّه إليك يساوي قيمتك تماماً، وإذا أصبحت لا تُنقد ولا تُحسد فأحسن
الله عزاءك في حياتك؛ لأنك متَّ من زمن وأنت لا تدري، وإذا أصبحت يوماً ما
ووجدت رسائل شتم وقصائد هجاء وخطابات قدح فاحمد الله فقد أصبحت شيئاً
مذكوراً وصرت رقماً مهماً ينبغي التعامل معه. إن أعظم علامات النجاح هو
كيل النقد جزافاً لك، فمعناه أنك عملت أعمالاً عظيمة فيها أخطاء، أما إذا
لم تُنقد ولم تُحسد فمعناه أنك صفر مكعَّب «حُرِّمت عليكم الميتة» يقول
صاحب كتاب (دع القلق): إن الناس لا يرفسون كلباً ميّتاً، ولكن أبا تمام
سبق لهذا المعنى فسطَّره وعطَّره وحبَّره فقال:
* وَإِذا أَرادَ اللَهُ نَشرَ فَضيلَةٍ - طُوِيَت أَتاحَ لَها لِسانَ حَسودِ.
يقول
أحد الكتّاب: عليك أن تشكر حسّادك؛ لأنهم تبرعوا بدعاية مجانية نيابة عنك،
وإذا وجدت هجوماً كاسحاً ضدك من أصدقائك الأعداء أو من أعداءك الأصدقاء
فلا ترد عليهم بل سامحهم واستغفر لهم وزد في إنتاجك وتأليفك وبرامجك فإن
هذه أعظم عقوبة لهم يقول زميلي أبو الطيب:
* إِنّي وَإِن لُمتُ حاسِدِيَّ فَما - أُنكِرُ أَنّي عُقوبَةٌ لَهُمُ.
إن
نقد أعدائنا الأصدقاء يقوِّم اعوجاجنا الذي ربما أعمانا عنه مديح الجماهير
وتصفيق المعجبين، يقول غوته: إن الدجاجة حينما تريد أن تبيض وتقول: قيط..
قيط تظن أنها سوف تبيض قمراً سيّاراً، فالعالِم لكثرة ما يمدح يظن أن الله
لطف بالخلق لمّا أوجده في هذا الزمن، والمسؤول إذا أُثني عليه بقصائد يحسب
أن الملائكة في السماء تصفّق له، إذاً فلابد من وخزات نقدية؛ ليستيقظ
العقل المبنَّج بأُبر أهل المدح الزائف الرخيص، يقول أحد الفلاسفة: إذا
رُكِلتَ من الخلف فاعلم أنك في المقدمة، إن التافهين ليس لهم نقّاد ولا
حسّاد؛ لأنهم كالجماد تماماً، وهل سمعت أحداً يهجو حجراً أو يسب طيناً ؟!
وتذكر أن الكسوف والخسوف للشمس والقمر أما سائر النجوم فلم تبلغ هذا
الشرف. يقول زهير:
* مُحَسَّدونَ عَلى ما كانَ مِن نِعَمٍ - لا يَنزِعُ اللَهُ مِنهُم ما لَهُ حُسِدوا.
ذكروا
عن العقاد أن أحد الكتّاب شكا إليه تهجم الصحافة عليه فقال العقاد: اجمع
لي كل المقالات التي هاجمتك، فجمعها، فقال له: رتّبها وضع قدميك عليها،
فلما فعل قال له: لقد ارتفعت عن مستوى الأرض بمقدار هذا الهجوم ولو زادوا
في نقدهم لزاد ارتفاعك. يقول ابن الوزير:
* وشكوت من ظلم الحسود ولن تجد - ذا سؤدد إلا أصيب بحسّدِ .
إن
أصدقاءك الأعداء وإن أعداءك الأصدقاء لم ينقموا عليك لأنك سرقت أموالهم أو
اغتصبت دورهم ولكنك فقتهم علماً أو معرفة أو مالاً أو حققت نجاحاً باهراً،
فلا بد أن يقتصّوا منك جزاءً وِفاقاً لتصرفك الأرعن لأن الواجب عليك عندهم
أن تبقى تحتهم بدرجة، إذاً فلا تنتظر من حسّادك شهادات حسن سيرة وسلوك
ودعاء في السحر بل توقَّع قصائد عصماء مقذعة وخطباً نارية بشعة ومقامات
أدبية مشوّهه. والمشكلة أن صديقك الحاسد يرفض دستور المودة وأنت تعرضها
عليه، ويبحث عن آخرين يصنع معهم الصداقات كما قالت الشاعرة البارعة رضي
الله عنها:
* الّلي يبينا عيّتْ النفسْ تبغِيـهْ - واللّي نبي عيّا البَختْ لا يِجيبه
هذا المقال /منقول عن جريدة الشرق الأوسط
د. عايض القرني
النقد
الموجّه إليك يساوي قيمتك تماماً، وإذا أصبحت لا تُنقد ولا تُحسد فأحسن
الله عزاءك في حياتك؛ لأنك متَّ من زمن وأنت لا تدري، وإذا أصبحت يوماً ما
ووجدت رسائل شتم وقصائد هجاء وخطابات قدح فاحمد الله فقد أصبحت شيئاً
مذكوراً وصرت رقماً مهماً ينبغي التعامل معه. إن أعظم علامات النجاح هو
كيل النقد جزافاً لك، فمعناه أنك عملت أعمالاً عظيمة فيها أخطاء، أما إذا
لم تُنقد ولم تُحسد فمعناه أنك صفر مكعَّب «حُرِّمت عليكم الميتة» يقول
صاحب كتاب (دع القلق): إن الناس لا يرفسون كلباً ميّتاً، ولكن أبا تمام
سبق لهذا المعنى فسطَّره وعطَّره وحبَّره فقال:
* وَإِذا أَرادَ اللَهُ نَشرَ فَضيلَةٍ - طُوِيَت أَتاحَ لَها لِسانَ حَسودِ.
يقول
أحد الكتّاب: عليك أن تشكر حسّادك؛ لأنهم تبرعوا بدعاية مجانية نيابة عنك،
وإذا وجدت هجوماً كاسحاً ضدك من أصدقائك الأعداء أو من أعداءك الأصدقاء
فلا ترد عليهم بل سامحهم واستغفر لهم وزد في إنتاجك وتأليفك وبرامجك فإن
هذه أعظم عقوبة لهم يقول زميلي أبو الطيب:
* إِنّي وَإِن لُمتُ حاسِدِيَّ فَما - أُنكِرُ أَنّي عُقوبَةٌ لَهُمُ.
إن
نقد أعدائنا الأصدقاء يقوِّم اعوجاجنا الذي ربما أعمانا عنه مديح الجماهير
وتصفيق المعجبين، يقول غوته: إن الدجاجة حينما تريد أن تبيض وتقول: قيط..
قيط تظن أنها سوف تبيض قمراً سيّاراً، فالعالِم لكثرة ما يمدح يظن أن الله
لطف بالخلق لمّا أوجده في هذا الزمن، والمسؤول إذا أُثني عليه بقصائد يحسب
أن الملائكة في السماء تصفّق له، إذاً فلابد من وخزات نقدية؛ ليستيقظ
العقل المبنَّج بأُبر أهل المدح الزائف الرخيص، يقول أحد الفلاسفة: إذا
رُكِلتَ من الخلف فاعلم أنك في المقدمة، إن التافهين ليس لهم نقّاد ولا
حسّاد؛ لأنهم كالجماد تماماً، وهل سمعت أحداً يهجو حجراً أو يسب طيناً ؟!
وتذكر أن الكسوف والخسوف للشمس والقمر أما سائر النجوم فلم تبلغ هذا
الشرف. يقول زهير:
* مُحَسَّدونَ عَلى ما كانَ مِن نِعَمٍ - لا يَنزِعُ اللَهُ مِنهُم ما لَهُ حُسِدوا.
ذكروا
عن العقاد أن أحد الكتّاب شكا إليه تهجم الصحافة عليه فقال العقاد: اجمع
لي كل المقالات التي هاجمتك، فجمعها، فقال له: رتّبها وضع قدميك عليها،
فلما فعل قال له: لقد ارتفعت عن مستوى الأرض بمقدار هذا الهجوم ولو زادوا
في نقدهم لزاد ارتفاعك. يقول ابن الوزير:
* وشكوت من ظلم الحسود ولن تجد - ذا سؤدد إلا أصيب بحسّدِ .
إن
أصدقاءك الأعداء وإن أعداءك الأصدقاء لم ينقموا عليك لأنك سرقت أموالهم أو
اغتصبت دورهم ولكنك فقتهم علماً أو معرفة أو مالاً أو حققت نجاحاً باهراً،
فلا بد أن يقتصّوا منك جزاءً وِفاقاً لتصرفك الأرعن لأن الواجب عليك عندهم
أن تبقى تحتهم بدرجة، إذاً فلا تنتظر من حسّادك شهادات حسن سيرة وسلوك
ودعاء في السحر بل توقَّع قصائد عصماء مقذعة وخطباً نارية بشعة ومقامات
أدبية مشوّهه. والمشكلة أن صديقك الحاسد يرفض دستور المودة وأنت تعرضها
عليه، ويبحث عن آخرين يصنع معهم الصداقات كما قالت الشاعرة البارعة رضي
الله عنها:
* الّلي يبينا عيّتْ النفسْ تبغِيـهْ - واللّي نبي عيّا البَختْ لا يِجيبه
هذا المقال /منقول عن جريدة الشرق الأوسط