رمضان وتصفية القلوب
د. بدر عبد الحميد هميسه
رمضان
فرصة لتصفية القلوب والتحلل من الأوزار والذنوب , لأن أقرب القلوب إلى
الله تعالى أصفاها وأتقاها وأنقاها , قال تعالى : {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ
صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ
لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ
مُبِينٍ} (22) سورة الزمر.وقال :- {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ
يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ
صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ
يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} (125) سورة
الأنعام. وقال : {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} (25) سورة طـه.وقال :
{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ
مُّتَقَابِلِينَ } (47) سورة الحجر.وقال : {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ
اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (13) سورة الملك.
وعَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما ، قَالَ : قِيلَ لِرَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ( كُلّ
مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ ). قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ
، نَعْرِفُهُ. فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ ؟ قَالَ: ( هُوَ التَّقِيُّ
النَّقِيُّ. لاَ إِثْمَ فِيهِ وَلاَ بَغْيَ وَلاَ غِلَّ وَلاَ حَسَدَ )
رواه ابن ماجه (4307) وأبو نعم في الحلية 1/183 والطبراني في مسد الشاميين
(1218) والخرائطي في مكارم الأخلاق .
و
عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :\\" لا
يبلغني أحد عن أحد من أصحابي شيئا ، فإني أحب أن أخرج إليهم ، وأنا سليم
الصدر \\".[ أخرجه أبو داود والترمذي ]
وعن
عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:{ خيار أمتي الذين
إذا رؤوا ذكر الله وإن شرار أمتي المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الاحبة
الباغون للبرآء العيب}.[رواه الطبراني]
-وقد قال رسول اله : (( لا يجتمع في جوف عبد غبار في سبيل الله وفيح جهنم . ولا يجتمع في جوف عبد ، الإيمان والحسد )).
وجاء
في الأثر : (( إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة نادى منادي:أين أهل
الفضل؟؟فيقوم الناس وهم يسيرون فينطلقون سراعا إلى الجنة فتتلقاهم
الملائكة فيقولون لهم إنا نراكم سراعا إلى الجنة فيقولون نحن أهل الفضل
فيقولون لهم ماكان فضلكم؟؟ فيقولون كنا إذا ظلمنا صبرنا وإذا أسيء إلينا
عفونا وإذا جهل علينا حلمنا...فيقال لهم أدخلوا الجنة فنعم أجر العاملين .
,عن
الأعمش عن أبي عمار الهمداني عن عمرو بن شرحبيل قال : قال رجل : يا رسول
الله , أرأيت رجلا يصوم الدهر كله قال : وددت أنه يطعم الدهر كله قال :
ثلثيه ؟ قال أكثر قال نصفه قال أكثر ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: ألا أنبئكم ما يذهب حر الصدر صيام ثلاثة أيام من كل شهر . أي غله وحقده
( رواه النسائي والزار وغيرهما )
قال
النبي صلى الله عليه وسلم:”تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ
الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ
بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ
شَحْنَاءُ فَيُقَالُ أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا
هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا”رواه
مسلم وأبوداود وابن ماجه ومالك وأحمد.
عن
أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كنا جلوساً مع الرسول صلى الله عليه وسلم
فقال: ( يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة ) ، فطلع رجل من الأنصار تنطف
لحيته من وضوئه قد تعلق نعليه في يده الشمال فلما كان الغد قال النبي صلى
الله عليه وسلم مثل ذلك فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى ، فلما كان اليوم
الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضاً فطلع ذلك الرجل على
مثل حاله الأولى، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن
عمرو بن العاص فقال: إني لاحيت أبي فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثاً، فإن رأيت
أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت فقال: نعم ، قال أنس : وكان عبد الله يحدث
أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئاَ غير أنه إذا
تعار وتقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبد
الله غير أني لم أسمعه يقول إلا خيراً فلما مضت الثلاث ليال وكدت أن أحتقر
عمله قلت: يا عبد الله إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر، ولكن سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ثلاث مرار يطلع عليكم الآن رجل من أهل
الجنة فطلعت أنت الثلاث مرار فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأق تدي به
فلم أرك تعمل كثير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين
غشاً ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه. فقال عبد الله: هذه التي
بلغت بك وهي التي لا نطيق . رواه عبد الرزاق (21621)و أحمد (12405)
والنسائي في الكبرى ( 10597) قال المنذري رحمه الله تعالى \\" رواه أحمد
بإسناد على شرط البخاري ومسلم \\" ا.هـ الترغيب والترهيب 3/348 وقال ابن
كثير \\" هذا إسناد صحيح على شرط الصحيحين \\" ا.هـ التفسير 4/339 وقال
ابن حجر الهيتمي \\" رواه أحمد بإسناد على شرط الشيخين والنسائي بسند صحيح
أيضا \\". الزواجر 1/100.
ويضرب
لنا أبو ضمضم أروع الأمثلة فكان يقول إذا أصبح : ( اللهم إنه لا مال لي
أتصدق به على الناس ، وقد تصدقت عليهم بعرضي ، فمن شتمني أو قذفني فهو في
حل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من يستطيع منكم أن يكون كأبي ضمضم
) قال ابن القيم رحمه الله : وفي هذا الجود من سلامة الصدر وراحة القلب
والتخلص من معاداة الخلق ما فيه ) [ تهذيب مدارج السالكين 407]
*
ولما دُخل على أبي دجانة وهو مريض كان وجه يتهلل، فقيل له: مالي أرى وجهك
يتهلل؟ فقال:\\'ما من عمل شئ أوثق عندي من اثنتين: كنت لا أتكلم فيما
لايعنيني، والأخرى فكان قلبي للمسلمين سليماً\\' .
فهذا
سيد ولد آدم أجمعين عليه صلوات رب العالمين، يذهب إلى الطائف عارضًا نفسه
على وجهائها وأهلها، فلم يجبه منهم أحد، فانطلق مهمومًا، وإذا هو بسحابة
قد أظلته فيها جبريل، ومعه ملك الجبال فناداه ملك الجبال: \\"إن الله قد
سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما
شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين \\"جبلا مكة\\" فقال صاحب الصدر
السليم صَلى الله عليه وسلم: \\"بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد
الله وحده لا يشرك به شيئًا\\". فأي صبر وسلامة صدر هذا !!!..
وكان الإمام الشافعي يقول : ( وددت أن الناس تعلموا هذا العلم ولم ينسب إلي منه شئ) [صفة الصفوة 2/251 ].