العراق عبر العصور
تأليف : طارق فتحي
الباب الاول
الامام أبو حنيفة النعمان
أبو
حنيفة أو أبو حنيفة النعمان أو النعمان بن ثابت بن النعمان المولود سنة
(80 هـ/699م) بالكوفة. والتي كانت آنذاك حاضرة من حواضر العلم، تموج بحلقات
الفقه والحديث والقراءات واللغة والعلوم، وتمتلئ مساجدها بشيوخ العلم
وأئمته، وفي هذه المدينة قضى النعمان معظم حياته متعلماً وعالماً،
وتردد
في صباه الباكر بعد أن حفظ القرآن على هذه الحلقات، لكنه كان منصرفاً إلى
مهنة التجارة مع أبيه، فلما رآه عامر الشعبي الفقيه الكبير ولمح ما فيه من
مخايل الذكاء ورجاحة العقل أوصاه بمجالسة العلماء والنظر في العلم، فاستجاب
لرغبته وانصرف بهمته إلى حلقات الدرس، فروى الحديث ودرس اللغة والأدب،
وكان
من كثرة اهتمامهِ بأن لا يضيع عنه ما يتلقاه من العلم يقضي الوقت في
الطواف على المجالس حاملاً أوراقه وقلمه، واتجه إلى دراسة علم الكلام حتى
برع فيه براعة عظيمة مكّنته من مجادلة أصحاب الفرق المختلفة ومحاجّاتهم في
بعض مسائل العقيدة، ثم انصرف إلى الفقه ولزم دروس الفقه عند حماد بن أبي
سليمان. اشتهر بورعه، وكان تاجراً مشهوراً بالصدقِ والأمانة والوفاء.
شيوخه
بلغ
عدد شيوخ أبي حنيفة رحمه الله أربعة آلاف شيخ، فيهم سبعة من الصحابة،
وثلاثة وتسعون من التابعين، والباقي من أتباعهم وأبرزهم : حماد بن أبي
سليمان جاء في "المغني": هو أبو إسماعيل، كوفي يُعدّ تابعيًا سمع أنسًا
والنخعي وكان أعلمهم برأي النخعي، روى عنه أبو حنيفة رحمه الله ألفي حديث
من أحاديث الأحكام، وأكثر من ثلث أحاديث الإمام في مسنده الذي جمعه
الحَصْكَفي،
هي برواية الإمام عنه عن إبراهيم بن أبي موسى الأشعري، عن
الأسود عن عائشة رضي الله عنهم. من شيوخه رحمه الله أيضًا: إبراهيم بن محمد
المنتشر الكوفي، وإبراهيم بن يزيد النخعي الكوفي، وأيوب السختياني البصري،
والحارث بن عبد الرحمن الهمذاني الكوفي وربيعة بن عبد الرحمن المدني
المعروف بربيعة الرأي، وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
أحد الفقهاء السبعة، وسعيد بن مسروق والد سفيان الثوري، وسليمان بن يسار
الهلالي المدني وعاصم بن كليب بن شهاب الكوفي... وغيرهم الكثير.
وذكرت
بعض الأخبار أنه تتلمذ على جعفر بن محمد لمدة سنتين ولكن هذا مخالف
للحقائق التاريخية الثابتة حيث لم يلتقي الإمام أبو حنيفة بجعفر بن محمد
لأن أبا حنيفة عاش في الكوفة بينما عاش جعفر بن محمد في المدينة . كما أن
الثابت تاريخيا هو تتلمذ جعفر بن محمد على تلاميذ أبي حنيفة حيث تعلم منهم
تشريع ( القياس ) وطبقه في أحكامه الفقهية .
رئاسة حلقة الفقه
وبعد
موت شيخه حماد بن أبي سليمان آلت رياسة حلقة الفقه إلى أبي حنيفة، وهو في
الأربعين من عمره، والتفّ حوله تلاميذه ينهلون من علمه وفقهه، وكانت له
طريقة مبتكرة في حل المسائل والقضايا التي كانت تُطرح في حلقته؛ فلم يكن
يعمد هو إلى حلها مباشرة، وإنما كان يطرحها على تلاميذه، ليدلي كل منهم
برأيه، ويعضّد ما يقول بدليل، ثم يعقّب هو على رأيهم، ويصوّب ما يراه
صائبا، حتى تُقتل القضية بحثاً، ويجتمع أبو حنيفة وتلاميذه على رأي واحد
يقررونه جميعا.
وكان أبو حنيفة يتعهد تلاميذه بالرعاية، وينفق على بعضهم
من مالهِ، مثلما فعل مع تلميذه أبي يوسف حين تكفّله بالعيش لما رأى ضرورات
الحياة تصرفه عن طلب العلم، وأمده بماله حتى يفرغ تماما للدراسة، يقول أبو
يوسف المتوفى سنة (182هـ = 797م): "وكان يعولني وعيالي عشرين سنة، وإذا
قلت له: ما رأيت أجود منك، يقول: كيف لو رأيت حماداً –يقصد شيخه- ما رأيت
أجمع للخصال المحمودة منه".
وكان مع اشتغاله يعمل بالتجارة، حيث كان له
محل في الكوفة لبيع الخزّ (الحرير)، يقوم عليه شريك له، فأعانه ذلك على
الاستمرار في خدمة العلم، والتفرغ للفقه.
أصول مذهبه
نشأ مذهب أبي
حنيفة في الكوفة مهد مدرسة الرأي، وتكونت أصول المذهب على يديه، وأجملها هو
في قوله: "إني آخذ بكتاب الله إذا وجدته، فما لم أجده فيه أخذت بسنة رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فإذا لم أجد فيها أخذت بقول أصحابه من شئت، وادع
قول من شئت، ثم لا أخرج من قولهم إلى قول غيرهم، فإذا انتهى الأمر إلى
إبراهيم، والشعبي والحسن وابن سيرين وسعيد بن المسيب فلي أن أجتهد كما
اجتهدوا".
وهذا القدر من أصول التشريع لا يختلف فيه أبو حنيفة عن
غيره من الأئمة، فهم يتفقون جميعا على وجوب الرجوع إلى الكتاب والسنة
لاستنباط الأحكام منهما، غير أن أبا حنيفة تميّز بمنهج مستقل في الاجتهاد،
وطريقة خاصة في استنباط الأحكام التي لا تقف عند ظاهر النصوص،
بل
تغوص إلى المعاني التي تشير إليها، وتتعمق في مقاصدها وغاياتها.
ولا يعني اشتهار أبي حنيفة بالقول بالرأي والإكثار من القياس أنه يهمل
الأخذ بالأحاديث والآثار، أو أنه قليل البضاعة فيها، بل كان يشترط في قبول
الحديث شروطاً متشددة؛ مبالغة في التحري والضبط، والتأكد من صحة نسبتها إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم،وهذا التشدد في قبول الحديث هو ما حملهُ على
التوسع في تفسير ما صح عنده منها، والإكثار من القياس عليها حتى يواجه
النوازل والمشكلات المتجددة.
ولم يقف اجتهاد أبي حنيفة عند المسائل التي
تعرض عليه أو التي تحدث فقط، بل كان يفترض المسائل التي لم تقع ويقلّبها
على جميع وجوهها ثم يستنبط لها أحكاماً، وهو ما يسمى بالفقه التقديري وفرص
المسائل، وهذا النوع من الفقه يقال إن أبا حنيفة هو أول من استحدثه، وقد
أكثر منه لإكثاره استعمال القياس، روي أنه وضع ستين ألف مسألة من هذا
النوع.
تلاميذ أبي حنيفة
لم يؤثر عن أبي حنيفة أنه كتب كتاباً في
الفقه يجمع آراءه وفتاواه، وهذا لا ينفي أنه كان يملي ذلك على تلاميذه، ثم
يراجعه بعد إتمام كتابته، ليقر منه ما يراه صالحاً أو يحذف ما دون ذلك، أو
يغيّر ما يحتاج إلى تغيير، ولكن مذهبه بقي وانتشر ولم يندثر كما أندثرت
مذاهب كثيرة لفقهاء سبقوه أو عاصروه .
وذلك بفضل تلاميذهِ الموهوبين
الذين دونوا المذهب وحفظوا كثيرا من آراء إمامهم بأقواله وكان أشهر هؤلاء :
أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري المتوفي عام (183هـ/799م) ، ومحمد بن
الحسن الشيباني المتوفي في عام(189هـ/805م)، وزفر بن الهذيل، وهم الذين
قعدوا القواعد وأصلوا الأصول في المذهب الحنفي.
ولقد قضى الإمام أبو
حنيفة عمرهُ في التعليم والتدريس ولقد تخرج عليه الكثير من الفقهاء
والعلماء، ومنهم ولدهُ حماد ابن ابي حنيفة، وإبراهيم بن طهمان، وحمزة بن
حبيب الزيات، وأبو يحيى الحماني، وعيسى بن يونس، ووكيع، ويزيد بن زريع،
وأسد بن عمرو البجلي، وحكام بن يعلى بن سلم الرازي، وخارجن بن مصعب، وعبد
الحميد ابن أبي داود، وعلي بن مسهر، ومحمد بن بشر العبدي، ومصعب بن مقدام،
ويحيى بن يمان، وابو عصمة نوح بن أبي مريم، وأبو عبد الرحمن المقريء، وأبو
نعيم وأبو عاصم، وغيرهم كثير.
تدوين المذهب
وصلت إلينا
كتب محمد بن الحسن الشيباني كاملة، وكان منها ما أطلق عليه العلماء كتب
ظاهر الرواية، وهي كتب المبسوط والزيادات، والجامع الكبير والجامع الصغير،
والسير الكبير والسير الصغير، وسميت بكتب ظاهر الرواية؛ لأنها رويت عن
الثقات من تلاميذه، فهي ثابتة عنه إما بالتواتر أو بالشهرة.
وقد جمع أبو
الفضل المروزي المعروف بالحاكم الشهيد المتوفى سنة (344هـ/955م) كتب ظاهر
الرواية بعد حذف المكرر منها في كتاب أطلق عليه "الكافي"، ثم قام بشرحه شمس
الأئمة السرخسي المتوفى سنة (483هـ/1090م) في كتابه "المبسوط"، وهو مطبوع
في ثلاثين جزءاً، ويعد من أهم كتب الحنفية الناقلة لأقوال أئمة المذهب، بما
يضمه من أصول المسائل وأدلتها وأوجه القياس فيها.
انتشار المذهب
انتشر
مذهب أبي حنيفة في البلاد منذ أن مكّن له أبو يوسف بعد تولّيه منصب قاضي
القضاة في الدولة العباسية، وكان المذهب الرسمي لها، كما كان مذهب السلاجقة
والدولة الغزنوية ثم الدولة العثمانية ، وهو الآن شائع في أكثر البقاع
الإسلامية، ويتركز وجوده في مصر والشام والعراق وأفغانستان وباكستان والهند
والصين وتركيا والسعودية.
وفاة أبي حنيفة
مد الله في عمر أبي حنيفة،
وهيأ له من التلاميذ النابهين من حملوا مذهبه ومكنوا له، وحسبه أن يكون من
بين تلاميذه أبو يوسف، ومحمد بن الحسن، وزفر، والحسن بن زياد، وأقر له
معاصروه بالسبق والتقدم، قال عنه النضر بن شميل: "كان الناس نياماً عن
الفقه حتى أيقظهم أبو حنيفة بما فتقه وبيّنه"، وبلغ من سمو منزلته في الفقه
ان قال فيهِ الإمام الشافعي : "الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة".
كما
كان ورعاً شديد الخوف والوجل من الله، وتمتلئ كتب التاريخ والتراجم بما
يشهد له بذلك، ولعل من أبلغ ما قيل عنه ما وصفه به العالم الزاهد فضيل بن
عياض بقوله: "كان أبو حنيفة رجلاً فقيهاً معروفاً بالفقه، مشهورا بالورع،
واسع المال، معروفا بالأفضال على كل من يطيف به، صبورا عل تعليم العلم
بالليل والنهار، حسن الليل، كثير الصمت، قليل الكلام حتى ترد مسألة في حلال
أو حرام، فكان يحسن أن يدل على الحق، هاربا من مال السلطان".
وتوفي
أبو حنيفة في بغداد بعد أن ملأ الدنيا علماً وشغل الناس في (11 من جمادى
الأولى 150هـ/14 من يونيو 767م) ويقع قبره في مدينة بغداد بمنطقة الأعظمية
في مقبرة الخيزران على الجانب الشرقي من نهر دجلة.
مظاهر القدوة في شخصية أبي حنيفة هو احترامه وتقديره لمن علمه الفقه :
فقد
ورد عن ابن سماعة، أنه قال: سمعت أبا حنيفة يقول: ما صليت صلاة مُذ مات
حماد إلا استغفرت له مع والدي، وإني لأستغفر لمن تعلمت منه علماً، أو علمته
علما
سخاؤه في إنفاقه على الطلاب والمحتاجين وحسن تعامله معهم،
وتعاهدهم مما غرس محبته في قلوبهم حتى نشروا أقواله وفقهه، ولك أن تتخيل
ملايين الدعوات له بالرحمة عند ذكره في دروس العلم في كل أرض. ومن عجائب ما
ورد عنه أنه كان يبعث بالبضائع إلى بغداد،
يشتري بها الأمتعة، ويحملها
إلى الكوفة، ويجمع الأرباح عنده من سنة إلى سنة، فيشتري بها حوائج الأشياخ
المحدثين وأقواتهم، وكسوتهم، وجميع حوائجهم، ثم يدفع باقي الدنانير من
الأرباح إليهم، فيقول: أنفقوا في حوائجكم، ولا تحمدوا إلا؛ فإني ما أعطيتكم
من مالي شيئا، ولكن من فضل الله عليَّ فيكم، وهذه أرباح بضاعتكم؛ فإنه هو
والله مما يجريه الله لكم على يدي فما في رزق الله حول لغيره.
سؤاله عن
أحوال أصحابه وغيرهم من الناس، وحدث حجر بن عبد الجبار، قال: ما أرى الناس
أكرم مجالسة من أبي حنيفة، ولا أكثر إكراماً لأصحابه. وقال حفص بن حمزة
القرشي: كان أبو حنيفة ربما مر به الرجل فيجلس إليه لغير قصد ولا مجالسة،
فإذا قام سأل عنه، فإن كانت به فاقة وصله، وإن مرض عاده.
حرصه على هيبة العلم في مجالسه؛ فقد ورد عن شريك قال كان أبو حنيفة طويل الصمت كثير العقل.
الاهتمام
بالمظهر والهيئة بما يضفي عليه المهابة، فقد جاء عن حماد بن أبي حنيفة أنه
قال: كان أبي جميلا تعلوه سمرة حسن الهيئة، كثير التعطر هيوباً لا يتكلم
إلا جواباً ولا يخوض فيما لا يعنيه. وعن عبد الله ابن المبارك قال: ما رأيت
رجلا أوقر في مجلسه ولا أحسن سمتاً وحلماً من أبي حنيفة.
كثرة عبادته وتنسكه.
فقد
قال أبو عاصم النبيل كان أبو حنيفة يسمى الوتد لكثرة صلاته، واشتهر عنه
أنه كان يحيى الليل صلاة ودعاء وتضرعا. وذكروا أن أبا حنيفة صلى العشاء
والصبح بوضوء أربعين سنة.
وروى بشر بن الوليد عن القاضي أبي يوسف
قال بينما أنا أمشي مع أبي حنيفة إذ سمعت رجلاً يقول لآخر هذا أبو حنيفة لا
ينام الليل فقال أبو حنفية والله لا يتحدث عني بما لم أفعل فكان يحيى
الليل صلاة وتضرعا ودعاء، ومثل هذه الروايات عن الأئمة موجودة بكثرة،
والتشكيك في ثبوتها له وجه، لاشتهار النهي عن إحياء الليل كله، وأبو حنيفة
قد ملأ نهاره بالتعليم مع معالجة تجارته، فيبعد أن يواصل الليل كله. ولكن
عبادة أبي حنيفة وطول قراءته أمر لا ينكر، بل هو مشهور عنه، فقد روي من
وجهين أن أبا حنيفة قرأ القرآن كلهُ في ركعة.
شدة خوفه من الله :
فقد
روى لنا القاسم بن معن أن أبا حنيفة قام ليلة يردد قول الله في القرآن:
(بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ) سورة
القمر، آية 46، ويبكي ويتضرع إلى الفجر.
شدة ورعه :
وخصوصا في الأمور
المالية، فقد جاء عنه أنه كان شريكاً لحفص بن عبد الرحمن، وكان أبو حنيفة
يُجهز إليه الأمتعة، وهو يبيع، فبعث إليه في رقعة بمتاع، وأعلمه أن في ثوب
كذا وكذا عيباً، فإذا بعته، فبين. فباع حفص المتاع، ونسى أن يبين، ولم يعلم
ممن باعه، فلما علم أبو حنيفة تصدق بثمن المتاع كله.
تربيته لنفسه على
الفضائل كالصدقة، فقد ورد عن المثنى بن رجاء أنه قال جعل أبو حنيفة على
نفسه إن حلف بالله صادقا أن يتصدق بدينار وكان إذا أنفق على عياله نفقة
تصدق بمثلها. وكان حليما صبورا، وله حلم عجيب مع العوام .
مؤلفاته :
لم يعرف وقت الامام بكثرة التدوين واكثر علمه
نقل من طلابه , و عرف للإمام بعض المؤلفات في الفقه الإسلامي منها :
الفقه الأكبر، برواية حماد بن أبي حنيفة
الفقه الأكبر، برواية أبي مطيع البلخي
العالم والمتعلم، برواية أبي مقاتل السمرقندي
رسالة الإمام أبي حنيفة إلى عثمان البتي
الوصية، برواية أبي يوسف
وهناك
مؤلفات نسبت إليه مثل: (المقصود في الصرف)، نسب إلى أبي حنيفة في زمن
متأخر كما ذكر فؤاد سزكين كتاب (الحيل) ذكره الخطيب في تاريخ بغداد، وهناك
مؤلفات كثيرة أوردها سزكين إلا أنها لم تشتهر كما اشتهرت الكتب الخمسة
السابقة، وقد قام الدكتور محمد الخميِّس بدراستها من خلال رجال إسنادها،
وخلص إلى ما يلي: "أن هذه الكتب من ناحية الرواية ووفق منهج المحدثين في
النقد لا تثبت للإمام أبي حنيفة"، ومما قال: "ولم أقف على رواية صحيحة أو
نسخ معتمدة حتى نقطع أنها للإمام أبي حنيفة،
ولاسيما وقد صرح بعض
الحنفية كالزَّبِيدي، وأبي الخير الحنفي، بأن هذه الكتب ليست من تأليف
الإمام مباشرة بل هي أماليه وأقواله التي قام تلاميذه بجمعها وتأليفها(.
ولعل من أهم ما يذكر للإمام أبي حنيفة من تأليف كتاب (الآثار) والذي يرويه
صاحباه أبو يوسف ومحمد بن الحسن، وهو مطبوع بالروايتين، وهو أوثق كتاب في
روايات أبي حنيفة.
تأليف : طارق فتحي
الباب الاول
الامام أبو حنيفة النعمان
أبو
حنيفة أو أبو حنيفة النعمان أو النعمان بن ثابت بن النعمان المولود سنة
(80 هـ/699م) بالكوفة. والتي كانت آنذاك حاضرة من حواضر العلم، تموج بحلقات
الفقه والحديث والقراءات واللغة والعلوم، وتمتلئ مساجدها بشيوخ العلم
وأئمته، وفي هذه المدينة قضى النعمان معظم حياته متعلماً وعالماً،
وتردد
في صباه الباكر بعد أن حفظ القرآن على هذه الحلقات، لكنه كان منصرفاً إلى
مهنة التجارة مع أبيه، فلما رآه عامر الشعبي الفقيه الكبير ولمح ما فيه من
مخايل الذكاء ورجاحة العقل أوصاه بمجالسة العلماء والنظر في العلم، فاستجاب
لرغبته وانصرف بهمته إلى حلقات الدرس، فروى الحديث ودرس اللغة والأدب،
وكان
من كثرة اهتمامهِ بأن لا يضيع عنه ما يتلقاه من العلم يقضي الوقت في
الطواف على المجالس حاملاً أوراقه وقلمه، واتجه إلى دراسة علم الكلام حتى
برع فيه براعة عظيمة مكّنته من مجادلة أصحاب الفرق المختلفة ومحاجّاتهم في
بعض مسائل العقيدة، ثم انصرف إلى الفقه ولزم دروس الفقه عند حماد بن أبي
سليمان. اشتهر بورعه، وكان تاجراً مشهوراً بالصدقِ والأمانة والوفاء.
شيوخه
بلغ
عدد شيوخ أبي حنيفة رحمه الله أربعة آلاف شيخ، فيهم سبعة من الصحابة،
وثلاثة وتسعون من التابعين، والباقي من أتباعهم وأبرزهم : حماد بن أبي
سليمان جاء في "المغني": هو أبو إسماعيل، كوفي يُعدّ تابعيًا سمع أنسًا
والنخعي وكان أعلمهم برأي النخعي، روى عنه أبو حنيفة رحمه الله ألفي حديث
من أحاديث الأحكام، وأكثر من ثلث أحاديث الإمام في مسنده الذي جمعه
الحَصْكَفي،
هي برواية الإمام عنه عن إبراهيم بن أبي موسى الأشعري، عن
الأسود عن عائشة رضي الله عنهم. من شيوخه رحمه الله أيضًا: إبراهيم بن محمد
المنتشر الكوفي، وإبراهيم بن يزيد النخعي الكوفي، وأيوب السختياني البصري،
والحارث بن عبد الرحمن الهمذاني الكوفي وربيعة بن عبد الرحمن المدني
المعروف بربيعة الرأي، وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
أحد الفقهاء السبعة، وسعيد بن مسروق والد سفيان الثوري، وسليمان بن يسار
الهلالي المدني وعاصم بن كليب بن شهاب الكوفي... وغيرهم الكثير.
وذكرت
بعض الأخبار أنه تتلمذ على جعفر بن محمد لمدة سنتين ولكن هذا مخالف
للحقائق التاريخية الثابتة حيث لم يلتقي الإمام أبو حنيفة بجعفر بن محمد
لأن أبا حنيفة عاش في الكوفة بينما عاش جعفر بن محمد في المدينة . كما أن
الثابت تاريخيا هو تتلمذ جعفر بن محمد على تلاميذ أبي حنيفة حيث تعلم منهم
تشريع ( القياس ) وطبقه في أحكامه الفقهية .
رئاسة حلقة الفقه
وبعد
موت شيخه حماد بن أبي سليمان آلت رياسة حلقة الفقه إلى أبي حنيفة، وهو في
الأربعين من عمره، والتفّ حوله تلاميذه ينهلون من علمه وفقهه، وكانت له
طريقة مبتكرة في حل المسائل والقضايا التي كانت تُطرح في حلقته؛ فلم يكن
يعمد هو إلى حلها مباشرة، وإنما كان يطرحها على تلاميذه، ليدلي كل منهم
برأيه، ويعضّد ما يقول بدليل، ثم يعقّب هو على رأيهم، ويصوّب ما يراه
صائبا، حتى تُقتل القضية بحثاً، ويجتمع أبو حنيفة وتلاميذه على رأي واحد
يقررونه جميعا.
وكان أبو حنيفة يتعهد تلاميذه بالرعاية، وينفق على بعضهم
من مالهِ، مثلما فعل مع تلميذه أبي يوسف حين تكفّله بالعيش لما رأى ضرورات
الحياة تصرفه عن طلب العلم، وأمده بماله حتى يفرغ تماما للدراسة، يقول أبو
يوسف المتوفى سنة (182هـ = 797م): "وكان يعولني وعيالي عشرين سنة، وإذا
قلت له: ما رأيت أجود منك، يقول: كيف لو رأيت حماداً –يقصد شيخه- ما رأيت
أجمع للخصال المحمودة منه".
وكان مع اشتغاله يعمل بالتجارة، حيث كان له
محل في الكوفة لبيع الخزّ (الحرير)، يقوم عليه شريك له، فأعانه ذلك على
الاستمرار في خدمة العلم، والتفرغ للفقه.
أصول مذهبه
نشأ مذهب أبي
حنيفة في الكوفة مهد مدرسة الرأي، وتكونت أصول المذهب على يديه، وأجملها هو
في قوله: "إني آخذ بكتاب الله إذا وجدته، فما لم أجده فيه أخذت بسنة رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فإذا لم أجد فيها أخذت بقول أصحابه من شئت، وادع
قول من شئت، ثم لا أخرج من قولهم إلى قول غيرهم، فإذا انتهى الأمر إلى
إبراهيم، والشعبي والحسن وابن سيرين وسعيد بن المسيب فلي أن أجتهد كما
اجتهدوا".
وهذا القدر من أصول التشريع لا يختلف فيه أبو حنيفة عن
غيره من الأئمة، فهم يتفقون جميعا على وجوب الرجوع إلى الكتاب والسنة
لاستنباط الأحكام منهما، غير أن أبا حنيفة تميّز بمنهج مستقل في الاجتهاد،
وطريقة خاصة في استنباط الأحكام التي لا تقف عند ظاهر النصوص،
بل
تغوص إلى المعاني التي تشير إليها، وتتعمق في مقاصدها وغاياتها.
ولا يعني اشتهار أبي حنيفة بالقول بالرأي والإكثار من القياس أنه يهمل
الأخذ بالأحاديث والآثار، أو أنه قليل البضاعة فيها، بل كان يشترط في قبول
الحديث شروطاً متشددة؛ مبالغة في التحري والضبط، والتأكد من صحة نسبتها إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم،وهذا التشدد في قبول الحديث هو ما حملهُ على
التوسع في تفسير ما صح عنده منها، والإكثار من القياس عليها حتى يواجه
النوازل والمشكلات المتجددة.
ولم يقف اجتهاد أبي حنيفة عند المسائل التي
تعرض عليه أو التي تحدث فقط، بل كان يفترض المسائل التي لم تقع ويقلّبها
على جميع وجوهها ثم يستنبط لها أحكاماً، وهو ما يسمى بالفقه التقديري وفرص
المسائل، وهذا النوع من الفقه يقال إن أبا حنيفة هو أول من استحدثه، وقد
أكثر منه لإكثاره استعمال القياس، روي أنه وضع ستين ألف مسألة من هذا
النوع.
تلاميذ أبي حنيفة
لم يؤثر عن أبي حنيفة أنه كتب كتاباً في
الفقه يجمع آراءه وفتاواه، وهذا لا ينفي أنه كان يملي ذلك على تلاميذه، ثم
يراجعه بعد إتمام كتابته، ليقر منه ما يراه صالحاً أو يحذف ما دون ذلك، أو
يغيّر ما يحتاج إلى تغيير، ولكن مذهبه بقي وانتشر ولم يندثر كما أندثرت
مذاهب كثيرة لفقهاء سبقوه أو عاصروه .
وذلك بفضل تلاميذهِ الموهوبين
الذين دونوا المذهب وحفظوا كثيرا من آراء إمامهم بأقواله وكان أشهر هؤلاء :
أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري المتوفي عام (183هـ/799م) ، ومحمد بن
الحسن الشيباني المتوفي في عام(189هـ/805م)، وزفر بن الهذيل، وهم الذين
قعدوا القواعد وأصلوا الأصول في المذهب الحنفي.
ولقد قضى الإمام أبو
حنيفة عمرهُ في التعليم والتدريس ولقد تخرج عليه الكثير من الفقهاء
والعلماء، ومنهم ولدهُ حماد ابن ابي حنيفة، وإبراهيم بن طهمان، وحمزة بن
حبيب الزيات، وأبو يحيى الحماني، وعيسى بن يونس، ووكيع، ويزيد بن زريع،
وأسد بن عمرو البجلي، وحكام بن يعلى بن سلم الرازي، وخارجن بن مصعب، وعبد
الحميد ابن أبي داود، وعلي بن مسهر، ومحمد بن بشر العبدي، ومصعب بن مقدام،
ويحيى بن يمان، وابو عصمة نوح بن أبي مريم، وأبو عبد الرحمن المقريء، وأبو
نعيم وأبو عاصم، وغيرهم كثير.
تدوين المذهب
وصلت إلينا
كتب محمد بن الحسن الشيباني كاملة، وكان منها ما أطلق عليه العلماء كتب
ظاهر الرواية، وهي كتب المبسوط والزيادات، والجامع الكبير والجامع الصغير،
والسير الكبير والسير الصغير، وسميت بكتب ظاهر الرواية؛ لأنها رويت عن
الثقات من تلاميذه، فهي ثابتة عنه إما بالتواتر أو بالشهرة.
وقد جمع أبو
الفضل المروزي المعروف بالحاكم الشهيد المتوفى سنة (344هـ/955م) كتب ظاهر
الرواية بعد حذف المكرر منها في كتاب أطلق عليه "الكافي"، ثم قام بشرحه شمس
الأئمة السرخسي المتوفى سنة (483هـ/1090م) في كتابه "المبسوط"، وهو مطبوع
في ثلاثين جزءاً، ويعد من أهم كتب الحنفية الناقلة لأقوال أئمة المذهب، بما
يضمه من أصول المسائل وأدلتها وأوجه القياس فيها.
انتشار المذهب
انتشر
مذهب أبي حنيفة في البلاد منذ أن مكّن له أبو يوسف بعد تولّيه منصب قاضي
القضاة في الدولة العباسية، وكان المذهب الرسمي لها، كما كان مذهب السلاجقة
والدولة الغزنوية ثم الدولة العثمانية ، وهو الآن شائع في أكثر البقاع
الإسلامية، ويتركز وجوده في مصر والشام والعراق وأفغانستان وباكستان والهند
والصين وتركيا والسعودية.
وفاة أبي حنيفة
مد الله في عمر أبي حنيفة،
وهيأ له من التلاميذ النابهين من حملوا مذهبه ومكنوا له، وحسبه أن يكون من
بين تلاميذه أبو يوسف، ومحمد بن الحسن، وزفر، والحسن بن زياد، وأقر له
معاصروه بالسبق والتقدم، قال عنه النضر بن شميل: "كان الناس نياماً عن
الفقه حتى أيقظهم أبو حنيفة بما فتقه وبيّنه"، وبلغ من سمو منزلته في الفقه
ان قال فيهِ الإمام الشافعي : "الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة".
كما
كان ورعاً شديد الخوف والوجل من الله، وتمتلئ كتب التاريخ والتراجم بما
يشهد له بذلك، ولعل من أبلغ ما قيل عنه ما وصفه به العالم الزاهد فضيل بن
عياض بقوله: "كان أبو حنيفة رجلاً فقيهاً معروفاً بالفقه، مشهورا بالورع،
واسع المال، معروفا بالأفضال على كل من يطيف به، صبورا عل تعليم العلم
بالليل والنهار، حسن الليل، كثير الصمت، قليل الكلام حتى ترد مسألة في حلال
أو حرام، فكان يحسن أن يدل على الحق، هاربا من مال السلطان".
وتوفي
أبو حنيفة في بغداد بعد أن ملأ الدنيا علماً وشغل الناس في (11 من جمادى
الأولى 150هـ/14 من يونيو 767م) ويقع قبره في مدينة بغداد بمنطقة الأعظمية
في مقبرة الخيزران على الجانب الشرقي من نهر دجلة.
مظاهر القدوة في شخصية أبي حنيفة هو احترامه وتقديره لمن علمه الفقه :
فقد
ورد عن ابن سماعة، أنه قال: سمعت أبا حنيفة يقول: ما صليت صلاة مُذ مات
حماد إلا استغفرت له مع والدي، وإني لأستغفر لمن تعلمت منه علماً، أو علمته
علما
سخاؤه في إنفاقه على الطلاب والمحتاجين وحسن تعامله معهم،
وتعاهدهم مما غرس محبته في قلوبهم حتى نشروا أقواله وفقهه، ولك أن تتخيل
ملايين الدعوات له بالرحمة عند ذكره في دروس العلم في كل أرض. ومن عجائب ما
ورد عنه أنه كان يبعث بالبضائع إلى بغداد،
يشتري بها الأمتعة، ويحملها
إلى الكوفة، ويجمع الأرباح عنده من سنة إلى سنة، فيشتري بها حوائج الأشياخ
المحدثين وأقواتهم، وكسوتهم، وجميع حوائجهم، ثم يدفع باقي الدنانير من
الأرباح إليهم، فيقول: أنفقوا في حوائجكم، ولا تحمدوا إلا؛ فإني ما أعطيتكم
من مالي شيئا، ولكن من فضل الله عليَّ فيكم، وهذه أرباح بضاعتكم؛ فإنه هو
والله مما يجريه الله لكم على يدي فما في رزق الله حول لغيره.
سؤاله عن
أحوال أصحابه وغيرهم من الناس، وحدث حجر بن عبد الجبار، قال: ما أرى الناس
أكرم مجالسة من أبي حنيفة، ولا أكثر إكراماً لأصحابه. وقال حفص بن حمزة
القرشي: كان أبو حنيفة ربما مر به الرجل فيجلس إليه لغير قصد ولا مجالسة،
فإذا قام سأل عنه، فإن كانت به فاقة وصله، وإن مرض عاده.
حرصه على هيبة العلم في مجالسه؛ فقد ورد عن شريك قال كان أبو حنيفة طويل الصمت كثير العقل.
الاهتمام
بالمظهر والهيئة بما يضفي عليه المهابة، فقد جاء عن حماد بن أبي حنيفة أنه
قال: كان أبي جميلا تعلوه سمرة حسن الهيئة، كثير التعطر هيوباً لا يتكلم
إلا جواباً ولا يخوض فيما لا يعنيه. وعن عبد الله ابن المبارك قال: ما رأيت
رجلا أوقر في مجلسه ولا أحسن سمتاً وحلماً من أبي حنيفة.
كثرة عبادته وتنسكه.
فقد
قال أبو عاصم النبيل كان أبو حنيفة يسمى الوتد لكثرة صلاته، واشتهر عنه
أنه كان يحيى الليل صلاة ودعاء وتضرعا. وذكروا أن أبا حنيفة صلى العشاء
والصبح بوضوء أربعين سنة.
وروى بشر بن الوليد عن القاضي أبي يوسف
قال بينما أنا أمشي مع أبي حنيفة إذ سمعت رجلاً يقول لآخر هذا أبو حنيفة لا
ينام الليل فقال أبو حنفية والله لا يتحدث عني بما لم أفعل فكان يحيى
الليل صلاة وتضرعا ودعاء، ومثل هذه الروايات عن الأئمة موجودة بكثرة،
والتشكيك في ثبوتها له وجه، لاشتهار النهي عن إحياء الليل كله، وأبو حنيفة
قد ملأ نهاره بالتعليم مع معالجة تجارته، فيبعد أن يواصل الليل كله. ولكن
عبادة أبي حنيفة وطول قراءته أمر لا ينكر، بل هو مشهور عنه، فقد روي من
وجهين أن أبا حنيفة قرأ القرآن كلهُ في ركعة.
شدة خوفه من الله :
فقد
روى لنا القاسم بن معن أن أبا حنيفة قام ليلة يردد قول الله في القرآن:
(بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ) سورة
القمر، آية 46، ويبكي ويتضرع إلى الفجر.
شدة ورعه :
وخصوصا في الأمور
المالية، فقد جاء عنه أنه كان شريكاً لحفص بن عبد الرحمن، وكان أبو حنيفة
يُجهز إليه الأمتعة، وهو يبيع، فبعث إليه في رقعة بمتاع، وأعلمه أن في ثوب
كذا وكذا عيباً، فإذا بعته، فبين. فباع حفص المتاع، ونسى أن يبين، ولم يعلم
ممن باعه، فلما علم أبو حنيفة تصدق بثمن المتاع كله.
تربيته لنفسه على
الفضائل كالصدقة، فقد ورد عن المثنى بن رجاء أنه قال جعل أبو حنيفة على
نفسه إن حلف بالله صادقا أن يتصدق بدينار وكان إذا أنفق على عياله نفقة
تصدق بمثلها. وكان حليما صبورا، وله حلم عجيب مع العوام .
مؤلفاته :
لم يعرف وقت الامام بكثرة التدوين واكثر علمه
نقل من طلابه , و عرف للإمام بعض المؤلفات في الفقه الإسلامي منها :
الفقه الأكبر، برواية حماد بن أبي حنيفة
الفقه الأكبر، برواية أبي مطيع البلخي
العالم والمتعلم، برواية أبي مقاتل السمرقندي
رسالة الإمام أبي حنيفة إلى عثمان البتي
الوصية، برواية أبي يوسف
وهناك
مؤلفات نسبت إليه مثل: (المقصود في الصرف)، نسب إلى أبي حنيفة في زمن
متأخر كما ذكر فؤاد سزكين كتاب (الحيل) ذكره الخطيب في تاريخ بغداد، وهناك
مؤلفات كثيرة أوردها سزكين إلا أنها لم تشتهر كما اشتهرت الكتب الخمسة
السابقة، وقد قام الدكتور محمد الخميِّس بدراستها من خلال رجال إسنادها،
وخلص إلى ما يلي: "أن هذه الكتب من ناحية الرواية ووفق منهج المحدثين في
النقد لا تثبت للإمام أبي حنيفة"، ومما قال: "ولم أقف على رواية صحيحة أو
نسخ معتمدة حتى نقطع أنها للإمام أبي حنيفة،
ولاسيما وقد صرح بعض
الحنفية كالزَّبِيدي، وأبي الخير الحنفي، بأن هذه الكتب ليست من تأليف
الإمام مباشرة بل هي أماليه وأقواله التي قام تلاميذه بجمعها وتأليفها(.
ولعل من أهم ما يذكر للإمام أبي حنيفة من تأليف كتاب (الآثار) والذي يرويه
صاحباه أبو يوسف ومحمد بن الحسن، وهو مطبوع بالروايتين، وهو أوثق كتاب في
روايات أبي حنيفة.