اللهجات العراقية القديمة
اعداد : طارق فتحي
أولاً- الأكديون :-
الاسم – الأصل – الموطن
برز في أحداث تاريخ وادي الرافدين حاكم استطاع أن يحقق لها الوحدة السياسية ، ذلك هو سرجون الأكدي الذي أسس سلالة حاكمة عُرفت بالسلالة الأكدية أو الدولة الأكدية ( 2371 – 2230 ق.م ) ، أي أنها دامت أكثر من قرن ونصف القرن وشمل حكمها القطر كله واتسع بالفتوحات الخارجية إلى الأقطار المجاورة(1). والأكديون هم من القبائل الجزرية التي عاشت منذ أقدم عهود التاريخ المعروفة في موطنهم التي عرفت في التاريخ ، وهي الجزيرة العربية وأطرافها أي ما يسمى بالهلال الخصيب ، وفي بوادي الشام والعراق(2) . وأنتشر من الجزيرة منذ أزمان مختلفة أقوام على هيئة هجرات استوطنت في أطراف الجزيرة ومنها بوادي الشام والعراق الغربية وبوادي ما بين النهرين العليا مثل منطقة الخابور والباليخ والفرات الأعلى ، ومنها كانت تتغلغل إلى المناطق الأخصب مثل وادي الرافدين وسورية وفلسطين ولبنان وحتى وادي النيل حيث دخلت جماعات من الجزريين منذ عصور ما قبل التاريخ في تركيب سكانه التاريخي .
أما فيما يتعلق بالتسمية فهي لاحقة للاستيطان ومشتقة من اسم موضع جغرافي ولا تحمل مدلولاً قومياً ، أي نسبة إلى مدينة أكد العاصمة التي أسسها سرجون الأكدي ، والبابليين نسبة إلى مدينة بابل والآشوريين نسبة إلى مدينة آشور(3) . وكان المستشرق الألماني ( شلوتزر ) أول باحث أوجد مصطلح سامي وساميين في عام ( 1781 ) لإطلاقه على المتكلمين بإحدى لغات العائلة السامية كالأكدية ( البابلية – والأشورية ) والآرامية والكنعانية(4) .
ثانياً – اللغة الأكدية :-
التسمية
مشتقة من اسم الأقوام الأكدية ، وهي أولى الأقوام الجزرية المعروفة التي استوطنت أواسط وجنوبي العراق منذ مطلع الألف الثالث قبل الميلاد ، وقد استخدمت تسمية ( اللغة الأكدية ) لأول مرة من قبل العالم رولنصن عام ( 1852 ) ، للدلالة على اللغة الثنائية التي تضمنتها النصوص ثنائية اللغة المكتشفة في مدينة نينوى وغيرها ثم تبين خطأ هذه التسمية حيث أتضح أن لغة تلك النصوص هي في الواقع لغة الأقوام السومرية(5) ، وبعد أن عرف تاريخ الأكديين وتاريخ دولتهم الأكدية استخدمت التسمية بمعنى ضيق ومحدود للدلالة على لغة الأقوام الأكدية التي أسست دولتها التي عُرفت بالإمبراطورية الأكدية وخلفت لنا بعض النصوص ، ثم سرعان ما اتسع مدلول التسمية وغدت تستخدم للدلالة على جميع اللهجات المتفرعة عن اللغة الأكدية والتي انتشرت فيما بعد في بابل وأشور منذ أواسط الألف الثالث قبل الميلاد حتى أواخر الألف الأول قبل الميلاد عندما تضائل استخدام اللغة الأكدية ثم تلاشى أمام اللغة الآرامية وغيرها من اللغات التي استخدمت في وادي الرافدين بديلاً عن اللغة الأكدية ، أي أن مصطلح ( اللغة الأكدية ) بهذا المفهوم الواسع أصبح يدل على جميع على جميع اللهجات ( اللغات ) التي تكلمت بها الأقوام الأكدية والبابلية والآشورية والكلدية واستخدمتها للتدوين(6) . كما يدل المصطلح أيضاً على جميع اللهجات المتفرعة عن هذه اللهجات الرئيسة التي استخدمت في مناطق معينة وفترات زمنية محددة كاللهجة الأكدية التي استخدمت في بلاد عيلام واللهجة الأكدية في منطقة كبدوكيا في آسيا الصغرى ولهجة العمارنة في مصر(7) .
ومن الجدير بالإشارة هنا أن البحوث والدراسات اللغوية القديمة نسبياً ، أطلقت على لغة النصوص المسمارية المكتشفة في بلاد بابل وأشور أسم ( اللغة الآشورية أو البابلية ) نسبة إلى مناطق اكتشافها . ونظراً للتشابه الكبير بين اللغتين والذي تنبه إليه الباحثون منذ البداية واعتقادهم بأن كلتا اللغتين تنتميان إلى أصل مشترك واحد ، فقد شاع استخدام مصطلح ( اللغة الآشورية – البابلية ) أو ( اللغة البابلية – الآشورية ) ، كما سميّ العلم المختص بدراسة هذه اللغة وبنصوصها المسمارية ، وما يزال يسمى بعلم ( الآشوريات ) " Assyriology " (Cool .
ثالثاً- أصول اللغة الأكدية :-
واللغة الأكدية بهذا المفهوم الواسع هذا تمثل الفرع الشمالي الشرقي من عائلة اللغات الجزرية ، وتضم هذه العائلة اللغوية مجموعة كبيرة من اللغات المهمة التي انتشرت وسادت معظم أنحاء الشرق الأدنى القديم منذ أقدم عصوره التاريخية وحتى الآن وهي اللغة الأكدية ، بلهجاتها ( البابلية والآشورية المختلفة ) ، واللغة الكنعانية بلهجاتها ، واللغة الآرامية بلهجاتها ، واللغة العربية الشمالية والجنوبية ، ويكاد يجمع الباحثون على أن الموطن الأول للأقوام التي تكلمت بهذه اللغات هي شبه الجزيرة العربية التي شهدت في عصور سحيقة في القدم استخدام ( اللغة الأم ) ومن ثم بدأت هجرات الأقوام العربية القديمة إلى خارج حدود شبه الجزيرة العربية . وكان من بين تلك الهجرات هجرة الأقوام الأكدية والبابلية ( الأمورية ) والآشورية إلى وادي الرافدين(9) ، وقد تميزت لغات هذه العائلة اللغوية بجملة خصائص مشتركة منها(10) :-
1- أن هذه اللغات تعتمد اعتماداً كبيراً على الأصوات الصامتة ( الصحيحة ) لا على الأصوات المتحركة ( العلة ) ، أي أن المعنى الرئيس للكلمة يرتبط بالأصوات الصامتة فيها ، أما الأصوات المتحركة فهي لا تعبر في الكلمة إلا عن تحوير هذا المعنى وتعديله .
2- تزخر هذه المجموعة من اللغات بالأصوات الحلقية كالعين والحاء والهاء والأصوات المضخمة كالصاد والطاء .
3- ترجع معظم المفردات اللغوية إلى أصل أو جذر ثلاثي ، وهناك بعض المفردات ذات أصول ثنائية .
4- ليس في هذه اللغات إلا جنسان هما المذكر والمؤنث .
5- هناك ظاهرة غريبة من حيث العلاقة العكسية بين العدد والمعدود من الثلاثة إلى العشرة ، أي يذكر العدد إذا كان المعدود مؤنث ، ويؤنث العدد إذا كان المعدود مذكر.
ومع هذه الخصائص المشتركة بين أفراد اللغات الجزرية هناك اختلافات فرعية أملتها كل لغة من هذه اللغات والتأثيرات التي تعرضت لها والحياة التي عاشتها .
رابعاً – تاريخ اللغة الأكدية :-
تشير الدلائل الأثرية والنصوص المسمارية إلى أن الأقوام كانت قد سكنت القسم الأوسط والجنوبي من العراق منذ أقدم العصور التاريخية المعروفة وربما منذ أواخر عصور ما قبل التاريخ ، غير أنها لم تتمكن من السيطرة على زمام الحكم والسلطة السياسية حتى القرن الرابع والعشرين قبل الميلاد . ومن هذه الدلائل أن أسماء العديد من حكام وملوك المدن السومرية في عصور فجر السلالات إلى قيام الدولة الأكدية وردت بصياغة أكدية(11) ، ومنذ قيام الدولة الأكدية ، دخلت اللغة الأكدية طوراً جديداً حيث بدأ استخدامها في تدوين النصوص التاريخية والمعاملات اليومية وغدت لغة الدولة الرسمية إلى جانب اللغة السومرية ثم أخذت تحل محل اللغة السومرية شيئاً فشيئاً غير أنها لم تقض عليها بل ظلت اللغة السومرية مستخدمة في النصوص الأدبية والعلمية والدينية إلى أواخر أدوار الحضارة العراقية القديمة(12) .
وكان الاحتكاك بين اللغتين السومرية والأكدية ، وكلتاهما تحتل مكانة وأهمية في نفوس العراقيين القدماء ، فإلى جانب تأثر كل من هاتين اللغتين بالأخرى تأثيراً واضحاً من حيث استخدام المفردات والمصطلحات الفنية والقانونية ومن حيث أساليب التعبير بل وحتى القواعد النحوية ، فقد كان لهذا الصراع أثره في تحفيز الكتبة الذين استخدموا اللغة السومرية أو اللغة الأكدية على حد سواء أو الكتبة الذين عكفوا على استنساخ النصوص القديمة إلى تأليف قوائم أو جداول لتعليم المبتدئين العلامات المسمارية المختلفة وقيمتها الصوتية ومعانيها الرمزية في كل من اللغتين السومرية والأكدية(13) ، وكانت تلك القوائم والجداول التي تطورت فيما بعد لتسجيل مفردات لغوية سومرية إلى جانب معانيها باللغة الأكدية أو مصطلحات لغوية فنية أو قانونية أو جمل وعبارات سومرية وإلى جانبها معانيها باللغة الأكدية أولى المحاولات في تأليف المعاجم اللغوية ، وقد أفادت هذه المحاولات الباحثين المحدثين كثيراً في فهم ومعرفة ما غمض عليهم من مفردات اللغة السومرية أو الأكدية(14) .
وعلى الرغم من سقوط الدولة الأكدية وسيطرة الأقوام الجوتية الغازية على بلاد أكد وتسلمها زمام الحكم لفترة تزيد عن مائة سنة ، إلا أن اللغة الأكدية ظلت اللغة المستخدمة إلى جانب اللغة السومرية في المعاملات الرسمية والخاصة ، ولم يؤثر على اللغة الأكدية غزو القبائل الجوتية التي لابد أن تكلمت لغة أجنبية غريبة في بداية أمرها إلا أنها ما لبثت أن استخدمت اللغة الأكدية حتى أن أسماء العديد من الملوك الجوتيين جاءت بصيغ أكدية ، وتشير الرقم الطينية التي ترقى بتاريخها إلى عهد سلالة أور الثالثة التي قامت في أعقاب طرد الأقوام الجوتية من بلاد أكد ، إلى انتعاش اللغة السومرية على حساب اللغة الأكدية نظراً لأن حكام سلالة أور الثالثة كانوا من الأقوام السومرية فدونت لذلك معظم نصوصهم الملكية باللغة السومرية . ومع ذلك ظلت اللغة الأكدية تحتفظ بمكانة بارزة إلى درجة أن ثلاثة من حكام هذه السلالة السومرية كانوا يحملون أسماء ذات صيغ أكدية(15) .
وبتدفق الأقوام الأمورية نحو بلاد بابل - وهي من الأقوام الجزرية القديمة التي قدمت لبلاد بابل – اتسع نطاق استخدام اللغة الأكدية حيث هذه الأقوام التي انتشرت في العراق في أعقاب سقوط سلالة أور الثالثة وأسست لها عدداً من الدويلات والممالك المهمة التي انضمت تحت حكم سلالة بابل الأولى في عهد ملكها الشهير حمورابي ولم تستخدم لغتها الأمورية التي تنتمي هي الأخرى إلى عائلة اللغات الجزرية ، بل استخدمت اللغة الأكدية بلهجتها البابلية القديمة في جميع المكاتبات والمعاملات الرسمية والشخصية وإن المعلومات عن اللغة الأمورية مستمدة من بعض المفردات والمصطلحات والصيغ اللغوية التي دخلت اللهجة البابلية القديمة ، لاسيما في منطقة ماري ( تل الحريري ) ، وفي أعقاب سقوط سلالة بابل الأولى على يد الكشيين ، فقد شاع استخدام اللغة الأكدية خلال حكم السلالة الكشية ، الذي استمر أكثر من أربعة قرون(16) .
وفي بلاد آشور ، استخدمت اللغة الأكدية منذ أقدم العصور التاريخية ، وقد تميزت اللهجات التي انتشرت في بلاد آشور بخصائص معينة . وظلت اللغة الأكدية بلهجتها البابلية الحديثة والمتأخرة ( الكلدية ) ، تستخدم في عهد الدولة البابلية الحديثة ( 626 – 539 ق.م ) ، غير أنه بدأ تأثير اللغة الآرامية يزداد شيئاً فشيئاً إلى أن وصل انتشار استخدام اللغة الآرامية في بلاد بابل وآشور أن قضى على اللغة الأكدية وتلاشى استخدامها وحلت محلها اللغة الآرامية بخطها الأبجدي البسيط مقارنة مع الكتابة المسمارية المعقدة(17) .
وعلى الرغم من وقوع بلاد بابل وآشور لفترة طويلة من الزمن تحت الحكم الأجنبي الفارسي الأخميني ثم المقدوني والسلوقي فالفرثي فالساساني ، وانتشار اللغة الفارسية في فترة الاحتلال الفارسي واليوناني فترة الاحتلال السلوقي ولاسيما في أوساط النخبة الحاكمة والمتنفذة ، إلى أن اللغة الأكدية ظلت تستخدم ولكن في نطاق محدود حيث استخدمت في تدوين بعض النصوص الدينية والعلمية والفلكية والرياضية ، وظلت كذلك حتى أواخر القرن الأول الميلادي حتى بطل استخدامها واستخدام الكتابة المسمارية نهائياً ودخلت طي النسيان لمئات من السنين إلى أن تم الكشف عنها ثانية في العصر الحاضر(18) .
خامساً – اللهجات الأكدية :-
من المعروف أن اللغة الأكدية تعرضت إلى العديد من المؤثرات الداخلية والخارجية كما أنها خاضت صراعاً عنيفاً مع عدد من اللغات المحلية ، كاللغة السومرية ، واللغات الأجنبية ، كلغة الأقوام الكشية والخورية والفارسية واليونانية والآرامية وغيرها . ومن البديهي أن تأثرت اللغة الأكدية بهذه المؤثرات وكانت نسبة التأثير ونوعه تختلف من منطقة إلى أخرى ومن فترة زمنية إلى أخرى . ولم يقتصر هذا التأثير على دخول مفردات لغوية جديدة إلى اللغة الأكدية ولكن تعداه إلى الأساليب النحوية وأساليب نطق بعض الأصوات والحركات ونسبة المحافظة على القواعد النحوية واتباع أساليب وقواعد معينة وغير ذلك من التأثيرات . وكان من نتائج ذلك أن أمكن تمييز عدد من اللهجات الأكدية مختلفة عن بعضها البعض في صيغتها المدونة(19) .
1- اللهجة الأكدية القديمة :-
وهي أقدم اللهجات الأكدية المدونة ، وعنها تفرعت جميع اللهجات الأخرى في الفترات الزمنية التالية ، استخدمت اللهجة الأكدية من قبل الأقوام الأكدية نفسها منذ قدومها العراق حتى سلالة أور الثالثة في أواخر اللف الثالث قبل الميلاد . ويمكن التمييز بين لهجة نصوص ما قبل العصر السرجوني ولهجة النصوص التي ترقى بتاريخها إلى الفترة التالية من ذلك حتى نهاية سلالة أور الثالثة . وتظهر على هذه اللهجة التأثيرات السومرية بشكل واضح جداً بل أن النصوص الأكدية من هذه الفترة الزمنية مليئة بمفردات ومصطلحات سومرية . ومنذ أواخر عهد سلالة أور الثالثة ، تبدأ علامات الافتراق عن اللهجات التي استخدمت في القسم الشمالي من العراق أي بلاد بابل واللهجات التي استخدمت في القسم الشمالي من العراق ، أي بلاد آشور بالظهور . وقد عُرفت المجموعة الأولى من اللهجات باللهجات البابلية في حين أطلق على المجموعة الثانية اسم اللهجات الآشورية .
اللهجات البابلية :-
أ ) البابلية القديمة :-
وهي لهجة بلاد بابل خلال العهد البابلي القديم ، وهي الفترة التي تميزت بتدفق الأقوام الأمورية وسيطرتها على الحكم في العراق وتأسيسها عدد من الدويلات والممالك التي انتهت بتوحيدها في دولة واحدة على رأسها الملك حمورابي . لذلك كانت لهجة هذه الفترة متأثرة باللهجة الأمورية التي لم تستخدم للتدوين . وقد كشفت التنقيبات الأثرية عن عشرات الألوف من النصوص المسمارية الأكدية المعروفة باللهجة البابلية القديمة منها ما هو غاية في الأهمية ، كقوانين حمورابي وقانون أشنونا ، وبعض النصوص القانونية والأدبية والدينية والاقتصادية والرياضية .
ومن الجدير بالإشارة أن العلماء المختصين يعدون اللهجة البابلية القديمة بمثابة اللهجة الكلاسيكية نظراً لمحافظتها على معظم الصيغ والأشكال النحوية الصحيحة ومنها محافظتها على حركات الإعراب .
ب ) البابلية الوسيطة :-
أطلق الباحثون على لهجة بلاد بابل خلال فترة حكم السلالة الكشية - القرن السادس عشر وحتى القرن الثاني عشر قبل الميلاد – اسم اللهجة البابلية الوسيطة وقد تضاءل في أواخر هذه الفترة استخدام حركات الإعراب وطرأت عليه بعض التغيرات الجديدة نتيجة استخدامها من قبل الأقوام الكشية الغريبة .
وقد نشطت حركات التأليف والاستنساخ في هذه الفترة ووصل إلينا العديد من النصوص الأدبية المستنسخة عن نصوص أقدم مثل ملحمة جلجامش إلى جانب النصوص الطبية والفلكية والكتابات الخاصة بالتنجيم والمعاجم ، يتضمن بعضها بعض المفردات الكشية وما يقابلها باللغة الأكدية .
ج ) البابلية الحديثة :-
تتمثل اللهجة البابلية الحديثة بالنصوص الأكدية التي ترقى بتاريخها إلى الفترة ما بين ( 1000 ق.م ) وحتى سقوط الدولة الآشورية في حدود ( 600 ق.م ) والمكتشفة في بلاد بابل وتحمل هذه النصوص تأثيرات آرامية واضحة وتتميز بفقدان حركات الإعراب .
د ) البابلية المتأخرة :-
وهي اللهجة التي استخدمت في بلاد بابل خلال العصر البابلي الحديث ( 626 ق.م ) وحتى زوال استخدام اللغة الأكدية في بلاد بابل وآشور في حدود التاريخ الميلادي .
وفي هذه الفترة كانت اللغة الآرامية آخذة بالانتشار كما كان حال الخط الآرامي الأبجدي ذي الرموز القليلة والبسيطة مقارنة مع العلامات المسمارية الكثيرة والمعقدة على الرغم من محاولات كهنة بلاد بابل اليائسة في المحافظة على اللهجة البابلية وتقليد الأساليب القديمة إلا أن اللغة الأكدية كانت في طريقها للزوال .
اللهجة الآشورية :-
انتشر استخدام اللغة الأكدية في بلاد آشور منذ الألف الثالث قبل الميلاد ، غير أنها تميزت ببعض الخصائص التي اكتسبتها في بلاد آشور نتيجة تعرضها لمؤثرات داخلية وخارجية تختلف عن تلك التي تعرضت لها في بلاد بابل . ويميز الباحثون ثلاث لهجات آشورية رئيسة استخدمت في بلاد آشور في ثلاث مراحل زمنية وهي:-
أ ) الآشورية القديمة :-
وتتمثل هذه اللهجة بنصوص الفترة ( 2000 – 1600 ق.م ) ، وعدد هذه النصوص قليل ومعظمها نصوص ملكية اكتشفت في بلاد آشور الأصلية إضافة إلى الرسائل والوثائق الرسمية الكثيرة المكتشفة في المراكز التجارية الآشورية في منطقة كبدوكيا في آسيا الصغرى . وبديهي أن هناك بعض الاختلافات بين لهجة النصوص المكتشفة في بلاد آشور نفسها وتلك المكتشفة في منطقة كبدوكيا
ب ) الآشورية الوسيطة :-
وتمثلها النصوص الأكدية التي تعود إلى النصف الثاني من الألف الثاني قبل الميلاد . ومن هذه النصوص القوانين الآشورية الوسيطة المكتشفة في مدينة آشور والعديد من النصوص القانونية الأخرى وبعض الرسائل والنصوص الأدبية والملكية ومعظم النصوص الأدبية والملكية تحمل تأثيرات بابلية .
ج ) الآشورية الحديثة :-
لقد وصلت أعداد كبيرة جداً من النصوص المدونة باللهجة الآشورية الحديثة منها ما هو غاية في الأهمية التاريخية ، كالمراسلات الملكية والمعاهدات والاتفاقيات والرسائل الشخصية المكتشفة في العواصم الآشورية ولاسيما مدينة نينوى ونمرود ومنها الوثائق الاقتصادية والقانونية . وفي أواخر هذه الفترة تظهر على اللهجة تأثيرات آرامية قوية جداً .
الــمــراجــع :-
1- طه باقر ، مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة ، ج 1 ، بغداد - 1973 ، ص 352 .
2 – أنطوان مورتكات ، تاريخ الشرق الأدنى القديم ، تعريب توفيق سليمان وآخرون ، دمشق – 1967 ، ص ص 83 – 84 .
3- طه باقر ، المرجع السابق ، ص 64 .
4- عامر سليمان ، اللغة الأكدية " البابلية والآشورية " تاريخها وتدوينها وقواعدها ، الموصل – 1991 ، ص ص 64 – 66 .
5- عامر سليمان ، " التاريخ اللغوي " ، حضارة العراق ، ج 1 ، بغداد – 1985 ، ص 285 .
6- عامر سليمان ، المرجع نفسه ، ص 285 .
7- عامر سليمان ، المرجع نفسه ، ص 285 .
8- فاضل عبد الواحد علي ، من ألواح سومر إلى التوراة ، بغداد – 1989 ، ص 19 .
9- طه باقر ،مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة ، المرجع السابق ، ص ص 66 – 67 .
10- عامر سليمان ، حضارة العراق ، المرجع السابق ، ص 287 .
11- عامر سليمان وأحمد مالك الفتيان ، محاضرات في التاريخ القديم ، بغداد – 1985 ، ص 108 .
12- عامر سليمان ، اللغة الأكدية ، المرجع السابق ، ص 38 .
13- عامر سليمان ، المرجع نفسه ، ص 38 .
14- عامر سليمان ، المرجع نفسه ، ص 38 .
15- عامر سليمان وأحمد مالك الفتيان ، محاضرات في التاريخ القديم ، المرجع السابق ، ص 108 .
16- عامر سليمان ، حضارة العراق ، المرجع السابق ، ص ص 290 – 291 .
17- طه باقر ،مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة ، المرجع السابق ، ص ص 119 – 120 .
18- طه باقر ، المرجع نفسه ، 120 .
19- عن هذه اللهجات يُنظر :-
طه باقر ، المرجع السابق ، ص 69 . ؛
عامر سليمان ، اللغة الأكدية ، المرجع السابق ، ص ص 46 – 52 . ؛
عامر سليمان ، حضارة العراق ، المرجع السابق ، ص ص 295 – 299 .
المصدر : منشد مطلق المنشداوي
اعداد : طارق فتحي
أولاً- الأكديون :-
الاسم – الأصل – الموطن
برز في أحداث تاريخ وادي الرافدين حاكم استطاع أن يحقق لها الوحدة السياسية ، ذلك هو سرجون الأكدي الذي أسس سلالة حاكمة عُرفت بالسلالة الأكدية أو الدولة الأكدية ( 2371 – 2230 ق.م ) ، أي أنها دامت أكثر من قرن ونصف القرن وشمل حكمها القطر كله واتسع بالفتوحات الخارجية إلى الأقطار المجاورة(1). والأكديون هم من القبائل الجزرية التي عاشت منذ أقدم عهود التاريخ المعروفة في موطنهم التي عرفت في التاريخ ، وهي الجزيرة العربية وأطرافها أي ما يسمى بالهلال الخصيب ، وفي بوادي الشام والعراق(2) . وأنتشر من الجزيرة منذ أزمان مختلفة أقوام على هيئة هجرات استوطنت في أطراف الجزيرة ومنها بوادي الشام والعراق الغربية وبوادي ما بين النهرين العليا مثل منطقة الخابور والباليخ والفرات الأعلى ، ومنها كانت تتغلغل إلى المناطق الأخصب مثل وادي الرافدين وسورية وفلسطين ولبنان وحتى وادي النيل حيث دخلت جماعات من الجزريين منذ عصور ما قبل التاريخ في تركيب سكانه التاريخي .
أما فيما يتعلق بالتسمية فهي لاحقة للاستيطان ومشتقة من اسم موضع جغرافي ولا تحمل مدلولاً قومياً ، أي نسبة إلى مدينة أكد العاصمة التي أسسها سرجون الأكدي ، والبابليين نسبة إلى مدينة بابل والآشوريين نسبة إلى مدينة آشور(3) . وكان المستشرق الألماني ( شلوتزر ) أول باحث أوجد مصطلح سامي وساميين في عام ( 1781 ) لإطلاقه على المتكلمين بإحدى لغات العائلة السامية كالأكدية ( البابلية – والأشورية ) والآرامية والكنعانية(4) .
ثانياً – اللغة الأكدية :-
التسمية
مشتقة من اسم الأقوام الأكدية ، وهي أولى الأقوام الجزرية المعروفة التي استوطنت أواسط وجنوبي العراق منذ مطلع الألف الثالث قبل الميلاد ، وقد استخدمت تسمية ( اللغة الأكدية ) لأول مرة من قبل العالم رولنصن عام ( 1852 ) ، للدلالة على اللغة الثنائية التي تضمنتها النصوص ثنائية اللغة المكتشفة في مدينة نينوى وغيرها ثم تبين خطأ هذه التسمية حيث أتضح أن لغة تلك النصوص هي في الواقع لغة الأقوام السومرية(5) ، وبعد أن عرف تاريخ الأكديين وتاريخ دولتهم الأكدية استخدمت التسمية بمعنى ضيق ومحدود للدلالة على لغة الأقوام الأكدية التي أسست دولتها التي عُرفت بالإمبراطورية الأكدية وخلفت لنا بعض النصوص ، ثم سرعان ما اتسع مدلول التسمية وغدت تستخدم للدلالة على جميع اللهجات المتفرعة عن اللغة الأكدية والتي انتشرت فيما بعد في بابل وأشور منذ أواسط الألف الثالث قبل الميلاد حتى أواخر الألف الأول قبل الميلاد عندما تضائل استخدام اللغة الأكدية ثم تلاشى أمام اللغة الآرامية وغيرها من اللغات التي استخدمت في وادي الرافدين بديلاً عن اللغة الأكدية ، أي أن مصطلح ( اللغة الأكدية ) بهذا المفهوم الواسع أصبح يدل على جميع على جميع اللهجات ( اللغات ) التي تكلمت بها الأقوام الأكدية والبابلية والآشورية والكلدية واستخدمتها للتدوين(6) . كما يدل المصطلح أيضاً على جميع اللهجات المتفرعة عن هذه اللهجات الرئيسة التي استخدمت في مناطق معينة وفترات زمنية محددة كاللهجة الأكدية التي استخدمت في بلاد عيلام واللهجة الأكدية في منطقة كبدوكيا في آسيا الصغرى ولهجة العمارنة في مصر(7) .
ومن الجدير بالإشارة هنا أن البحوث والدراسات اللغوية القديمة نسبياً ، أطلقت على لغة النصوص المسمارية المكتشفة في بلاد بابل وأشور أسم ( اللغة الآشورية أو البابلية ) نسبة إلى مناطق اكتشافها . ونظراً للتشابه الكبير بين اللغتين والذي تنبه إليه الباحثون منذ البداية واعتقادهم بأن كلتا اللغتين تنتميان إلى أصل مشترك واحد ، فقد شاع استخدام مصطلح ( اللغة الآشورية – البابلية ) أو ( اللغة البابلية – الآشورية ) ، كما سميّ العلم المختص بدراسة هذه اللغة وبنصوصها المسمارية ، وما يزال يسمى بعلم ( الآشوريات ) " Assyriology " (Cool .
ثالثاً- أصول اللغة الأكدية :-
واللغة الأكدية بهذا المفهوم الواسع هذا تمثل الفرع الشمالي الشرقي من عائلة اللغات الجزرية ، وتضم هذه العائلة اللغوية مجموعة كبيرة من اللغات المهمة التي انتشرت وسادت معظم أنحاء الشرق الأدنى القديم منذ أقدم عصوره التاريخية وحتى الآن وهي اللغة الأكدية ، بلهجاتها ( البابلية والآشورية المختلفة ) ، واللغة الكنعانية بلهجاتها ، واللغة الآرامية بلهجاتها ، واللغة العربية الشمالية والجنوبية ، ويكاد يجمع الباحثون على أن الموطن الأول للأقوام التي تكلمت بهذه اللغات هي شبه الجزيرة العربية التي شهدت في عصور سحيقة في القدم استخدام ( اللغة الأم ) ومن ثم بدأت هجرات الأقوام العربية القديمة إلى خارج حدود شبه الجزيرة العربية . وكان من بين تلك الهجرات هجرة الأقوام الأكدية والبابلية ( الأمورية ) والآشورية إلى وادي الرافدين(9) ، وقد تميزت لغات هذه العائلة اللغوية بجملة خصائص مشتركة منها(10) :-
1- أن هذه اللغات تعتمد اعتماداً كبيراً على الأصوات الصامتة ( الصحيحة ) لا على الأصوات المتحركة ( العلة ) ، أي أن المعنى الرئيس للكلمة يرتبط بالأصوات الصامتة فيها ، أما الأصوات المتحركة فهي لا تعبر في الكلمة إلا عن تحوير هذا المعنى وتعديله .
2- تزخر هذه المجموعة من اللغات بالأصوات الحلقية كالعين والحاء والهاء والأصوات المضخمة كالصاد والطاء .
3- ترجع معظم المفردات اللغوية إلى أصل أو جذر ثلاثي ، وهناك بعض المفردات ذات أصول ثنائية .
4- ليس في هذه اللغات إلا جنسان هما المذكر والمؤنث .
5- هناك ظاهرة غريبة من حيث العلاقة العكسية بين العدد والمعدود من الثلاثة إلى العشرة ، أي يذكر العدد إذا كان المعدود مؤنث ، ويؤنث العدد إذا كان المعدود مذكر.
ومع هذه الخصائص المشتركة بين أفراد اللغات الجزرية هناك اختلافات فرعية أملتها كل لغة من هذه اللغات والتأثيرات التي تعرضت لها والحياة التي عاشتها .
رابعاً – تاريخ اللغة الأكدية :-
تشير الدلائل الأثرية والنصوص المسمارية إلى أن الأقوام كانت قد سكنت القسم الأوسط والجنوبي من العراق منذ أقدم العصور التاريخية المعروفة وربما منذ أواخر عصور ما قبل التاريخ ، غير أنها لم تتمكن من السيطرة على زمام الحكم والسلطة السياسية حتى القرن الرابع والعشرين قبل الميلاد . ومن هذه الدلائل أن أسماء العديد من حكام وملوك المدن السومرية في عصور فجر السلالات إلى قيام الدولة الأكدية وردت بصياغة أكدية(11) ، ومنذ قيام الدولة الأكدية ، دخلت اللغة الأكدية طوراً جديداً حيث بدأ استخدامها في تدوين النصوص التاريخية والمعاملات اليومية وغدت لغة الدولة الرسمية إلى جانب اللغة السومرية ثم أخذت تحل محل اللغة السومرية شيئاً فشيئاً غير أنها لم تقض عليها بل ظلت اللغة السومرية مستخدمة في النصوص الأدبية والعلمية والدينية إلى أواخر أدوار الحضارة العراقية القديمة(12) .
وكان الاحتكاك بين اللغتين السومرية والأكدية ، وكلتاهما تحتل مكانة وأهمية في نفوس العراقيين القدماء ، فإلى جانب تأثر كل من هاتين اللغتين بالأخرى تأثيراً واضحاً من حيث استخدام المفردات والمصطلحات الفنية والقانونية ومن حيث أساليب التعبير بل وحتى القواعد النحوية ، فقد كان لهذا الصراع أثره في تحفيز الكتبة الذين استخدموا اللغة السومرية أو اللغة الأكدية على حد سواء أو الكتبة الذين عكفوا على استنساخ النصوص القديمة إلى تأليف قوائم أو جداول لتعليم المبتدئين العلامات المسمارية المختلفة وقيمتها الصوتية ومعانيها الرمزية في كل من اللغتين السومرية والأكدية(13) ، وكانت تلك القوائم والجداول التي تطورت فيما بعد لتسجيل مفردات لغوية سومرية إلى جانب معانيها باللغة الأكدية أو مصطلحات لغوية فنية أو قانونية أو جمل وعبارات سومرية وإلى جانبها معانيها باللغة الأكدية أولى المحاولات في تأليف المعاجم اللغوية ، وقد أفادت هذه المحاولات الباحثين المحدثين كثيراً في فهم ومعرفة ما غمض عليهم من مفردات اللغة السومرية أو الأكدية(14) .
وعلى الرغم من سقوط الدولة الأكدية وسيطرة الأقوام الجوتية الغازية على بلاد أكد وتسلمها زمام الحكم لفترة تزيد عن مائة سنة ، إلا أن اللغة الأكدية ظلت اللغة المستخدمة إلى جانب اللغة السومرية في المعاملات الرسمية والخاصة ، ولم يؤثر على اللغة الأكدية غزو القبائل الجوتية التي لابد أن تكلمت لغة أجنبية غريبة في بداية أمرها إلا أنها ما لبثت أن استخدمت اللغة الأكدية حتى أن أسماء العديد من الملوك الجوتيين جاءت بصيغ أكدية ، وتشير الرقم الطينية التي ترقى بتاريخها إلى عهد سلالة أور الثالثة التي قامت في أعقاب طرد الأقوام الجوتية من بلاد أكد ، إلى انتعاش اللغة السومرية على حساب اللغة الأكدية نظراً لأن حكام سلالة أور الثالثة كانوا من الأقوام السومرية فدونت لذلك معظم نصوصهم الملكية باللغة السومرية . ومع ذلك ظلت اللغة الأكدية تحتفظ بمكانة بارزة إلى درجة أن ثلاثة من حكام هذه السلالة السومرية كانوا يحملون أسماء ذات صيغ أكدية(15) .
وبتدفق الأقوام الأمورية نحو بلاد بابل - وهي من الأقوام الجزرية القديمة التي قدمت لبلاد بابل – اتسع نطاق استخدام اللغة الأكدية حيث هذه الأقوام التي انتشرت في العراق في أعقاب سقوط سلالة أور الثالثة وأسست لها عدداً من الدويلات والممالك المهمة التي انضمت تحت حكم سلالة بابل الأولى في عهد ملكها الشهير حمورابي ولم تستخدم لغتها الأمورية التي تنتمي هي الأخرى إلى عائلة اللغات الجزرية ، بل استخدمت اللغة الأكدية بلهجتها البابلية القديمة في جميع المكاتبات والمعاملات الرسمية والشخصية وإن المعلومات عن اللغة الأمورية مستمدة من بعض المفردات والمصطلحات والصيغ اللغوية التي دخلت اللهجة البابلية القديمة ، لاسيما في منطقة ماري ( تل الحريري ) ، وفي أعقاب سقوط سلالة بابل الأولى على يد الكشيين ، فقد شاع استخدام اللغة الأكدية خلال حكم السلالة الكشية ، الذي استمر أكثر من أربعة قرون(16) .
وفي بلاد آشور ، استخدمت اللغة الأكدية منذ أقدم العصور التاريخية ، وقد تميزت اللهجات التي انتشرت في بلاد آشور بخصائص معينة . وظلت اللغة الأكدية بلهجتها البابلية الحديثة والمتأخرة ( الكلدية ) ، تستخدم في عهد الدولة البابلية الحديثة ( 626 – 539 ق.م ) ، غير أنه بدأ تأثير اللغة الآرامية يزداد شيئاً فشيئاً إلى أن وصل انتشار استخدام اللغة الآرامية في بلاد بابل وآشور أن قضى على اللغة الأكدية وتلاشى استخدامها وحلت محلها اللغة الآرامية بخطها الأبجدي البسيط مقارنة مع الكتابة المسمارية المعقدة(17) .
وعلى الرغم من وقوع بلاد بابل وآشور لفترة طويلة من الزمن تحت الحكم الأجنبي الفارسي الأخميني ثم المقدوني والسلوقي فالفرثي فالساساني ، وانتشار اللغة الفارسية في فترة الاحتلال الفارسي واليوناني فترة الاحتلال السلوقي ولاسيما في أوساط النخبة الحاكمة والمتنفذة ، إلى أن اللغة الأكدية ظلت تستخدم ولكن في نطاق محدود حيث استخدمت في تدوين بعض النصوص الدينية والعلمية والفلكية والرياضية ، وظلت كذلك حتى أواخر القرن الأول الميلادي حتى بطل استخدامها واستخدام الكتابة المسمارية نهائياً ودخلت طي النسيان لمئات من السنين إلى أن تم الكشف عنها ثانية في العصر الحاضر(18) .
خامساً – اللهجات الأكدية :-
من المعروف أن اللغة الأكدية تعرضت إلى العديد من المؤثرات الداخلية والخارجية كما أنها خاضت صراعاً عنيفاً مع عدد من اللغات المحلية ، كاللغة السومرية ، واللغات الأجنبية ، كلغة الأقوام الكشية والخورية والفارسية واليونانية والآرامية وغيرها . ومن البديهي أن تأثرت اللغة الأكدية بهذه المؤثرات وكانت نسبة التأثير ونوعه تختلف من منطقة إلى أخرى ومن فترة زمنية إلى أخرى . ولم يقتصر هذا التأثير على دخول مفردات لغوية جديدة إلى اللغة الأكدية ولكن تعداه إلى الأساليب النحوية وأساليب نطق بعض الأصوات والحركات ونسبة المحافظة على القواعد النحوية واتباع أساليب وقواعد معينة وغير ذلك من التأثيرات . وكان من نتائج ذلك أن أمكن تمييز عدد من اللهجات الأكدية مختلفة عن بعضها البعض في صيغتها المدونة(19) .
1- اللهجة الأكدية القديمة :-
وهي أقدم اللهجات الأكدية المدونة ، وعنها تفرعت جميع اللهجات الأخرى في الفترات الزمنية التالية ، استخدمت اللهجة الأكدية من قبل الأقوام الأكدية نفسها منذ قدومها العراق حتى سلالة أور الثالثة في أواخر اللف الثالث قبل الميلاد . ويمكن التمييز بين لهجة نصوص ما قبل العصر السرجوني ولهجة النصوص التي ترقى بتاريخها إلى الفترة التالية من ذلك حتى نهاية سلالة أور الثالثة . وتظهر على هذه اللهجة التأثيرات السومرية بشكل واضح جداً بل أن النصوص الأكدية من هذه الفترة الزمنية مليئة بمفردات ومصطلحات سومرية . ومنذ أواخر عهد سلالة أور الثالثة ، تبدأ علامات الافتراق عن اللهجات التي استخدمت في القسم الشمالي من العراق أي بلاد بابل واللهجات التي استخدمت في القسم الشمالي من العراق ، أي بلاد آشور بالظهور . وقد عُرفت المجموعة الأولى من اللهجات باللهجات البابلية في حين أطلق على المجموعة الثانية اسم اللهجات الآشورية .
اللهجات البابلية :-
أ ) البابلية القديمة :-
وهي لهجة بلاد بابل خلال العهد البابلي القديم ، وهي الفترة التي تميزت بتدفق الأقوام الأمورية وسيطرتها على الحكم في العراق وتأسيسها عدد من الدويلات والممالك التي انتهت بتوحيدها في دولة واحدة على رأسها الملك حمورابي . لذلك كانت لهجة هذه الفترة متأثرة باللهجة الأمورية التي لم تستخدم للتدوين . وقد كشفت التنقيبات الأثرية عن عشرات الألوف من النصوص المسمارية الأكدية المعروفة باللهجة البابلية القديمة منها ما هو غاية في الأهمية ، كقوانين حمورابي وقانون أشنونا ، وبعض النصوص القانونية والأدبية والدينية والاقتصادية والرياضية .
ومن الجدير بالإشارة أن العلماء المختصين يعدون اللهجة البابلية القديمة بمثابة اللهجة الكلاسيكية نظراً لمحافظتها على معظم الصيغ والأشكال النحوية الصحيحة ومنها محافظتها على حركات الإعراب .
ب ) البابلية الوسيطة :-
أطلق الباحثون على لهجة بلاد بابل خلال فترة حكم السلالة الكشية - القرن السادس عشر وحتى القرن الثاني عشر قبل الميلاد – اسم اللهجة البابلية الوسيطة وقد تضاءل في أواخر هذه الفترة استخدام حركات الإعراب وطرأت عليه بعض التغيرات الجديدة نتيجة استخدامها من قبل الأقوام الكشية الغريبة .
وقد نشطت حركات التأليف والاستنساخ في هذه الفترة ووصل إلينا العديد من النصوص الأدبية المستنسخة عن نصوص أقدم مثل ملحمة جلجامش إلى جانب النصوص الطبية والفلكية والكتابات الخاصة بالتنجيم والمعاجم ، يتضمن بعضها بعض المفردات الكشية وما يقابلها باللغة الأكدية .
ج ) البابلية الحديثة :-
تتمثل اللهجة البابلية الحديثة بالنصوص الأكدية التي ترقى بتاريخها إلى الفترة ما بين ( 1000 ق.م ) وحتى سقوط الدولة الآشورية في حدود ( 600 ق.م ) والمكتشفة في بلاد بابل وتحمل هذه النصوص تأثيرات آرامية واضحة وتتميز بفقدان حركات الإعراب .
د ) البابلية المتأخرة :-
وهي اللهجة التي استخدمت في بلاد بابل خلال العصر البابلي الحديث ( 626 ق.م ) وحتى زوال استخدام اللغة الأكدية في بلاد بابل وآشور في حدود التاريخ الميلادي .
وفي هذه الفترة كانت اللغة الآرامية آخذة بالانتشار كما كان حال الخط الآرامي الأبجدي ذي الرموز القليلة والبسيطة مقارنة مع العلامات المسمارية الكثيرة والمعقدة على الرغم من محاولات كهنة بلاد بابل اليائسة في المحافظة على اللهجة البابلية وتقليد الأساليب القديمة إلا أن اللغة الأكدية كانت في طريقها للزوال .
اللهجة الآشورية :-
انتشر استخدام اللغة الأكدية في بلاد آشور منذ الألف الثالث قبل الميلاد ، غير أنها تميزت ببعض الخصائص التي اكتسبتها في بلاد آشور نتيجة تعرضها لمؤثرات داخلية وخارجية تختلف عن تلك التي تعرضت لها في بلاد بابل . ويميز الباحثون ثلاث لهجات آشورية رئيسة استخدمت في بلاد آشور في ثلاث مراحل زمنية وهي:-
أ ) الآشورية القديمة :-
وتتمثل هذه اللهجة بنصوص الفترة ( 2000 – 1600 ق.م ) ، وعدد هذه النصوص قليل ومعظمها نصوص ملكية اكتشفت في بلاد آشور الأصلية إضافة إلى الرسائل والوثائق الرسمية الكثيرة المكتشفة في المراكز التجارية الآشورية في منطقة كبدوكيا في آسيا الصغرى . وبديهي أن هناك بعض الاختلافات بين لهجة النصوص المكتشفة في بلاد آشور نفسها وتلك المكتشفة في منطقة كبدوكيا
ب ) الآشورية الوسيطة :-
وتمثلها النصوص الأكدية التي تعود إلى النصف الثاني من الألف الثاني قبل الميلاد . ومن هذه النصوص القوانين الآشورية الوسيطة المكتشفة في مدينة آشور والعديد من النصوص القانونية الأخرى وبعض الرسائل والنصوص الأدبية والملكية ومعظم النصوص الأدبية والملكية تحمل تأثيرات بابلية .
ج ) الآشورية الحديثة :-
لقد وصلت أعداد كبيرة جداً من النصوص المدونة باللهجة الآشورية الحديثة منها ما هو غاية في الأهمية التاريخية ، كالمراسلات الملكية والمعاهدات والاتفاقيات والرسائل الشخصية المكتشفة في العواصم الآشورية ولاسيما مدينة نينوى ونمرود ومنها الوثائق الاقتصادية والقانونية . وفي أواخر هذه الفترة تظهر على اللهجة تأثيرات آرامية قوية جداً .
الــمــراجــع :-
1- طه باقر ، مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة ، ج 1 ، بغداد - 1973 ، ص 352 .
2 – أنطوان مورتكات ، تاريخ الشرق الأدنى القديم ، تعريب توفيق سليمان وآخرون ، دمشق – 1967 ، ص ص 83 – 84 .
3- طه باقر ، المرجع السابق ، ص 64 .
4- عامر سليمان ، اللغة الأكدية " البابلية والآشورية " تاريخها وتدوينها وقواعدها ، الموصل – 1991 ، ص ص 64 – 66 .
5- عامر سليمان ، " التاريخ اللغوي " ، حضارة العراق ، ج 1 ، بغداد – 1985 ، ص 285 .
6- عامر سليمان ، المرجع نفسه ، ص 285 .
7- عامر سليمان ، المرجع نفسه ، ص 285 .
8- فاضل عبد الواحد علي ، من ألواح سومر إلى التوراة ، بغداد – 1989 ، ص 19 .
9- طه باقر ،مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة ، المرجع السابق ، ص ص 66 – 67 .
10- عامر سليمان ، حضارة العراق ، المرجع السابق ، ص 287 .
11- عامر سليمان وأحمد مالك الفتيان ، محاضرات في التاريخ القديم ، بغداد – 1985 ، ص 108 .
12- عامر سليمان ، اللغة الأكدية ، المرجع السابق ، ص 38 .
13- عامر سليمان ، المرجع نفسه ، ص 38 .
14- عامر سليمان ، المرجع نفسه ، ص 38 .
15- عامر سليمان وأحمد مالك الفتيان ، محاضرات في التاريخ القديم ، المرجع السابق ، ص 108 .
16- عامر سليمان ، حضارة العراق ، المرجع السابق ، ص ص 290 – 291 .
17- طه باقر ،مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة ، المرجع السابق ، ص ص 119 – 120 .
18- طه باقر ، المرجع نفسه ، 120 .
19- عن هذه اللهجات يُنظر :-
طه باقر ، المرجع السابق ، ص 69 . ؛
عامر سليمان ، اللغة الأكدية ، المرجع السابق ، ص ص 46 – 52 . ؛
عامر سليمان ، حضارة العراق ، المرجع السابق ، ص ص 295 – 299 .
المصدر : منشد مطلق المنشداوي