الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه .
وبعد : فهذه سطور من حياة العلامة الشيخ محمد الحسن الدَّدو ، فكّ الله أسره ،
وأسبغ عليه ثوب الصحة والعافية .
بادئ ذي بدء فان لحديث عن الشيخ لاتوفّـي حقه أسطر يسيرة ، والكلام عنه يتشعّب
بتشعّب مناشطه وتعدّد مواهبه ، ويترامى في كل اتجاه ترامي شهرته الواسعة ،
وعلمه الغزير .
وسأتناول في هذه السطور القليلة شيئاً مما عرفته عنه في السنوات الماضية ، وما
عرفته هو قطرة من بحر وغيض من فيض .
الشيخ بين النشأة والموهبة الربانية:
ولد الشيخ - كما قال لي - سنة 1386هـ في قريتهم الشهيـرة بـ (( أم القرى )) من
إقليم شنقيط أي : أنه الآن على مشارف الأربعين بارك الله في عمره ، ونفع به
الأمة .
وإذا أراد الله بعبد خـيـراً هيّء له الأسباب التي تعينه على مبتـغاه .
وإذا تأملنا في أسباب نبوغ هذا العلم نجد من أهمها :
1) المواهب التي فطره الله عليها ، وأكرمه بـها :
من حدة الذكاء وسرعة الحفظ والفهم .
2) الوسط العلميّ الذي نشأ فيه ، فقد نشأ بين
أبوين عالمين ، ولاسيما أمه ، فأمه من أسرة آل عبدالودود الـهاشمية ، فهو هاشمي
من جهة أمه ، أما من جهة أبيه فهو حميـريّ ، ترجع أصوله إلى قبيلة حميـر باليمن
كما حدثني بذلك .
وقد اعتنى أبواه به فحفَّظاه القرآن في سن مبكّرة ، حيث حدثني أنه أدرك في
السنة الثامنة أنه حافظ للقرآن ولايدري متى حفظه بالتحديد ؛ لأن حفظ الصبيان
للقرآن والمتون الأولية أمر مألوف عندهم ، ولايكون مستـغرباً كما هو الحال في
سائر مجتمعاتنا العربية اليوم .
وقد تلقى عن أمه القراءات العشر ، وحفظ على يديها طائفة من المتون ، ثم أكرمه
الله بملازمة جدّه لأمه العلامة الكبيـر الشيخ محمد علي بن عبدالودود ، الشهيـر
بـ (( محمد عالـي )) ونشأ في حجره وهو طفل صغيـر ، فحفظ عليه الكثيـر من المتون
المهمة في علوم الوسائل وعلوم المقاصد ، وتلقى عليه علوم الكتاب والسنة ، وقرأ
عليه مطولاتـها ، وتعلّم منه العبادة والسمت الحسن والزهد والجدّ ، ولم يعرف
لـهو الأطفال ، وعبث الفتيان ، وظل ملازماً لجدّه حتى توفـي رحمه الله تعالى ،
وهو الذي يقول عنه في دروسه : قال شيخي جَدّي .
ثم واصل تلقيه العلوم في محظرة أخواله التي تعرف بـ (( محظرة آل عدّود )) فتلقى
على خاليه العالمين الجليلين : (( محمد يحيى )) و (( محمد سالم )) وهما أشهر
أبناء الشيخ (( محمد عليّ )) السالف الذكر علماً .
وأكثر تلقيه بعد موت جدّه عن بحر العلوم خاله الشيخ محمد سالم بن عدّود وهو
الذي يقول عنه في دروسه : قال شيخي خالي ، ولم أر في حياتـي من يجمع بين علوم
النقل والعقل مثل الشيخ محمد سالم أمتع الله به الأمة .
ولـهذا الوسط الصالح أثر في نشأة الشيخ محمد الحسن على سلامة المعتقد ، فأسرة
((آل عدّود)) أسرة سلفية المعتقد مع التربية على الاعتدال في السلوك والعبادة .
3) البيئة الريفية الـهادئة البعيدة عن مغريات
الحياة وشواغلها ، ومظاهر الترف .
4) علوّ الـهمة لدى الشيخ .
طرف من أخباره في العلم والعمل ، والدعوة إلى الله ، وغير ذلك :
حفظه :
هو من أعاجيب الدنيا في الحفظ والاستحضار ، يشرح المتون الكثيـرة ، دون أن ترى
بيده كتاباً،أو ورقاً إلا في حالات نادرة حين يريد نقل نصّ معين لم يكن حفظه من
قبل ، ويحفظ من أشعار العرب ودواوينهم وشعر المعاصرين مالا يخطر على بال .
ومن أعجب ماسمعته منه ، ولم أنقله عن أحد : حفظه للمشهور من أقوال الأئمة
الأربعة ، ومعرفته لدقائق علل الحديث النبويّ ، وإذا تكلم في فن قلت : إنه قصر
نفسه عليه وأفنى عمره في تحصيله .
ومرة نظمت مقطوعة في ثمانية أبيات بمناسبة شفاء شيخنا العلامة الكبير محمد سالم
من مرض ألمّ به قبل سنوات ، أمتع الله به ، وكان الشيخ محمد الحسن في حينها
عازماً على السفر إلى موريتانيا ، وليس هناك وقت للالتقاء به ، فقرأتـها عليه
عبـر الهاتف، ثم قلت له : أرسلها لك بواسطة الناسخ (( الفاكس )) فقال لي :
مايحتاج ، أنا أوصلها له ، أي أنه حفظها من مرة واحدة ، ثم علمت من غيره أنه
كتبها ودفعها إلى الشيخ محمد سالم ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .
قدرته العجيبة على النظم :
رأيته مراراً ينظم في الحال ، بل يرتجل بعض المقطوعات،ونظمه نظم بديع ، وهو
شاعر مجيد ، يقول الشعر على السليقة وله قصائد كثيـرة لم تجمع وقد ضاع الكثيـر
منها .
نتاجه العلمي :
للشيخ نتاج علميّ كثيـر برغم انشغاله ، وله أبحاث ماتزال مخطوطة ، وفوائد
منظومة متفرّقة ، وطبع من تأليفه رسالته التي أعدها لنيل درجة الماجستيـر ، من
كلية الشريعة بالرياض ، وعنوانـها(( مخاطبات القضاة )) ونشرتـها دار الأندلس
الخضراء بجدة ، ويشرف على سلسلة من المتون العلمية صدر منها ثلاثة متون وهي
1) هداية المرتاب للإمام المقرئ علم الدين
السخاويّ رحمه الله تعالى .
2) موطأة الفصيح للإمام ابن المرحل رحمه الله .
3) ألفية الحافظ العراقي رحمه الله .
وأكثـر نتاج الشيخ دروس مسجلة في مئات الأشرطة في كثير من أنحاء العالم
الإسلامي .
عبادته وجلده على ذلك :
شيخنا الدَّدَو : عالم عامل ، صوّام قوّام ، لايترك صوم يوم الاثنين والخميس ،
وغيرهما من مواسم صيام النفل ، يكتفي في غالب أحواله بنوم الظهيرة ، وما رآه
أحد من عارفيه نائماً على غيـر شقه الأيمن ، في حين أننا نحرص على النوم على
الشق الأيمن عند ابتداء النوم ، لكننا إذا استغرقنا في النوم ، واستطلق الوكاء
وتعالى الشخيـر والزفيـر ، انقلبنا على ظهورنا ، وأحسننا حالاً من سلم من
الانبطاح والله المستعان .
ويتصف الشيخ بجلد لم أره في غيره ، فلا يمكن أن تراه يُـهوّم أو يتثاءب ، مهما
توالى سهره ، واشتد تعبه .
ومن عجائب جلده : أنني طلبت منه أن يقابل معي نسخة بالخط الموريتانـيّ ، شقّ
عليّ قراءتـها مع نسخة أخرى من أجل معرفة الفروق بين النسختين ، وكان بعد قدومه
من سفر ، فواصلت معه إلى الثانية ليلاً ، ولم أستطع المواصلة ، فذهبت لأنام -
وكان هذا في ليالي الشتاء الطويلة - ثم استيقظت قبيل أذان الفجر مستـعينا
بالمنبه ، فجئت إلى الشيخ لأوقظه ، ظناً مني أنه قد نام ، فإذا هو قائم يصلي
وقد أتم مقابلة المخطوطتين ودوّن الفروق بينهما ، فقلت في نفسي : ياللعجب.
تواضعه :
لم أر في حياتي أشد تواضعاً منه ، وإنه ليُخجِل زائره بفرط تواضعه ، ويكفي أنه
يقدم لكل زائر له من محبيه نعليه إذا خرج من عنده ، ولايستأثر بالحديث ،
ولايتكلم بحضرة شيخ سبق أن حضر دروسه في مراحل الدراسة الجامعية ، دائم البشر ،
طلق المحيا ، مهيب وقور ، مسارع إلى خدمة الناس وقضاء حوائجهم لايردّ طلب أحد ،
ولايحب الثناء ، ولا يسمح لأحد يتكلم في أهل العلم والفضل ، ولايحب الوقيعة في
أحد من المسلمين حاكماً أو محكوماً .
تضحيته في سبيل الدعوة :
لقد جاب الشيخ أكثـر بلاد الدنيا داعياً إلى الله بالحسنى ، محذّراً من الغلوّ
في الدين ، ومادُعي من مكان فـي العالم إلا ورحل إليه ، درّس العلوم ، وحاضر ،
وواصل كلال الليل بكلال النهار ، في صبـر عجيب ، واحتمال للمشاقّ قل نظيـره في
هذه الأزمان .
رحابة صدره ، ورباطة جأشه عند النقاش :
يمتاز الشيخ برحابة الصدر عند النقاش ، فلا تعتريه الحدة ، ولايضيق بالمخالف ،
بل رأيته مراراً يمسك بأصابع المحاور ، ويعدد حججه بواسطتها في ثبات عجيب ،
ولايملك من يناقشه إلا الامتـثال
أو السكوت على الأقل .
شيء من مواهبة :
شيخنا إلى جانب مواهبه الكثيرة يفسر الرؤى ، وهو بارع في ذلك ، ويتّبع في
تفسيره هدي السلف ويقيد تأويله بإسناد العلم إلى الله تعالى ، ولايقطع في
تأويله ويجزم ، ولا يؤوّل رؤيا بالتكلّف ، ولايؤوّل رؤيا يترتب على تأويلها
مفسدة خاصة أو عامة .
وله معرفة تامة بالرقى الشرعية ، وعلاج السحر والعين ، وجُلّ وقته مبذول في
قضاء حوائج الناس
أثابه الله تعالى ، مع معرفة عامة بعلوم أخرى كالفلك والطب وغيـرهما .
طرف يسير من أقوال أهل العلم فيه :
حينما وفد الشيخ إلى هذه البلاد تعرف على الكثيـر من علمائها وطلاب العلم فيها
، وله معهم محاورات ومناقشات ، وتربطه علاقة ودّية ببعض العلماء المعروفين
كالشيخ بكر أبي زيد ، فضلاً عن أساتذة الجامعات في المملكة .
وقد أثنى عليه الكثير منهم ، وأعجبوا بغزارة علمه ، وممن أثنى عليه كثيراً
معالي الشيخ الدكتور بكر أبوزيد ، ومعالي الشيخ الدكتور صالح بن حميد.
وبعد وفاة علم الأمة وشيخ شيوخ علماء هذه البلاد سماحة الشيخ ابن باز ، دعا رجل
الأعمال الفاضل الشيخ سليمان الراجحيّ لفيفاً من العلماء والمشايخ وطلاب العلم
والوجهاء ، ومن هؤلاء العلماء : الشيخ عبدالرحمن الفريان رحمه الله والشيخ
عبدالله الجبرين ، والشيخ عبدالرحمن البراك وغيرهم وتدارس المشايخ أثر هذا
الحادث الجلل ، وماسيتركه من فراغ كبيـر ، وتكلم عدد من المشايخ ، ثم طلب بعض
الحاضرين من الشيخ أن يتكلم ، فألقى كلمة مؤثّرة نالت إعجاب العلماء واقترح عدد
منهم أن تسجّل وتوزع ، فكان ذلك .
وكما أثنى عليه من عرفه من علماء هذه البلاد ، أثنى عليه الجم الغفيـر في
العالم الإسلاميّ .
وسأذكر شيئاً يسيراً من هذا الثناء الذي سمعته ووقفت
عليه:
من ذلك ثناء شيخه العلامة الشيخ (( محمد سالم بن عدّود )) وهو أعرف الناس به ،
سمعته قبل عام ونصف يقول : (( إنني محتاج إلى علمه )) وحين تعرض الشيخ محمد
سالم لمرضه الشديد الذي مضت الإشارة إليه ،نظم أبياتاً أوصى أبناءه وتلاميذه
بعدةّ وصايا ، ومنها أنه وصاهم بأخذ العلم عن الشيخ
محمد الحسن ، وأن يقتدوا به هدياً وسمتاً ، حيث قال :
وَمُحَمَّدُ الْحَسَنُ انْهَلُوا مِنْ عِلْمِه
*** وَتَرَسَّمُوا مِن هَدَيِهِ مَااسْطَعْـتُم
وفي هذا إشارة إلى استخلافه له في حمل راية العلم .
وقال عنه أحد أشهر شعراء موريتانيا (( التقيّ بن الشيخ )) في مقطوعة بعنوان ((
نحن أولى به )) :
سَعِدَ الـنَّاسُ بِهَذَا الْقُطْرِ لَوْ ***
وَجَدُوا مِثْلَ الإِمَامِ ابْنِ الدَّدَوْ
مَن سَمَا مَن قَدْ سَمَوْا فِي أَدَبٍ ***
وَوَقَارٍ ، وَشَأَى مَن قَدْ شَأَوْأ
يَاَلهُ مِن كَوْكَبٍ يَفْرِي الدُّجَى *** قَمَراً
مِن دَوْلَةٍ يَسَعى لِدَوْ
يُعْلِنُ الْحَرْبَ عَلَى مَن بَدَّلُوا ***
وَأَتـَوْا مِن بِدَعٍ مَاقَدْ أَتـَوْا
وَسَعَوْا فِي نَقْضِ مَا أَبْرَمَهُ *** هَدْيُ
طَــهَ بِئْسَ مَافِيهِ سَعَوْا
غَيْرَ أَنَّ الْقَرْمَ لا يَتْرُكُهُمْ *** لَيْسَ
يَصْفُو لَهُمُ مَاعَاشَ جَوّْ
كُلَّمَا قَابلَهُمْ فِي مَوْطِنٍ *** لَوَّوُا
الأَعْنَاقَ عَجْزاً وَانثَنَوْا
فَغَدَا لِلدِّينِ يُحْيِي عَهْدَهُ *** سَادِلاً
مِنْ هَدْيِهِ مَاقَدْ طَوَوْا
مَنْهَلٌ سِيقَ لإِخْوَانٍ لَنَا *** فِي بِقَاعِ
الأَرْضِ غَمْرٌ فَارْتـَوَوْا
وَسَقَوْا واسْتَمْسَكُوا مِن دِينِهمْ ***
بِقَوِيـمٍ مَن بِهِ لاذُوا نَجَوْا
يَا أَمِيـرَ السَّفرِ هَلْ مِن *** لَفْتَةٍ
لأُنـَاسٍ لَكَ بِالْقُرْبـَى اعْتَزَوْا
زَاحمَتْهُمْ فِيكَ أَقْوَامٌ ، وَهُمْ *** بِكَ
أَوْلَى مِن سِوَاهُمْ لَوْ دَرَوْ
والأبيات تتضمن عتباً على الشيخ ؛ لأنه غاب عن بلدهم كثيـراً ،
فلايرونه إلا لـماماً .
والعجيب أن هذا الديوان (( لافتات شنقيطية )) أهداه إلـيّ الشيخ نفسه ، وقرأ
عليّ طائفة من القصائد التي أُعجب بـها لصاحب الديوان ، ولم يذكر هذه القصيدة
لأنـها في مدحه ، وماعرفت ذلك إلا بعد عدة أشهر حين
استعرضت قصائد الديوان .
وللشيخ الدكتور عائض بن عبدالله القرنـيّ وفقه الله مقطوعة ، حيَّـا بـها الشيخ
، وأشار إلى بعض مناقبه ، وعنوانـها (( تحية وإجلال )) وقد رأيتها مع الشيخ ضمن
أوراق له ، وطلبت منه أن أقرأها وأخذتـها ولم أعدها إليه ، ولم يكن حريصاً
عليها ، وكان نظمها بتاريخ 1421/7/29 )
وَمحَمَّدُ الْحَسَنُ الْمُورِيتَانِي فِي ***
جَمْعِ الْفُنونِ وَدِقَّةِ الإِتْقَانِ
وَلَهُ جَزَاهُ اللَّهُ خَيـراً هِمَّةٌ *** تَرْ
بُو عَلَى الْمِرِّيخَ أَو كِيوَانِ
فَإِذَا تَرَبَّعَ لِلْحَدِيثِ حَسِبْتَهُ ***
حَمَّادَ يَرْوي النَّقْلَ عَنْ سُفْيَانِ
وَإِذا أَردتَ النَّحْوَ فَالزَّجَّاجُ فِي ***
حُسْنِ الْكَلامِ وَروْعَةِ الـتَّبْـيَانِ
وَلَهُ التَّدَفُّقُ فِي الْبلاغَةِ مُحْسِناً ***
مَاكَانَ بِالْوَانِي وَلا الْمُتَوَانِي
وَالْحِفْظُ سُبْحَانَ الَّذِي أَعْطَاهُ مِنْ ***
فَيْضِ النُّصُوصِ وَقُوَّةُ الْـبُرْهَانِ
والْفِقْهُ فُصِّلَ فِي غُضُونِ كَلامِهِ ***
فَكَأَنـَّـهُ شَيْخُ الَتُّـقَى الْحَرَّانِي
قَدْ زَانَهُ اللَّهُ الْكَرِيـمُ بِحُلَّةٍ من ***
أَجْمَلِ الأَخَلاقِ وَالإِحْسَانِ
فَبَشَاشَةٌ أَخَّاذَةٌ وَتَواضَعٌ يَسْبِي ***
الـنُّـفُوسَ بِغُصْنِهِ الْفَيْنانِ
مَعْ أَنـَّـهُ مَا شَعَّ شَيْباً رَأْسُـهُ ***
وَلَهُ ثَلاثُونَ خَلَتْ ثِنَتَانِ
لَوْلا الْعَوَاذِلُ قُلْتُ : أَحْفَظُ عَصْرِنَا ***
وَسِوَاه مِن حُفَّاظِنَا اِثْنَانِ
لَكِنَّهُ عِندِي أَحَبُّ لِدِينِهِ *** وَكَمَالِ
غَيْرَتـِـهِ عَلَى الإِخْوَانِ
وَسَلامَةٍ فِي صَدْرِهِ وَتَـعَفُّفٍ *** عَنْ
عِرْضِ كُلِّ مُوَحِّدٍ رَبَّانِي
وتلاميذ الشيخ ومحبوه يعرفون عشرات القصائد نُظمت ، وعشرات
المقالات دُبِّجت في الثناء عليه وهو لايحفل بـها ولايـحتفظ بشي منها .
ومن لم يعرفوه والحاسدون له - وكل ذي نعمة محسود - حينما يقرأون أبيات الشيخ
عائض وقبله أبيات التقيّ بن الشيخ وكلام غيرهما يظنون أن هذا كله ضرب من الغلو
والمبالغة ، والشيخ عائض يشبهه بـهؤلاء الأئمة ؛ لأن الشيخ في غزارة علمه
يذكرنا بـهم ، وليس وارداً أنه يفضله عليهم في العلم معاذ الله ويعرف كل من
يعرف الفرق بين المشبه والمشبه به .
ولقد سمعته في بعض دروس النحو يقرر ماذكره الإمام ابن مالك في الألفية ، وفي
التسهيل عن طريق نظم ابن بونه ، مع إيراد كلام الأئمة نظماً ونثراً وشواهد
العربية في استحضار عجيب .
وسمعته يلقي دروساً في الفقه ، فيورد المشهورمن كلام الأئمة الأربعة في كل
مسألة يختلفون فيها ، وهكذا سائر العلوم كل ذلك حفظاً دون تلعثم ولا تردّد ،
ومن كان في شك من ذلك فليستمع إليه فهو حيّ يُرزق فكَّ الله أسره ، وأسدل عليه
ثوب العافية .
هذا العالم الجليل يقبع الآن في سجون النظام الموريتانـي ، وذنبه أنه قال لهذا
النظام لايجوز لك أن تفتح سفارة لليهود الذين يقتلون نساءنا وأطفالنا ، ويدنسون
مقدساتنا في فلسطين ، واستمر هذا النظام المتهوّد في استقبال زعماء اليهود ،
وآخرهم زيارة وزير خارجيتهم قبل أيام .
فكان جزاء الشيخ أن يزجّ به في السجن ، هو وكل من درس في جامعات المملكة ، ممن
لهم نشاط في الدعوة إلى الله تعالى ، واتـهمهم هذا النظام بأنـهم صدَّروا إلى
موريتانيا الوهابية ، وأغلق كل المؤسسات الخيرية والتعليمية التي أهدتـها
المملكة حكومة وشعباً إلى موريتانيا ، واتـهم المملكة حكومة وشعباً بأنـهم
وهّابيون إرهابيون ، وكأن دعوة الإمام المجدّد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله
تعالى تـهمة وهؤلاء إنما يتهمون الإسلام بالإرهاب ، ودعوة الشيخ محمد بن
عبدالوهاب دعوة جدَّدت معالم الإسلام كما جاء به سيد الخلق صلى الله عليه وسلم
، ولكن ليس هذا بغريب على نظام عشق اليهود وارتـمى في أحضانـهم ، ولايسمع
إلاكلامهم وكلام من دأبوا على حرب الإسلام واستئصال معالمه من المجاورين له .
إن الله عز وجل يـملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ، والله غالب على أمره ولكن
أكثر الناس لايعلمون .
وبعد : فإنني أكتب هذه الأسطر وأنا أعلم أنني تأخرت كثيراً لا لشيء إلا لأنـي
غير معروف عند الناس فلن يكون لكتابتي أثر ؛ لكنني رأيت أخيراً أن من واجبي أن
أسهم بشيء نحو هذا العالم الفذ فعسى أن يكون فيما كتبت مايسهم في رفع الظلم عنه
، فهو أسير المحبسين : السجن والمرض ، وآخر الأخبار تفيد أن حالته الصحية
متدهورة جداً ، وأنه يقاد إلى عنابر التحقيق ومعه جنديّ يحمل الحقن المغذية
المغروزة في جسده .
وفي ختام هذه الأسطر أقترح أن يتنادى كبار العلماء والدعاة في عالمنا الإسلاميّ
عن طريق أيّ جهة معنيّة بقضايا العالم الإسلاميّ ، ويرسلوا وفداً للتفاهم مع
هذا النظام الفاسد من أجل أن يسمح للشيخ بالسفر إلى أيّ بلد للعلاج .
وأسأل الله أن يهيء لـهذه الأمة أمراً رشداً ، يعز فيه أهل طاعته ، ويذل فيه كل
محارب لدينه متسلط على أوليائه ؛ إنه جواد كريم ، وصلى الله وسلم على خير خلقه
نبيه ومصطفاه ، وعلى آله وصحبه والحمد لله بدءاً وختاماً .
وكتبه الفقير إلى عفو الله ومغفرته
عبدالله بن محمد الحكميّ
محاضرات صوتية للعلامة الشيخ محمد
الحسن الدَّدو
http://www.chadarat.com/Saotiyat.htm
http://www.islamway.com/?iw_s=Scholar&iw_a=lessons&scholar_id=549
الشيخ محمد الحسن الددو : لسنا من أصحاب
التشفي وطلب الانتقام !
http://www.islamtoday.net/articles/show_articles_content.cfm?id=37&catid=77&artid=6008
الشيخ محمد الحسن: لا علاقة لنا
بالانقلابيين وبالصور
http://www.islamtoday.net/articles/show_articles_content.cfm?id=37&catid=77&artid=5222
وبعد : فهذه سطور من حياة العلامة الشيخ محمد الحسن الدَّدو ، فكّ الله أسره ،
وأسبغ عليه ثوب الصحة والعافية .
بادئ ذي بدء فان لحديث عن الشيخ لاتوفّـي حقه أسطر يسيرة ، والكلام عنه يتشعّب
بتشعّب مناشطه وتعدّد مواهبه ، ويترامى في كل اتجاه ترامي شهرته الواسعة ،
وعلمه الغزير .
وسأتناول في هذه السطور القليلة شيئاً مما عرفته عنه في السنوات الماضية ، وما
عرفته هو قطرة من بحر وغيض من فيض .
الشيخ بين النشأة والموهبة الربانية:
ولد الشيخ - كما قال لي - سنة 1386هـ في قريتهم الشهيـرة بـ (( أم القرى )) من
إقليم شنقيط أي : أنه الآن على مشارف الأربعين بارك الله في عمره ، ونفع به
الأمة .
وإذا أراد الله بعبد خـيـراً هيّء له الأسباب التي تعينه على مبتـغاه .
وإذا تأملنا في أسباب نبوغ هذا العلم نجد من أهمها :
1) المواهب التي فطره الله عليها ، وأكرمه بـها :
من حدة الذكاء وسرعة الحفظ والفهم .
2) الوسط العلميّ الذي نشأ فيه ، فقد نشأ بين
أبوين عالمين ، ولاسيما أمه ، فأمه من أسرة آل عبدالودود الـهاشمية ، فهو هاشمي
من جهة أمه ، أما من جهة أبيه فهو حميـريّ ، ترجع أصوله إلى قبيلة حميـر باليمن
كما حدثني بذلك .
وقد اعتنى أبواه به فحفَّظاه القرآن في سن مبكّرة ، حيث حدثني أنه أدرك في
السنة الثامنة أنه حافظ للقرآن ولايدري متى حفظه بالتحديد ؛ لأن حفظ الصبيان
للقرآن والمتون الأولية أمر مألوف عندهم ، ولايكون مستـغرباً كما هو الحال في
سائر مجتمعاتنا العربية اليوم .
وقد تلقى عن أمه القراءات العشر ، وحفظ على يديها طائفة من المتون ، ثم أكرمه
الله بملازمة جدّه لأمه العلامة الكبيـر الشيخ محمد علي بن عبدالودود ، الشهيـر
بـ (( محمد عالـي )) ونشأ في حجره وهو طفل صغيـر ، فحفظ عليه الكثيـر من المتون
المهمة في علوم الوسائل وعلوم المقاصد ، وتلقى عليه علوم الكتاب والسنة ، وقرأ
عليه مطولاتـها ، وتعلّم منه العبادة والسمت الحسن والزهد والجدّ ، ولم يعرف
لـهو الأطفال ، وعبث الفتيان ، وظل ملازماً لجدّه حتى توفـي رحمه الله تعالى ،
وهو الذي يقول عنه في دروسه : قال شيخي جَدّي .
ثم واصل تلقيه العلوم في محظرة أخواله التي تعرف بـ (( محظرة آل عدّود )) فتلقى
على خاليه العالمين الجليلين : (( محمد يحيى )) و (( محمد سالم )) وهما أشهر
أبناء الشيخ (( محمد عليّ )) السالف الذكر علماً .
وأكثر تلقيه بعد موت جدّه عن بحر العلوم خاله الشيخ محمد سالم بن عدّود وهو
الذي يقول عنه في دروسه : قال شيخي خالي ، ولم أر في حياتـي من يجمع بين علوم
النقل والعقل مثل الشيخ محمد سالم أمتع الله به الأمة .
ولـهذا الوسط الصالح أثر في نشأة الشيخ محمد الحسن على سلامة المعتقد ، فأسرة
((آل عدّود)) أسرة سلفية المعتقد مع التربية على الاعتدال في السلوك والعبادة .
3) البيئة الريفية الـهادئة البعيدة عن مغريات
الحياة وشواغلها ، ومظاهر الترف .
4) علوّ الـهمة لدى الشيخ .
طرف من أخباره في العلم والعمل ، والدعوة إلى الله ، وغير ذلك :
حفظه :
هو من أعاجيب الدنيا في الحفظ والاستحضار ، يشرح المتون الكثيـرة ، دون أن ترى
بيده كتاباً،أو ورقاً إلا في حالات نادرة حين يريد نقل نصّ معين لم يكن حفظه من
قبل ، ويحفظ من أشعار العرب ودواوينهم وشعر المعاصرين مالا يخطر على بال .
ومن أعجب ماسمعته منه ، ولم أنقله عن أحد : حفظه للمشهور من أقوال الأئمة
الأربعة ، ومعرفته لدقائق علل الحديث النبويّ ، وإذا تكلم في فن قلت : إنه قصر
نفسه عليه وأفنى عمره في تحصيله .
ومرة نظمت مقطوعة في ثمانية أبيات بمناسبة شفاء شيخنا العلامة الكبير محمد سالم
من مرض ألمّ به قبل سنوات ، أمتع الله به ، وكان الشيخ محمد الحسن في حينها
عازماً على السفر إلى موريتانيا ، وليس هناك وقت للالتقاء به ، فقرأتـها عليه
عبـر الهاتف، ثم قلت له : أرسلها لك بواسطة الناسخ (( الفاكس )) فقال لي :
مايحتاج ، أنا أوصلها له ، أي أنه حفظها من مرة واحدة ، ثم علمت من غيره أنه
كتبها ودفعها إلى الشيخ محمد سالم ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .
قدرته العجيبة على النظم :
رأيته مراراً ينظم في الحال ، بل يرتجل بعض المقطوعات،ونظمه نظم بديع ، وهو
شاعر مجيد ، يقول الشعر على السليقة وله قصائد كثيـرة لم تجمع وقد ضاع الكثيـر
منها .
نتاجه العلمي :
للشيخ نتاج علميّ كثيـر برغم انشغاله ، وله أبحاث ماتزال مخطوطة ، وفوائد
منظومة متفرّقة ، وطبع من تأليفه رسالته التي أعدها لنيل درجة الماجستيـر ، من
كلية الشريعة بالرياض ، وعنوانـها(( مخاطبات القضاة )) ونشرتـها دار الأندلس
الخضراء بجدة ، ويشرف على سلسلة من المتون العلمية صدر منها ثلاثة متون وهي
1) هداية المرتاب للإمام المقرئ علم الدين
السخاويّ رحمه الله تعالى .
2) موطأة الفصيح للإمام ابن المرحل رحمه الله .
3) ألفية الحافظ العراقي رحمه الله .
وأكثـر نتاج الشيخ دروس مسجلة في مئات الأشرطة في كثير من أنحاء العالم
الإسلامي .
عبادته وجلده على ذلك :
شيخنا الدَّدَو : عالم عامل ، صوّام قوّام ، لايترك صوم يوم الاثنين والخميس ،
وغيرهما من مواسم صيام النفل ، يكتفي في غالب أحواله بنوم الظهيرة ، وما رآه
أحد من عارفيه نائماً على غيـر شقه الأيمن ، في حين أننا نحرص على النوم على
الشق الأيمن عند ابتداء النوم ، لكننا إذا استغرقنا في النوم ، واستطلق الوكاء
وتعالى الشخيـر والزفيـر ، انقلبنا على ظهورنا ، وأحسننا حالاً من سلم من
الانبطاح والله المستعان .
ويتصف الشيخ بجلد لم أره في غيره ، فلا يمكن أن تراه يُـهوّم أو يتثاءب ، مهما
توالى سهره ، واشتد تعبه .
ومن عجائب جلده : أنني طلبت منه أن يقابل معي نسخة بالخط الموريتانـيّ ، شقّ
عليّ قراءتـها مع نسخة أخرى من أجل معرفة الفروق بين النسختين ، وكان بعد قدومه
من سفر ، فواصلت معه إلى الثانية ليلاً ، ولم أستطع المواصلة ، فذهبت لأنام -
وكان هذا في ليالي الشتاء الطويلة - ثم استيقظت قبيل أذان الفجر مستـعينا
بالمنبه ، فجئت إلى الشيخ لأوقظه ، ظناً مني أنه قد نام ، فإذا هو قائم يصلي
وقد أتم مقابلة المخطوطتين ودوّن الفروق بينهما ، فقلت في نفسي : ياللعجب.
تواضعه :
لم أر في حياتي أشد تواضعاً منه ، وإنه ليُخجِل زائره بفرط تواضعه ، ويكفي أنه
يقدم لكل زائر له من محبيه نعليه إذا خرج من عنده ، ولايستأثر بالحديث ،
ولايتكلم بحضرة شيخ سبق أن حضر دروسه في مراحل الدراسة الجامعية ، دائم البشر ،
طلق المحيا ، مهيب وقور ، مسارع إلى خدمة الناس وقضاء حوائجهم لايردّ طلب أحد ،
ولايحب الثناء ، ولا يسمح لأحد يتكلم في أهل العلم والفضل ، ولايحب الوقيعة في
أحد من المسلمين حاكماً أو محكوماً .
تضحيته في سبيل الدعوة :
لقد جاب الشيخ أكثـر بلاد الدنيا داعياً إلى الله بالحسنى ، محذّراً من الغلوّ
في الدين ، ومادُعي من مكان فـي العالم إلا ورحل إليه ، درّس العلوم ، وحاضر ،
وواصل كلال الليل بكلال النهار ، في صبـر عجيب ، واحتمال للمشاقّ قل نظيـره في
هذه الأزمان .
رحابة صدره ، ورباطة جأشه عند النقاش :
يمتاز الشيخ برحابة الصدر عند النقاش ، فلا تعتريه الحدة ، ولايضيق بالمخالف ،
بل رأيته مراراً يمسك بأصابع المحاور ، ويعدد حججه بواسطتها في ثبات عجيب ،
ولايملك من يناقشه إلا الامتـثال
أو السكوت على الأقل .
شيء من مواهبة :
شيخنا إلى جانب مواهبه الكثيرة يفسر الرؤى ، وهو بارع في ذلك ، ويتّبع في
تفسيره هدي السلف ويقيد تأويله بإسناد العلم إلى الله تعالى ، ولايقطع في
تأويله ويجزم ، ولا يؤوّل رؤيا بالتكلّف ، ولايؤوّل رؤيا يترتب على تأويلها
مفسدة خاصة أو عامة .
وله معرفة تامة بالرقى الشرعية ، وعلاج السحر والعين ، وجُلّ وقته مبذول في
قضاء حوائج الناس
أثابه الله تعالى ، مع معرفة عامة بعلوم أخرى كالفلك والطب وغيـرهما .
طرف يسير من أقوال أهل العلم فيه :
حينما وفد الشيخ إلى هذه البلاد تعرف على الكثيـر من علمائها وطلاب العلم فيها
، وله معهم محاورات ومناقشات ، وتربطه علاقة ودّية ببعض العلماء المعروفين
كالشيخ بكر أبي زيد ، فضلاً عن أساتذة الجامعات في المملكة .
وقد أثنى عليه الكثير منهم ، وأعجبوا بغزارة علمه ، وممن أثنى عليه كثيراً
معالي الشيخ الدكتور بكر أبوزيد ، ومعالي الشيخ الدكتور صالح بن حميد.
وبعد وفاة علم الأمة وشيخ شيوخ علماء هذه البلاد سماحة الشيخ ابن باز ، دعا رجل
الأعمال الفاضل الشيخ سليمان الراجحيّ لفيفاً من العلماء والمشايخ وطلاب العلم
والوجهاء ، ومن هؤلاء العلماء : الشيخ عبدالرحمن الفريان رحمه الله والشيخ
عبدالله الجبرين ، والشيخ عبدالرحمن البراك وغيرهم وتدارس المشايخ أثر هذا
الحادث الجلل ، وماسيتركه من فراغ كبيـر ، وتكلم عدد من المشايخ ، ثم طلب بعض
الحاضرين من الشيخ أن يتكلم ، فألقى كلمة مؤثّرة نالت إعجاب العلماء واقترح عدد
منهم أن تسجّل وتوزع ، فكان ذلك .
وكما أثنى عليه من عرفه من علماء هذه البلاد ، أثنى عليه الجم الغفيـر في
العالم الإسلاميّ .
وسأذكر شيئاً يسيراً من هذا الثناء الذي سمعته ووقفت
عليه:
من ذلك ثناء شيخه العلامة الشيخ (( محمد سالم بن عدّود )) وهو أعرف الناس به ،
سمعته قبل عام ونصف يقول : (( إنني محتاج إلى علمه )) وحين تعرض الشيخ محمد
سالم لمرضه الشديد الذي مضت الإشارة إليه ،نظم أبياتاً أوصى أبناءه وتلاميذه
بعدةّ وصايا ، ومنها أنه وصاهم بأخذ العلم عن الشيخ
محمد الحسن ، وأن يقتدوا به هدياً وسمتاً ، حيث قال :
وَمُحَمَّدُ الْحَسَنُ انْهَلُوا مِنْ عِلْمِه
*** وَتَرَسَّمُوا مِن هَدَيِهِ مَااسْطَعْـتُم
وفي هذا إشارة إلى استخلافه له في حمل راية العلم .
وقال عنه أحد أشهر شعراء موريتانيا (( التقيّ بن الشيخ )) في مقطوعة بعنوان ((
نحن أولى به )) :
سَعِدَ الـنَّاسُ بِهَذَا الْقُطْرِ لَوْ ***
وَجَدُوا مِثْلَ الإِمَامِ ابْنِ الدَّدَوْ
مَن سَمَا مَن قَدْ سَمَوْا فِي أَدَبٍ ***
وَوَقَارٍ ، وَشَأَى مَن قَدْ شَأَوْأ
يَاَلهُ مِن كَوْكَبٍ يَفْرِي الدُّجَى *** قَمَراً
مِن دَوْلَةٍ يَسَعى لِدَوْ
يُعْلِنُ الْحَرْبَ عَلَى مَن بَدَّلُوا ***
وَأَتـَوْا مِن بِدَعٍ مَاقَدْ أَتـَوْا
وَسَعَوْا فِي نَقْضِ مَا أَبْرَمَهُ *** هَدْيُ
طَــهَ بِئْسَ مَافِيهِ سَعَوْا
غَيْرَ أَنَّ الْقَرْمَ لا يَتْرُكُهُمْ *** لَيْسَ
يَصْفُو لَهُمُ مَاعَاشَ جَوّْ
كُلَّمَا قَابلَهُمْ فِي مَوْطِنٍ *** لَوَّوُا
الأَعْنَاقَ عَجْزاً وَانثَنَوْا
فَغَدَا لِلدِّينِ يُحْيِي عَهْدَهُ *** سَادِلاً
مِنْ هَدْيِهِ مَاقَدْ طَوَوْا
مَنْهَلٌ سِيقَ لإِخْوَانٍ لَنَا *** فِي بِقَاعِ
الأَرْضِ غَمْرٌ فَارْتـَوَوْا
وَسَقَوْا واسْتَمْسَكُوا مِن دِينِهمْ ***
بِقَوِيـمٍ مَن بِهِ لاذُوا نَجَوْا
يَا أَمِيـرَ السَّفرِ هَلْ مِن *** لَفْتَةٍ
لأُنـَاسٍ لَكَ بِالْقُرْبـَى اعْتَزَوْا
زَاحمَتْهُمْ فِيكَ أَقْوَامٌ ، وَهُمْ *** بِكَ
أَوْلَى مِن سِوَاهُمْ لَوْ دَرَوْ
والأبيات تتضمن عتباً على الشيخ ؛ لأنه غاب عن بلدهم كثيـراً ،
فلايرونه إلا لـماماً .
والعجيب أن هذا الديوان (( لافتات شنقيطية )) أهداه إلـيّ الشيخ نفسه ، وقرأ
عليّ طائفة من القصائد التي أُعجب بـها لصاحب الديوان ، ولم يذكر هذه القصيدة
لأنـها في مدحه ، وماعرفت ذلك إلا بعد عدة أشهر حين
استعرضت قصائد الديوان .
وللشيخ الدكتور عائض بن عبدالله القرنـيّ وفقه الله مقطوعة ، حيَّـا بـها الشيخ
، وأشار إلى بعض مناقبه ، وعنوانـها (( تحية وإجلال )) وقد رأيتها مع الشيخ ضمن
أوراق له ، وطلبت منه أن أقرأها وأخذتـها ولم أعدها إليه ، ولم يكن حريصاً
عليها ، وكان نظمها بتاريخ 1421/7/29 )
وَمحَمَّدُ الْحَسَنُ الْمُورِيتَانِي فِي ***
جَمْعِ الْفُنونِ وَدِقَّةِ الإِتْقَانِ
وَلَهُ جَزَاهُ اللَّهُ خَيـراً هِمَّةٌ *** تَرْ
بُو عَلَى الْمِرِّيخَ أَو كِيوَانِ
فَإِذَا تَرَبَّعَ لِلْحَدِيثِ حَسِبْتَهُ ***
حَمَّادَ يَرْوي النَّقْلَ عَنْ سُفْيَانِ
وَإِذا أَردتَ النَّحْوَ فَالزَّجَّاجُ فِي ***
حُسْنِ الْكَلامِ وَروْعَةِ الـتَّبْـيَانِ
وَلَهُ التَّدَفُّقُ فِي الْبلاغَةِ مُحْسِناً ***
مَاكَانَ بِالْوَانِي وَلا الْمُتَوَانِي
وَالْحِفْظُ سُبْحَانَ الَّذِي أَعْطَاهُ مِنْ ***
فَيْضِ النُّصُوصِ وَقُوَّةُ الْـبُرْهَانِ
والْفِقْهُ فُصِّلَ فِي غُضُونِ كَلامِهِ ***
فَكَأَنـَّـهُ شَيْخُ الَتُّـقَى الْحَرَّانِي
قَدْ زَانَهُ اللَّهُ الْكَرِيـمُ بِحُلَّةٍ من ***
أَجْمَلِ الأَخَلاقِ وَالإِحْسَانِ
فَبَشَاشَةٌ أَخَّاذَةٌ وَتَواضَعٌ يَسْبِي ***
الـنُّـفُوسَ بِغُصْنِهِ الْفَيْنانِ
مَعْ أَنـَّـهُ مَا شَعَّ شَيْباً رَأْسُـهُ ***
وَلَهُ ثَلاثُونَ خَلَتْ ثِنَتَانِ
لَوْلا الْعَوَاذِلُ قُلْتُ : أَحْفَظُ عَصْرِنَا ***
وَسِوَاه مِن حُفَّاظِنَا اِثْنَانِ
لَكِنَّهُ عِندِي أَحَبُّ لِدِينِهِ *** وَكَمَالِ
غَيْرَتـِـهِ عَلَى الإِخْوَانِ
وَسَلامَةٍ فِي صَدْرِهِ وَتَـعَفُّفٍ *** عَنْ
عِرْضِ كُلِّ مُوَحِّدٍ رَبَّانِي
وتلاميذ الشيخ ومحبوه يعرفون عشرات القصائد نُظمت ، وعشرات
المقالات دُبِّجت في الثناء عليه وهو لايحفل بـها ولايـحتفظ بشي منها .
ومن لم يعرفوه والحاسدون له - وكل ذي نعمة محسود - حينما يقرأون أبيات الشيخ
عائض وقبله أبيات التقيّ بن الشيخ وكلام غيرهما يظنون أن هذا كله ضرب من الغلو
والمبالغة ، والشيخ عائض يشبهه بـهؤلاء الأئمة ؛ لأن الشيخ في غزارة علمه
يذكرنا بـهم ، وليس وارداً أنه يفضله عليهم في العلم معاذ الله ويعرف كل من
يعرف الفرق بين المشبه والمشبه به .
ولقد سمعته في بعض دروس النحو يقرر ماذكره الإمام ابن مالك في الألفية ، وفي
التسهيل عن طريق نظم ابن بونه ، مع إيراد كلام الأئمة نظماً ونثراً وشواهد
العربية في استحضار عجيب .
وسمعته يلقي دروساً في الفقه ، فيورد المشهورمن كلام الأئمة الأربعة في كل
مسألة يختلفون فيها ، وهكذا سائر العلوم كل ذلك حفظاً دون تلعثم ولا تردّد ،
ومن كان في شك من ذلك فليستمع إليه فهو حيّ يُرزق فكَّ الله أسره ، وأسدل عليه
ثوب العافية .
هذا العالم الجليل يقبع الآن في سجون النظام الموريتانـي ، وذنبه أنه قال لهذا
النظام لايجوز لك أن تفتح سفارة لليهود الذين يقتلون نساءنا وأطفالنا ، ويدنسون
مقدساتنا في فلسطين ، واستمر هذا النظام المتهوّد في استقبال زعماء اليهود ،
وآخرهم زيارة وزير خارجيتهم قبل أيام .
فكان جزاء الشيخ أن يزجّ به في السجن ، هو وكل من درس في جامعات المملكة ، ممن
لهم نشاط في الدعوة إلى الله تعالى ، واتـهمهم هذا النظام بأنـهم صدَّروا إلى
موريتانيا الوهابية ، وأغلق كل المؤسسات الخيرية والتعليمية التي أهدتـها
المملكة حكومة وشعباً إلى موريتانيا ، واتـهم المملكة حكومة وشعباً بأنـهم
وهّابيون إرهابيون ، وكأن دعوة الإمام المجدّد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله
تعالى تـهمة وهؤلاء إنما يتهمون الإسلام بالإرهاب ، ودعوة الشيخ محمد بن
عبدالوهاب دعوة جدَّدت معالم الإسلام كما جاء به سيد الخلق صلى الله عليه وسلم
، ولكن ليس هذا بغريب على نظام عشق اليهود وارتـمى في أحضانـهم ، ولايسمع
إلاكلامهم وكلام من دأبوا على حرب الإسلام واستئصال معالمه من المجاورين له .
إن الله عز وجل يـملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ، والله غالب على أمره ولكن
أكثر الناس لايعلمون .
وبعد : فإنني أكتب هذه الأسطر وأنا أعلم أنني تأخرت كثيراً لا لشيء إلا لأنـي
غير معروف عند الناس فلن يكون لكتابتي أثر ؛ لكنني رأيت أخيراً أن من واجبي أن
أسهم بشيء نحو هذا العالم الفذ فعسى أن يكون فيما كتبت مايسهم في رفع الظلم عنه
، فهو أسير المحبسين : السجن والمرض ، وآخر الأخبار تفيد أن حالته الصحية
متدهورة جداً ، وأنه يقاد إلى عنابر التحقيق ومعه جنديّ يحمل الحقن المغذية
المغروزة في جسده .
وفي ختام هذه الأسطر أقترح أن يتنادى كبار العلماء والدعاة في عالمنا الإسلاميّ
عن طريق أيّ جهة معنيّة بقضايا العالم الإسلاميّ ، ويرسلوا وفداً للتفاهم مع
هذا النظام الفاسد من أجل أن يسمح للشيخ بالسفر إلى أيّ بلد للعلاج .
وأسأل الله أن يهيء لـهذه الأمة أمراً رشداً ، يعز فيه أهل طاعته ، ويذل فيه كل
محارب لدينه متسلط على أوليائه ؛ إنه جواد كريم ، وصلى الله وسلم على خير خلقه
نبيه ومصطفاه ، وعلى آله وصحبه والحمد لله بدءاً وختاماً .
وكتبه الفقير إلى عفو الله ومغفرته
عبدالله بن محمد الحكميّ
محاضرات صوتية للعلامة الشيخ محمد
الحسن الدَّدو
http://www.chadarat.com/Saotiyat.htm
http://www.islamway.com/?iw_s=Scholar&iw_a=lessons&scholar_id=549
الشيخ محمد الحسن الددو : لسنا من أصحاب
التشفي وطلب الانتقام !
http://www.islamtoday.net/articles/show_articles_content.cfm?id=37&catid=77&artid=6008
الشيخ محمد الحسن: لا علاقة لنا
بالانقلابيين وبالصور
http://www.islamtoday.net/articles/show_articles_content.cfm?id=37&catid=77&artid=5222
|
نبذة مختصرة عن السيرة الذاتية للعلامة الشيخ محمد الحسن الدَّدو |