[center]التلبية بالتوحيد
للشيخ : عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر
إن أوّل ما يبدأ به المسلم من أعمال حجّه هوالإهلال بالتوحيد ، معلنا من خلال كلمات التلبيةالعظيمة توحيده لله وحده ونبذه للشرك والتنديد،ثم يمضي ـ راشدا على البيت العتيق يردِّد ُتلك الكلمات
" لبيك اللهمّ لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك "
وهو عالم بما دلّت عليه من الإخلاص والتوحيد ووجوب إفرادِالله وحده ب العبادةِ والبعدِ عن اتخاذِ الشركاء مع الله ،مستشعرلذلكم ستحضر له ،مقرٌّبأنَّ ربه سبحانه المتفردَ بالنِّعمة والعطاء والهبة والنَّعماء لا شريك له هوالمتفرِّد بالتوحيد لا ندَّ له ؛ولذا فإنَّ الملبي بهذه الكلمات حقّاًوصدقاًلايدعو إلا الله،ولايستغيث إلا بالله، ولايتوكّل إلا على الله، ولايذبح ولا ينذر إلا لله ولايصرف شيئا من العبادةإلالله .
وهذا أصل عظيم وأساس متين يجب أن تبنى عليه كلُّ طاعة يتقرببها العبدُإلى الله عزّ وجل ،
الحجُّ وغيره ولذا قال الله تعالى في سورةالحج(وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجّ ِيَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ،لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِالْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَاوَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ،ثُمَّ لْيَقْضُواتَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ،ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَخَيْرٌلَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ، حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءفَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ [ الحج 27، 31.
فحذَّر سبحانه في هذا السياق المبارك من الشرك وأمر باجتنابه وبيَّن قبحَه وسوءَ عاقبته ،وأنَّ فاعله كأنما خرَّ من السماءفتخطفه الطير أو تهوي به الرِّيح في مكان سحيق .
ولذا فإن نعمة الله علينا ـ أمّة الإسلام ـ عظيمة ومِنَّته كبيرة أن هدانا لتوحيده ، ووفقنا لهذا الإهلال العظيم بالإخلاص والتوحيد والبراءة من الشرك والتنديد ،بعد أن كان أهل الشرك يُهلُّون باتخاذ الأندادوالشركاء مع أنهم مقرّون بأن الخالق لهم هو الله وحده وأنه المالك لكل شيء ، وأنه وحده مولي النعمة ومسديها . قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم رحمه الله " ليس أحد يعبد مع الله غيره إلا وهومؤمن بالله،ويعرف أن الله ربه ، وأن الله خالقه ورازقه وهو يشرك به ، ألا ترى كيف قال إبراهيم { أفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ ،أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ ،فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلارَبَّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء75 ,77
قد عرَف أنهم يعبدون رب العالمين مع ما يعبدون . قال : فليس أحديشرك إلاوهو يؤمن به ، ألاترى كيف كانت العرب تلبي ، تقول لبيك لا شريك له إلاشريكاهو لك ،تملكه وما ملك ،المشركون كانوا يقولون هذا" روه ابن جرير الطبري في تفسيره . وفي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان المشركون يقولون : لبيك لا شريك لك . قال فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ويلكم ! قد . قد " فيقولون : إلا شريكا هو لك . تملكه وما ملك . يقولون هذاوهم يطوفون بالبيت . خلاصة الدرجة: صحيح
فهذه حال أهل الشرك والتنديد في تلبيتهم ، حيث يُدْخِلون مع الله في التلبية الشركاءَ والأندادَ ،ويجعلون ملكها بيده ويقرُّون بأنها لاتملك شيئا، وهذا ضلال مبين ـ عافى الله أمّةالإسلام منه وهداهم إلى الإهلال بالتوحيد بتلك الكلمات النيِّرات
"لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمدوالنعمة لك والملك لا شريك لك" .
وقوله: "إنّ الحمدوالنعمة لك والملك لا شريك لك" متضمّن جملة من البراهين العظيمة على وجوب توحيدالله وإخلاص العبادة له ، والإقبال عليه وحده بالذل والخضوع، والرغبة والرهبة والركوع والسجود ، والخوف والرجاء وسائر أنواع العبادة، وتتلخص هذه البراهين في أمور خمسة :
الأول:أن الحمد كله لله سبحانه،فهو تبارك وتعالى الحميد في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله،المستحقّ لكل حمد ومحبة وثناء لما اتصف به من صفات الحمد التي هي صفات الجمال والجلال ، ولما أنعم به على خلقه من النعم الجزال ، فهوالمحمود على كل حال ، وهوسبحانه حميد من جميع الوجوه.
[/center]