الأحنف بن قيس
( ت 72 هـ ، 691 م )
بقلم : أنور أحمد موسى العاني
الأحنف بن قيس بن معاوية بن حصين المرّي السعدي المنقري التميمي أبو بحر : سيد تميم وأحد العظماء الدهاة الفصحاء الشجعان.
ولد في البصرة في السنة الثالثة قبل الهجرة.
كان
نادرة من نوادر الدهر في حدة الخاطر وتوقد الذكاء وصدق النظرة وصفاء
الفطرة، كان يختلف إلى مجالس قيس بن عاصم المنقري فتعلم منه الحلم وتخلف
إلى مجالس العلماء فتعلم منهم العلم.
حلمـه :
يُعد الأحنف من حلماء العرب وبه يضرب المثل كقول الشاعر:
أقدام عمرو في سماحة حاتم ... في حلم أحنف في ذكاء إياس
ومن
قصص حلمه انه كان جالساً محتبياً يحدث قومه، فجاءه رجل يقول له : هذا ابن
أخيك قد قتل ابنك فلاناً، فما حل حبوته ولا قطع كلامه، حتى إذا انتهى التفت
إلى ابن أخيه وقال: يا ابن أخي قتلت ابن عمك فقطعت رحمك بيدك، ورميت نفسك
بسهمك.
ثم قال لابن له آخر: قم فحل كتاف ابن عمك ودارِ أخاك ثم سق إلى أمه مائة ناقة دية ابنها فإنها غريبة.
موقفـه من الفتن:
اعتزل
الفتنة يوم الجمل ثم شهد صفين مع علي بن أبي طالب فلما استشهد علي بن أبي
طالب وانتظم الأمر لمعاوية أرسل إليه وعاتبه في ذلك، فأغلظ له الأحنف في
الجواب وقال والله يا معاوية ما حملتنا إليك رغبة في عطائك أو رهبة من
جفائك وإنما جئناك لرأب الصدع، ولمِّ الشمل، وجمع كلمة المسلمين.
فأكرمه معاوية ولما سئل عن صبره عليه، فقال: هذا الذي إذا غضب غضب له مئة ألف لا يدرون فيم غضب .
دخولـه في الإسلام:
بعث
رسول الله صلى الله عليه وسلم داعية من أصحابه إلى رهط الأحنف بن قيس
يدعوهم إلى الإسلام وكان شاباً سمع كلامه فلما لم يجبه احد من قومه قال
الأحنف: يا قومِ والله ان هذا الوافد عليكم لوافد خير .. وانه يدعوكم إلى
مكارم الأخلاق، والله ما سمعنا منه إلا حسناً، فأجيبوا داعي الهدى تفوزوا
بخيري الدنيا والآخرة، فأسلموا وأسلم معهم.
ثم وفد كبار القوم إلى
الرسول صلى الله عليه وسلم فلما أخبر الرسول(ص) دعا للأحنف : (اللهم اغفر
للأحنف)، فكان يقول: ما من شيء أرجى لي يوم القيامة من دعوة الرسول عليه
الصلاة والسلام.
وفده إلى عمر:
جاء
مع وفد قومه فرحب بهم وأدنى مجلسهم ثم سألهم عن حوائجهم وحوائج عامة
الناس، ثم طلب كل منهم حاجته وكان الأحنف آخر مَن تكلم لأنه أصغرهم، فكان
مما قال:
نزل قومنا في البصرة في أرض هشاشة نشاشة لا يجف ترابها ولا
ينبت مرعاها، فازل – يا أمير المؤمنين- ضرهم وانعش حياتهم ومر واليك على
البصرة ان يحفر لهم نهراً يستعذبون منه الماء ويسقون الأنعام والزرع ..
فتحسن حالهم..
قال
عمر : انه والله لسيدٌ، ثم قدِم لهم جوائزهم، وأذن للوفد بالعودة إلى
البصرة واستبقى الأحنف فتلقى عن كبار الصحابة وتفقه في دين الله على
أيديهم، ثم أرسله لحرب الفرس فأبدى من ضروب البطولات حتى فتح الله على
أيديهم مدينة (تستر) وأوقع في أسرهم (الهرمزان).
رحم الله شيخنا الجليل ونفعنا بعلمه واسكنه فسيح جناته