منتديات الجنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتديات الجنة

منتديات الجنة منتدى عراقي يهتم بالطلبة العراقيين والشباب العراقي ... منوع اجتماعي خدمي


    علاقة الإسلام بالشرائع السماوية السابقة . علاقة الإسلام بالشرائع السماوية السابقة

    AlJna
    AlJna
    نائب المدير العام
    نائب المدير العام


    الجنس : ذكر
    الانتساب الانتساب : 19/06/2009
    العمر العمر : 30
    المساهمات المساهمات : 14331
    نقاط التميز نقاط التميز : 31718
    تقيم المستوى تقيم المستوى : 99

    علاقة الإسلام بالشرائع السماوية السابقة . علاقة الإسلام بالشرائع السماوية السابقة Empty علاقة الإسلام بالشرائع السماوية السابقة . علاقة الإسلام بالشرائع السماوية السابقة

    مُساهمة من طرف AlJna 2011-10-23, 7:29 pm

    علاقة الإسلام
    بالشرائع السماوية السابقة علاقة الإسلام بالشرائع السماوية السابقة
    علاقة الإسلام بالشرائع السماوية السابقة علاقة الإسلام بالشرائع
    السماوية السابقة علاقة الإسلام بالشرائع السماوية السابقة علاقة الإسلام بالشرائع السماوية السابقة
    علاقة الإسلام بالشرائع السماوية السابقة . علاقة الإسلام بالشرائع السماوية السابقة 382462
    - النصوص : ...........
    الآية 17من سورة الشورى


    الآية 48 من سورة المائدة.
    استخلاص مضامين النصوص
    1- أن إقامة الدين وعدم التفرقة فيه هو الهدف الأساسي الذي جاءت من أجله كل الشرائع السماوية .

    2- أن وحدة الاعتقاد والإيمان بوحدانية الله أمر مشترك بين جميع الشرائع السماوية .

    - تحليل عناصر الدرس :
    1- مفهوم الشرائع السماوية:

    الشرائع لغة جمع شريعة وشرعة وهي مشرعة الماء- أي مورد الشاربين- الذي يستقى منه بلا رشاء بحيث يكون ظاهرا.

    واصطلاحا :[ ما شرعه الله لعباده من العقائد والأحكام بواسطة رسله].

    2- مفهوم الإسلام لغة وشرعا
    - الإسلام مصدر أسلم وهو لغة الخضوع والانقياد والاستسلام

    - واصطلاحا : يطلق على معنيين : أ- إسلام العبد نفسه لله طوعا بامتثال أوامره واجتناب نواهيه ب- أركان الإسلام الخمسة .

    3- مرتكزات أو مكونات الشرائع السماوية :


    يتجلى ذلك في الأصول التي قامت عليها :

    أ- محور العقيدة :


    والذي
    يهتم بالجانب التصوري والاعتقاد للإنسان بالدعوة إلى الإيمان بالله
    وتخصيصه بالعبودية وتنزيهه عن كل عيب ونقص . الإيمان بالملائكة واليوم
    الأخر و.............. فهذا أمر مشترك بين جميع الشرائع السماوية ولا
    يتغيرأبدا.


    قال تعالى (( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا يوحى إليه أنه لاإله إلا أنا فاعبدون ))

    ب- محور التشريعات والأحكام التفصيلية التي تنظم شؤون الحياة :


    والتي تتعلق برعاية المصالح ((
    جلب المنافع ودرء المفاسد )) وهذه قد تتغير لاختلاف ظروف كل أمة وتباين
    مصالحها وحاجاتها.قال تعالى (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ).


    - والمحوران متكاملان لابد لأحدهما من الآخر لأن تحقيق العبودية الكاملة لله لا تكون إلا بهما .

    4- علاقة الشرائع السماوية بشريعة الإسلام :


    ا- المقصود بذالك :[size=18] [right]التلازم والترابط فيما بينها جميعا نظرا لوحدة مصدرها وتكاملها
    ب- العلاقة بينهما كما
    سبقت الإشارة تشترك كل الشرائع السماوية في الدعوة إلى توحيد الله وإفراده
    بالعبادة تجلى ذلك في وحدة الخطاب الرباني لأنبيائه ورسله في جميع آيات
    القرآن ، والتسمية واحدة أيضا
    (( المسلمين )) قال تعالى : (( هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا..........)) .

    أما محور التشريعات السابقة فتتجلى علاقتها بالإسلام فيما يلي :
    1- تأكيد الإسلام وتقريره لبعض الأحكام السابقة كالصيام [كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم].

    2- إضافة أحكام جديدة تكملة للشرائع السابقة كاليمين الغموس المحرمة على المسلمين وغيرهم. خلافا لليهود بتجويزهم لها في حق غير اليهود.

    3- بناء
    تشريعات الإسلام على اليسر والمرونة ورفع الحرج . على عكس بعض التشريعات
    السابقة , الإسلام مقارنة مع ما كان في مثل تطهير الثوب من النجاسة بالغسل
    عندنا على عكس ما كان عند اليهود من وجوب قطع موضع النجاسة. قال تعالى
    في حق رسوله ( ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم).

    5- التوجيهات الإسلامية لمعاملة أتباع الشرائع الأخرى :

    يشهد واقع المسلمين منذ عهد المصطفى e إلا يومنا هذا على قبول الإسلام معايشة أهل الملل الأخرى على أسس وقيم سامية منها :

    1- ضمان حرية عقيدتهم وحماية أماكن عبادتهم شعاره (( لا إكراه في الدين )) .

    2- الدعوة والمجادلة بالحسنى كما في الآيات الكثيرة.

    3- تجنب كل أشكال العدوان على أصحاب الفكر المخالف متى قابلونا وعاملونا بالمثل .

    4- استثمار فرص الحوار لإبراز قيم الإسلام . فبهذه القيم وغيرها انتشر الإسلام في وقت وجيز....


    وإذا رأينا في واقعنا خلاف ذلك فسببه ضعف المسلمين في استلهام توجيهات الإسلام ومنهجه في التعامل مع الآخرين .

    6- مميزات شريعة الإسلام على غيرها :

    1- التصديق لما سبقها من الشرائع وتأكيدها لها .

    2- هيمنتها عليها ونسخها لها بالتصحيح لها والتكميل لها .

    3- شموليتها لأصول الهداية البشرية وفروعها بغنى تشريعاتها.

    4- مرونتها واعتدالها وصلاحيتها لكل زمان ومكان .

    5- كونها محفوظة من الله من كل تحريف أو تبديل ......

    6- كونها عالمية لكل الناس زمان ومكانا ........................................







    الأستاذ : عبد السلام الراضي
    AlJna
    AlJna
    نائب المدير العام
    نائب المدير العام


    الجنس : ذكر
    الانتساب الانتساب : 19/06/2009
    العمر العمر : 30
    المساهمات المساهمات : 14331
    نقاط التميز نقاط التميز : 31718
    تقيم المستوى تقيم المستوى : 99

    علاقة الإسلام بالشرائع السماوية السابقة . علاقة الإسلام بالشرائع السماوية السابقة Empty رد: علاقة الإسلام بالشرائع السماوية السابقة . علاقة الإسلام بالشرائع السماوية السابقة

    مُساهمة من طرف AlJna 2011-10-23, 7:30 pm

    إن
    الله عز وجل، شاء أن تكون رسالة محمد صلى الله عليه و سلم خاتمة الرسالات
    السماوية، والتي اختصت عرفاً بمدلول كلمة الإسلام، كما أن كلمة (اليهودية)
    أو (الموسوية) تخص شريعة موسى عليه السلام، وما اشتق منها، وكلمة
    (النصرانية) أو (المسيحية) تخص شريعة عيسى عليه السلام، وما تفرع عنها.‏

    والذي
    لا شك فيه، أن هــذه الرســـالة الخاتمـــة جـــاءت دعــوة إنسانية
    عالميـــة، لا تخــاطب قومـــا بأعيانهـــم ولا جنســــــا بذاتـــه : (يا
    أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقــــون)
    (البقــرة : 23)، (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً ) (الأعراف
    : 158)، ( وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً) (سبأ : 28).. وقد
    أشار النبي صلى الله عليه و سلم إلى عموم بعثته، وعالمية دعوته، فقال :
    (أُعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي : كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت
    إلى كل أحمر وأسود...) (192).‏

    والذي لا شك فيه أيضاً، أن محمداً
    صلى الله عليه و سلم قد أُرسل من عند الله بدين بلغ ذروة الكمال، الذي لا
    كمال بعده، وتوجه الخطاب فيه للعالمين كافة، والنتيجة المنطقية اللازمة
    لهذا الكمال، أن تنقطع صلة الإنسانية عن سائر الرسالات والنبوات السابقة في
    طاعتها واتباعها، مع عدم إغفال الإيمان بأصولها المنزلة، لا بما آلت إليه
    بعد التحريف على يد الأتباع(193)، على اعتبار أن الإسلام بمعناه العام، هو
    دين الأنبياء جميعاً، عليهم الصلاة والسلام.‏

    ب ـ القرآن الكريم
    شاهد على ما في الكتب السماوية المنزلة قبله، يشهد لأصولها المنزلة
    بالصدق(194)، ويشهد عليها وعلى أصحابها بما وقعوا فيه من نسيان حظ عظيم
    وإضاعته، وتحريف كثير مما بقي وتأويله.‏

    جـ ـ وإذا كان الإسلام
    بمعناه العام، هو دين الأنبياء جميعاً عليهم الصلاة والسلام، كما سبق
    القول، مما يعني أنه لا مجال للتساؤل عن العلاقة بين الإسلام وبين سائـــر
    الأديــان السمــاويـة الأخـــرى، هنــا، إذ لا يسأل عن العلاقة بين الشيء
    ونفسه، فيا ترى ما هي العلاقة بين الإســــلام بمعنـــاه الخـــاص وهـــو
    الديـــن الــذي أنـزلــه الله تعالــى عـلــى محمد صلى الله عليه و سلم،
    وبين الأديان السماوية الأخرى؟(195)‏

    وجواب ذلك على شقين : ‏

    الشق
    الأول : أن شريعة الإسلام، والشرائع السماوية السابقة عليه ­وهي
    في صورتها الأولى­ لم تبعد عن منبعها، ولم يتغير فيها شيء بفعل
    الزمان ولا بيد الإنسان، فكل رسول يرسل، وكل كتاب ينزل، يأتي مصدقاً
    ومؤكداً لما قبله، فالإنجيل مصدق ومؤيد للتوراة، والقرآن مصدق ومؤيد
    للإنجيل والتوراة، ولكل ما بين يديه من الكتاب(196)، إذ هناك تشريعات
    خالدة، لا تتبدل ولا تتغير، مهما تغيرت الأصقاع والأوضاع، ويقابلها تشريعات
    أخرى جاءت موقوتة بآجال طويلة أو قصيرة، فهذه تنتهي بانتهاء وقتها، ثم
    تأتي الشريعة التالية لها، بما هو أوفق وأرفق بالأوضاع الناشئة الطارئة .
    يقول الدكتور محمد عبد الله دراز : يرحمه الله(197) ما مضمونه في هذا الصدد
    : جاء القرآن الكريم فغير الله تعالى فيه بعض الأحكام التي جاءت في
    التوراة والإنجيل، وقوفًا بها عند وقتها المناسب، وأجلها المقدر لها في علم
    الله سبحانه وتعالى، وما كان فيها من الأحكام صحيحاً موافقاً لقواعد
    السياسة الدينية، لا يغيره، بل يدعو إليه ويحث عليه، وما كان سقيماً دخله
    التحريف، فإنه يغيره بقدر الحاجة، وما كان حرياً أن يزداد فإنه يزيده على
    ما كان في الشرائع السابقة(198).‏

    وعلى هذا، فإن الإسلام قد اعترف
    بالشرائع الأخرى السماوية السابقة كما نزلت على الرسل السابقين، شرائع
    وديانات قامت على وحدة الذات والصفات الألوهية، وتبشر كتبها بالنبي محمد
    صلى الله عليه و سلم، وتطالب الذين حضروا دعوته من بعدها أن يؤمنوا
    بالإسلام.‏

    الشق الثاني : أن الشرائع السماوية السابقة على الإسلام،
    بعد أن طال عليها الأمد، نالها من التغيير والتحريف والكتمان والتبديل ما
    كان كفيلاً بتحويلها عن أصلها، من ديانة توحيد إلى ديانات وثنية في معظم ما
    بقي منها، بل قل في كلها(199).. والقرآن حارس وأمين ومهيمن على هذه
    الديانات السماوية، وهذه صفة أخرى تضاف إلى صفة اعتراف القرآن بهذه
    الديانات، إذا لم يعتريها تغيير أو كتمان، ومن ثم إسقاط مبدأ الإيمان عن
    الذي لا يؤمن بهذه الشرائع، باعتبارها ديانات توحيد تؤمن بالله واليوم
    الآخر، لأن من شأن القرآن ألا يكتفي بتأييد ما في هذه الديانات من حق وخير،
    بل عليه فوق ذلك أن يحميها من الدخيل، الذي عساه أن يضاف إليها بغير حق،
    وأن يبرز ما تمس إليه من الحقائق التي عساها أيضاً أن تكون قد أخفيت منها.‏

    وتأسيساً على ما سبق، يمكن أن نخلص إلى : ‏

    أولاً
    : وحدة المصدر للأحكام التكليفية في الأديان السماوية، قائمة قيام وحدة
    الهدف تماماً، وحتى إن اختلفت وسائل المعالجة فكلها من عند الله سبحانه
    وتعالى، كما أن هدفها الأخذ بالخلق إلى طريق الرشد، وتحرير العقل، وتثبيت
    التوحيد.‏

    ثانياً : أن شرع من قبلنا شرع لنا، والمراد بشرع من قبلنا
    ما نقل إلينا من أحكام تلك الشرائع، التي كانوا مكلفين بها على أنها شرع
    الله عز وجل لهم، وما بينه لهم رسلهم عليهم الصلاة والسلام، مثل تحريم
    الزنى والسرقة، والقتل، والكفر، فكل نبي دعىلحرمة ذلك وما شاكله، وكذلك
    نبينا عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام.‏

    ولا خلاف في أن الشريعة
    الإسلامية، نسخت جميع الشرائع السابقة، على وجه الإجمال، كما أنه لا خلاف
    في أنها لم تنسخ جميع ما جاء في تلك الشرائع، على وجه التفصيل، فالزنى وما
    يتعلق به من توابع محرم في تلك الشرائع السماوية، وكذلك السرقة، والقتل،
    والكفر.. كذلك لا خلاف في أن ما نقل إلينا من شرائع من قبلنا، في كتب أصحاب
    تلك الشرائع، أو على ألسنة أتباعها، ليس بحجة علينا، لأن هذا النقل فاقد
    لمصداقيته، لما وقع في كتبهم من تغيير وتحريف، قال تعالى : ( وإن منهم
    لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون
    هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون)
    (آل عمران : 78) (200).‏

    وعلى الجملة، فالمختار عند الحنفية
    والمالكية، أن شرع من قبلنا شرع لنا، وأنه حجة يلزمنا العمل بها، يقول ابن
    الحاجب ما نصه : (المختار أنه ­أي النبي صلى الله عليه و
    سلم­ بعد البعث متعبد بما لم ينسخ)، وقال في المنار : (وشرائع من
    قبلنا تلزمنا إذا قص الله ورسوله من غير إنكار) (201).‏

    وبعد، فقد
    بات من المقطوع به أثراً لعلاقة الإسلام بالشرائع السماوية الأخرى، تحريم
    الزنى في كافة الشرائع السماوية، وهي حرمة من الإطلاق والعموم، بحيث تشمل
    الجريمة كاملة الأركان، وكل مقدماتها، بل وكل آثارها، بما في ذلك الإجهاض،
    إن كان مبعثه على غير ضرورة شرعية، وغايته دفن معالم جريمة حرمها الله في
    كل الأديان، وخاطب بها بني البشر جميعاً من خلال رسله وكتبه(202).


    سلسلة كتب الأمة » 53 - وثيقة مؤتمر السكان والتنمية رؤية شرعية » الأمر الأول : علاقة الإسلام بالديانات الأخرى
    الحسيني سليمان جاد
    تقديم: عمر عبيد حسنه

    ********************
    علاقة الإسلام بالشرائع الأخرى
    إن
    الدين الخالد الذي شرعه الله تعالى لعباده إنما هو الإسلام هذا الانقياد
    والإذعان لعقيدة التوحيد والاستسلام لها وعقد القلب عليها، فهذا التوحيد
    بمعانيه الكبيرة ومستلزماته الأخلاقية في العمل والسلوك إنما هو دين الله
    الواحد لسائر رسله ولعامة خلقه .
    كان هذا التوحيد أول رسالة عهد بها إلى
    أول رسول إلى أول جماعة خوطبوا بالتكاليف وهي رسالة سيدنا نوح عليه السلام
    إلى قومه قال تعالى  ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله
    مالكم من إله غيره  سورة الأعراف الآية 59 ويقول الله تعالى  شرع لكم من
    ما وصّى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن
    أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه  سورة الشورى الآية13.
    والدين المراد في
    هذه الآية إنما هو عقيد التوحيد ومستلزماتها من مكارم الأخلاق وفضائل
    السلوك والمعاملة بين الناس فذلك لا يجوز الاختلاف فيه أما ما وراء ذلك من
    صور العبادات وأشكال المعاملات التي تتأثر باختلاف الأزمنة والظروف
    والبيئات فيجوز الاختلاف فيها .لقوله تعالى لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا
    سورة المائدة الآية 48
    فالرسالات كلها واحدة ، فقد اقتضت مشيئة الله أن
    يكون الرسل جميعا رسلا لهذا الدين مع اختلاف شرائعهم . وأن مهمة كل واحد
    منهم إضافة لبنات إلى هذا البناء الذي تمّ إكماله بشريعة القرآن الإسلامية (
    ).
    لقد سبق أن وضح القائد رؤيته للعلاقة بين الإسلام والأديان الأخرى،
    منذ ندوة الحوار الإسلامي المسيحي المنعقدة في طرابلس بالجماهيرية العظمى
    من 2-6 /صفر/1396 الموافق 1-5/فبراير/ 1976 الميلادي. وكانت هذه الندوة من
    حيث المستوى والدلالات والآثار والأصداء من أهم الأحداث العالمية ، ولذلك
    لم تتخللها رؤى في العلاقة بين الإسلام والأديان، ومن ضمنها ما طرحه
    القذافي. فقد تساءل القائد عن نظرة الحاضرين إلى الدين، هل ينظرون إليه على
    أنه دين واحد أم عدة أديان ؟
    فقد عقب بعض الحاضرين على ذلك بالقول إن
    الدين واحد في الأصل لأن الله واحد، وإذا كان الدين منبعه الله، والله واحد
    لا يمكن إلا يكون الدين واحدا.
    وقال القائد إذا توصلنا إلى أنهما
    (الإسلام والمسيحية) دين واحد فيجب أن نكيف حياتنا باعتبارنا أهل دين واحد،
    لتزول كل المشاكل المترتبة على اتفاقنا على أننا أهل دين واحد... فإذا
    كانا دينين فإن الحوار يتشعب إلى هل أحدهما خطأ والآخر صحيح؟ وهل نستطيع أن
    نسير جنبا إلى جنب بالمسجد والكنيسة على أنهما دينان ؟
    ثم توصل القائد
    إلى إقرار أن الإسلام يقر بوجود المسيحية واليهودية إلى جنب الإسلام، ولكن
    بشرط واحد فقط وهو أن يقيموا التوراة والإنجيل( ) قل يا أيها الكتاب لستم
    على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل - النساء / 68
    فهذه الرؤية التي
    طرحها القائد في تمبكتو هي دعوة متجددة وذكرى، ولعل الذي سوغ له إعادة
    طرحها هو زمان طرحها ومكانها، فإن الفكرة وإن كانت نفس الفكرة فإن زمان
    ومكان طرحها يختلفان ، ومن هنا كان لها هذه المرة ذوق خاص وردود فعل واسعة
    لأنها –كما قال عنها العقيد نفسه- تحد في وجه متغيرات الأحداث.
    وقد
    يتصور البعض أن القائد يزكي روح الانفصام بين الأديان في زمن يتجه العالم
    نحو الحوار بين الأديان، نقول إن الحوار يتطلب الصراحة وهو ما تحلى بها
    القائد في خطابه هنا بعيدا عن المجاملة إظهارا للحقيقة ولا شيء غير
    الحقيقة، يضاف إلى ذلك أنه كان من أوائل من دعوا إلى الحوار في العصر
    الحديث.
    وفي موضوع بعنوان (ما بعد تمبكتو ) نشر على الشبكة الدولية
    مقالة أظهر الكاتب فيها وجهة نظر منصفة عن خطاب القائد فقال: أروني حاكما
    عربيا أو مسلما له الجرأة والشجاعة والمعرفة والاطلاع ليتعاطى مع الشأن
    الفكري والديني ..بالعمق والجرأة التي صاحبت مسيرة القذافي .
    ويقول: إن
    عصر الهيمنة الغربية (المسيحية اليهودية ) على العالم ، لا يملك الجرأة
    فيه إلا أمثال القائد بأن يجاهد وعلى الملأ بالقول بأن الإنجيل مزور
    والتوراة مزور ،لأنهما ينكران رسالة محمد ، وأن المسيحية واليهودية عقائد
    منسوخة بالإسلام، وأن النبيين جميعا كانوا مسلمين.( )
    ويقول عادل تيودور
    خوري- جوابا لسؤال هل يكون محمد نبيا في نظر المسيحيين كما هو نبي في نظر
    المسلمين؟ - " في الحوار اللاهوتي لا يجوز اعتبار الأهداف الإستراتيجية ؛
    كأن نتساءل إلى أي مدى يمكن أن نصل إذا قلنا للمسلمين كذا وكذا، وإلى أي
    مدى يمكن أن نسرهم إن نحن فعلنا ذلك! إذا كنا نتحدث حديثا لاهوتيا مسؤولا
    حقا فعلينا أن نقول ما نؤمن به لا ما يسر الطرف الآخر أن يسمعه ومهما يكن
    من أمر فالمسلمون لا يقدمون على القول إن المسيح هو ابن الله بهدف مسرتنا
    لأنهم لا يستطيعون تبرير هذا القول استنادا إلى معطيات دينهم ولاهوتهم
    علينا إذن أن نخوض حوار الحقيقة بكثير من التعاطف والانفتاح إزاء طرف
    الآخر، لكن لا على سبيل المجاملة . هذا تصريح من عايش المتحاورين جاز له أن
    يصرح بالحقيقة أ فليس من الأولى أن يصرح به من كان من أوائل الدعاة إليه؟
    إن
    القائد يبرز في خطابه بتمبكتو العلاقة بين الإسلام والشرائع الأخرى على
    حقيقتها فالإسلام هو الاستسلام لله والانقياد له بتوحيده والإخلاص له
    والتمسك بطاعته، وهذا المعنى العام قديم دعا إليه جميع الأنبياء والمرسلين.
    وهكذا نرى نوحا يقول لقومه: وأمرت أن أكون من المسلمين  يونس /: 72
    وأوصى يعقوب بنيه في قوله تعالى: فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم
    مُّسْلِمُونَ  البقرة / 132 ويجيب أبناؤه بالقول.. قَالُواْ نَعْبُدُ
    إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ
    إِلَـهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ البقرة / 133 ويقول موسى
    عليه السلام.. يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ
    تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ يونس / 84 .وقال الحواريون لعيسى
    عليه السلامَ..نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ
    بِأَنَّا مُسْلِمُونَ آل عمران /52 إلى غير هذه الآيات التي تقر بأن أصل
    الدين هو الإسلام إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا
    اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ
    الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ
    اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ - آل عمران / 19.
    والقرآن يؤكد في أكثر من
    موضع أن الأنبياء والرسل جميعا مسلمون ، وأن رسالاتهم كلها جاءت لتكمل صرح
    هذا الدين الإلهي الواحد ( ) يقول الله تعالى :  وإذ يرفع إبراهيم القواعد
    من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، ربنا واجعلنا
    مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب
    الرحيم  البقرة الآية 127-128
    ويقول أيضا :  وماكان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين آل عمران الآية 67
    وفي
    سورة يونس يؤكد الله تعالى على أن موسى نبي الإسلام وأنه أرسله يدعو قومه
    إلى هذا الدين  وقال موسى ياقوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم
    مسلمين  الآية 84
    وفي سورة آل عمران على لسان عيسى عليه السلام فلما
    أحسّ عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله
    آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون  الآية 52
    كما يوضح القرآن أن أبا
    الأنبياء إبراهيم عليه السلام هو الذي سمّى أتباع –محمد - هذا الدين جميعا
    بالمسلمين . يقول الله تعالى في سورة الحج  وجاهدوا قي الله حق جهاده هو
    اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماّكم
    المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس
     الآية 78
    إذن الإسلام بمعناه القرآني الذي سبق لا يصلح أن يكون محلا
    للسؤال عن علاقة بينه وبين سائر الأديان السماوية إذ لا يسأل عن العلاقة
    بين الشيء ونفسه . فها هنا وحدة لا انقسام فيها ولا إثنية . وعليه فإن
    الإسلام امتداد للرسالات السماوية السابقة في صورتها الأولى التي سلمت من
    التغيير والتبديل . فالقرآن الكريم يعلن أنه جاء مصدقا لما بين يديه من
    الكتب ، ونرى القرآن يزيد على إطلاق صفة التصديق عليه صفة الهيمنة على
    الأديان السابقة، { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ
    مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ
    } . فقد جاء الإنجيل لتعديل بعض أحكام التوراة {وَقَفَّيْنَا عَلَى
    آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ
    التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا
    لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً
    لِّلْمُتَّقِينَ} وقال تعالى{ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ
    التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} ، وجاء
    القرآن ليهيمن على هذه الكتب ، والهيمنة هنا ليست إلغاء ولا إقصاء ، وإنما
    هي منطق تصحيح والتنبيه إلى ما وقع من التحريف في هذه الديانات ، وليعلن
    اكتمال النبوة والرسالة ، والنبوات، والرسالات تصحيح وتقدم وارتقاء في
    التاريخ ، فكان اكتمالها إعلانا لاستقلال العقل البشري والإرادة واكتمال
    الوعي الإنساني، ولتكون هذه الرسالة احتواء للماضي واستشرافا للمستقبل ،
    وتقول المستشرقة أن ماري شيمل وخوري " إن رسالة الإسلام اتخذ موقفا وسطا
    بين قساوة التوراة ولين الإنجيل} .
    إن علاقة الإسلام بالديانات السماوية
    الأخرى علاقة تأكيد وتأييد وتصديق وقد نشأ عن عدم فهم هذه العلاقة أو
    التغاضي عنها إشكال في بقاء بعض أصحاب الديانات السابقة على دينهم رغم أن
    الإسلام نسخها، وهو الخطأ الذي بينه القائد في خطابه حيث قال:" يعتقدون خطأ
    أن محمد رسول العرب أو المسلمين فقط.. هذا خطأ لأن محمدا نبي للناس كافة
    وهو ناسخ لكل الأديان التي قبله ولو أن عيسى كان حيا عندما بعث محمد لأصبح
    عيسى تبع محمد ..كل الناس مطلوب أن يكونوا مسلمين .. هكذا يريد الله ولكن
    لن يكونوا مسلمين بسهولة" . والمقطع الأخير من هذا الخطاب دلالة واضحة على
    عمق تناوله للإشكال . فهذا( فلبرت wolbert) يقول :" إن نحن المسيحيين
    اعترفنا بمحمد كنبي ، لما بقي من داع لاستبعاد سواه كمؤسسة البهائية مثلا
    من النبوة " ويقول( كالرتkahlert ) في هذه الحالة لا بد لنا من أن نحصر
    مفهوم النبوة في نطاق المعنى العام المتعارف عليه في علم الظواهرية الدينية
    ونستثني منه الاعتراف بمحمد كخاتم النبيين . فعدم الاعتراف بأن النبي أرسل
    إلى الناس كافة وأن رسالته ناسخة للرسالات السابقة هو الذي أدى إلى
    التحامل عليه قديما وحديثا ، يقول القائد في الندوة التي سبق ذكرها :"
    المشكلة هي وجود رأي عند المسيحيين وربما عند اليهود لعدم الاعتراف بنبوة
    محمد عليه أزكى الصلاة وأفضل السلام وهذا خطأ كبير ليس في حق الذين آمنوا
    بمحمد ولكن خطأ في حق الله سبحانه وتعالى لأن نبوة محمد إرادة الله
    والتشكيك فيها أو نفيها هو نفي أو تشكيك لإرادة الله... ليس العرب هم الذين
    اتخذوا محمدا لأن العرب حاربوه في البداية ... وأنكروا عليه النبوة "
    وهكذا نرى أن خطاب القائد حول المشكلة نابع من تجربة دعا إلى حلها قديما.
    إن
    سنة الله في التاريخ تكامل الرسالات الإلهية تدريجياً، وهي تمر عبر
    الرسالات المتعددة التي يكمل بعضها بعضاً، كذلك الحال في تكامل الرسل
    والأنبياء والمرسلين، فاصطفى الله تعالى آدم اصطفاء خاصاً، واصطفى نوحاً،
    ثم اصطفى إبراهيم وآل إبراهيم، ثم اصطفى عمران وآل عمران.
    وأكد القرآن
    الكريم أن هذا الاِصطفاء ليس أمراً واقفاً على هذه الأسماء وهذه الجماعات،
    وإنما هي قضية ذات امتداد في الذرية، ذرية بعضها من بعض، يعني حركة تاريخية
    تتحرك فى التاريخ الاِنساني . يقول الله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفَىَ
    ءَادَمَ وَنُوحاً وَءَالَ إِبْرَهِيمَ وَءَالَ عِمْرَنَ عَلَى
    الْعَـلَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
    آل عمران الآية34
    ويقول أيضا (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا
    وَإِبْرَهِيمَ وَجَعَلْنَا فِى ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتبَ
    فَمِنْهُم مُهْتدٍ وَكثِيرٌ منْهُمْ فسِقُونَ) الحديد الآية 26.
    فإذا
    كانت العلاقة بين النبوات علاقة تأييد وامتداد فإن العلاقة بين الرسل علاقة
    عضوية حيث إذا أسيئ إلى واحد منهم كأنما أسيئ إلى جميعهم.
    AlJna
    AlJna
    نائب المدير العام
    نائب المدير العام


    الجنس : ذكر
    الانتساب الانتساب : 19/06/2009
    العمر العمر : 30
    المساهمات المساهمات : 14331
    نقاط التميز نقاط التميز : 31718
    تقيم المستوى تقيم المستوى : 99

    علاقة الإسلام بالشرائع السماوية السابقة . علاقة الإسلام بالشرائع السماوية السابقة Empty رد: علاقة الإسلام بالشرائع السماوية السابقة . علاقة الإسلام بالشرائع السماوية السابقة

    مُساهمة من طرف AlJna 2011-10-23, 7:32 pm

    مقدمة
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
    أما
    بعد .. فهذه دراسة عن موقف الإسلام من غير المسلمين، ويتضح بها احترام
    الإسلام لسائر الأديان السماوية، ووجوب الإيمان بجميع الرسل والكتب
    السابقة، كما يتضح بها موقف الإسلام من غير المسلمين في الحرب وفي السلم،
    والمساواة بين المسلمين وغير المسلمين في سائر المعاملات، وسماحة الإسلام
    مع غير المسلمين، والتي كان الناس بسببها يدخلون في دين الله أفواجاً، وأن
    الإسلام هو دعوة كل الرسل. اسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى ما فيه الخير
    والرشد والسداد. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛؛ أ.د/
    أحمد عمر هاشم
    [b]احترام الإسلام لسائر الأديان السماوية:

    احترم
    الإسلام جميع الأديان السماوية، وأرسل الله تعالى سيدنا محمداً صلى الله
    عليه وسلم خاتماً للأنبياء والمرسلين، ومصدقاً لجميع الرسل الذين كانوا
    قبله، وأنزل الله تعالى على رسوله القرآن الكريم تبياناً لكل شيء ومصدقاً
    لما بين يديه من الكتب ومهيمناً عليها وحارساً أمينا لها. وكان من عناصر
    الإيمان: الإيمان بجميع الرسل السابقين وبجميع الكتب السماوية قال تعالى: {آمَنَ
    الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ
    آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ
    أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ
    رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } (سورة البقرة الآية 285)

    بل إن إيمان المؤمن لا يكون صحيحاً إلا إذا آمن بجميع الأنبياء السابقين،
    وآمن بما أنزل الله تعالى عليهم من الكتب السماوية الصحيحة، قال تعالى: {قُولُواْ
    آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى
    إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا
    أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ
    نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } (سورة
    البقرة الآية 136)
    ومادام كل مسلم مأموراً أن يؤمن بجميع
    الرسل السابقين وبجميع الكتب السماوية، فلا يكون لديه تعصب، ولا كراهية
    لدين آخر أو نبي أو رسول، ولا كراهية ولا حقد على أحد من أتباع الأديان
    الأخرى. ووضع القرآن لأتباعه ما قضته الإرادة الإلهية منذ الأزل، من اختلاف
    الناس في عقائدهم وأجناسهم وألوانهم، وذلك لحكمة يعلمها الحكيم الخبير.
    قال سبحانه: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ
    النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ "118" إِلاَّ
    مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ
    لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } (سورة هود،
    الآيتان: 118، 119)
    وقال جل شأنه: {وَلَوْ
    شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ
    تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } (سورة يونس الآية 99)
    ولا يحجر الإسلام على أحد، ولا يكره أحدا على الدخول في عقيدته، قال الله تعالى: {لاَ
    إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ
    يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ
    بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }
    (سورة البقرة الآية 256)

    موقف الإسلام من غير المسلمين:
    من
    المعلوم أن الإسلام هو دين السلام، لا يأمر بالحرب إلا في الضرورة القصوى
    التي تستدعي الدفاع والجهاد في سبيل الله، ومع مشروعية الجهاد في سبيل الله
    دفاعاً عن الدين والعقيدة والأرض والعرض، فإن الحرب في الإسلام لها حدود
    وضوابط وللمسلمين أخلاقهم التي يتخلقون بها حتى في حربهم مع من يحاربهم من
    غير المسلمين، فأمر الإسلام بالحفاظ على أموال الغير، وبترك الرهبان في
    صوامعهم دون التعرض لهم، ونهى الإسلام عن الخيانة والغدر والغلول، كما نهى
    عن التمثيل بالقتلى، وعن قتل الأطفال والنساء والشيوخ، وعن حرق النخيل
    والزروع، وقطع الأشجار المثمرة، وأوصى أبو بكر الصديق رضي الله عنه أسامة
    بن زيد عندما وجهه إلى الشام بالوفاء بالعهد وعدم الغدر أو التمثيل، وعاهد
    خالد بن الوليد أهل الحيرة ألا يهدم لهم بيعة ولا كنيسة ولا قصراً، ولا
    يمنعهم من أن يدقوا نواقيسهم أو أن يخرجوا صلبانهم في أيام أعيادهم. وكان
    عمر بن الخطاب رضي الله عنه رحيماً بغير المسلمين من أهل الكتاب، وكان ينصح
    سعد بن أبي وقاص ـ عندما أرسله في حرب الفرس ـ بأن يكون حربه بعيداً عن
    أهل الذمة، وأوصاه ألا يأخذ منهم شيئاً لأن لهم ذمة وعهداً، كما أعطى عمر
    رضي الله عنه أهل إيلياء أماناً على أموالهم وكنائسهم وصلبانهم وحذر من هدم
    كنائسهم، وأمر الإسلام بحسن معاملة الأسرى وإطعامهم قال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا } (سورة الإنسان الآية
    بينما يعامل غير المسلمين أسرى المسلمين معاملة سيئة، فقد يقتلونهم وقد
    يسترقونهم أو يكلفونهم أشق الأعباء والأعمال، فإن أسرى غزوة بدر الكبرى
    عاملهم النبي صلى الله عليه وسلم خير معاملة، فوزعهم على الصحابة وأمرهم أن
    يحسنوا إليهم، فكانوا يؤثرونهم على أنفسهم في الطعام وفي الغذاء، ولما
    استشار أصحابه في شأن أسرى بدر، وأشار البعض بقتلهم، وأشار الآخرون
    بالفداء، وافق على الفداء، وجعل فداء الذين يكتبون منهم أن يعلم كل واحد
    منهم عشرة من أبناء المسلمين القراءة والكتابة، وكان هذا أول إجراء لمحو
    الأمية. ولم يقبل الرسول صلى الله عليه وسلم أن يمثل بأحد من أعدائه في
    الحروب مهما كان أمره، ولما أشير عليه أن يمثل بسهيل بن عمرو لأنه كان يحرص
    على حرب المسلمين وعلى قتالهم فأشير عليه أن ينزع ثنيتيه السفليين حتى لا
    يستطيع الخطابة بعد ذلك لم يوافق النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك بل رفض
    قائلاً: لا أمثل به فيمثل الله بي، وإن كنت نبياً وعندما حقق الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أمنيته بفتح مكة المكرمة ودخلها فاتحاً منتصراً ظافراً قال لقريش: "ما
    تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا خيراً أخ كريم وابن أخ كريم، فقال صلى الله
    عليه وسلم: اذهبوا فأنتم الطلقاء، لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لي ولكم"

    ومن توجيهات الإسلام للمسلمين في الحرب:
    1. أن يكون القتال في سبيل الله. 2. أن يكون القتال لمن يقاتلون المسلمين. 3. عدم الاعتداء، قال الله تعالى: {وَقَاتِلُواْ
    فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ
    اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ } (سورة البقرة الآية 190)

    فالذين يعتدون على المسلمين ويقاتلونهم أمر المسلمون أن يقاتلوهم، ولكنه
    قتال عادل بمعنى ألا يمثلوا بأحد وبلا تعذيب، حيث قال الله تعالى: {الشَّهْرُ
    الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ
    اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى
    عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ
    الْمُتَّقِينَ } (سورة البقرة الآية 194)
    وهذا فيمن يقاتلون المسلمين، أما الذين لا يقاتلون من غير المسلمين فكان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن قتالهم: فعن
    أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "انطلقوا باسم
    الله وبالله وعلى ملة رسول الله لا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً صغيراً
    ولا امرأة .."
    أبو داود، ج3 ص86 رقم 2614 وفي حديث آخر: "سيروا باسم الله وفي سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، ولا تمثلوا، ولا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تقتلوا وليداً" سنن ابن ماجة، ج2 ص953 كما كان ينهى عليه الصلاة والسلام عن التعرض للرهبان وأصحاب الصوامع، وعن التمثيل والغلول،
    عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
    بعث جيوشه قال: "اخرجوا باسم الله، قاتلوا في سبيل الله من كفر بالله، لا
    تعتدوا، ولا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع"
    مسند احمد، ج1 ص200
    موقف الإسلام من غير المسلمين في حال السلم:
    يقف
    الإسلام من غير المسلمين في حال السلم موقف الأمان، بل إنه لم ينه عن البر
    بهم ماداموا لم يقاتلوا المسلمين، وإنما ينهى عن البر بالذين قاتلوا
    المسلمين في دينهم وأخرجوهم من ديارهم وظاهروا على إخراجهم، فقال جل شأنه: {لَا
    يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ
    وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا
    إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ "8" إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ
    اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن
    دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن
    يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ "9"} (سورة الممتحنة
    الآيتان: 8 ، 9)
    ونهى القرآن الكريم عن مجادلة أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، فقال الله سبحانه: {وَلَا
    تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا
    الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ
    إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ
    لَهُ مُسْلِمُونَ } (سورة العنكبوت الآية 46)
    وقال سبحانه: {قُلْ
    يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا
    وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا
    وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن
    تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } (سورة آل عمران
    الآية 64)
    بل أمر الإسلام بالوفاء بالعهد حتى مع المشركين، قال تعالى: {إِلاَّ
    الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ
    شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ
    عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ } (سورة
    التوبة الآية 4)
    بل لو طلب المشرك من المسلم أن يجيره فعليه أن يجيره، بل ويبلغه مأمنه، كما قال الحق تبارك وتعالى: {وَإِنْ
    أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ
    كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ
    لاَّ يَعْلَمُونَ } (سورة التوبة الآية 6)
    ومن رعاية
    الإسلام لحقوق غير المسلمين رعايته لمعابدهم وكنائسهم، ومن محافظته عليها
    ما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما حان وقت الصلاة وهو في كنيسة
    القيامة، فطلب البطريرك من عمر أن يصلي بها، وهم أن يفعل ثم اعتذر ووضح أنه
    يخشى أن يصلي بالكنيسة فيأتي المسلمون بعد ذلك ويأخذونها من النصارى على
    زعم أنها مسجد لهم، ويقولون: هنا صلى عمر. ولم تتوقف معاملة المسلمين لغير
    المسلمين عند حد المحافظة على أموالهم وحقوقهم، بل حرص الإسلام عبر عصوره
    على القيام بما يحتاجه أهل الكتاب وما يحتاج إليه الفقراء منهم. إن مثل هذه
    المعاملة من المسلمين لغير المسلمين تطلع العالم أجمع على أن الإسلام ربى
    أتباعه على التسامح، وعلى رعاية حقوق الناس، وعلى الرحمة بجميع البشر مهما
    اختلفت عقائدهم وأجناسهم. وقد حفظت أجيال المسلمين قيمة هذه الرعاية
    الإسلامية لحقوق غير المسلمين، لأنهم ما طبقوها إلا استجابة لتعاليم القرآن
    الكريم، وتوجيهات الرسول العظيم عليه افضل الصلاة والسلام وقد طبقها في
    حياته فوعاها المسلمون جيلاً فجيلاً، وطبقها الخلف عن السلف، والأبناء عن
    الآباء، فهاهو ذا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: حدث مجاهد قال: "كنت عند
    عبد الله بن عمر، وغلام لم يسلخ شاة، فقال: يا عمر إذا سلخت فابدأ بجارنا
    اليهودي، وقال ذلك مراراً، فقال له: كم تقول هذا؟ فقال إن رسول الله لم يزل
    يوصينا بالجار حتى خشينا أنه سيورثه".
    المساواة بين المسلمين وغير المسلمين في القضاء وسار المعاملات
    أقام
    الإسلام المساواة بين المسلمين وغير المسلمين في القضاء وفي سائر
    المعاملات، وقد سجل التاريخ نماذج رائدة لهذه المعاملات التي تعتبر قمة ما
    وصلت إليه المعاملات الإنسانية العادلة في تاريخ البشرية جمعاء. فعندما شكا
    رجل من اليهود علي بن أبي طالب للخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال
    عمر لعلي: قم يا أبا الحسن فاجلس بجوار خصمك، فقام علي وجلس بجواره ولكن
    بدت على وجهه علامة التأثر، فبعد أن انتهى الفصل في القضية قال لعلي: أكرهت
    يا علي أن نسوي بينك وبين خصمك في مجلس القضاء؟ قال: لا، ولكني تألمت لأنك
    ناديتني بكنيتي فلم تسو بيننا، ففي الكنية تعظيم، فخشيت أن يظن اليهود أن
    العدل ضاع بين المسلمين. وتتابعت وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهل
    الذمة والمعاهدين حيث قال صلى الله عليه وسلم: "من قتل نفساً معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما" فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج12 ص259، ومعنى "لم يرح رائحة الجنة": لم يشمها. وقال عليه الصلاة والسلام: "ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة" سنن
    أبي داود، ج3 ص437، سنن البهيقي، ج9 ص205 ومما يدل على المساواة بين
    المسلمين وغيرهم في القضاء، وعلى انتشار الإسلام بسماحته وحسن معاملة
    المسلمين لغير المسلمين: هذه الواقعة التي حدثت بين الإمام علي بن أبي طالب
    كرم الله وجهه وبين رجل من أهل الكتاب، وذلك عندما فقد الإمام علي رضي
    الله عنه درعه، ثم وجدها عند هذا الرجل الكتابي، فجاء به إلى القاضي شريح
    قائلاً: إنها درعي ولم أبع ولم أهب، فسأل القاضي شريح الرجل الكتابي
    قائلاً: (ما تقول فيما يقول أمير المؤمنين؟). فقال الرجل: ما الدرع إلا
    درعي، وما أمير المؤمنين عندي بكاذب، فالتفت القاضي شريح إلى الإمام علي
    رضي الله عنه يسأله: يا أمير المؤمنين هل من بينة؟ فضحك علي وقال: أصاب
    شريح ما لي بينة، فقضى بالدرع للرجل، وأخذها ومشى، وأمير المؤمنين ينظر
    إليه، إلا أن الرجل لم يخط خطوات حتى عاد يقول: أما أنا فأشهد أن هذه أحكام
    أنبياء .. أمير المؤمنين يدينني إلى قاضيه فيقضي عليه؟ أشهد أن لا إله إلا
    الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الدرع والله درعك يا أمير المؤمنين؛
    انبعث الجيش وأنت منطلق إلى صفين، فخرجت من بعيرك الأورق، فقال الإمام علي
    رضي الله عنه: "أما إذ أسلمت فهي لك". وهكذا نرى كيف وصلت سماحة الإسلام
    إلى هذا المدى الذي يقف فيه أمير المؤمنين نفسه أمام القاضي، مع رجل من أهل
    الكتاب، ومع أن أمير المؤمنين على حق، فإن القاضي طالبه بالبينة، وهذا أمر
    جعل أمير المؤمنين يضحك؛ لأنه على حق، وليس معه بينة، وواضح أنه المدعي،
    والبينة على المدعي، واليمين على من أنكر، ثم تكون النهاية: أن يحكم القاضي
    للرجل بالظاهر، حيث لم تظهر البينة .. إن هذه المعاملة السمحة، التي لا
    يفرق فيها بين أمير وواحد من الرعية من أهل الكتاب جعلت الرجل يفكر في هذا
    الدين ويتملكه الإعجاب بهذا الدين الذي يقف فيه أمير المؤمنين أمام قاضيه،
    ويحكم قاضيه عليه لا له، بظاهر ما أمامه وإن كان ذلك خلاف الواقع، فأنطلق
    الله الرجلان يقول: أما أنا فأشهد أن هذه أحكام أنبياء، وقال: أشهد أن لا
    إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ويعترف ويقر بالحقيقة قائلا:
    الدرع والله درعك يا أمير المؤمنين، انبعث الجيش، وأنت منطلق إلى صفين
    فخرجت من بعيرك الأورق، ولكنه قد اعترف وأحب الإسلام ودخل فيه .. مما جعل
    أمير المؤمنين يتنازل عن الدرع للرجل قائلاً: (أما إذ أسلمت فهي لك). إنها
    صورة من صور القضاء في قمة عدالته، حيث يسوي بين هذا الرجل وبين أمير
    المؤمنين، وصورة سماحة الإسلام في ذروتها حيث كان الحكم بالظاهر وعلى أمير
    المؤمنين لا له، إن مثل هذه المعاملة السمحة مع غير المسلمين، هي التي قربت
    الإسلام إلى الناس، وجعلتهم يدخلون في دين الله أفواجاً. أما صور التعصب
    الممقوت التي يساء فيها إلى الإسلام فإنها لا تدفع الناس إلى الدخول فيه،
    بل تدفعهم إلى النفور منه. ومن أجل هذا كان القرآن الكريم يجلي هذه
    الحقيقة: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد
    تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ
    وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ
    انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } (سورة البقرة الآية 256)
    وأيضاً لا حرج فيه ولا مشقة: {وَجَاهِدُوا
    فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ
    فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ
    الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا
    عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ
    وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ
    الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ } (سورة الحج الآية 78)
    إنه دعوة إلى اليسر والتسامح لا إلى العسر والغلظة: {شَهْرُ
    رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ
    وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ
    الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ
    مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ
    بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ
    عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } (سورة البقرة الآية 185)
    سماحة الإسلام مع غير المسلمين:
    كما راعى الإسلام السماحة والمساواة بين المسلمين وغيرهم في القضاء، فإنه راعى السماحة في معاملة المسلمين لغيرهم: {لَا
    يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ
    وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا
    إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } (سورة الممتحنة الآية

    بل قرر الإسلام حماية أهل الذمة والمستأمنين ماداموا في دار الإسلام، وهذا
    الحق الذي قرره الإسلام لحمايتهم، يجب أن يعمل به أهل الأديان الأخرى في
    معاملة الأقليات الإسلامية حماية لهم وتمكيناً لعبادتهم حتى يتم التعاون
    بين عنصري الأمة، ولننظر كيف أكد الإسلام على حقوق أهل الكتاب والمعاهدين،
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة"
    سنن أبي داود، ج3 ص437، البهيقي، ج9 ص205 ومن وصايا سيدنا عمر بن الخطاب
    رضي الله عنه "أوصيكم بذمة الله، فإنه ذمة نبيكم ورزق عيالكم" وإرساء لأسس
    التعاون والتواصل بين عنصري الأمة أحل الله طعامهم فقال: {الْيَوْمَ
    أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ
    حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ
    الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن
    قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ
    مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ
    فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } (سورة
    المائدة الآية 5)
    وشرع الزواج بالمرأة الكتابية، ولا رابطة في الظواهر الاجتماعية أقوى من ذلك، قال تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ } (سورة المائدة الآية 5)
    وإذا كان التسامح وحسن المعاملة وعدم التعصب أموراً مطلوبة من المسلمين في
    معاملتهم مع غير المسلمين، فإنها كذلك مطلوبة من غير المسلمين مع
    المسلمين، حتى تتم معاملة كل طرف للآخر في دائرة التعاون والتضامن، فلا يسئ
    أحدهم إلى الآخر، بل يتعاملون بروح الفريق الواحد في الوطن الواحد. وإن سر
    انتشار الإسلام، واعتناق الناس له، ودخولهم في دين الله أفواجاً، هو
    منهاجه الرباني، الذي أنزله رب العزة سبحانه وتعالى على رسوله صلوات الله
    وسلامه عليه هذا المنهاج الذي أمر الله تعالى فيه بالدعوة بالحكمة،
    والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن. إنه منهج دعوة، وليس إكراهاً
    ولا تشدداً ولا عنفاً، قال الله تعالى: {ادْعُ
    إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
    وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
    ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } (سورة النحل الآية
    125)
    وما أقر الإسلام العنف ولا التشدد: {لاَ
    إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ
    يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ
    بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }
    (سورة البقرة الآية 256)
    وقال سبحانه لموسى وهارون حين بعثهما إلى فرعون الذي ادعى الألوهية: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى } (سورة طه الآية 44)
    وعندما خافا أن يبطش بهما بين الله تعالى أنه معهما يسمع ويرى ويؤيدهما في
    دعوتهما، فالله سبحانه يؤيد كل داع يستجيب لمنهاجه، ويدعو بالقول اللين
    الذي لا ينفر، فقال تعالى ردا عليهما: {قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى } (سورة طه الآية 46) وقاوم الإسلام العصبية، ودعا إلى التسامح، ففي الحديث: "ليس منا من دعا إلى عصبية"
    ولم يقتصر تسامح الإسلام مع أهل الكتاب فحسب، بل إنه شمل حتى المشركين
    فدعا الإسلام إلى منحهم الجوار والأمان حين يطلبه أحد المشركين، قال الله
    تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ
    اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ
    مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ } (سورة التوبة
    الآية 6)
    بل أن الإسلام يعتبر ضرب الإنسان الفاجر أو المعاهد دون ذنب أو بسبب جريمة يتبرأ الرسول صلى الله عليه وسلم من صاحبها فيقول: "ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها لا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي لعهد ذي عهدها، فلست منه وليس مني"
    مسلم (الإمارة) ص53 وذلك حتى لا يأخذ الناس بعضهم بعضاً بالظن، وحتى لا
    تكون الحياة فوضى، فالإسلام لا يقر الظلم ولا العدوان، حتى على الفاجر أو
    من كان معاهداً، فالفاجر فجوره على نفسه وحسابه على الله، ولسنا مطالبين
    حياله إلا بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وبمراتب مقاومة المنكر التي
    أخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" مسند
    احمد، ج3 ص20، والنسائي، ج8 ص1011، الترمذي، رقم 2173 وليس لأحد كائناً من
    كان أن يعطي نفسه الشرعية والحق في ضرب الناس، أو إكراههم باسم الإسلام،
    فإنه بهذا التصرف يسئ إلى الإسلام وإلى سماحته.
    عدالة الإسلام:
    وقد
    عني الإسلام برعاية أهل الكتاب، فقرر سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه
    لهم كفالة في بيت مال المسلمين، فقد روي أنه مر بباب جماعة، فوجد سائلا
    يسأل ـ وهو شيخ كبير ضرير ـ فسأله قائلاً: من أي أهل الكتاب أنت؟ فقال:
    يهودي، فسأله: ما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: اسأل الجزية، والحاجة، والسن،
    فأخذ عمر بيده إلى منزله، وأعطاه، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال له:
    انظر هذا وأضرابه، فوالله ما أنصفناه أن أكلنا شيبته ثم نخذله عند الهرم!!
    وما حدث في تاريخ سلفنا إهانة أحد من أهل الذمة، بل إن حدث أي تجاوز كان
    يعالجه الإسلام في الحال، فعندما شكا إلى عمر أحد الأقباط ابن والي مصر:
    عمرو بن العاص الذي لطم ابنه عندما غلبه ابن القبطي في السباق، وقال: أنا
    ابن الأكرمين، أسرع عمر رضي الله عنه بإحضار والي مصر وابنه إلى مكة في
    موسم الحج، وأعطى عمر الدرة لابن القبطي وأمره أن يقتص من ابن الأكرمين، ثم
    قال لعمرو كلمته المأثورة: "متى تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم
    أحراراً؟!". وقد أقام الإسلام العدل بين عنصري الأمة من المسلمين وغير
    المسلمين، ومن رسالة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى قاضي القضاة أبي
    موسى الأشعري قال له: (آس بين الناس في وجهك ومجلسك وقضائك، حتى لا يطمع
    شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك) فلا يصح التفرقة بين المتخاصمين حتى
    ولو كان أحدهما غير مسلم. وهكذا نرى كيف عامل سلفنا أهل الكتاب، وكيف
    أظهروا سماحة هذا الدين الذي لا يقر العصبية، ولا يرضى الظلم حتى لغير
    المسلمين، بل يدعو إلى التسامح والعدل معهم. وهذا المنهاج المتسامح للإسلام
    مع أهل الأديان الأخرى هو سر عظمة الإسلام، وسر ذيوعه وانتشاره في ربوع
    المعمورة.
    الإسلام دعوة كل الرسل
    إن
    الإسلام هو دعوة كل الرسل، ويتناول إطلاقه جميع الأديان التي أمر الله
    تعالى رسله أن يبلغوها للناس، لأنه روحها الكلي، على اختلاف في بعض
    التكاليف والأعمال، وينضوي الإنسان تحت راية الإسلام عندما تصح عقيدته،
    وتخلص من كل شائبة من شوائب الشرك والنفاق، ويخلص في إيمانه وعمله لله
    تعالى .. وهذا هو المراد بقوله تعالى: {وَمَن
    يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي
    الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } (سورة آل عمران الآية 85)
    فالإسلام بمفهومه القرآني المشرق اسم للدين الإلهي الذي جاء به جميع الأنبياء والرسل، وانتسب إليه أتباعهم جميعاً، يقول نوح لقومه: {فَإِن
    تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى
    اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ } (سورة يونس الآية
    72)
    ويوصي يعقوب بنيه قائلاً، قال تعالى: {وَوَصَّى
    بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ
    اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }
    (سورة البقرة الآية 132)
    ويجيب أبناء يعقوب أباهم قائلين: {أَمْ
    كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ
    مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ
    آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَـهًا وَاحِدًا
    وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } (سورة البقرة الآية 133)
    ويقول موسى عليه السلام لقومه: {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ } (سورة يونس الآية 84) ويقول الحواريون لعيسى:
    {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى
    اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ
    وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (سورة آل عمران الآية 52)
    ويقول بعض أهل الكتاب حين سمع القرآن: {وَإِذَا
    يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا
    إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ } (سورة القصص الآية 53)
    وقد وجه القرآن الكريم الأمة الإسلامية إلى بيان هذه الحقيقة في قوله تعالى: {شَرَعَ
    لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا
    إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ
    أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ
    مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء
    وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ } (سورة الشورى الآية 13)

    كما خاطب الله تعالى الرسل جميعاً مبيناً أن الإسلام والتوحيد قد أمر به
    كافة الرسل عليهم الصلاة والسلام وكافة الأمم، فالملة واحدة، متحدة في أصول
    الشرائع لا تتبدل بتبدل العصور، قال تعالى: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ } (سورة المؤمنون الآية 52)
    وتتخلص دعوة الملة القيمة في التوحيد الخالص لله الواحد الأحد: البعيد عن
    العقائد الزائفة، مع اتباع جميع الأحكام المنوطة بأتباع الإسلام، كما قال
    تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا
    اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ
    وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } (سورة البينة الآية
    5)
    وقال تعالى: {قُولُواْ آمَنَّا
    بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ
    وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى
    وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ
    أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } (سورة البقرة الآية 136)

    فعلاقة الإسلام إذا بالأديان الأخرى علاقة الشيء بنفسه، مادام جوهره هو
    جوهر كل الرسالات، ودعوة رسوله هي دعوة كل الرسل، وأما ما اختصت به العقيدة
    الإسلامية الخاتمة من شرائع وأحكام فهذا مدلول معين على شريعة معينة،
    وعلاقة الإسلام كشريعة للرسول صلوات الله وسلامه عليه بالأديان الأخرى تقوم
    على أساس تصديق القرآن لما بين يديه من الكتب والهيمنة عليها.
    وهذه العلاقة تأخذ اتجاهين واضحين:
    الاتجاه الأول: علاقة الإسلام بالشرائع السماوية قبل تطورها وتغيرها.
    والاتجاه الثاني:
    علاقته بها بعد تطورها وتغيرها. أما الاتجاه الأول فالقرآن جاء مصدقاً لما
    قبله من الكتب، وقد أخذ رب العزة سبحانه على كل نبي إذا جاء رسول مصدق لما
    معه أن يؤمن به وينصره .. وتصديق الكتب المتأخرة للمتقدمة لا يعني أنها لا
    تغير منها شيئاً، فهي مع أنها مصدقة لها إلا أنها تغير منها، كما حدث أن
    جاء الإنجيل بتعديل أحكام التوراة، فأعلن عيسى عليه السلام أنه جاء ليحل
    لبني إسرائيل بعض الذي حرم عليهم، وأيضا فقد جاء القرآن بتعديل بعض أحكام
    الإنجيل والتوراة، إذ أعلن أن الرسول صلوات الله وسلامه عليه أنه جاء ليحل
    للناس كل الطيبات، ويحرم عليهم كل الخبائث، ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي
    كانت عليهم، وليس في هذا تناقض من اللاحق للسابق ولا إنكار منه له، وإنما
    هو توافق وتناسب للزمن الذي تعيشه كل أمة، ليتواءم مع ظروفها وطبيعتها
    وأطوارها المختلفة، فإن الذي يتناسب مع أمة من الأمم في طورها الأول قد لا
    يتناسب معها في الطور الثاني، والذي يتناسب معها في الطورين الأولين قد لا
    يتناسب معها في الطور الثالث، وهكذا .. نعم، هناك من الأمور ما تأذن
    الشريعة اللاحقة بإبقائه واستمراره في نطاق ظروفه السابقة: كالوصايا العشر
    مثلاً ما عدا الوصية العاشرة التي تحرم العمل يوم "السبت" فمثل ذلك من
    التشريعات الخالدة التي لم تتغير بعد .. أما ما هنالك من تشريعات مؤقتة
    بآجال طويلة أو قصيرة فهي تنتهي بانتهاء وقتها، وتأتي الشريعة اللاحقة بما
    يوافق الأوضاع مصداقاً لقوله تعالى: {مَا نَنسَخْ
    مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ
    تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (سورة البقرة الآية
    106)
    إذاً ففي كل شريعة من الشرائع عنصران ضروريان للدعوة:
    عنصر مستمر: يربط حاضرها بماضيها.
    وآخر
    غير مستمر: ويقوم بالتجديد بما يتناسب مع تطورها في كل زمان ومكان، فمثلاً
    نرى شريعة التوراة تنص ضمن قوانين السلوك الأخلاقي على "النهي عن القتل
    والسرقة .. الخ" ومن أهم ما تبرزه: طلب العدل والمساواة. ونرى شريعة
    الإنجيل تقرر هذه المبادئ وتزيد عليها: "لا تراء الناس بفعل الخير" و"أحسن
    إلى من أساء إليك" وأوضح ما فيها التسامح والإحسان .. فتأتي شريعة القرآن
    فتقرر المبدأين معاً: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ
    بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ
    الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
    } (سورة النحل الآية 90) {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ
    عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ
    الظَّالِمِينَ } (سورة الشورى الآية 40)
    وقال تعالى:
    {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن
    صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ } (سورة النحل الآية 126)

    وقد أضافت الشريعة الإسلامية كل مكارم الأخلاق، فلم تدع جانباً من جوانب
    السلوك في التحية، والاستئذان، والمجالسة والمخاطبة، وما إلى ذلك من الآداب
    السامية، والأخلاق الرفيعة كما هو موضح في سورة النور، والحجرات،
    والمجادلة. إذاً فالشرائع كلها بمثابة اللبنات في بناء الدين، ومهمة اللبنة
    الأخيرة: إكمال البناء وإمساكه، وبلوغه الكمال الخلقي كما قال عليه الصلاة
    والسلام: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" وقد وصف الله تعالى رسوله صلوات الله وسلامه عليه بأكمل وصف، وأعظم خلق إذ يقول سبحانه وتعالى للرسول عليه الصلاة والسلام: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } (سورة القلم الآية 4) ويقول القرآن الكريم في بيان إكمال الدين، وإتمام النعمة الإلهية على العباد على يدي خاتم المرسلين صلوات الله وسلامه عليه: {حُرِّمَتْ
    عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ
    لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ
    وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا
    ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ
    بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن
    دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ
    دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ
    دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ
    فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (سورة المائدة الآية 3)
    ويوضح الرسول صلوات الله وسلامه عليه موقفه من الأنبياء السابقين عليه كرسول خاتم فيقول: "إن
    مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله إلا موضع
    لبنة من زاوية فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له، ويقولون: هلا وضعت هذه
    اللبنة، قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين"
    رواه البخاري. صحيح
    مسلم، والبخاري 4/151 طبع الشعب ج4 ص1790 وأما عن علاقة الإسلام بالأديان
    السماوية الأخرى بعد تطويرها وتغييرها: فقد عرفنا أن القرآن الكريم جاء
    "مصدقاً" لما بين يديه من الكتب و"مهيمناً" على تلك الكتب، والهيمنة تعني
    الحراسة الأمينة عليها، والحماية الواعية لها من الدخيل الذي يدس فيها،
    ويطرأ عليها، وإبراز ما تدعو إليه الحاجة من حقائق قد أخفيت منها، وتأييد
    ما خلده التاريخ من حق وخير. وهكذا كانت مهمة القرآن الكريم .. فنفى وجود
    الأمور الزائدة وتحدي ادعاء وجودها في الكتب: {كُلُّ
    الطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ
    إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ
    فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } (سورة آل
    عمران الآية 93)
    وإبراز ما أخفوه: {يَا أَهْلَ
    الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا
    كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم
    مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ } (سورة المائدة الآية 15)

    فعلاقة الإسلام إذاً بالأديان الأخرى ـ في طورها الأول ـ علاقة تأييد كلي،
    وأما في طورها الأخير ـ المتطور ـ فهو تصديق لما بقى من أجزائها الأصلية،
    وتصحيح لما طرأ من البدع والإضافات الغريبة عنها. وقد أمر الإسلام أتباعه
    بالتعامل الحسن، حتى مع أبعد الأديان عنه، قال تعالى:
    {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى
    يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ
    قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ } (سورة التوبة الآية 6)
    إن سماحة الإسلام
    لتنفسح جوانبها، وتمتد ظلال الأمن فيها وارفة فتجير المشرك وتؤويه وتكفل له
    الأمن، وتقدم له الرشد الناجع، والتوجيه السديد بالحكمة والموعظة الحسنة،
    والمجادلة بالتي هي أحسن كما قال تعالى: {ادْعُ إِلِى
    سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم
    بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن
    سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } (سورة النحل الآية 125)

    بل وتكفل له الحماية والرعاية والأمان من كل غائلة .. كما ندب الإسلام
    أتباعه أن يكون موقفهم من غير المسلمين موقف بر ورحمة وقسط وعدل: {لَا
    يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ
    وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا
    إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } (سورة الممتحنة الآية
    وما أروع قول الرسول صلوات الله وسلامه عليه يوم الحديبية: "والله لا تدعوني قريش إلى خطة توصل بها الأرحام، وتعظم فيها الحرمات إلا أعطيتهم إياها"
    نماذج لأثر سماحة الإسلام
    وأقدم
    هنا بعض النماذج من سماحة الإسلام، وما كان لها من أثر كريم في نفوس الذين
    عرفوها ولمسوها، حتى دخل بسببها في الإسلام أناس كثيرون. 1) إسلام ثمامة بن أثال: قال
    الإمام البخاري رحمه الله: حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا الليث قال:
    حدثني سعيد بن أبي سعيد: أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه قال: بعث النبي
    صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له: ثمامة
    بن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النبي صلى الله عليه
    وسلم فقال: "ما عندك يا ثمامة؟" فقال: عندي خير يا محمد إن تقتلني تقتل ذا
    دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت، فترك حتى
    كان الغد ثم، قال له: "ما عندك يا ثمامة؟" قال: ما قلت لك: إن تنعم تنعم
    على شاكر، فتركه حتى كان بعد الغد فقال: "ما عندك يا ثمامة؟" فقال: عندي ما
    قلت لك، فقال: "أطلقوا ثمامة" فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم
    دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. يا محمد
    والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه
    إلي، والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك، فأصبح دينك أحب الدين إلي،
    والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد إلي، وإن
    خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى؟ فبشره النبي صلى الله عليه وسلم
    وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة قال له قائل: صبوت؟ قال: لا والله ولكن أسلمت
    مع محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة
    حنطة حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم رواه البخاري. وصحيح مسلم،
    ج3 ص1386 وهذه القصة من أوضح الشواهد والدلائل على انتشار الإسلام بالحكمة
    والموعظة الحسنة، وبروح التسامح والرحمة .. إنه انتشر بمبادئه الإنسانية
    العالية لا كما يقول المتشدقون وأعداء الإسلام إنه انتشر بالسيف؛ كيف
    والقرآن الكريم يقول: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ
    قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ
    وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ
    انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } (سورة البقرة الآية 256)
    ويقول سبحانه: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } (سورة الكافرون الآية 6) ويقول سبحانه: {لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ} (سورة الغاشية الآية 22)
    وهاهو سيد بني حنيفة "ثمامة بن أثال" قد أسره المسلمون في إحدى السرايا
    دون أن يعرفوه، ولما جئ به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرفه أكرمه
    وأبقاه عنده ثلاثة أيام، وكان في كل يوم يعرض عليه الإسلام ويسأله قائلا:
    ماذا عندك؟ فيجيب الرجل قائلاً: إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على
    شاكر، وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت. ومعنى "تقتل ذا دم" أي صاحب دم،
    لدمه موقع يشتفي قاتله بقتله، ويدرك ثأره لرياسته وعظمته. وفي رواية ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قد عفوت عنك يا ثمامة وأعتقتك"
    وقد كان لهذه السماحة أثرها في قلب ثمامة جعلته يبادر بالدخول في الإسلام،
    وقد سر الرسول صلى الله عليه وسلم بإسلامه كثيراً لما ترتب على إسلامه من
    دخول قومه في الإسلام، ولم يقف الحال عند هذا، بل كان لإسلامه أثر هام،
    فعندما ذهب إلى مكة للعمرة وهم أهلها أن يقتلوه، وفي رواية ابن هشام قال:
    بلغني أنه خرج معتمراً، حتى إذا كان ببطن مكة لبى، فكان أول من دخل مكة
    يلبي فأخذته قريش فقال: لقد اجترأت علينا، وأرادوا قتله، فقال قائل منهم:
    دعوه فإنكم تحتاجون إلى الطعام من اليمامة، فتركوه. وزاد ابن هشام: ثم خرج
    إلى اليمامة، فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئاً، فكتبوا إلى النبي صلى الله
    عليه وسلم: "إنك تأمر بصلة الرحم، فكتب إلى ثمامة أن يخلي بينهم وبين الحمل
    إليهم". وهكذا كتب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ثمامة أن يخلي بينهم
    وبين حبوب اليمامة، ففعل ثمامة ما أمره به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو
    أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقهر القوم، وأن يلجئهم إلى الإسلام
    مستعملاً القسوة، وانتهاز حاجتهم وضرورتهم لفعل، ولكنه لا يقهر أحداً ولا
    يستعمل القوة، ولا يكره الناس على الدخول في الإسلام. وبعد أن انتقل الرسول
    صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، وكانت حركة الردة، وارتد بعض أهل
    اليمامة، ظل ثمامة هذا ثابتاً هو وأتباعه، وراح يحذر المرتدين من أتباع
    مسيلمة الكذاب قائلاً لهم: إياكم وأمراً مظلماً لا نور فيه، وإنه لشقاء
    كتبه الله عز وجل على من أخذ به منكم، وبلاء على من لم يأخذ به منكم، ولما
    لم يجد النصح معهم خرج هو والذين معه وانضموا للعلاء بن الحضرمي مدداً له،
    فكان هذا مما فت في عضد المرتدين وألحق بهم الهزيمة. وهذا الموقف من رسول
    الله صلى الله عليه وسلم مع ثمامة نموذج من نماذج التسامح العالية التي كان
    الرسول صلى الله عليه وسلم يتعامل بها مع الناس، فقد كانت معاملاته عبر
    حياته كلها تتسم بروح التسامح والرأفة، والدعوة إلى الإسلام بالحكمة
    والموعظة الحسنة لا بالقوة والسيف. و

      الوقت/التاريخ الآن هو 2024-11-25, 12:15 pm