العطيَّة الإلهية في الترجمة الغلاَّوية
هذا عنوان كتاب صدر قريباً في ترجمة الشيخ العلاّمة محمد أحمد بن عبد القادر
الغلاّوي (الشنقيطي) المتوفَّى في 20 / 11/ 1418 بالمدينة النبوية على ساكنها
أفضل الصلاة والسلام .
والشيخ لمن لا يعرفه نموذج للعالم السلفي الورع الزاهد ، البعيد عن الدنيا
وبهرجها ، مع التعمُّق والتدقيق والتحقيق في العلم ، ومع التفرُّغ التام للعلم
والعبادة والتدريس . كان كثيراً ما يجلس في المبنى العثماني القديم في المسجد
النبوي قريب من باب أبي بكر يُقرئ بعض طلابه عند أحد السواري إذ لم يكن مأذوناً
له بالتدريس الرسمي في المسجد النبوي كونه غير سعودي الجنسية . ومن الطريف من
أخباره أنه عرض عليه الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله الجنسيَّة وأن يُدرِّس
بالمسجد النبوي فرفض الشيخ ، قال : وقلتُ له : أُريدُ أن أكون حُرَّاً
أُبَلِّغُ ما علِمتُ من دين الله لمن سألني عنه ، لا أتَّبِعُ دولةً ولا أُخرى
!!
وُلد الشيخ في موريتانيا عام 1904م كما هو مدوَّنٌ في جواز سفره ، ونشأ وتربى
فيها ، وحفظ القرآن منذ نعومة أظفاره ، ونشأ عند والديه حتى بلغ العاشرة
تقريباً ثم فارق قريته لما عليه أهلها ومنهم والده من التلبُّس ببدعة التيجانية
، فذهب إلى خاله الشيخ محمد أحمد بن عمر الصغير ولم يكن تيجانيا فمكث عنده
قريباً من سنتين أو ثلاثة ، ثم عاد لبلدته فوجدها ازدادت تمسُّكاً بالبدعة
وغلوَّاً فيها ، فمكث فيهم أربعة أشهر يفكِّرُ ماذا يصنع ، يقول : ولا بُلغة لي
من زادٍ ولا راحلةٍ أستعين بها على الهجرة إلى بلد أرى فيها وأسمع من دين الله
ما كُنتُ عليه فُطرت ، ومن خالي تعلمتُ . ثم حدَّث الشيخُ عن وسوسة الشيطان له
بالبقاء في بلده ، وبانتصاره على الشيطان ، ثم رأى الشيخ رؤيا مضمونها أنه رأى
عمر بن الخطاب رضي الله عنه جالساً في الموضع الذي هو فيه وامرأةٌ ملتفةٌ في
ثوب أسود أمام وجهه ، وكأنها مُلفتة وجهها عن قُبالة وجهه . قال : فدنوتُ منه
-من عمر- لأسأله ، وأستفتيه عن جواز أخذ طريقة التيجاني نصَّاً ، قال : فبدر
والله عمر قبل أن أتكلم بكلمة قائلاً كأنه يخاطب تلك المرأة : يا سبيعة يا
سبيعة -مرتين- مَن كان تيجانيَّاً عذّبه اللهُ بناره . قال الشيخ : وأشك هل
ناداها ثلاثاً ؛ لأني في إخباري لكم بهذه الرؤيا وأنا كائن بالمدينة النبوية
بين حديثين خطيرين يمنعان المُسلم أن يُخبر أنه رأى ما لم يَرَ ، وهُما قوله
صلى الله عليه وسلم : (( من تحلَّم بما لم يَرَ كُلِّف أن يعقد بين شعيرتين وما
هو بعاقد )) وقوله صلى الله عليه وسلم : (( المدينة حرم الله ما بين عير إلى
ثور من أحدث فيها حدثاً أو آوى مُحدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس
أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً )) .
فانتبه الشيخ عازماً على الهجرة من بلد أولئك المبتدعة الفجرة ، يقول : وأبي
على قيد الحياة ، وأبي غالٍ في التمسُّك بهذه الطريقة ، وأُمي ضدَّها على أنه
ليس من الأمر شيءٌ بيدها .. فعزمتُ على الهجرة بلا توانٍ ولا تأخير وعلى أي
حالة كانت ؛ ماشياً أو راكباً ، فما كان بعد الرؤيا إلا بيومٍ أو يومين إلا وقد
تفضَّل الله سبحانه عليّ بجمل بازلٍ قوي ، ذي سنامٍ ورحل وأداةٍ وقِربةٍ ماسكة
، وزادٍ لا يحتاج إلى نار ..
ثم ارتحل إلى أقاصي موريتانيا ، وكان في سفره ورحلته هذه إذا أراد لينـزل
ليستريح من عناء السفر ووعثائه ربما لم تقبل نفسه بعض الأماكن ، فيظهر فيما بعد
أن فيها تيجانياً ، حتى وصل إلى الشيخ : يحظيه بن عبد الودود -رحمه الله- قال :
فلما رآني أخذ يدي وقبَّلها ، ومسح برأسي وقال : مرحباً بيدٍ عنت بسُنة رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، كرَّرها مرَّتين أو ثلاثة . قال الشيخ : وأنا
-والله- إذ ذاك لا أعرف الحديث ، وما هذا إلا فراسة من الشيخ .
وقد أخذ عن الشيخ يحظيه هذا فقه مالك ، والنحو والصرف وغيرها من الفنون . وكان
الشيخ يحظيه رجلاً سنيا صِرفاً متمكناً في علوم العربية ومذهب مالك . قال الشيخ
محمد أحمد : ولم أرَ أحسن منه سيرةً ، ولا نظير له في العربية ومعرفة الفقه عن
ظهر غيب.
وقال الشيخ محمد أحمد : كان الشيخ يحظيه كثير الطلبة ، وكانت القراءة عليه على
نوبات ودولات ، وذات مرة جاءني بعض الطلبة يتذاكرون معي مسألة فقهية ، وذكروا
أن رأي الشافعي فيها كيت وكيت (نقلاً عن الشيخ يحظيه) . فقال الشيخ محمد أحمد :
ليس هذا مذهب الشافعي . فغضب الطلبة ونقلوا ذلك للشيخ يحظيه ، فطلب حضور هذا
التلميذ وسأله عن المسألة ، فحضر وأخبره بمستنده فيها ، فتعجَّب الشيخ من
نباهته ، وازدادت مكانته عند شيخه . قال الشيخ : وبقيتُ عنده حتى مات وحملتُ
نعشه على كتفي ، وورايتُهُ في قبره ...الخ وقرأ بعدها عند عدد من المشايخ
والعلماء .
ورحل الشيخ محمد أحمد إلى السعودية رحلتان كلاهما في عهد الملك سعود : أولاهما
كانت للحج ، وأما الأخرى فبعد عودته من الحج رجع إلى بلاده وباع أملاكه فيها
وجاء إلى المدينة قاصداً المجاورة فيها .
وكان للشيخ مكانة كبيرة عند عدد من العلماء حتى كان شيخنا الشيخ محمد بن محمد
المختار يقول : لو كان عندي وقتٌ لدرستُ عليه .
وكان الشيخ ابن باز يصفه بالفقيه المدني . وسماه : الشيخ العلامة ، لما قرَّظ
له كتاب تنبيه الحذّاق .
واستدعاه مرةً الشيخ عبد العزيز الفالح رئيس إدارة شؤون المسجد النبوي لما ذُكر
له من تدريسه بالمسجد النبوي ، وأن هذا الأمر ممنوع ، فلما حضر عند الشيخ ورآه
، وضع يده على رأسه ، وقال : تأتونني بهذا ، هذا رجلٌ معروف كنتُ أراه عند
الشيخ عبد العزيز ابن باز . فاعتذر من الشيخ وأجلَّه وقدَّره وأكرمه .
وقال عنه الشيخ حماد الأنصاري -رحم الله الجميع- : ذلك عالمٌ في الحديث بلا
نظير .
وكانت حياة الشيخ حياة عجيبة ملؤها العبادة والعلم ، يقول جيرانه : إن حياته
غريبة جداً ، فليله للقرآن ، ونهاره للمطالعة ، وفي حركاته لا يمل ولا يتوقف عن
قراءة القرآن .
وكان رحمه الله إذا صلى العشاء في المسجد النبوي عاد إلى بيته فتناول لقيمات ،
ثم نام نومةً يسيرة جداً ثم قام يصلي حتى الفجر .
وسافر بعضهم مع الشيخ إلى مكة لأداء العمرة في رمضان ، فكان الشيخ طوال الطريق
يتلو القرآن ، ولا يسكت حتى يسأله ، قال مرافق الشيخ : فإذا أجابني عاود
التلاوة مرةً أخرى .
وكان الشيخ -رحمه الله- إذا سُئل عن مسألة لا يستحضر الجواب فيها ، أو كان لا
علم له بها قال : لا أدري . فإذا ألحَّ عليه السائل ، قال له : أتريدُ أن تأخذ
بيدي إلى سقر ؟
وفي عام 1413 خرج الشيخ من المسجد النبوي قاصِداً سيارته ومعه بعض طلابه ، فقال
له الشيخ محمد فال : عندنا غداً اختبارٌ في مادة التاريخ .. وذكر قِصَّة مقتل
عثمان رضي الله عنه . فبكى الشيخ ، وقال : يقتلون صاحبَ رسول الله ، وكتابَ
الله بين يديه ، أو كلاماً نحو هذا .
وكان الشيخ رحمه الله منصفاً من نفسه شديداً في الحق ، ربما شاب ذلك عصبية
وحِدَّةً زائدة حتى إن الشيخ محمد الأمين الشنقيطي (صاحب أضواء البيان) لما رأى
علم الشيخ في الحديث قال له : نُعطيك جدولاً في الجامعة تدرِّس مادة الحديث ،
فقال الشيخ : تعرف يا شيخ أني عصبي ، وإذا عصَّبتُ أدوخ ، ورُبما أضرب الطالب
بالكُرسي .
ومن حدته في الحق أنه كان إذا سمع مقالة تُخالف الشرع صراحةً صرخ بأعلى صوته
قائلاً : الله أكبر . وفي بعض الأحيان كان إذا سمع شيئاً من ذلك أو قُرئ عليه
يوقف الدرس ولا يستطيع إتمامه !!
وكان مرة في مجلس الشيخ ابن باز يتغدى ، وبعد الغداء أخذ كثيرٌ من الحاضرين
يمسح يده بالمنديل ، فقال الشيخ : يا شيخ -يعني ابن باز- بجوارك أناس لا يلعقون
أصابعهم ، يُعرِضون عن السنة ويمسحون بالمنديل . قال : فنصح الشيخ عبد العزيز
الحاضرين في هذا وبيَّن السُنَّة .
وكان الشيخ ابن باز يصطحبه معه للرياض في الإجازة الصيفية ، وكان الشيخ ابن باز
على عادته يدرِّس بعد صلاة الفجر ، وكان الدرس في ذلك اليوم في كتاب التوحيد ،
فمرَّ حديثٌ ضعيف سكت الشيخ ابن باز عن بيان حاله ، والشيخ محمد أحمد يذكر الله
خلف سارية من سواري المسجد ، قال : فناديته بأعلى صوتي : يا شيخ هذا الحديث
ضعيف كيف تسكت عنه ؟
فقال أحد الحاضرين : اخفض صوتك أنت بحضرة الشيخ ابن باز . فقال الشيخ : الذي
حرَّم اللهُ رفع الأصوات بحضرتهم هم الأنبياء ، وهو شيخٌ وأنا شيخ .
قال الشيخ محمد أحمد : وكنا -هو وابن باز- نتذاكر العلم في هذا المسجد -المسجد
النبوي- وأظهرُ عليه ، فيقول : اكتبوا ما يقول الشيخ .
وكان الشيخ ابن باز يرسل للشيخ ألفي ريال شهرياً عن طريق أحد المشايخ استمرَّ
على هذا إلى عام 1411 فامتنع بعدها الشيخ محمد أحمد عن أخذ المال لأمرٍ ما .
وكان الشيخ محمد الأمين الشنقيطي يُجل الشيخ ويحترمه ، يقول الشيخ محمد أحمد :
والله لا أنسى مِنَن الشيخ الأمين عليّ ؛ كنتُ إذا مررتُ بحلقته ورآني قال
لطلبته وأشار إليَّ : ما قدم من موريتانيا رجلٌ أعلم بسنة رسول الله صلى الله
عليه وسلم من هذا .
وقال الشيخ محمد أحمد : وكان الشيخ الأمين يقسم راتبه نصفين بيني وبينه ، وأخذ
العهد عليَّ ألا أُخبر به أحداً .
واستشكل الشيخ مرة حديثاً ذكروه له ، فلمَّا تناقشوا في المسألة ذكروا له أنه
في مسلم ، فقال : أشتهي النظر فيه بالإسناد . فجاؤوه بالإسناد ، فقال الشيخ من
فوره : هذا الحديث معلول من أوجه ... وذكر ثلاثة أوجه . قال الراوي : وكان
بجوارنا الشيخ ربيع بن هادي ، فَسَأَلَنا عمَّا استشكلَهُ الشيخ ، فأخبرناه .
فقال الشيخ ربيع : هذا الحديث في مسلم . فقال الشيخ محمد أحمد : مَن هذا ؟ .
فقلنا : الشيخ ربيع يسأل عن إشكالك . فقال الشيخ : نحن لم يقف في وجهنا مُسلم ،
فَمَن هذا ربيع ؟!!
وقد كان الشيخ -رحمه الله- سلفي العقيدة ، مالكي المذهب ، متبحراً في علم
الحديث ، وكان يقسم المسائل الفقهية إلى قسمين :
الأول : مسائل عليها أدلةٌ صحيحة ومنصوصة ، قال الشيخ : فهذه لا أتبع مالكاً
ولا غيره فيها بل أتَّبع النص .
والثاني : مسائل لا أدلة عليها ، وهي من قبيل الاجتهاد ، قال الشيخ : فهذه
-والله- رأيُ مالك فيها أحبُّ إليَّ من رأي غيره في الجُملة . وكان يقول : لم
أرَ أحداً تكلَّم في مالك إلا وعاقبه الله في الدنيا .
ومع تمذهبه بمذهب مالك -في الجملة- إلا أنه كان مُنصفاً ، ويضع كل أمر في نصابه
. وكان يقول : لا أُقدِّم في الحفظ والدين والورع على الثوري أحداً حتى مالكاً
.
وكان يقول : أحسن الناس صلاةً الحنابلة .
وكان الشيخ مُكباً على الدرس والفائدة ، وكان يقول : كنت أيام شبابي أقرأ على
ضوء القمر ، وعندما قدمت المدينة [صرتُ] آخذ كتابي وأذهب إلى البساتين وأقرأ
حتى يأتي وقت الظهر فأُصلي في المسجد النبوي ثم أعود إلى بيتي .
وكان الشيخ يحفظ القرآن حفظاً جيداً ، ويحفظ ألفية ابن مالك ، والاحمرار ،
والتسهيل ، وألفيَّتا العراقي والسيوطي في الحديث ، ومراقي السعود ، ومرتقى
الوصول ، وتحفة الحكام . وكان يستحضر الصحيحين استحضاراً قوياً ، وكذا كان يحفظ
كثيراً من أحاديث السنن الأربعة .
وسُئل مرةً عن استياك المرء بحضرة الناس ، فقال الشيخ : ترجم البخاري : باب
استياك الإمام بحضرة رعيته . قال كاتب الترجمة (عبد الرحمن الصاعدي) : وبحثنا
عن هذه الترجمة في صحيح البخاري ، فم نجد هذه الترجمة . وراجعنا الشيخ ، فقال :
أنا متأكد أني حفظته من البخاري . قال الصاعدي : وسألتُ إذ ذاك كثيراً من طلبة
العلم فلم يجد أحدٌ منهم هذه الترجمة . وبعد وفاة الشيخ كنتُ أقرأ في (هدي
الساري) فإذا الحافظ رحمه الله يقول : وكثيراً ما يترجم -يعني البخاري- بأمرٍ
مختصٍ ببعض الوقائع لا يظهر في بادي الرأي ، كقوله : باب استياك الإمام بحضرة
رعيته ... فسبحان الله إلا أن النسخة المطبوعة مع الفتح لم نجد فيها هذه
الترجمة .
وسمع سائقُ الشيخ الشيخَ مرةً وهو يقول : بفضل الله ليس هناك حديثٌ ولأهل العلم
كلامٌ فيه إلا وأستحضر ما قالوه فيه من تعليل ، وإرسال ، وانقطاع ... وليس هناك
من راوٍ للحديث إلا وأعرف اسمه ونسبه وولادته وشيوخه وتلامذته ، وما قاله فيه
أهل العلم من جرحٍ وتعديل .
وقال : مكثتُ أربع سنوات وأنا لا أقرأ إلا الموافقات للشاطبي .
وقال : مكثتُ سنةً وستة أشهر وأنا لا أقرأ إلا تاريخ بغداد ، وعندي فوائده في
مجلدٍ أو مجلدين .
وقال : ختمتُ صحيح البخاري قراءة أكثر من سبع عشرة مرة ، وأما صحيح مسلم فلا
أُحصي كثرةً ؛ يكاد أن يكون أكثر من عشرين مرة .
وقال : قرأتُ فتح الباري ثلاث مرات .
وقال : قرأت شرح القسطلاني على البخاري . وأثنى على هذا الشرح .
وقال : وقرأتُ من كُتُب أصول الفقه ما شاء الله ، ولم أفهم هذا الفن حق الفهم
حتى قرأتُ كتاب إحكام الأحكام لابن دقيق العيد .
وقال : قرأت السلسلة الضعيفة والصحيحة للألباني ، وأعجبتني الأولى دون الثانية
. وقال : إن عمل الشيخ وقوَّته في السلسلة الضعيفة ، والألباني في التضعيف أحسن
منه في التصحيح .
وقال الشيخ : لم يدخل مكتبتي كتاب إلا وقد قرأته ورقة ورقة .
وكان أحب العلوم إليه علم الحديث ، ولا يقدِّم عليه شيئاً من العلوم الأُخرى .
ومن أقواله :
- كتاب الشيخ ناصر الدين الألباني في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم مفيد ،
مفيد ، مفيد ، مفيد ، مفيد ، مفيد ، مفيد (سبع مرات).
- حرامٌ على مكتبتي أن يدخلها كتابٌ لابن حزم ، وذلك لسوء أدبه مع العلماء .
- لو لم يخلق الله البخاري لم تفقه هذه الأمة دينها !!
- يُسلَّط على من يذم أحد الأئمة أسباباً أقلُّها سوء الخاتمة .
- الذي يدعو للشيعة هُوَ مثلهم .
- قال الحنفية في الحافظ ابن حجر : إنه شاعرٌ مطبوعٌ ، مُحدِّثٌ صناعةً ، فقيهٌ
تكلُّفاً . قال الشيخ : وعندي أنه حق .
وللشيخ أخبارٌ أخرى يطول الكلام بنقلها .
وبعدُ فهذه صفحة نيرة من سير علمائنا المعاصرين ، وهو نموذج لنوعٍ من العلماء
نحتاج إليه ، ونسأل الله ألا ينقطع من الأُمَّة ، كما أننا بحاجة إلى نماذج
أُخرى ، بشخصياتٍ مختلفة تسد بمجموعها حاجات الأمة ، وفروض الكفاية الواجبة
عليها .
أسأل الله أن يغفر للشيخ ، وأن يرفع درجته في عليين .
وشكر الله للشيخ عبد الرحمن بن عمري بن عبد الله الصاعدي على ما أتحفنا به من
هذه الترجمة العالية النفيسة .
وقد قرأ كاتب الترجمة وتلميذ المؤلف (الصاعدي) على الشيخ
جُملة من الكتب الكبار والصغار ، منها :
• (فتح الباري) لابن حجر ، قرأه عليه كاملاً .
• الفصل السابع من (هدي الساري) ، وهو القسم المتعلِّق بالرجال المتكلَّم فيهم
في صحيح البخاري .
• شرح النووي على صحيح مسلم .
• سنن أبي داود .
• سنن الترمذي .
• سنن ابن ماجه .
• مسند الإمام أحمد طبعة الأرناؤوط ، من أوله إلى المجلد 16 ، إذ كان هذا القدر
هو المطبوع من هذه الطبعة في ذلك الوقت .
• شرح الزرقاني على موطأ مالك ، إلى نصفه تقريباً .
• (التمهيد) لابن عبد البر ، قرأ أكثره عليه الدكتور الأمين المبارك (الأستاذ
بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن) ، ثم أتمَّه الصاعدي على الشيخ .
• (كتاب التمييز) للإمام مسلم .
• (معرفة علوم الحديث) لابن الصلاح .
• (الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث) لابن كثير .
• (النكت على ابن الصلاح) لابن حجر .
• (نزهة النظر) لابن حجر .
• (فتح المغيث) للسخاوي .
• (شرح علل الترمذي) لابن رجب الحنبلي .
• المجلَّد الأول من (التلخيص الحبير) لابن حجر .
• ثلاثة مجلدات من (تهذيب التهذيب) لابن حجر .
• المجلَّد الرابع من كتاب (الموافقات) للشاطبي .
• شرح الخرشي على خليل من أوله حتى نهاية كتاب الحج .
• التفريع لابن الجلاّب .
وغيرها من الكتب ، أو المواضع المتفرقة من كتب أخرى .
انتقى هذه الترجمة من الكتاب المنوَّه عنه سلفاً
حسن بن علي البار
albarhassan@gmail.com
في 9/ 7/ 1427
هذا عنوان كتاب صدر قريباً في ترجمة الشيخ العلاّمة محمد أحمد بن عبد القادر
الغلاّوي (الشنقيطي) المتوفَّى في 20 / 11/ 1418 بالمدينة النبوية على ساكنها
أفضل الصلاة والسلام .
والشيخ لمن لا يعرفه نموذج للعالم السلفي الورع الزاهد ، البعيد عن الدنيا
وبهرجها ، مع التعمُّق والتدقيق والتحقيق في العلم ، ومع التفرُّغ التام للعلم
والعبادة والتدريس . كان كثيراً ما يجلس في المبنى العثماني القديم في المسجد
النبوي قريب من باب أبي بكر يُقرئ بعض طلابه عند أحد السواري إذ لم يكن مأذوناً
له بالتدريس الرسمي في المسجد النبوي كونه غير سعودي الجنسية . ومن الطريف من
أخباره أنه عرض عليه الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله الجنسيَّة وأن يُدرِّس
بالمسجد النبوي فرفض الشيخ ، قال : وقلتُ له : أُريدُ أن أكون حُرَّاً
أُبَلِّغُ ما علِمتُ من دين الله لمن سألني عنه ، لا أتَّبِعُ دولةً ولا أُخرى
!!
وُلد الشيخ في موريتانيا عام 1904م كما هو مدوَّنٌ في جواز سفره ، ونشأ وتربى
فيها ، وحفظ القرآن منذ نعومة أظفاره ، ونشأ عند والديه حتى بلغ العاشرة
تقريباً ثم فارق قريته لما عليه أهلها ومنهم والده من التلبُّس ببدعة التيجانية
، فذهب إلى خاله الشيخ محمد أحمد بن عمر الصغير ولم يكن تيجانيا فمكث عنده
قريباً من سنتين أو ثلاثة ، ثم عاد لبلدته فوجدها ازدادت تمسُّكاً بالبدعة
وغلوَّاً فيها ، فمكث فيهم أربعة أشهر يفكِّرُ ماذا يصنع ، يقول : ولا بُلغة لي
من زادٍ ولا راحلةٍ أستعين بها على الهجرة إلى بلد أرى فيها وأسمع من دين الله
ما كُنتُ عليه فُطرت ، ومن خالي تعلمتُ . ثم حدَّث الشيخُ عن وسوسة الشيطان له
بالبقاء في بلده ، وبانتصاره على الشيطان ، ثم رأى الشيخ رؤيا مضمونها أنه رأى
عمر بن الخطاب رضي الله عنه جالساً في الموضع الذي هو فيه وامرأةٌ ملتفةٌ في
ثوب أسود أمام وجهه ، وكأنها مُلفتة وجهها عن قُبالة وجهه . قال : فدنوتُ منه
-من عمر- لأسأله ، وأستفتيه عن جواز أخذ طريقة التيجاني نصَّاً ، قال : فبدر
والله عمر قبل أن أتكلم بكلمة قائلاً كأنه يخاطب تلك المرأة : يا سبيعة يا
سبيعة -مرتين- مَن كان تيجانيَّاً عذّبه اللهُ بناره . قال الشيخ : وأشك هل
ناداها ثلاثاً ؛ لأني في إخباري لكم بهذه الرؤيا وأنا كائن بالمدينة النبوية
بين حديثين خطيرين يمنعان المُسلم أن يُخبر أنه رأى ما لم يَرَ ، وهُما قوله
صلى الله عليه وسلم : (( من تحلَّم بما لم يَرَ كُلِّف أن يعقد بين شعيرتين وما
هو بعاقد )) وقوله صلى الله عليه وسلم : (( المدينة حرم الله ما بين عير إلى
ثور من أحدث فيها حدثاً أو آوى مُحدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس
أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً )) .
فانتبه الشيخ عازماً على الهجرة من بلد أولئك المبتدعة الفجرة ، يقول : وأبي
على قيد الحياة ، وأبي غالٍ في التمسُّك بهذه الطريقة ، وأُمي ضدَّها على أنه
ليس من الأمر شيءٌ بيدها .. فعزمتُ على الهجرة بلا توانٍ ولا تأخير وعلى أي
حالة كانت ؛ ماشياً أو راكباً ، فما كان بعد الرؤيا إلا بيومٍ أو يومين إلا وقد
تفضَّل الله سبحانه عليّ بجمل بازلٍ قوي ، ذي سنامٍ ورحل وأداةٍ وقِربةٍ ماسكة
، وزادٍ لا يحتاج إلى نار ..
ثم ارتحل إلى أقاصي موريتانيا ، وكان في سفره ورحلته هذه إذا أراد لينـزل
ليستريح من عناء السفر ووعثائه ربما لم تقبل نفسه بعض الأماكن ، فيظهر فيما بعد
أن فيها تيجانياً ، حتى وصل إلى الشيخ : يحظيه بن عبد الودود -رحمه الله- قال :
فلما رآني أخذ يدي وقبَّلها ، ومسح برأسي وقال : مرحباً بيدٍ عنت بسُنة رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، كرَّرها مرَّتين أو ثلاثة . قال الشيخ : وأنا
-والله- إذ ذاك لا أعرف الحديث ، وما هذا إلا فراسة من الشيخ .
وقد أخذ عن الشيخ يحظيه هذا فقه مالك ، والنحو والصرف وغيرها من الفنون . وكان
الشيخ يحظيه رجلاً سنيا صِرفاً متمكناً في علوم العربية ومذهب مالك . قال الشيخ
محمد أحمد : ولم أرَ أحسن منه سيرةً ، ولا نظير له في العربية ومعرفة الفقه عن
ظهر غيب.
وقال الشيخ محمد أحمد : كان الشيخ يحظيه كثير الطلبة ، وكانت القراءة عليه على
نوبات ودولات ، وذات مرة جاءني بعض الطلبة يتذاكرون معي مسألة فقهية ، وذكروا
أن رأي الشافعي فيها كيت وكيت (نقلاً عن الشيخ يحظيه) . فقال الشيخ محمد أحمد :
ليس هذا مذهب الشافعي . فغضب الطلبة ونقلوا ذلك للشيخ يحظيه ، فطلب حضور هذا
التلميذ وسأله عن المسألة ، فحضر وأخبره بمستنده فيها ، فتعجَّب الشيخ من
نباهته ، وازدادت مكانته عند شيخه . قال الشيخ : وبقيتُ عنده حتى مات وحملتُ
نعشه على كتفي ، وورايتُهُ في قبره ...الخ وقرأ بعدها عند عدد من المشايخ
والعلماء .
ورحل الشيخ محمد أحمد إلى السعودية رحلتان كلاهما في عهد الملك سعود : أولاهما
كانت للحج ، وأما الأخرى فبعد عودته من الحج رجع إلى بلاده وباع أملاكه فيها
وجاء إلى المدينة قاصداً المجاورة فيها .
وكان للشيخ مكانة كبيرة عند عدد من العلماء حتى كان شيخنا الشيخ محمد بن محمد
المختار يقول : لو كان عندي وقتٌ لدرستُ عليه .
وكان الشيخ ابن باز يصفه بالفقيه المدني . وسماه : الشيخ العلامة ، لما قرَّظ
له كتاب تنبيه الحذّاق .
واستدعاه مرةً الشيخ عبد العزيز الفالح رئيس إدارة شؤون المسجد النبوي لما ذُكر
له من تدريسه بالمسجد النبوي ، وأن هذا الأمر ممنوع ، فلما حضر عند الشيخ ورآه
، وضع يده على رأسه ، وقال : تأتونني بهذا ، هذا رجلٌ معروف كنتُ أراه عند
الشيخ عبد العزيز ابن باز . فاعتذر من الشيخ وأجلَّه وقدَّره وأكرمه .
وقال عنه الشيخ حماد الأنصاري -رحم الله الجميع- : ذلك عالمٌ في الحديث بلا
نظير .
وكانت حياة الشيخ حياة عجيبة ملؤها العبادة والعلم ، يقول جيرانه : إن حياته
غريبة جداً ، فليله للقرآن ، ونهاره للمطالعة ، وفي حركاته لا يمل ولا يتوقف عن
قراءة القرآن .
وكان رحمه الله إذا صلى العشاء في المسجد النبوي عاد إلى بيته فتناول لقيمات ،
ثم نام نومةً يسيرة جداً ثم قام يصلي حتى الفجر .
وسافر بعضهم مع الشيخ إلى مكة لأداء العمرة في رمضان ، فكان الشيخ طوال الطريق
يتلو القرآن ، ولا يسكت حتى يسأله ، قال مرافق الشيخ : فإذا أجابني عاود
التلاوة مرةً أخرى .
وكان الشيخ -رحمه الله- إذا سُئل عن مسألة لا يستحضر الجواب فيها ، أو كان لا
علم له بها قال : لا أدري . فإذا ألحَّ عليه السائل ، قال له : أتريدُ أن تأخذ
بيدي إلى سقر ؟
وفي عام 1413 خرج الشيخ من المسجد النبوي قاصِداً سيارته ومعه بعض طلابه ، فقال
له الشيخ محمد فال : عندنا غداً اختبارٌ في مادة التاريخ .. وذكر قِصَّة مقتل
عثمان رضي الله عنه . فبكى الشيخ ، وقال : يقتلون صاحبَ رسول الله ، وكتابَ
الله بين يديه ، أو كلاماً نحو هذا .
وكان الشيخ رحمه الله منصفاً من نفسه شديداً في الحق ، ربما شاب ذلك عصبية
وحِدَّةً زائدة حتى إن الشيخ محمد الأمين الشنقيطي (صاحب أضواء البيان) لما رأى
علم الشيخ في الحديث قال له : نُعطيك جدولاً في الجامعة تدرِّس مادة الحديث ،
فقال الشيخ : تعرف يا شيخ أني عصبي ، وإذا عصَّبتُ أدوخ ، ورُبما أضرب الطالب
بالكُرسي .
ومن حدته في الحق أنه كان إذا سمع مقالة تُخالف الشرع صراحةً صرخ بأعلى صوته
قائلاً : الله أكبر . وفي بعض الأحيان كان إذا سمع شيئاً من ذلك أو قُرئ عليه
يوقف الدرس ولا يستطيع إتمامه !!
وكان مرة في مجلس الشيخ ابن باز يتغدى ، وبعد الغداء أخذ كثيرٌ من الحاضرين
يمسح يده بالمنديل ، فقال الشيخ : يا شيخ -يعني ابن باز- بجوارك أناس لا يلعقون
أصابعهم ، يُعرِضون عن السنة ويمسحون بالمنديل . قال : فنصح الشيخ عبد العزيز
الحاضرين في هذا وبيَّن السُنَّة .
وكان الشيخ ابن باز يصطحبه معه للرياض في الإجازة الصيفية ، وكان الشيخ ابن باز
على عادته يدرِّس بعد صلاة الفجر ، وكان الدرس في ذلك اليوم في كتاب التوحيد ،
فمرَّ حديثٌ ضعيف سكت الشيخ ابن باز عن بيان حاله ، والشيخ محمد أحمد يذكر الله
خلف سارية من سواري المسجد ، قال : فناديته بأعلى صوتي : يا شيخ هذا الحديث
ضعيف كيف تسكت عنه ؟
فقال أحد الحاضرين : اخفض صوتك أنت بحضرة الشيخ ابن باز . فقال الشيخ : الذي
حرَّم اللهُ رفع الأصوات بحضرتهم هم الأنبياء ، وهو شيخٌ وأنا شيخ .
قال الشيخ محمد أحمد : وكنا -هو وابن باز- نتذاكر العلم في هذا المسجد -المسجد
النبوي- وأظهرُ عليه ، فيقول : اكتبوا ما يقول الشيخ .
وكان الشيخ ابن باز يرسل للشيخ ألفي ريال شهرياً عن طريق أحد المشايخ استمرَّ
على هذا إلى عام 1411 فامتنع بعدها الشيخ محمد أحمد عن أخذ المال لأمرٍ ما .
وكان الشيخ محمد الأمين الشنقيطي يُجل الشيخ ويحترمه ، يقول الشيخ محمد أحمد :
والله لا أنسى مِنَن الشيخ الأمين عليّ ؛ كنتُ إذا مررتُ بحلقته ورآني قال
لطلبته وأشار إليَّ : ما قدم من موريتانيا رجلٌ أعلم بسنة رسول الله صلى الله
عليه وسلم من هذا .
وقال الشيخ محمد أحمد : وكان الشيخ الأمين يقسم راتبه نصفين بيني وبينه ، وأخذ
العهد عليَّ ألا أُخبر به أحداً .
واستشكل الشيخ مرة حديثاً ذكروه له ، فلمَّا تناقشوا في المسألة ذكروا له أنه
في مسلم ، فقال : أشتهي النظر فيه بالإسناد . فجاؤوه بالإسناد ، فقال الشيخ من
فوره : هذا الحديث معلول من أوجه ... وذكر ثلاثة أوجه . قال الراوي : وكان
بجوارنا الشيخ ربيع بن هادي ، فَسَأَلَنا عمَّا استشكلَهُ الشيخ ، فأخبرناه .
فقال الشيخ ربيع : هذا الحديث في مسلم . فقال الشيخ محمد أحمد : مَن هذا ؟ .
فقلنا : الشيخ ربيع يسأل عن إشكالك . فقال الشيخ : نحن لم يقف في وجهنا مُسلم ،
فَمَن هذا ربيع ؟!!
وقد كان الشيخ -رحمه الله- سلفي العقيدة ، مالكي المذهب ، متبحراً في علم
الحديث ، وكان يقسم المسائل الفقهية إلى قسمين :
الأول : مسائل عليها أدلةٌ صحيحة ومنصوصة ، قال الشيخ : فهذه لا أتبع مالكاً
ولا غيره فيها بل أتَّبع النص .
والثاني : مسائل لا أدلة عليها ، وهي من قبيل الاجتهاد ، قال الشيخ : فهذه
-والله- رأيُ مالك فيها أحبُّ إليَّ من رأي غيره في الجُملة . وكان يقول : لم
أرَ أحداً تكلَّم في مالك إلا وعاقبه الله في الدنيا .
ومع تمذهبه بمذهب مالك -في الجملة- إلا أنه كان مُنصفاً ، ويضع كل أمر في نصابه
. وكان يقول : لا أُقدِّم في الحفظ والدين والورع على الثوري أحداً حتى مالكاً
.
وكان يقول : أحسن الناس صلاةً الحنابلة .
وكان الشيخ مُكباً على الدرس والفائدة ، وكان يقول : كنت أيام شبابي أقرأ على
ضوء القمر ، وعندما قدمت المدينة [صرتُ] آخذ كتابي وأذهب إلى البساتين وأقرأ
حتى يأتي وقت الظهر فأُصلي في المسجد النبوي ثم أعود إلى بيتي .
وكان الشيخ يحفظ القرآن حفظاً جيداً ، ويحفظ ألفية ابن مالك ، والاحمرار ،
والتسهيل ، وألفيَّتا العراقي والسيوطي في الحديث ، ومراقي السعود ، ومرتقى
الوصول ، وتحفة الحكام . وكان يستحضر الصحيحين استحضاراً قوياً ، وكذا كان يحفظ
كثيراً من أحاديث السنن الأربعة .
وسُئل مرةً عن استياك المرء بحضرة الناس ، فقال الشيخ : ترجم البخاري : باب
استياك الإمام بحضرة رعيته . قال كاتب الترجمة (عبد الرحمن الصاعدي) : وبحثنا
عن هذه الترجمة في صحيح البخاري ، فم نجد هذه الترجمة . وراجعنا الشيخ ، فقال :
أنا متأكد أني حفظته من البخاري . قال الصاعدي : وسألتُ إذ ذاك كثيراً من طلبة
العلم فلم يجد أحدٌ منهم هذه الترجمة . وبعد وفاة الشيخ كنتُ أقرأ في (هدي
الساري) فإذا الحافظ رحمه الله يقول : وكثيراً ما يترجم -يعني البخاري- بأمرٍ
مختصٍ ببعض الوقائع لا يظهر في بادي الرأي ، كقوله : باب استياك الإمام بحضرة
رعيته ... فسبحان الله إلا أن النسخة المطبوعة مع الفتح لم نجد فيها هذه
الترجمة .
وسمع سائقُ الشيخ الشيخَ مرةً وهو يقول : بفضل الله ليس هناك حديثٌ ولأهل العلم
كلامٌ فيه إلا وأستحضر ما قالوه فيه من تعليل ، وإرسال ، وانقطاع ... وليس هناك
من راوٍ للحديث إلا وأعرف اسمه ونسبه وولادته وشيوخه وتلامذته ، وما قاله فيه
أهل العلم من جرحٍ وتعديل .
وقال : مكثتُ أربع سنوات وأنا لا أقرأ إلا الموافقات للشاطبي .
وقال : مكثتُ سنةً وستة أشهر وأنا لا أقرأ إلا تاريخ بغداد ، وعندي فوائده في
مجلدٍ أو مجلدين .
وقال : ختمتُ صحيح البخاري قراءة أكثر من سبع عشرة مرة ، وأما صحيح مسلم فلا
أُحصي كثرةً ؛ يكاد أن يكون أكثر من عشرين مرة .
وقال : قرأتُ فتح الباري ثلاث مرات .
وقال : قرأت شرح القسطلاني على البخاري . وأثنى على هذا الشرح .
وقال : وقرأتُ من كُتُب أصول الفقه ما شاء الله ، ولم أفهم هذا الفن حق الفهم
حتى قرأتُ كتاب إحكام الأحكام لابن دقيق العيد .
وقال : قرأت السلسلة الضعيفة والصحيحة للألباني ، وأعجبتني الأولى دون الثانية
. وقال : إن عمل الشيخ وقوَّته في السلسلة الضعيفة ، والألباني في التضعيف أحسن
منه في التصحيح .
وقال الشيخ : لم يدخل مكتبتي كتاب إلا وقد قرأته ورقة ورقة .
وكان أحب العلوم إليه علم الحديث ، ولا يقدِّم عليه شيئاً من العلوم الأُخرى .
ومن أقواله :
- كتاب الشيخ ناصر الدين الألباني في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم مفيد ،
مفيد ، مفيد ، مفيد ، مفيد ، مفيد ، مفيد (سبع مرات).
- حرامٌ على مكتبتي أن يدخلها كتابٌ لابن حزم ، وذلك لسوء أدبه مع العلماء .
- لو لم يخلق الله البخاري لم تفقه هذه الأمة دينها !!
- يُسلَّط على من يذم أحد الأئمة أسباباً أقلُّها سوء الخاتمة .
- الذي يدعو للشيعة هُوَ مثلهم .
- قال الحنفية في الحافظ ابن حجر : إنه شاعرٌ مطبوعٌ ، مُحدِّثٌ صناعةً ، فقيهٌ
تكلُّفاً . قال الشيخ : وعندي أنه حق .
وللشيخ أخبارٌ أخرى يطول الكلام بنقلها .
وبعدُ فهذه صفحة نيرة من سير علمائنا المعاصرين ، وهو نموذج لنوعٍ من العلماء
نحتاج إليه ، ونسأل الله ألا ينقطع من الأُمَّة ، كما أننا بحاجة إلى نماذج
أُخرى ، بشخصياتٍ مختلفة تسد بمجموعها حاجات الأمة ، وفروض الكفاية الواجبة
عليها .
أسأل الله أن يغفر للشيخ ، وأن يرفع درجته في عليين .
وشكر الله للشيخ عبد الرحمن بن عمري بن عبد الله الصاعدي على ما أتحفنا به من
هذه الترجمة العالية النفيسة .
وقد قرأ كاتب الترجمة وتلميذ المؤلف (الصاعدي) على الشيخ
جُملة من الكتب الكبار والصغار ، منها :
• (فتح الباري) لابن حجر ، قرأه عليه كاملاً .
• الفصل السابع من (هدي الساري) ، وهو القسم المتعلِّق بالرجال المتكلَّم فيهم
في صحيح البخاري .
• شرح النووي على صحيح مسلم .
• سنن أبي داود .
• سنن الترمذي .
• سنن ابن ماجه .
• مسند الإمام أحمد طبعة الأرناؤوط ، من أوله إلى المجلد 16 ، إذ كان هذا القدر
هو المطبوع من هذه الطبعة في ذلك الوقت .
• شرح الزرقاني على موطأ مالك ، إلى نصفه تقريباً .
• (التمهيد) لابن عبد البر ، قرأ أكثره عليه الدكتور الأمين المبارك (الأستاذ
بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن) ، ثم أتمَّه الصاعدي على الشيخ .
• (كتاب التمييز) للإمام مسلم .
• (معرفة علوم الحديث) لابن الصلاح .
• (الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث) لابن كثير .
• (النكت على ابن الصلاح) لابن حجر .
• (نزهة النظر) لابن حجر .
• (فتح المغيث) للسخاوي .
• (شرح علل الترمذي) لابن رجب الحنبلي .
• المجلَّد الأول من (التلخيص الحبير) لابن حجر .
• ثلاثة مجلدات من (تهذيب التهذيب) لابن حجر .
• المجلَّد الرابع من كتاب (الموافقات) للشاطبي .
• شرح الخرشي على خليل من أوله حتى نهاية كتاب الحج .
• التفريع لابن الجلاّب .
وغيرها من الكتب ، أو المواضع المتفرقة من كتب أخرى .
انتقى هذه الترجمة من الكتاب المنوَّه عنه سلفاً
حسن بن علي البار
albarhassan@gmail.com
في 9/ 7/ 1427
|
العطيَّة الإلهية في الترجمة الغلاَّوية الشيخ العلاّمة محمد أحمد بن عبد القادر الغلاّوي (الشنقيطي) |