مجموعة كبيرة من الاسماك الصغيرة يطلق عليها اسم (( الزمارير )) , لون جسمها البيض فضي , ومخططة باللون البني وزعانفها صفراء , وكانت تسكن في ناحيه من البحر بعيده عن الانظار . وتقضي معظم وقتها في السباحه والغناء , فقد كانت تمتلك اصواتا جميلة , وتؤدي الحانا عذبة .
ومرة من المرات قدم لتلك الناحية احد الصيادين ليمارس هواية الصيد , وخاض البحر حتى بلغ الماء فوق الركبتين , ولكنه لم يجد ما يصطاده فأقفل راجعا . في تلك اللحظة كان أحد الزمارير يعوم وحده بعيدا عن جماعته , في دقائق رمى الصياد شبكته وأمسك بالزمرور الوحيد الذي صاح بتألم وهو يقول : تلطف ياسيدي ودعني ارحل .
ابتسم الصياد وقال: ترحل ... هكذا بسهولة ألا تعلم بأني جائع مندو الامس . أشار الزمرور بزعانفه الصغيره الى نفسه وقال : تمعن في حجمي أنا الا أساوي حتى لقمه واحدة .
هذا صحيح ولكني لن اعود خاوي اليدين , أتريد أن تجوعني أكثر مما أنا عليه .
فكر الزمرور وقال : طيب ... لو دللتك على ما يشبع بطنك فهل تعاهدني على ان تفك قيدي ؟
رد الصياد قائلا : قال ما لديك لأ سمع وأفكر وبعدها اقرر.
قال الزمرور : اذن أنظر معي ألا ترى تلك البقعه البعيدة ؟
تطلع الصياد نحو مياه البحر البعيدة وقال : لا أرى شيئا . قال الزمرور : طيب , أطلق سراحي واتبعني الى هناك سوف نصلها في دقائق .
كانت الاسماك الاخرى تعوم مطمئنة , فجأة وصل الصياد ودليله معه واصطاد بشبكته التي لا تخطئ أبدا عددا لا بأس به . وشعرت الأسماك التي نجت بنفسها بحزن عظيم لضياع الأصدقاء , لذلك راحت تفتش عن مكان أكثر أمنا . وجاء الصياد مرة اخرى ودليله أيضا معه يعين له الموقع الذي اختبأت فيه الأسماك , وكلما وقعت مجموعة في الشبكة كانت تنطلق أصواتا حزينة , أما الزمرور فكان يضحك كل مرة مفتخرا بذكائه وأما الصياد فكان يكافئه بابتسامة عابرة .
وهكذا بين يوم وأخر كان الصياد يأتي ولا يتعب نفسه في البحث كثيرا , لأن الزمرور كان خير من يقوم بهذة المهنة . بعد فترة تقلص عدد الأسماك ولم يبق منها سوى ما يعد على أصابع اليدين . لذا قرارت الأسماك المتبقية ترك المنطقة والسفر بعيدا , وعندما أقبل الصياد لم يجد شيئا ليصطاده , تلفت يمينا وشمالا ورأى صديقه ما زال يعوم حوله مبتهجا ومسرورا فألقى شبكته واصطاده بسرعة خاطفة .
حاول الزمرور ان يزيح عنه خيوط الشبكة وقال بثقة تامة : كنت أحسبك أمهر صياد في التقاط السمك ولكنك أخطأت هذة المرة لقد اصطد تني أنا ..! صديقك الزمرور ألا تعرفني ؟
قال الصياد بحزم : أعرفك بالتأكيد وقد أمسكت بك لأمر هام ... والان قل لي اين بقية الأسماك ؟
أجاب الزمرور : لقد رحلوا بغير علمي وأرجو أن تطلق سراحي لأن شبكتك تؤلمني .
هتف الصياد : سأطلق سراحك هناك في المقلاة ... وستسبح في الزيت المقلي أيضا !
رد الزمرور غاضبا : أتخون العهد الذي بيننا , لقد أكلت الكثير من الأسماك وكل ذلك بفضلي.
قال الصياد : أنا لو أكلت كل ما أصطاد ه في البحرين من السمك , وسأعود بعد يوم او آخر لأكون جائعا . ومضى الصياد بصيده , وكان الزمرور يثرثر ويصرخ طوال الطريق .