لقد عاصر الإمام أبو الحسن موسى بن جعفر الكاظم عليه السّلام في فترة حياته الشريفة أربعةً من طواغيت زمانه وجبابرة عصره من بني العباس السفّاحين.
عاش ردحاً من الزمن معاصراً للمنصور الدوانيقي الذي ما تورّع في إبادة أُمّة في سبيل تثبيت عرش بني العبّاس، ولمّا هلك تربّع على العرش العباسي ابنُه محمّد المهديّ، وسار على منهج سلفه في القتل وسفك دماء المسلمين، بل زاد على ما فعله أبوه، وبعد هلاكه خلفه الطاغيةُ الشابّ النزق السفّاح موسى الهادي العباسيّ، ولم يطل به المقام حتّى هلك، فخلفه أخوه الطاغية الجبّار هارون الرشيد الذي زاد في الظلم والجور وسفك دماء المؤمنين على نهج أسلافه الطغاة الظَلَمة، حتّى قضى الإمام الكاظم عليه السّلام مسموماً شهيداً في سجن المجرم السفّاح السنديّ بن شاهَك « عليه وعلى أسياده لعنة الله ولعنة اللاعنين ».
وخلال هذه الفترة المتمادية من السنين تحمّل الإمام عليه السّلام صنوف الإرهاب السياسيّ والفكريّ والعذاب النفسيّ والجسديّ، ما لا تتحمّله الجبال الرواسي.
وقد واجه الإمام عليه السّلام كلّ تلكم المآسي التي تنهدّ لهولها الجبال، بعزمٍ ثابت وإرادةٍ لا تلين، وبتصميمٍ راسخ لا تزعزعه العواصف ولا تزيله القواصف، موطّناً نفسه على مواجهة وتحمّل كلّ الصعاب التي مارسها حكّام الجور ضدّه وضدّ العلويّين من آله، كما شمل ذلك العنت والعذاب أصحابَه البررة والموالين المنتسبين لمدرسة أهل البيت عليهم السّلام، وقد صمّم عليه السّلام على مواجهة كلّ ما يستجدّ من جور الحكّام العباسيّين وتابعيهم من محنٍ ومآسٍ في سبيل ترسيخ دعائم شريعة الإسلام وما جاء به جدُّه المصطفى صلوات الله عليه وآله، حتّى ظهور المنقذ الأعظم للبشرية، وحتّى يرث الله سبحانه وتعالى الأرض ومَن عليها، وهو خير الوارثين.
اتّخذ الإمام الكاظم عليه السّلام موقف المعارض في التعامل مع السلطة الحاكمة وأجهزتها، فقد كان يبدي التحفّظات في ممارسة أيّ عمل للنظام الحاكم، وكان يندّد بمواقف بعض المتملّقين للحكم والعاملين في أجهزته.
وتتّضح دعوته عليه السّلام في تحريم التعاون مع الحكم في أيّ مجال من المجالات خلال حواره مع صفوان الجمّال، فقد روى الكشّيّ عن حمدَوَيه قال: حدّثني محمّد بن إسماعيل الرازيّ، قال: حدّثني الحسن بن عليّ بن فضّال، قال: حدّثني صفوان بن مهران الجمّال، قال: دخلت على أبي الحسن الأوّل عليه السّلام فقال لي: يا صفوان، إنّ كلّ شيءٍ منك حَسَن جميل ما خلا شيئاً واحداً، قلت: جُعلت فداك، أيّ شيء ؟
قال: إكراؤُك جِمالَك من هذا الرجل ـ يعني هارون ـ قلت: واللهِ ما أكريتُه أشَراً ولا بَطَراً ولا للصيد ولا للّهو، ولكنّي أكريتُه لهذا الطريق ـ يعني طريق مكّة ـ ولا أتولاّه، ولكن أبعثُ معه غلماني.
فقال لي: يا صفوان، أيقع إكراؤك عليهم ؟ قلت: نعم، جعلت فداك. فقال لي: أتحبّ بقاءهم حتّى يخرج كراؤك ؟ قلت: نعم. قال: فمَن أحبّ بقاءهم فهو منهم، ومن كان منهم كان وارداً النار.
قال صفوان: فذهبتُ وبِعت جِمالي عن آخرها، فبلغ ذلك إلى هارون فدعاني، وقال: يا صفوان، بلغني أنّك بِعتَ جِمالك ؟ قلت: نعم. فقال: لِمَ ؟ قلت: أنا شيخ كبير، وإنّ الغلمان لا يَفُون بالأعمال. فقال: هيهات هيهات! إنّي لأعلم من أشار عليك بهذا، أشار موسى بن جعفر. قلت: مالي ولموسى بن جعفر. فقال: دَعْ هذا عنك، فواللهِ لولا حُسن صُحبتك لَقتلتُك.
وثمّة موقف آخر أعرب فيه الإمام الكاظم عليه السّلام عن نقمته وسخطه الشديدين على حكومة هارون ودعوته إلى حرمة التعاون معهم بأيّ شكلٍ كان، وقد منع عليه السّلام الركونَ إليهم مستشهداً بقوله تعالى: « وَلا تَرْكَنوا إلى الَّذينَ ظَلَموا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ »، وقد حرّم على المسلمين الميل إليهم، وأكّد على ضرورة مقاطعتهم حتّى لو كان ذلك مستلزماً التخلّي عن بعض المصالح الشخصيّة، كما حذّر أصحابه من الدخول في أجهزة الدولة أو قبول أيّ وظيفة من وظائفها أو الانضمام إلى أجهزتها، ويتّضح ذلك في موقفه من زياد بن أبي سَلَمة، قال: دخلت على أبي الحسن موسى عليه السّلام، فقال لي: يا زياد، إنّك لتعمل عمل السلطان ؟ قال: قلت: أجل. قال لي: ولِمَ ؟
قلت: أنا رجل لي مروّة وعلَيَّ عيال، وليس وراء ظهري شيء. فقال لي: يا زياد، لأن أسقطَ من حالق فأتقطّع قطعةً قطع، أحبُّ إليّ من أن أتولّى لأحدٍ منهم عملاً، أو أطأ بساطَ رجلٍ منهم، إلاّ لماذا ؟ قلت: لا أدري، جعلت فداك.
قال: إلاّ لتفريج كربةٍ عن مؤمن، أو فكّ أسْره أو قضاء دَينه. يا زياد، إنّ أهون ما يصنع الله بمن تولّى لهم عملاً أن يضرب عليه سُرادقَ مِن نار إلى أن يفرغ اللهُ من حساب الخلائق.
يا زياد، فإن وُلّيتَ شيئاً من أعمالهم، فأحسِنْ إلى إخوانك، فواحدة بواحدة، واللهُ من وراء ذلك.
يا زياد، أيّما رجل منكم تولّى لأحدٍ منهم ثمّ ساوى بينكم وبينهم، فقولوا له: أنت منتحلٌ كذّاب.
يا زياد، إذا ذكرتَ مقدرتك على الناس، فاذكرْ مقدرةَ الله عليك غداً ونفادَ ما أتيتَ إليهم عنهم، وبقاءَ ما أتيتَ إليهم عليك.
وقد استثنى الإمام الكاظم عليه السّلام ـ ولمصالح خاصّة ـ أحدَ أصحابه الكبار أن يتولّى منصب الوزارة أيّام هارون ومِن قبلها منصبَ أيّام المهديّ، ألا وهو عليّ بن يقطين، وقد تقدّم إلى الإمام عليه السّلام مرّاتٍ عديدةً يطلب منه الإذن في ترك منصبه والاستقالة منه، فنهاه عليه السّلام عن ذلك.
ففي كتاب « قضاء حقوق المؤمنين » لأبي عليّ بن طاهر، قال: استأذن عليُّ بن يقطين مولايَ الكاظمَ عليه السّلام في ترك عمل السلطان، فلم يأذن له، وقال: لا تفعل، فإنّ لنا بك أُنساً، ولإخوانك بك عزّاً، وعسى أن يَجبرَ بك كَسْراً، ويكسرَ بك نائرةَ المخالفين عن أوليائه.
يا عليّ، كفّارةُ أعمالكم الإحسانُ إلى إخوانكم، اضمنْ لي واحدةً وأضمن لك ثلاثة، إضمن لي أن لا تلقى أحداً من أوليائنا إلاّ قضيتَ حاجتَه وأكرمتَه، وأضمن لك أن لا يظلَّك سقفُ سجن أبداً، ولا ينالَك حدُّ سيف أبداً، ولا يدخلَ الفَقرُ بيتَك أبداً.
يا عليّ، مَن سرّ مؤمناً فبالله بدأ، وبالنبيّ صلّى الله عليه وآله ثنّى، وبنا ثلّث.
وفي الكافي والتهذيب بالإسناد عن إبراهيم بن أبي محمود، عن عليّ بن يقطين، قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام: ما تقول في أعمال هؤلاء ؟ قال: إن كنتَ لابدّ فاعلاً فاتّقِ أموالَ الشيعة. قال: فأخبرني عليٌّ أنّه كان يَجْبيها من الشيعة علانيةً، ويردّها عليهم في السرّ.
عاش ردحاً من الزمن معاصراً للمنصور الدوانيقي الذي ما تورّع في إبادة أُمّة في سبيل تثبيت عرش بني العبّاس، ولمّا هلك تربّع على العرش العباسي ابنُه محمّد المهديّ، وسار على منهج سلفه في القتل وسفك دماء المسلمين، بل زاد على ما فعله أبوه، وبعد هلاكه خلفه الطاغيةُ الشابّ النزق السفّاح موسى الهادي العباسيّ، ولم يطل به المقام حتّى هلك، فخلفه أخوه الطاغية الجبّار هارون الرشيد الذي زاد في الظلم والجور وسفك دماء المؤمنين على نهج أسلافه الطغاة الظَلَمة، حتّى قضى الإمام الكاظم عليه السّلام مسموماً شهيداً في سجن المجرم السفّاح السنديّ بن شاهَك « عليه وعلى أسياده لعنة الله ولعنة اللاعنين ».
وخلال هذه الفترة المتمادية من السنين تحمّل الإمام عليه السّلام صنوف الإرهاب السياسيّ والفكريّ والعذاب النفسيّ والجسديّ، ما لا تتحمّله الجبال الرواسي.
وقد واجه الإمام عليه السّلام كلّ تلكم المآسي التي تنهدّ لهولها الجبال، بعزمٍ ثابت وإرادةٍ لا تلين، وبتصميمٍ راسخ لا تزعزعه العواصف ولا تزيله القواصف، موطّناً نفسه على مواجهة وتحمّل كلّ الصعاب التي مارسها حكّام الجور ضدّه وضدّ العلويّين من آله، كما شمل ذلك العنت والعذاب أصحابَه البررة والموالين المنتسبين لمدرسة أهل البيت عليهم السّلام، وقد صمّم عليه السّلام على مواجهة كلّ ما يستجدّ من جور الحكّام العباسيّين وتابعيهم من محنٍ ومآسٍ في سبيل ترسيخ دعائم شريعة الإسلام وما جاء به جدُّه المصطفى صلوات الله عليه وآله، حتّى ظهور المنقذ الأعظم للبشرية، وحتّى يرث الله سبحانه وتعالى الأرض ومَن عليها، وهو خير الوارثين.
اتّخذ الإمام الكاظم عليه السّلام موقف المعارض في التعامل مع السلطة الحاكمة وأجهزتها، فقد كان يبدي التحفّظات في ممارسة أيّ عمل للنظام الحاكم، وكان يندّد بمواقف بعض المتملّقين للحكم والعاملين في أجهزته.
وتتّضح دعوته عليه السّلام في تحريم التعاون مع الحكم في أيّ مجال من المجالات خلال حواره مع صفوان الجمّال، فقد روى الكشّيّ عن حمدَوَيه قال: حدّثني محمّد بن إسماعيل الرازيّ، قال: حدّثني الحسن بن عليّ بن فضّال، قال: حدّثني صفوان بن مهران الجمّال، قال: دخلت على أبي الحسن الأوّل عليه السّلام فقال لي: يا صفوان، إنّ كلّ شيءٍ منك حَسَن جميل ما خلا شيئاً واحداً، قلت: جُعلت فداك، أيّ شيء ؟
قال: إكراؤُك جِمالَك من هذا الرجل ـ يعني هارون ـ قلت: واللهِ ما أكريتُه أشَراً ولا بَطَراً ولا للصيد ولا للّهو، ولكنّي أكريتُه لهذا الطريق ـ يعني طريق مكّة ـ ولا أتولاّه، ولكن أبعثُ معه غلماني.
فقال لي: يا صفوان، أيقع إكراؤك عليهم ؟ قلت: نعم، جعلت فداك. فقال لي: أتحبّ بقاءهم حتّى يخرج كراؤك ؟ قلت: نعم. قال: فمَن أحبّ بقاءهم فهو منهم، ومن كان منهم كان وارداً النار.
قال صفوان: فذهبتُ وبِعت جِمالي عن آخرها، فبلغ ذلك إلى هارون فدعاني، وقال: يا صفوان، بلغني أنّك بِعتَ جِمالك ؟ قلت: نعم. فقال: لِمَ ؟ قلت: أنا شيخ كبير، وإنّ الغلمان لا يَفُون بالأعمال. فقال: هيهات هيهات! إنّي لأعلم من أشار عليك بهذا، أشار موسى بن جعفر. قلت: مالي ولموسى بن جعفر. فقال: دَعْ هذا عنك، فواللهِ لولا حُسن صُحبتك لَقتلتُك.
وثمّة موقف آخر أعرب فيه الإمام الكاظم عليه السّلام عن نقمته وسخطه الشديدين على حكومة هارون ودعوته إلى حرمة التعاون معهم بأيّ شكلٍ كان، وقد منع عليه السّلام الركونَ إليهم مستشهداً بقوله تعالى: « وَلا تَرْكَنوا إلى الَّذينَ ظَلَموا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ »، وقد حرّم على المسلمين الميل إليهم، وأكّد على ضرورة مقاطعتهم حتّى لو كان ذلك مستلزماً التخلّي عن بعض المصالح الشخصيّة، كما حذّر أصحابه من الدخول في أجهزة الدولة أو قبول أيّ وظيفة من وظائفها أو الانضمام إلى أجهزتها، ويتّضح ذلك في موقفه من زياد بن أبي سَلَمة، قال: دخلت على أبي الحسن موسى عليه السّلام، فقال لي: يا زياد، إنّك لتعمل عمل السلطان ؟ قال: قلت: أجل. قال لي: ولِمَ ؟
قلت: أنا رجل لي مروّة وعلَيَّ عيال، وليس وراء ظهري شيء. فقال لي: يا زياد، لأن أسقطَ من حالق فأتقطّع قطعةً قطع، أحبُّ إليّ من أن أتولّى لأحدٍ منهم عملاً، أو أطأ بساطَ رجلٍ منهم، إلاّ لماذا ؟ قلت: لا أدري، جعلت فداك.
قال: إلاّ لتفريج كربةٍ عن مؤمن، أو فكّ أسْره أو قضاء دَينه. يا زياد، إنّ أهون ما يصنع الله بمن تولّى لهم عملاً أن يضرب عليه سُرادقَ مِن نار إلى أن يفرغ اللهُ من حساب الخلائق.
يا زياد، فإن وُلّيتَ شيئاً من أعمالهم، فأحسِنْ إلى إخوانك، فواحدة بواحدة، واللهُ من وراء ذلك.
يا زياد، أيّما رجل منكم تولّى لأحدٍ منهم ثمّ ساوى بينكم وبينهم، فقولوا له: أنت منتحلٌ كذّاب.
يا زياد، إذا ذكرتَ مقدرتك على الناس، فاذكرْ مقدرةَ الله عليك غداً ونفادَ ما أتيتَ إليهم عنهم، وبقاءَ ما أتيتَ إليهم عليك.
وقد استثنى الإمام الكاظم عليه السّلام ـ ولمصالح خاصّة ـ أحدَ أصحابه الكبار أن يتولّى منصب الوزارة أيّام هارون ومِن قبلها منصبَ أيّام المهديّ، ألا وهو عليّ بن يقطين، وقد تقدّم إلى الإمام عليه السّلام مرّاتٍ عديدةً يطلب منه الإذن في ترك منصبه والاستقالة منه، فنهاه عليه السّلام عن ذلك.
ففي كتاب « قضاء حقوق المؤمنين » لأبي عليّ بن طاهر، قال: استأذن عليُّ بن يقطين مولايَ الكاظمَ عليه السّلام في ترك عمل السلطان، فلم يأذن له، وقال: لا تفعل، فإنّ لنا بك أُنساً، ولإخوانك بك عزّاً، وعسى أن يَجبرَ بك كَسْراً، ويكسرَ بك نائرةَ المخالفين عن أوليائه.
يا عليّ، كفّارةُ أعمالكم الإحسانُ إلى إخوانكم، اضمنْ لي واحدةً وأضمن لك ثلاثة، إضمن لي أن لا تلقى أحداً من أوليائنا إلاّ قضيتَ حاجتَه وأكرمتَه، وأضمن لك أن لا يظلَّك سقفُ سجن أبداً، ولا ينالَك حدُّ سيف أبداً، ولا يدخلَ الفَقرُ بيتَك أبداً.
يا عليّ، مَن سرّ مؤمناً فبالله بدأ، وبالنبيّ صلّى الله عليه وآله ثنّى، وبنا ثلّث.
وفي الكافي والتهذيب بالإسناد عن إبراهيم بن أبي محمود، عن عليّ بن يقطين، قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام: ما تقول في أعمال هؤلاء ؟ قال: إن كنتَ لابدّ فاعلاً فاتّقِ أموالَ الشيعة. قال: فأخبرني عليٌّ أنّه كان يَجْبيها من الشيعة علانيةً، ويردّها عليهم في السرّ.