الحمد لله
والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه ترجمة مختصرة عن
الشيخ الداعية أحمد ديدات رحمه الله رحمة واسعة .
* ولد الشيخ أحمد حسين ديدات
عام 1918 م في بلدة (تادكيشنار) بولاية ( سوارات) الهندية .
* هاجر إلى جنوب إفريقيا في
عام 1927 م ليلحق بوالده .
* بدأ دراسته في العاشرة من
عمره حتى أكمل الصف السادس ، ولكن الظروف المادية الصعبة أعاقت استكماله
لدراسته .
* عمل في عام 1934 م بائعاً
في دكان لبيع المواد الغذائية ، ثم سائقاً في مصنع أثاث ، ثم شغل وظيفة ( كاتب
) في المصنع نفسه ، وتدرج في المناصب حتى أصبح مديراً للمصنع بعد ذلك .
* في أواخر الأربعينات التحق
الشيخ أحمد ديدات بدورات تدريبية للمبتدئين في صيانة الراديو وأُسس الهندسة
الكهربائية ومواضيع فنية أخرى ، ولما تمكن من توفير قدر من المال رحل إلى
باكستان عام 1949 م ، وقد مكث فـي باكستان فترة منكبّاً على تنظيم معمل للنسيج.
* تزوج الشيخ أحمد ديدات
وأنجب ولدين وبنتاً .
* اضطر الشيخ أحمد ديدات إلى
العودة مرة أخرى إلى جنوب أفريقيا بعد ثلاث سنوات للحيلولة دون فقدانه لجنسيتها
، حيث أنه ليس من مواليد جنوب أفريقيا .
وقد عرض عليه فور وصوله إلى جنوب أفريقيا استلام منصب مدير مصنع الأثاث الذي
كان يعمل فيه سابقاً .
* في بداية الخمسينيات أصدر
كتيبه الأول : " ماذا يقول الكتاب المقدس عن محمد صلى الله عليه وسلم ؟ " ، ثم
نشـر بعد ذلك أحد أبـرز كتيباته : " هل الكتاب المقدس كلام الله ؟ " .
* في عام 1959 م توقف الشيخ
أحمد ديدات عن مواصلة أعماله حتى يتسنى له التفرغ للمهمة التي نذر لها حياته
فيما بعد ، وهي الدعوة إلى الإسلام من خلال إقامة المناظرات وعقد الندوات
والمحاضرات . وفي سعيه الحثيث لأداء هذا الدور العظيم زار العديد من دول العالم
، واشتهر بمناظراته التي عقدها مع كبار رجال الدين المسيحي أمثال : كلارك –
جيمي سواجارت – أنيس شروش .
* أسس معهد السلام لتخريج
الدعاة ، والمركز الدولي للدعوة الإسلامية بمدينة ( ديربان ) بجنوب إفريقيا .
* ألف الشيخ أحمد ديدات ما
يزيد عن عشرين كتاباً ، وطبع الملايين منها لتوزع بالمجان بخلاف المناظرات التي
طبع بعضها ، وقام بإلقاء آلاف المحاضرات في جميع أنحاء العالم .
ولهذه المجهودات الضخمة مُنح الشيخ أحمد ديدات جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة
الإسلام عام 1986 م ( بالمشاركة ) .
بداية طريق الدعوة
يتحدث الشيخ أحمد ديدات عن بداية طريق الدعوة ، فيقول :
كنت أعمل في دكان قريب من موقع إرسالية آدمز ميشين ( كلية آدمز ) ..
وكان من عادة الطلبة في هذه الكلية أن يأتوا إلى المحل ، وكانوا مبشرين تحت
التدريب ..
كاناو يأتون إلى المحل ويرونني وبقية العاملين المسلمين في المحل ، وكانوا
يتحدثون إلينا بأشياء عن الإسلام ونبي الإسلام صلى الله عليه وسلم ، وعن أمور
وأشياء ليس لدي أي معرفة عنها .
ومن هذه الكلية توافد علينا المبشرون الذين حولوا حياتنا إلى بؤس وعذاب ، فلقد
كانوا يتدربون هناك على كيفية مواجهة المسلمين .
وحينما كانوا يأتون لشراء ما يحتاجون إليه من المحل كانوا ينهالون علينا
بالأسئلة والانتقادات .. فيقولون :
- هل
تعلمون أن محمداً تزوج نساءً كثيراتٍ جدّاً ؟ " .
وحينئذ لم يكن لدي أدنى معرفة بذلك .
- وهل
تعلمون أن محمداً نشر دينه بحدّ السيف ؟ " .
ولم يكن لدي أدنى معرفة عن ذلك .
- وهل
تعلمون أن قد نقل كتابه عن اليهود والنصارى ؟ " .
ولم يكن لدي أدنى علم بذلك .
كان الموقف فـي غاية الصعوبة بالنسبة لي .. ماذا أفعل كمسلم ؟ .. هل أردُّ
على الهجوم ؟ ..
ولكن كيف ذلك ؟ .. وليس لدي من العلم والمعرفة ما أَرُدُّ به ..
وهل أهرب من المكان ؟ ..
والحصول على عمل في تلك الأيام كان أمراً عسيراً .
وكان لدي توقٌ شديدٌ للمعرفة ، وللقراءة . وفي صباح يوم الراحة الأُسبوعية دخلت
المخزن الخاص برئيسي ، وأخذت أُقلب في كومة من الصُّحف القديمة ، وأُفتش عن
مادة جيدة أقرؤها ، وانهمكت في البحث إلى أن عثرت على كتاب قضمته الحشرات –
وفيما بعد جدّدت غلاف هذا الكتاب الذي قضمته الحشرات – وحينما أمسكت بالكتاب
ثارت منه رائحة نفاذة أثارت أنفي وانتابتني حالة من العطس فقد كان الكتاب
قديماً ومتعفِّناً .
قرأت عنوان الكتاب .. العنوان هو : (إظهار الحق) .. كان وقعه في أُذني وكأن
العنوان بالعربية ..
كان الكتاب قديماً وصدر في الهند عام 1915 م ، قبل ميلادي بثلاث سنوات .. فلقد
ولدت عام 1918 م ، فهو أقدم مني بثلاث سنوات.
وبفضل هذا الكتاب تغيرت حياتي تماماً ، ولو لم أصادف هذا الكتاب ما كنت لأقوم
بما أقوم به الآن ، وأعني بذلك التحدث إلى الناس عن الأديان من منطلق المقارنة
بينها .
هكذا كانت البداية .. من هذا المكان .. بدأ كل شيء من هنا منذ خمسين عاماً خلت
مرضه ووفاته :
أصيب الشيخ أحمد ديدات بمرض عضال منذ عام 1996م، أجبره على لزوم الفراش، وبقي
صابراً
محتسباً إلى أن وافته المنية صباح
يوم الإثنين الموفق
3
شهر رجب 1426هـ بتوقيت جنوب
أفريقيا، وصُلي على الفقيد بعد صلاة المغرب في أحد مساجد مدينة فيرلم التي تقع
على بعد 30 كم شمالي مدينة ديربان التي توفي في أحد مستشفياتها
.
ورغم إصابة الداعية الكبير بشلل تام في كل جسده -عدا دماغه-
ولزومه الفراش منذ عام 1996
فإنه رحمه الله واصل دعوته من خلال الرسائل والتي تتدفق عليه
يوميا من جميع أنحاء العالم
ويصل في المتوسط إلى 500 رسالة يومية سواء بالهاتف، أو
الفاكس أو عبر الإنترنت
والبريد.
رحم الله الشيخ رحمة واسعة اللهم آجرنا في مصيبتنا وأخلف لنا خيرا يا رب
العالمين .
بعض مؤلفاته :
ولقد أصدر عدة كتب تتعلق جميعها بالمقارنة بين الأديان ، وطبع ونشر من هذه
الكتب مائة ألف نسخة في المرة الواحدة ..
من هذه الكتب كتاب بعنوان :
ماذا يقول الكتاب المقدس عن محمد صلى الله عليه وسلم ؟
( What the Bible Says about Muhummed (
PBUH ))
ولقد طبع منه أكثر من ثلاثمائة ألف نسخة ..
وكتاب آخر :
هل الكتاب المقدس كلام الله ؟
( Is the Bible God's Word ?)
وقد طبع منه أكثر من مائتين وستين ألف نسخة ..
وكتب أخرى ، مثل :
مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء .
( Crucifixion or Cruci-fiction ?)
و المسيح في الإسلام
( Christ in Islam) .
والحل الإسلامي للمشكلة العنصرية .
( Islam's Answer to the Racial
Problem) .
والمسلم يؤدي الصلاة .
( The Muslim at Prayer) .
ومن دحرج الحجر ؟
( Who Moved the Stone ?)
وغيرها .. وغيرها .
المصدر :
http://www.islamlight.net/
فوا أحمداه! ووازينباه!
إكرام بنت عبد العليم الزيد
قد كان يجدرَ
بي نشر هذه المقالة مصاحبةً للحدثِ دون تأخرٍ وتلكؤ، لولا ذهول اعترى قلمي
فألجمه، وقد نزلتْ بنا فاجعة موتِ الملكِ فهد بن عبد العزيز - رحمه الله -
في غاشية غشتْ البلاد والعباد ما لبثتْ أن تقشّعتْ حتّى ثنّى الموتُ علينا
فجائعه باختطافِ حجّة زمانه في مناظرة النصارى الداعية الكبير أحمد ديدات،
وكذا الداعية الفاضلة زينب الغزالي ابنة أرض الكنانة، على الجميع من الله
شآبيب الرحمة والمغفرة!
ولقد رأيتُ في نفسي انصرافاً عن الكتابة لم أعهده بها قبلاً، وكنتُ أرجو أن
أجدَ ما أسدّ به حزني، وأكرم به الراحلَيْن غير مقالة أكتبها – فقد أفردتُ
للمليك الراحل مقالته -، لكني قلّبتُ النظر فرأيتُ الإعلام قد أحجم عن
تبيان عظم شأوهما، وتقاصر عن ذكر فضلهما، ورأيتُ أنّ المقالة هي أقلّ قليلٍ
ينعاهما، ويذكر مآثرهما، ويترحم عليهما، ثمّ انتابتني حيرة عن أيّ
العَلَمينِ أكتبُ إنْ كنتُ فاعلة؟..فوجدتهما كعيني رأسٍ لا فضلٍ لواحدةٍ
على أخرى، لكني آثرتُ أن أبتدئ بالشيخ أحمد ديدات – جعل الله قبره روضة
خضرة - ، وللرجال عليهنّ درجة!
ولأنيّ لا أعلم عن الراحل كثيراً من الأخبار – إلا ما اشتهر عنه – فإنّي
سأكتفي بذكر بعض ما وقع في نفسي منه، لعلي أخرج بمن ينظر في ذلك الأثر
فيدعو له، ويتّبع أثره مباركاً محموداً!
أما الشيخ أحمد ديدات – برّد الله مضجعه – فقد عرفتُه منذ خمسة عشر عاماً
تقريباً (1411هـ)، إذ كان والدي – أمدَّ الله عمره في طاعته- يأتي في ذلك
الحين بأشرطة فيديو مسجلة لمناظراته الشهيرة (هل الكتاب المقدس كلام الله؟)
التي حضرها 3000 شخص، وكانت مع القس الأمريكي جيمي سواجارت –وقد هُتكَ ستره
منذ بضع سنوات– فأتابع معه متابعة الذي يعرف بعض الكتاب ويجهل بعض، وكان
لتعليقات والدي الكريم التي يلقيها معجباً ومكبّراً وقوعٌ في نفسي عظيم،
جعلني أحرص على مزيدِ متابعة، ثمّ لما بلغتُ سنّ الرشد وبدأتُ أعي العلم،
عدتُ لتيكَ المناظرة فشاهدتها ثانية، فرأيتُ بحراً من العلمِ زاخراً،
وحجّةً في دحض مذهبهم لا تنقطع، وبياناً متدفقاً انتقى لفظه كما ينتقي
بعضنا أطايب الثمر، عدا عن ابتسامةٍ هادئةٍ وأدبٍ جمّ وسعةِ بالٍ لا تليقُ
إلا بحليمٍ، ومذ تلك الأيام وقعَ في نفسي الإجلال والمهابة لهذا الرجل الذي
يشعّ وجهه بالبهاء، متزيناً بلحية بيضاء وقورة وابتسامة متواضعة تدخل القلب
بلا استئذان، ومعتمراً طاقية بسيطة ما أنقصتْ من قدره وجلاله!
وأتذكر منذ سنواتٍ خلتْ حين سرت شائعةٌ بوفاته، فهملتْ عيناي حزناً حتى
أتاني نبأ تكذيبها فاطمأنتْ نفسي، فالشيخ -وإن كان طريح الفراش منذ تسعة
أعوام- لا ينقطع مدده، والرسائل تنهمر عليه من كلّ صوبٍ ممن يسلّم أو
يتعلّم، وحسبهُ أنّه يصلُ العالمين بعينين ذابلتين طرح الله فيهما البركة،
فلله عيناكَ يا أحمد ديدات، وستشهدان لكِ وأنا معهما من الشاهدين – فقد
رأينا الصور- وكم كنتُ أرجو يوماً أنْ أرسلُ له رسالةً لا شيء فيها سوى
السلام والدعاء وذكر المعروف، لكنّ قدر الله سابق!
ولربما سأل سائل، وكيف يتحدث بعينيه؟ فأقول بناء على ما قرأتهُ عنه منذ سنة
أو تزيد، أنّ الشيخ مشلول الجسم كلّه لا يتحرك فيه سوى عينيه، وابنه عنده
لا يفارقه، فإذا جاءت الرسالة قرأها على أبيه، فيقوم بالرد عليها، بحيث
علّقت لوحة عند رأسه فيها حروف الهجاء، فيشير بعينيه والابن يشير بإصبعه
إلى اللوحة، فالحرف الذي يريد الشيخ يشير له أن اكتبه فيكتبه، والحرف الذي
لا يقصده يشير له أن تجاوزه فيتجاوزه إلى ما بعده، وهذا دأبه مع كلّ رسالة
يجيب عنها حرفاً حرفاً لا يملّ ولا يكلّ من كثرة الرسائل (تصل إلى 500
رسالة في اليوم)، فسبحان الله كم بين جنبيه من همّة متوقدة!
ومن الآثار الحميدة التي أعرفُ للشيخ أحمد ديدات رحمه الله تعالى في بلدي،
أنّ رجلاً يقال له مساعد الوعلان "وهو من آل وعلان المعروفين" كان على خير
وتقى، واشتهر بالصلاح وحب للدعوة والدعاة، وكان يرجو أن يقوم بدعوة من
يعرفهم من النصارى، لكن علمه كان قاصراً عن أساليب محاجتهم، حتى وقع على
مناظرات الشيخ أحمد، وتأثر به تأثراً كبيراً، وتعلم ما يمكّنه من دعوة
النصارى متحدثي الإنجليزية إلى الإسلام، فبدأ بالتطبيق والدعوة حتى تطور
جهده إلى أن يؤسس مركزاً لدعوة الجاليات، فأسلم على يديه من النصارى كثير،
خرج منهم داعية فليبيني ليفتح مركزاً إسلامياً في الفلبين، فأيّ أجرٍ
يتتابع؟ ويا رحمة الله على التابع والمتبوع! (توفي مساعد الوعلان رحمه الله
منذ عدة سنوات وكان في بداية الأربعينات من عمره، والقصة أخبرتني بها ابنة
أخيه).
وحسبنا من الشيخ ديدات عليه رحمة الله تعالى، أنه قد خرج من نطاق دعوة
محلية إلى دعوة عالمية، فملأ الدنيا وشغلَ الناس، وأسلمَ على يديهِ مئاتُ
واحدهم خير له من حُمر النعم، وقد علمتُ من والدي أن أشرطة الفيديو –
حينذاك – كانت تنتشر بين الناس كالنار في الهشيمِ - حتى ممن لم يكن عنده
التوجّه الشرعي - افتخاراً واسترشاداً، والأمل في تلميذه النجيب "د. ذاكر
نايك" كبير وموصول، الذي بدأ يلمع نجمه من بعد شيخه، سائراً على خطاه
القويمة، وكذلك المركز الذي أسسه ليدرّب فيه المسلمين على فنون المناظرة
والمحاجّة بالحكمة وبالتي هي أحسن، فالشيخ رحمه الله تعالى رغم انشغاله
بالقوم، إلاّ أنّ لديه وعياً بمبدأ التوريث، لينقل العلم والخبرة كابراً عن
كابر، فقدّس الله سرّه، ورزقنا كالأحامد –ابن حنبل، وابن تيمية، وابن
ياسين، وابن ديدات- أحامداً وميامين، رجالٌ يموتون ويتركون وصايا مكتوبة
بدم القلوب، وصية لكلّ أمٍ وأبٍ ومربٍ، بأن ينجبوا عشراتٍ كأولئك الأحامد،
و ويربّوا مئات كالأحامد، ووصايا للمسلمين أجمع، تحثهم أن يمشوا حثيثاً لا
وئيداً، قدوتهم الأولى في سيرهم هو الأحمد الأول .. محمد صلى الله عليه
وسلم!
إذا طلّ منا
سيدٌ قام سيد ... ... ... قؤول لأقوال الكرام فعول!
أمّا زينب
الغزالي، فوا حرّ قلباه على فقدِ تلكَ الدرّة، وحسبنا منها علم وقرَ في
نفوس أخواتنا من بناتِ مصر وما عداها، وحسبنا منها كتاب "أيّام من حياتي"
الذي ضجّ به الأدب وتزينت به كتب التراجم والسير والتوثيق التاريخي، وحسبنا
ما تبعه من جهودٍ دائبةٍ في الوعظِ والتعليمِ والتربيةِ تشع من جمعية
السيدات المسلمات التي أسستها، ومن المساجد التي أنشأتها (خمسة عشر
مسجداً)، وكذلك من كتبٍ متتابعةٍ كـ(نحو بعث جديد) و(مشكلات الشباب
والفتيات) وكتاب (إلى ابنتي)، وكذلك (نظرات في كتاب الله) الذي احتفت به
الأوساط العلمية في حينه!
وإن أعجب، فعجبٌ رأيها! فرغم خروجها للوعظ في المساجد إلاّ أنها كانت ترى
أن المرأة لها مجالاتٌ عديدةٌ للدعوة لا تستلزم منها الخروج ومزاحمة الرجال
بالمناكب، فلها أن تكتب، ولها أن تربي أبناءها، ولها أن تعلّم النساء من
أمثالها، ولها زيارة المرضى في محيط جاراتها وأهلها، ولها صلة رحمها
بالدعوة بالمقول والمفعول، فليستْ كل امرأة تصلح أن تكون متحدثة وخطيبة،
وهذا الفكر الجميل عندها يمثل لبّ نهجها الذي تعتمد فيه على التأصيل الشرعي
القائم على السنة النبوية، والفطرة القويمة.
وقد تهيأ للداعية الكبيرة هذا التفرغ التام للدعوة لعدم ارتباطها بأسرة
وأطفال، فقد طُلّقت قسراً من زوجها حين أدخلت السجن ولم تكن قد أنجبتْ
أطفالاً، ثمّ إن الله قد استردّ وديعته فمات زوجها وهي سجينة، فلما خرجت لم
تتزوج من بعده، ونذرت نفسها لله، وفتحت بيتها ومكتبتها العامرة للناس
أفواجاً، فكان لها ذلك الوهج، لكن لا يلزم لكلّ امرأة ذاك الوهج كلّه، فكلّ
بحسب قدرته وتوفيقه، لا تفريط لمفضول على فاضل، فبيتها أولّ أساسياتها،
تؤصل أركانه، وتحسن بنيانه، ثمّ تلتفتُ من بعدهِ للنساء من حولها، كلّ
منهنّ تمدّ لبنتها الصالحة، لترسي القواعد، وتملك المعاقد، وتبني المجتمع!
كفى الزهر ما
تندى به راحة الصبا ... ... ... وهل للندى بين السيول حسابُ؟
فحسبكِ نبلاً قالةُ الناس أنجبتْ ... ... ... وحـسبكِ فخراً أن يصونـكِ
بابُ
ولـم تـخلقي إلا نـعيماً لبائسٍ ... ... ... فمـن ذا رأى أنّ النعيـم عذابُ
ومـا عجبي أنّ النسـاء ترجّلت ... ... ... ولكـنّ تأنيث الرجال، عُـجابُ!
إنّ إسلامنا
لا يلزمنا أن نكونَ كزينبَ في الخروجِ والولوج، لكنّه سيفخر بنا إنّ كنّا
مثلها في البذل والعطاء والثبات، فيكفي أنّها صمدتْ رغم ما صبّوه عليها من
العذابِ في ستٍ سنواتٍ عجاف حتّى توسط لها الملك فيصل رحمه الله لإخراجها،
ولتبتدئ دعوة في الأوساط العربية والإسلامية، وإنّا لنتعلم من زينب سموّ
الهدف والغاية، فهي قد خرجت من قضية تحرير "الأنثى" التي شغلونا بها – وما
اشتكينا لهم-، إلى قضية تحرير الإنسان من عبودية الإنسان إلى عبودية رب
الإنسان، وإنّا لمنتصرون، وإن ماتَ العظماء الأحامد، وماتت زينب وعائشة،
لأن سرهم يكمن في معتقدهم وفي قلوبهم .. لكن السؤال .. من يحمل الهم .. ومن
يملك الهمة ؟!
8 / 7 / 1426هـ
إكرام بنت عبد العليم الزيد
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
الجمعية السعودية للإعلام والاتصال
شتان ما بين الفقيدين !!
أم رزان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك يا أحمد ديدات لمحزونون..
الفقيدين
قد يتعجب البعض من العنوان، فمن أقصد بالفقيدين..!
لعلني أبدأ بالفقيد الداعية أحمد ديدات، شيخ المناظرين، أسلم على يديه بضع
وألاف نصراني، كدس حياته في العمل الدعوي..فكان سبب في هداية الكثير من
النصارى،، ومنهم من سلكوا المجال الدعوي على أيدي الداعية أحمد ديدات رحمه
الله.
بالأمس صلوا عليه صلاة لا ركوع لها...فقدانه مصيبة للأمة الإسلامية، اللهم
أجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيراً منها
شتان ما بين وفاته وما بين....البابا يوحنا بولس الثاني...كان له تغطية إعلامية
رهيبة، حيث تكلم عنه أغلب القنوات في التلفزيون..الأمريكية والعربية..كان حدادا
له من قبل المسلمين..قبل الكفار...
دقيقة صمت وقف خلالها الملايين من الناس حدادا على روح (الفقيد) منهم قادة و
زعماء عرب و مسلمين تقاطروا ضمن وفود رسمية رفيعة المستوى على الفاتيكان لإبداء
مشاعر التعازي و المواساة لوفاة البابا...!!
و لكن هل سمع أحدكم..... بأي من هؤلاء وقف و لو حتى نصف ثانية على آلاف الأرواح
المسلمة البريئة التي أزهقت و ما زالت تزهق؟!!!!!!!!!!!!!!
للعلم فقط فالشيخ أحمد ديدات طلب من البابا أكثر من مرة عقد سلسلة من
المناظرات، على أن تنتهي إما بإسلام البابا أو تنصر أحمد ديدات لكن البابا
الراحل تهرب من المواجهة بعد أن غرته أضواء المنصب و الشهرة
أين الحملة الإعلامية عن هذا الخبر....!!
لماذا لم توضع سيرته الطيبة حتى يعرف الناس من هو فقيد الأمة الإسلامية !!
لماذا لم يوضع له مناظرات ...أو يعلن عن كتبه الدعوية !!!
إن الضربة التي لا تقصم الظهر تقويه
ما هو موقفكم تجاه هذا الخبر ....!!
ما هو موقفكم تجاه الأمة الإسلامية..!!
كيف نعزي أمتنا الإسلامية..وهل سيكون ببيع الكلام...أم بالفعل والعزيمة !!
قد يكون خبر وفاته صدمة لنا، لكن...
إلى متى السكوت يا أمتي...لماذا هذا الصمت..!!
فهناك من المسلمين من حزن لموت البابا،، وكان يترحم عليه...ويقول :
(الله يرحم البابا فقد كان نصيرا للقضية الفسلطينية!)
الله أكبر على قلوبنا..كيف ماتت وباتت تتأثر في الوسائل الإعلامية...
هل ننكر ما يحدث!
وهل نعمل على نشر سيرة الداعية أحمد ديدات رحمه الله..!
خبر موت الفنانين أصبح يهم المسلمين..قيل لي أنه تم عرض برنامج عن حياة أحمد
زكي، وغيره من الممثلين والفنانين...وتعلق قلوب البعض لهؤلاء الناس،، أسأل الله
أن يهديهم ويغفر لهم..
أما عن محبتنا للداعية..ولأمثاله، فإني أسأل الله أن نحشر معهم ويجمعنا معهم في
الفردوس الأعلى..
أبسط ما لدينا أن نقدمه للشيخ...أن نذكره دوما وأبدا...
أن نحيي سيرته الطيبة وأفعاله ... بالاستماع إلى مناظراته..والعمل على دعوة
النصارى..وأن نشهر موقعه
ونذكره بدعاءنا هو وأمثاله
أختكم في الله/ أم رزان
والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه ترجمة مختصرة عن
الشيخ الداعية أحمد ديدات رحمه الله رحمة واسعة .
* ولد الشيخ أحمد حسين ديدات
عام 1918 م في بلدة (تادكيشنار) بولاية ( سوارات) الهندية .
* هاجر إلى جنوب إفريقيا في
عام 1927 م ليلحق بوالده .
* بدأ دراسته في العاشرة من
عمره حتى أكمل الصف السادس ، ولكن الظروف المادية الصعبة أعاقت استكماله
لدراسته .
* عمل في عام 1934 م بائعاً
في دكان لبيع المواد الغذائية ، ثم سائقاً في مصنع أثاث ، ثم شغل وظيفة ( كاتب
) في المصنع نفسه ، وتدرج في المناصب حتى أصبح مديراً للمصنع بعد ذلك .
* في أواخر الأربعينات التحق
الشيخ أحمد ديدات بدورات تدريبية للمبتدئين في صيانة الراديو وأُسس الهندسة
الكهربائية ومواضيع فنية أخرى ، ولما تمكن من توفير قدر من المال رحل إلى
باكستان عام 1949 م ، وقد مكث فـي باكستان فترة منكبّاً على تنظيم معمل للنسيج.
* تزوج الشيخ أحمد ديدات
وأنجب ولدين وبنتاً .
* اضطر الشيخ أحمد ديدات إلى
العودة مرة أخرى إلى جنوب أفريقيا بعد ثلاث سنوات للحيلولة دون فقدانه لجنسيتها
، حيث أنه ليس من مواليد جنوب أفريقيا .
وقد عرض عليه فور وصوله إلى جنوب أفريقيا استلام منصب مدير مصنع الأثاث الذي
كان يعمل فيه سابقاً .
* في بداية الخمسينيات أصدر
كتيبه الأول : " ماذا يقول الكتاب المقدس عن محمد صلى الله عليه وسلم ؟ " ، ثم
نشـر بعد ذلك أحد أبـرز كتيباته : " هل الكتاب المقدس كلام الله ؟ " .
* في عام 1959 م توقف الشيخ
أحمد ديدات عن مواصلة أعماله حتى يتسنى له التفرغ للمهمة التي نذر لها حياته
فيما بعد ، وهي الدعوة إلى الإسلام من خلال إقامة المناظرات وعقد الندوات
والمحاضرات . وفي سعيه الحثيث لأداء هذا الدور العظيم زار العديد من دول العالم
، واشتهر بمناظراته التي عقدها مع كبار رجال الدين المسيحي أمثال : كلارك –
جيمي سواجارت – أنيس شروش .
* أسس معهد السلام لتخريج
الدعاة ، والمركز الدولي للدعوة الإسلامية بمدينة ( ديربان ) بجنوب إفريقيا .
* ألف الشيخ أحمد ديدات ما
يزيد عن عشرين كتاباً ، وطبع الملايين منها لتوزع بالمجان بخلاف المناظرات التي
طبع بعضها ، وقام بإلقاء آلاف المحاضرات في جميع أنحاء العالم .
ولهذه المجهودات الضخمة مُنح الشيخ أحمد ديدات جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة
الإسلام عام 1986 م ( بالمشاركة ) .
بداية طريق الدعوة
يتحدث الشيخ أحمد ديدات عن بداية طريق الدعوة ، فيقول :
كنت أعمل في دكان قريب من موقع إرسالية آدمز ميشين ( كلية آدمز ) ..
وكان من عادة الطلبة في هذه الكلية أن يأتوا إلى المحل ، وكانوا مبشرين تحت
التدريب ..
كاناو يأتون إلى المحل ويرونني وبقية العاملين المسلمين في المحل ، وكانوا
يتحدثون إلينا بأشياء عن الإسلام ونبي الإسلام صلى الله عليه وسلم ، وعن أمور
وأشياء ليس لدي أي معرفة عنها .
ومن هذه الكلية توافد علينا المبشرون الذين حولوا حياتنا إلى بؤس وعذاب ، فلقد
كانوا يتدربون هناك على كيفية مواجهة المسلمين .
وحينما كانوا يأتون لشراء ما يحتاجون إليه من المحل كانوا ينهالون علينا
بالأسئلة والانتقادات .. فيقولون :
- هل
تعلمون أن محمداً تزوج نساءً كثيراتٍ جدّاً ؟ " .
وحينئذ لم يكن لدي أدنى معرفة بذلك .
- وهل
تعلمون أن محمداً نشر دينه بحدّ السيف ؟ " .
ولم يكن لدي أدنى معرفة عن ذلك .
- وهل
تعلمون أن قد نقل كتابه عن اليهود والنصارى ؟ " .
ولم يكن لدي أدنى علم بذلك .
كان الموقف فـي غاية الصعوبة بالنسبة لي .. ماذا أفعل كمسلم ؟ .. هل أردُّ
على الهجوم ؟ ..
ولكن كيف ذلك ؟ .. وليس لدي من العلم والمعرفة ما أَرُدُّ به ..
وهل أهرب من المكان ؟ ..
والحصول على عمل في تلك الأيام كان أمراً عسيراً .
وكان لدي توقٌ شديدٌ للمعرفة ، وللقراءة . وفي صباح يوم الراحة الأُسبوعية دخلت
المخزن الخاص برئيسي ، وأخذت أُقلب في كومة من الصُّحف القديمة ، وأُفتش عن
مادة جيدة أقرؤها ، وانهمكت في البحث إلى أن عثرت على كتاب قضمته الحشرات –
وفيما بعد جدّدت غلاف هذا الكتاب الذي قضمته الحشرات – وحينما أمسكت بالكتاب
ثارت منه رائحة نفاذة أثارت أنفي وانتابتني حالة من العطس فقد كان الكتاب
قديماً ومتعفِّناً .
قرأت عنوان الكتاب .. العنوان هو : (إظهار الحق) .. كان وقعه في أُذني وكأن
العنوان بالعربية ..
كان الكتاب قديماً وصدر في الهند عام 1915 م ، قبل ميلادي بثلاث سنوات .. فلقد
ولدت عام 1918 م ، فهو أقدم مني بثلاث سنوات.
وبفضل هذا الكتاب تغيرت حياتي تماماً ، ولو لم أصادف هذا الكتاب ما كنت لأقوم
بما أقوم به الآن ، وأعني بذلك التحدث إلى الناس عن الأديان من منطلق المقارنة
بينها .
هكذا كانت البداية .. من هذا المكان .. بدأ كل شيء من هنا منذ خمسين عاماً خلت
مرضه ووفاته :
أصيب الشيخ أحمد ديدات بمرض عضال منذ عام 1996م، أجبره على لزوم الفراش، وبقي
صابراً
محتسباً إلى أن وافته المنية صباح
يوم الإثنين الموفق
3
شهر رجب 1426هـ بتوقيت جنوب
أفريقيا، وصُلي على الفقيد بعد صلاة المغرب في أحد مساجد مدينة فيرلم التي تقع
على بعد 30 كم شمالي مدينة ديربان التي توفي في أحد مستشفياتها
.
ورغم إصابة الداعية الكبير بشلل تام في كل جسده -عدا دماغه-
ولزومه الفراش منذ عام 1996
فإنه رحمه الله واصل دعوته من خلال الرسائل والتي تتدفق عليه
يوميا من جميع أنحاء العالم
ويصل في المتوسط إلى 500 رسالة يومية سواء بالهاتف، أو
الفاكس أو عبر الإنترنت
والبريد.
رحم الله الشيخ رحمة واسعة اللهم آجرنا في مصيبتنا وأخلف لنا خيرا يا رب
العالمين .
بعض مؤلفاته :
ولقد أصدر عدة كتب تتعلق جميعها بالمقارنة بين الأديان ، وطبع ونشر من هذه
الكتب مائة ألف نسخة في المرة الواحدة ..
من هذه الكتب كتاب بعنوان :
ماذا يقول الكتاب المقدس عن محمد صلى الله عليه وسلم ؟
( What the Bible Says about Muhummed (
PBUH ))
ولقد طبع منه أكثر من ثلاثمائة ألف نسخة ..
وكتاب آخر :
هل الكتاب المقدس كلام الله ؟
( Is the Bible God's Word ?)
وقد طبع منه أكثر من مائتين وستين ألف نسخة ..
وكتب أخرى ، مثل :
مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء .
( Crucifixion or Cruci-fiction ?)
و المسيح في الإسلام
( Christ in Islam) .
والحل الإسلامي للمشكلة العنصرية .
( Islam's Answer to the Racial
Problem) .
والمسلم يؤدي الصلاة .
( The Muslim at Prayer) .
ومن دحرج الحجر ؟
( Who Moved the Stone ?)
وغيرها .. وغيرها .
المصدر :
http://www.islamlight.net/
فوا أحمداه! ووازينباه!
إكرام بنت عبد العليم الزيد
قد كان يجدرَ
بي نشر هذه المقالة مصاحبةً للحدثِ دون تأخرٍ وتلكؤ، لولا ذهول اعترى قلمي
فألجمه، وقد نزلتْ بنا فاجعة موتِ الملكِ فهد بن عبد العزيز - رحمه الله -
في غاشية غشتْ البلاد والعباد ما لبثتْ أن تقشّعتْ حتّى ثنّى الموتُ علينا
فجائعه باختطافِ حجّة زمانه في مناظرة النصارى الداعية الكبير أحمد ديدات،
وكذا الداعية الفاضلة زينب الغزالي ابنة أرض الكنانة، على الجميع من الله
شآبيب الرحمة والمغفرة!
ولقد رأيتُ في نفسي انصرافاً عن الكتابة لم أعهده بها قبلاً، وكنتُ أرجو أن
أجدَ ما أسدّ به حزني، وأكرم به الراحلَيْن غير مقالة أكتبها – فقد أفردتُ
للمليك الراحل مقالته -، لكني قلّبتُ النظر فرأيتُ الإعلام قد أحجم عن
تبيان عظم شأوهما، وتقاصر عن ذكر فضلهما، ورأيتُ أنّ المقالة هي أقلّ قليلٍ
ينعاهما، ويذكر مآثرهما، ويترحم عليهما، ثمّ انتابتني حيرة عن أيّ
العَلَمينِ أكتبُ إنْ كنتُ فاعلة؟..فوجدتهما كعيني رأسٍ لا فضلٍ لواحدةٍ
على أخرى، لكني آثرتُ أن أبتدئ بالشيخ أحمد ديدات – جعل الله قبره روضة
خضرة - ، وللرجال عليهنّ درجة!
ولأنيّ لا أعلم عن الراحل كثيراً من الأخبار – إلا ما اشتهر عنه – فإنّي
سأكتفي بذكر بعض ما وقع في نفسي منه، لعلي أخرج بمن ينظر في ذلك الأثر
فيدعو له، ويتّبع أثره مباركاً محموداً!
أما الشيخ أحمد ديدات – برّد الله مضجعه – فقد عرفتُه منذ خمسة عشر عاماً
تقريباً (1411هـ)، إذ كان والدي – أمدَّ الله عمره في طاعته- يأتي في ذلك
الحين بأشرطة فيديو مسجلة لمناظراته الشهيرة (هل الكتاب المقدس كلام الله؟)
التي حضرها 3000 شخص، وكانت مع القس الأمريكي جيمي سواجارت –وقد هُتكَ ستره
منذ بضع سنوات– فأتابع معه متابعة الذي يعرف بعض الكتاب ويجهل بعض، وكان
لتعليقات والدي الكريم التي يلقيها معجباً ومكبّراً وقوعٌ في نفسي عظيم،
جعلني أحرص على مزيدِ متابعة، ثمّ لما بلغتُ سنّ الرشد وبدأتُ أعي العلم،
عدتُ لتيكَ المناظرة فشاهدتها ثانية، فرأيتُ بحراً من العلمِ زاخراً،
وحجّةً في دحض مذهبهم لا تنقطع، وبياناً متدفقاً انتقى لفظه كما ينتقي
بعضنا أطايب الثمر، عدا عن ابتسامةٍ هادئةٍ وأدبٍ جمّ وسعةِ بالٍ لا تليقُ
إلا بحليمٍ، ومذ تلك الأيام وقعَ في نفسي الإجلال والمهابة لهذا الرجل الذي
يشعّ وجهه بالبهاء، متزيناً بلحية بيضاء وقورة وابتسامة متواضعة تدخل القلب
بلا استئذان، ومعتمراً طاقية بسيطة ما أنقصتْ من قدره وجلاله!
وأتذكر منذ سنواتٍ خلتْ حين سرت شائعةٌ بوفاته، فهملتْ عيناي حزناً حتى
أتاني نبأ تكذيبها فاطمأنتْ نفسي، فالشيخ -وإن كان طريح الفراش منذ تسعة
أعوام- لا ينقطع مدده، والرسائل تنهمر عليه من كلّ صوبٍ ممن يسلّم أو
يتعلّم، وحسبهُ أنّه يصلُ العالمين بعينين ذابلتين طرح الله فيهما البركة،
فلله عيناكَ يا أحمد ديدات، وستشهدان لكِ وأنا معهما من الشاهدين – فقد
رأينا الصور- وكم كنتُ أرجو يوماً أنْ أرسلُ له رسالةً لا شيء فيها سوى
السلام والدعاء وذكر المعروف، لكنّ قدر الله سابق!
ولربما سأل سائل، وكيف يتحدث بعينيه؟ فأقول بناء على ما قرأتهُ عنه منذ سنة
أو تزيد، أنّ الشيخ مشلول الجسم كلّه لا يتحرك فيه سوى عينيه، وابنه عنده
لا يفارقه، فإذا جاءت الرسالة قرأها على أبيه، فيقوم بالرد عليها، بحيث
علّقت لوحة عند رأسه فيها حروف الهجاء، فيشير بعينيه والابن يشير بإصبعه
إلى اللوحة، فالحرف الذي يريد الشيخ يشير له أن اكتبه فيكتبه، والحرف الذي
لا يقصده يشير له أن تجاوزه فيتجاوزه إلى ما بعده، وهذا دأبه مع كلّ رسالة
يجيب عنها حرفاً حرفاً لا يملّ ولا يكلّ من كثرة الرسائل (تصل إلى 500
رسالة في اليوم)، فسبحان الله كم بين جنبيه من همّة متوقدة!
ومن الآثار الحميدة التي أعرفُ للشيخ أحمد ديدات رحمه الله تعالى في بلدي،
أنّ رجلاً يقال له مساعد الوعلان "وهو من آل وعلان المعروفين" كان على خير
وتقى، واشتهر بالصلاح وحب للدعوة والدعاة، وكان يرجو أن يقوم بدعوة من
يعرفهم من النصارى، لكن علمه كان قاصراً عن أساليب محاجتهم، حتى وقع على
مناظرات الشيخ أحمد، وتأثر به تأثراً كبيراً، وتعلم ما يمكّنه من دعوة
النصارى متحدثي الإنجليزية إلى الإسلام، فبدأ بالتطبيق والدعوة حتى تطور
جهده إلى أن يؤسس مركزاً لدعوة الجاليات، فأسلم على يديه من النصارى كثير،
خرج منهم داعية فليبيني ليفتح مركزاً إسلامياً في الفلبين، فأيّ أجرٍ
يتتابع؟ ويا رحمة الله على التابع والمتبوع! (توفي مساعد الوعلان رحمه الله
منذ عدة سنوات وكان في بداية الأربعينات من عمره، والقصة أخبرتني بها ابنة
أخيه).
وحسبنا من الشيخ ديدات عليه رحمة الله تعالى، أنه قد خرج من نطاق دعوة
محلية إلى دعوة عالمية، فملأ الدنيا وشغلَ الناس، وأسلمَ على يديهِ مئاتُ
واحدهم خير له من حُمر النعم، وقد علمتُ من والدي أن أشرطة الفيديو –
حينذاك – كانت تنتشر بين الناس كالنار في الهشيمِ - حتى ممن لم يكن عنده
التوجّه الشرعي - افتخاراً واسترشاداً، والأمل في تلميذه النجيب "د. ذاكر
نايك" كبير وموصول، الذي بدأ يلمع نجمه من بعد شيخه، سائراً على خطاه
القويمة، وكذلك المركز الذي أسسه ليدرّب فيه المسلمين على فنون المناظرة
والمحاجّة بالحكمة وبالتي هي أحسن، فالشيخ رحمه الله تعالى رغم انشغاله
بالقوم، إلاّ أنّ لديه وعياً بمبدأ التوريث، لينقل العلم والخبرة كابراً عن
كابر، فقدّس الله سرّه، ورزقنا كالأحامد –ابن حنبل، وابن تيمية، وابن
ياسين، وابن ديدات- أحامداً وميامين، رجالٌ يموتون ويتركون وصايا مكتوبة
بدم القلوب، وصية لكلّ أمٍ وأبٍ ومربٍ، بأن ينجبوا عشراتٍ كأولئك الأحامد،
و ويربّوا مئات كالأحامد، ووصايا للمسلمين أجمع، تحثهم أن يمشوا حثيثاً لا
وئيداً، قدوتهم الأولى في سيرهم هو الأحمد الأول .. محمد صلى الله عليه
وسلم!
إذا طلّ منا
سيدٌ قام سيد ... ... ... قؤول لأقوال الكرام فعول!
أمّا زينب
الغزالي، فوا حرّ قلباه على فقدِ تلكَ الدرّة، وحسبنا منها علم وقرَ في
نفوس أخواتنا من بناتِ مصر وما عداها، وحسبنا منها كتاب "أيّام من حياتي"
الذي ضجّ به الأدب وتزينت به كتب التراجم والسير والتوثيق التاريخي، وحسبنا
ما تبعه من جهودٍ دائبةٍ في الوعظِ والتعليمِ والتربيةِ تشع من جمعية
السيدات المسلمات التي أسستها، ومن المساجد التي أنشأتها (خمسة عشر
مسجداً)، وكذلك من كتبٍ متتابعةٍ كـ(نحو بعث جديد) و(مشكلات الشباب
والفتيات) وكتاب (إلى ابنتي)، وكذلك (نظرات في كتاب الله) الذي احتفت به
الأوساط العلمية في حينه!
وإن أعجب، فعجبٌ رأيها! فرغم خروجها للوعظ في المساجد إلاّ أنها كانت ترى
أن المرأة لها مجالاتٌ عديدةٌ للدعوة لا تستلزم منها الخروج ومزاحمة الرجال
بالمناكب، فلها أن تكتب، ولها أن تربي أبناءها، ولها أن تعلّم النساء من
أمثالها، ولها زيارة المرضى في محيط جاراتها وأهلها، ولها صلة رحمها
بالدعوة بالمقول والمفعول، فليستْ كل امرأة تصلح أن تكون متحدثة وخطيبة،
وهذا الفكر الجميل عندها يمثل لبّ نهجها الذي تعتمد فيه على التأصيل الشرعي
القائم على السنة النبوية، والفطرة القويمة.
وقد تهيأ للداعية الكبيرة هذا التفرغ التام للدعوة لعدم ارتباطها بأسرة
وأطفال، فقد طُلّقت قسراً من زوجها حين أدخلت السجن ولم تكن قد أنجبتْ
أطفالاً، ثمّ إن الله قد استردّ وديعته فمات زوجها وهي سجينة، فلما خرجت لم
تتزوج من بعده، ونذرت نفسها لله، وفتحت بيتها ومكتبتها العامرة للناس
أفواجاً، فكان لها ذلك الوهج، لكن لا يلزم لكلّ امرأة ذاك الوهج كلّه، فكلّ
بحسب قدرته وتوفيقه، لا تفريط لمفضول على فاضل، فبيتها أولّ أساسياتها،
تؤصل أركانه، وتحسن بنيانه، ثمّ تلتفتُ من بعدهِ للنساء من حولها، كلّ
منهنّ تمدّ لبنتها الصالحة، لترسي القواعد، وتملك المعاقد، وتبني المجتمع!
كفى الزهر ما
تندى به راحة الصبا ... ... ... وهل للندى بين السيول حسابُ؟
فحسبكِ نبلاً قالةُ الناس أنجبتْ ... ... ... وحـسبكِ فخراً أن يصونـكِ
بابُ
ولـم تـخلقي إلا نـعيماً لبائسٍ ... ... ... فمـن ذا رأى أنّ النعيـم عذابُ
ومـا عجبي أنّ النسـاء ترجّلت ... ... ... ولكـنّ تأنيث الرجال، عُـجابُ!
إنّ إسلامنا
لا يلزمنا أن نكونَ كزينبَ في الخروجِ والولوج، لكنّه سيفخر بنا إنّ كنّا
مثلها في البذل والعطاء والثبات، فيكفي أنّها صمدتْ رغم ما صبّوه عليها من
العذابِ في ستٍ سنواتٍ عجاف حتّى توسط لها الملك فيصل رحمه الله لإخراجها،
ولتبتدئ دعوة في الأوساط العربية والإسلامية، وإنّا لنتعلم من زينب سموّ
الهدف والغاية، فهي قد خرجت من قضية تحرير "الأنثى" التي شغلونا بها – وما
اشتكينا لهم-، إلى قضية تحرير الإنسان من عبودية الإنسان إلى عبودية رب
الإنسان، وإنّا لمنتصرون، وإن ماتَ العظماء الأحامد، وماتت زينب وعائشة،
لأن سرهم يكمن في معتقدهم وفي قلوبهم .. لكن السؤال .. من يحمل الهم .. ومن
يملك الهمة ؟!
8 / 7 / 1426هـ
إكرام بنت عبد العليم الزيد
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
الجمعية السعودية للإعلام والاتصال
شتان ما بين الفقيدين !!
أم رزان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك يا أحمد ديدات لمحزونون..
الفقيدين
قد يتعجب البعض من العنوان، فمن أقصد بالفقيدين..!
لعلني أبدأ بالفقيد الداعية أحمد ديدات، شيخ المناظرين، أسلم على يديه بضع
وألاف نصراني، كدس حياته في العمل الدعوي..فكان سبب في هداية الكثير من
النصارى،، ومنهم من سلكوا المجال الدعوي على أيدي الداعية أحمد ديدات رحمه
الله.
بالأمس صلوا عليه صلاة لا ركوع لها...فقدانه مصيبة للأمة الإسلامية، اللهم
أجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيراً منها
شتان ما بين وفاته وما بين....البابا يوحنا بولس الثاني...كان له تغطية إعلامية
رهيبة، حيث تكلم عنه أغلب القنوات في التلفزيون..الأمريكية والعربية..كان حدادا
له من قبل المسلمين..قبل الكفار...
دقيقة صمت وقف خلالها الملايين من الناس حدادا على روح (الفقيد) منهم قادة و
زعماء عرب و مسلمين تقاطروا ضمن وفود رسمية رفيعة المستوى على الفاتيكان لإبداء
مشاعر التعازي و المواساة لوفاة البابا...!!
و لكن هل سمع أحدكم..... بأي من هؤلاء وقف و لو حتى نصف ثانية على آلاف الأرواح
المسلمة البريئة التي أزهقت و ما زالت تزهق؟!!!!!!!!!!!!!!
للعلم فقط فالشيخ أحمد ديدات طلب من البابا أكثر من مرة عقد سلسلة من
المناظرات، على أن تنتهي إما بإسلام البابا أو تنصر أحمد ديدات لكن البابا
الراحل تهرب من المواجهة بعد أن غرته أضواء المنصب و الشهرة
أين الحملة الإعلامية عن هذا الخبر....!!
لماذا لم توضع سيرته الطيبة حتى يعرف الناس من هو فقيد الأمة الإسلامية !!
لماذا لم يوضع له مناظرات ...أو يعلن عن كتبه الدعوية !!!
إن الضربة التي لا تقصم الظهر تقويه
ما هو موقفكم تجاه هذا الخبر ....!!
ما هو موقفكم تجاه الأمة الإسلامية..!!
كيف نعزي أمتنا الإسلامية..وهل سيكون ببيع الكلام...أم بالفعل والعزيمة !!
قد يكون خبر وفاته صدمة لنا، لكن...
إلى متى السكوت يا أمتي...لماذا هذا الصمت..!!
فهناك من المسلمين من حزن لموت البابا،، وكان يترحم عليه...ويقول :
(الله يرحم البابا فقد كان نصيرا للقضية الفسلطينية!)
الله أكبر على قلوبنا..كيف ماتت وباتت تتأثر في الوسائل الإعلامية...
هل ننكر ما يحدث!
وهل نعمل على نشر سيرة الداعية أحمد ديدات رحمه الله..!
خبر موت الفنانين أصبح يهم المسلمين..قيل لي أنه تم عرض برنامج عن حياة أحمد
زكي، وغيره من الممثلين والفنانين...وتعلق قلوب البعض لهؤلاء الناس،، أسأل الله
أن يهديهم ويغفر لهم..
أما عن محبتنا للداعية..ولأمثاله، فإني أسأل الله أن نحشر معهم ويجمعنا معهم في
الفردوس الأعلى..
أبسط ما لدينا أن نقدمه للشيخ...أن نذكره دوما وأبدا...
أن نحيي سيرته الطيبة وأفعاله ... بالاستماع إلى مناظراته..والعمل على دعوة
النصارى..وأن نشهر موقعه
ونذكره بدعاءنا هو وأمثاله
أختكم في الله/ أم رزان