یا حبیـبتي لیبـیا.. بماذا أدعوك؟
في اليوم الذي بدأت فيە الثورة اللیبـیة، صارت لیبـیا لي قضية، وصرت أعيش
بکل ما أملك من وجودي الإنساني معها، بمشاعري وإحساسي، وأعصابي وأنفاسي، في
کل ساعة، في کل دقيقة، بل وفي کل ثانیة.. وأنتظر رأس کل ساعة لکي أطلع علی
مجريات الأحداث ومستجداتها في کل بقعة من بقاع هذا البلد، من طبرق إلی وازن
وذهیبة، مرورا ببنغازي وأجدابیا وبريقة ورأس لانوف وبن جواد ومصراتة وزلیتن
وزنتان وکاباو وکفرة وکل شبر، بل کل زنقة من الزنقات التي حلف العقيد
القذافي أن یحرقها حرقا، ويجعلها قاعا صفصفا، ويدمرها تدمیرا، ويغتال کل
الذين يصادفهم، صفا صفا، کبیرا وصغیرا، غنیا وفقيرا، فداء لملك ملوك
أفريقيا وقربانا لعمید حکام العرب الذي لا یأتیە الباطل من بین يديە ولا من
خلفە، ولا من جانبیە.. لأن لیبـیا من دونە لا يمکن أن يفکر عقلاٶها، ولا أن
يحکم حکماٶها، ولا أن يشعر شعراٶها.. بل لا یمکن لأرضها أن تنبت القمح
والنخيل، ولا لسماءها أن تمطر غدقا، ولا لشمسها أن تطلع وتنور الأفق، ولا
لنجومها أن تبتسم أو تتألق بدلال ورفق
!
ککوردستاني شاهدت وعايشت وعاینت الظلم، وشعبي تجرع أنواع الآلام والعذابات،
وطوابیر المکافحین کانت في إنتظار السجون والملاحقة والإعدامات، ورأیت
حملات الأنفال التي إخترعها الدکتاتور للقضاء علی شعب کي لا يبقی له أثر،
وتحولت کوردستان إلی مجمعات ومستوطنات لا یحتملها بقر، ناهیکم عن البشر..
أجل، أعرف طبیعة الطواغیت وأدرك کم هو صعب العیش مع حاکم صنم، وکذلك مع
أقزامە الذين یظنون أنهم جالسون في ظلال القمم، لا تصيبهم الشيخوخة
والهرم..هذە الأیام بدأت أحلل الدکتاتوريين، من باب قياس مع الفارق، وجدت
أن لکل واحد منهم خصائص تمیزە عن الآخر، وصفات تبز عند هذا، ولکن تقل عند
ذاك.. يقول المثل : عدو واحد عاقل ولا أصدقاء أغبیاء، هکذا يقول الحکماء.
أعان اللە شعب لیبـیا، لقد ابتلوا بحاکم شرس، غبي یعيش في سجن تصوراتە،
منفصم عن الواقع، ومن یشاهد المدن والقصبات والقری اللیبـیة، يعلم يقينا
بأن هذا الرجل لم يقدم إلی شعبە، ما قدمە حتی دکتاتور تونس، أو صالح
الیمن، وکل الدول الفقيرة التي لا تملك قطرة بترول، تبدو أکثر تقدما برغم
غنی لیبـیا الجالسة علی عرش النفط.
حینما أستمع إلی قادة عرب، أحدهم يدعي أنە خدم شعبە طوال خمسين عاما، وآخر
ستين عاما بامتياز، من دون أن یطمع في منصب وجاە، وآخر يقول أنا لست قائدا
أو رأسا ورئیسا، بل الناس وضعوني علی رٶوسهم وأعیش في قلوبهم، ومن ثم تکشف
التحقيقات أنهم يبزون قارون في ممتلکاته، أکاد أمیل إلی تبني فکرة أن لا
تتجاوز فترة حکم أی حاکم عربي سنة واحدة ولدورة واحدة فقط، وأن يمنع منعا
باتا إستعمال أي لقب بجانب إسمە، وأن یفحص فحصا نفسيا دقيقا، وأن تعلن علی
الملأ حالتە العصبیة، وأن لا يقرأ أي ورقة دون رقابة، وأن لا ینبس ببنت شفة
من دون بروفة مسبقة وموافقة هیئة موثقة. أقول بکل قناعة أن هٶلاء الحکام
ليس بامکانهم حتی تربیة الأنعام، ناهیکم عن تمشية امور امة، بکل تعقيداتها.
أنا من الذين تابعوا کثیرا کثیرا معمر القذافي، في خطبە، وزياراتە،
واستقبالاتە واجتماعاتە، ولکن قلما فهمت مقالاتە وخطبە وفلسفاتە، وکنت
دائما أقول أعان اللە سامعیە، کیف لا يصابون بالقبوضية في بطونهم، أو
بالانهیار في أعصابهم، أو بالجنون في عقولهم، برغم أني سمعت أن مترجمە في
الجمعیة العامة أصابتە نوبة قلبیة، حینما کان يحاول ترجمة ما لم يکن يفهمە
من العقيد.
أنا علی يقين من أن لیل لیبـیا يوشك أن يتحول إلی نهار ربیعي زاهر، وکل
بقعة منها ستصبح علی صبح رائع باهر، وکل قطرة دم بريئة تکون داعیة إلی
السلام والإعمار وطرد الظلم، والعزة والکبرياء إلی الأبد، کما کان عمر
المختار ورمضان السويحلي وأبطال السابع عشر من فبراير.. ولکن إياکم إياکم
أن تسمحوا للأصنام أن ترفع رأسها وفٶوسها من بینکم مرة أخری، وابداٶا منذ
الیوم الأول من يوم الإنتصار، بمسح أي أثر للدکتاتوریة، من رئاسة الدولة
إلی کل زاوية من زوايا جمهوريتکم، واحسموا میزانیتکم علی الملأ فور الدخول
في يوم الإستقلال، والغوا کل لقب ینبئ فوقية إنسان علی آخر أو قبیلة علی
أخری أو مدينة علی أختها، فان هذا هو مدخل الفساد بعینە، ما أن دخل کیانا
أو دولة إلا قصفها وعصف بها، کما فعل بنظام الکتاب الأخضر.
لا تقولوا لي لماذا سکتت طوال هذە الفترة، ولم تکتب حتی ولو مرة، واخوانك
في لیبـیا تجرعوا آلاما وعذابات مرة، وأطفالنا ما ضحکوا قدر ذرة، لأن
تعالیم العقيد کانت وراءهم شبر شبر، زنقة زنقة، حتی تهدي إلیهم طلقة وراء
طلقة.
أقول لکم بکل صدق، إضافة لما قلتە في بداية حسراتي، إن عیني کانت تارة
منهمکة بکتابة الدموع، وترنو تارة إلی التلفاز لتری ما حصل لأهلنا في
مصراطة وکل أرض منتفضة عندکم، وروحي کان مشغولا بتسجيل الآهات.. أما يدي
التي أمسك بها القلم، فکانت متوجهة إلی السماء بالدعاء کي تنزل آيات النصر
علی بلاد، من فرط عشقي لها؛ لا أدري بماذا أدعوها أو أصفها أو أقدمها
لأحبائي ؟
محسن جوامیر
کاتب کوردستاني
17 مايو 2011
mohsinjwamir@hotmail.com
في اليوم الذي بدأت فيە الثورة اللیبـیة، صارت لیبـیا لي قضية، وصرت أعيش
بکل ما أملك من وجودي الإنساني معها، بمشاعري وإحساسي، وأعصابي وأنفاسي، في
کل ساعة، في کل دقيقة، بل وفي کل ثانیة.. وأنتظر رأس کل ساعة لکي أطلع علی
مجريات الأحداث ومستجداتها في کل بقعة من بقاع هذا البلد، من طبرق إلی وازن
وذهیبة، مرورا ببنغازي وأجدابیا وبريقة ورأس لانوف وبن جواد ومصراتة وزلیتن
وزنتان وکاباو وکفرة وکل شبر، بل کل زنقة من الزنقات التي حلف العقيد
القذافي أن یحرقها حرقا، ويجعلها قاعا صفصفا، ويدمرها تدمیرا، ويغتال کل
الذين يصادفهم، صفا صفا، کبیرا وصغیرا، غنیا وفقيرا، فداء لملك ملوك
أفريقيا وقربانا لعمید حکام العرب الذي لا یأتیە الباطل من بین يديە ولا من
خلفە، ولا من جانبیە.. لأن لیبـیا من دونە لا يمکن أن يفکر عقلاٶها، ولا أن
يحکم حکماٶها، ولا أن يشعر شعراٶها.. بل لا یمکن لأرضها أن تنبت القمح
والنخيل، ولا لسماءها أن تمطر غدقا، ولا لشمسها أن تطلع وتنور الأفق، ولا
لنجومها أن تبتسم أو تتألق بدلال ورفق
!
ککوردستاني شاهدت وعايشت وعاینت الظلم، وشعبي تجرع أنواع الآلام والعذابات،
وطوابیر المکافحین کانت في إنتظار السجون والملاحقة والإعدامات، ورأیت
حملات الأنفال التي إخترعها الدکتاتور للقضاء علی شعب کي لا يبقی له أثر،
وتحولت کوردستان إلی مجمعات ومستوطنات لا یحتملها بقر، ناهیکم عن البشر..
أجل، أعرف طبیعة الطواغیت وأدرك کم هو صعب العیش مع حاکم صنم، وکذلك مع
أقزامە الذين یظنون أنهم جالسون في ظلال القمم، لا تصيبهم الشيخوخة
والهرم..هذە الأیام بدأت أحلل الدکتاتوريين، من باب قياس مع الفارق، وجدت
أن لکل واحد منهم خصائص تمیزە عن الآخر، وصفات تبز عند هذا، ولکن تقل عند
ذاك.. يقول المثل : عدو واحد عاقل ولا أصدقاء أغبیاء، هکذا يقول الحکماء.
أعان اللە شعب لیبـیا، لقد ابتلوا بحاکم شرس، غبي یعيش في سجن تصوراتە،
منفصم عن الواقع، ومن یشاهد المدن والقصبات والقری اللیبـیة، يعلم يقينا
بأن هذا الرجل لم يقدم إلی شعبە، ما قدمە حتی دکتاتور تونس، أو صالح
الیمن، وکل الدول الفقيرة التي لا تملك قطرة بترول، تبدو أکثر تقدما برغم
غنی لیبـیا الجالسة علی عرش النفط.
حینما أستمع إلی قادة عرب، أحدهم يدعي أنە خدم شعبە طوال خمسين عاما، وآخر
ستين عاما بامتياز، من دون أن یطمع في منصب وجاە، وآخر يقول أنا لست قائدا
أو رأسا ورئیسا، بل الناس وضعوني علی رٶوسهم وأعیش في قلوبهم، ومن ثم تکشف
التحقيقات أنهم يبزون قارون في ممتلکاته، أکاد أمیل إلی تبني فکرة أن لا
تتجاوز فترة حکم أی حاکم عربي سنة واحدة ولدورة واحدة فقط، وأن يمنع منعا
باتا إستعمال أي لقب بجانب إسمە، وأن یفحص فحصا نفسيا دقيقا، وأن تعلن علی
الملأ حالتە العصبیة، وأن لا يقرأ أي ورقة دون رقابة، وأن لا ینبس ببنت شفة
من دون بروفة مسبقة وموافقة هیئة موثقة. أقول بکل قناعة أن هٶلاء الحکام
ليس بامکانهم حتی تربیة الأنعام، ناهیکم عن تمشية امور امة، بکل تعقيداتها.
أنا من الذين تابعوا کثیرا کثیرا معمر القذافي، في خطبە، وزياراتە،
واستقبالاتە واجتماعاتە، ولکن قلما فهمت مقالاتە وخطبە وفلسفاتە، وکنت
دائما أقول أعان اللە سامعیە، کیف لا يصابون بالقبوضية في بطونهم، أو
بالانهیار في أعصابهم، أو بالجنون في عقولهم، برغم أني سمعت أن مترجمە في
الجمعیة العامة أصابتە نوبة قلبیة، حینما کان يحاول ترجمة ما لم يکن يفهمە
من العقيد.
أنا علی يقين من أن لیل لیبـیا يوشك أن يتحول إلی نهار ربیعي زاهر، وکل
بقعة منها ستصبح علی صبح رائع باهر، وکل قطرة دم بريئة تکون داعیة إلی
السلام والإعمار وطرد الظلم، والعزة والکبرياء إلی الأبد، کما کان عمر
المختار ورمضان السويحلي وأبطال السابع عشر من فبراير.. ولکن إياکم إياکم
أن تسمحوا للأصنام أن ترفع رأسها وفٶوسها من بینکم مرة أخری، وابداٶا منذ
الیوم الأول من يوم الإنتصار، بمسح أي أثر للدکتاتوریة، من رئاسة الدولة
إلی کل زاوية من زوايا جمهوريتکم، واحسموا میزانیتکم علی الملأ فور الدخول
في يوم الإستقلال، والغوا کل لقب ینبئ فوقية إنسان علی آخر أو قبیلة علی
أخری أو مدينة علی أختها، فان هذا هو مدخل الفساد بعینە، ما أن دخل کیانا
أو دولة إلا قصفها وعصف بها، کما فعل بنظام الکتاب الأخضر.
لا تقولوا لي لماذا سکتت طوال هذە الفترة، ولم تکتب حتی ولو مرة، واخوانك
في لیبـیا تجرعوا آلاما وعذابات مرة، وأطفالنا ما ضحکوا قدر ذرة، لأن
تعالیم العقيد کانت وراءهم شبر شبر، زنقة زنقة، حتی تهدي إلیهم طلقة وراء
طلقة.
أقول لکم بکل صدق، إضافة لما قلتە في بداية حسراتي، إن عیني کانت تارة
منهمکة بکتابة الدموع، وترنو تارة إلی التلفاز لتری ما حصل لأهلنا في
مصراطة وکل أرض منتفضة عندکم، وروحي کان مشغولا بتسجيل الآهات.. أما يدي
التي أمسك بها القلم، فکانت متوجهة إلی السماء بالدعاء کي تنزل آيات النصر
علی بلاد، من فرط عشقي لها؛ لا أدري بماذا أدعوها أو أصفها أو أقدمها
لأحبائي ؟
محسن جوامیر
کاتب کوردستاني
17 مايو 2011
mohsinjwamir@hotmail.com