بسـم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
===================
الحمدلله وكفى وصلاة وسلامــا على الحبيب المصطفى والنبي المجتبى نور الهدى ومصبـاح الدجى السراج المنير رحمة الله للعالمين
وبعــــد
------------------------------------
إن الناظر في كلام الكُتَّابَ المعاصرين وبعض المتأخرين يجد أنهم يُدْخِلُون اللام على كلمة ( غير ) كثيراً مع مخالفة ذلك لكلام الله عزوجل ، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكلام العرب المنثور والمنظوم ؛ ولتحرير رجحان ذلك من عدمه لابد من ذكر مقدمتين وبيان خلاف العلماء في إدخال ( أل ) على ( غير )
المقدمة الأولى : مذاهب العلماء فـي جواز تعريف (غير)
للعلماء مذهبان في ذلك :
الْمذهب الأول :
أن (غير ) لا تتعــرف مطلقـاً ، قـال ابن السراج في كتابه الأصول فـي النحو: (( واعـلم أن مـــن الأسْماء مضافـات إلى مــعـارف ، ولكنها لا تتعـرف بها لأنهـا لا تَخـص شيئا بعينه ، فمن ذلك : ( مثلك ، وشبهك ، وغيرك ) تقول : ( مررت برجلٍ مثلِك ، وبرجلٍ شبهِك ، وبرجلٍ غيرِك ) ، فلو لَم يكنَّ نكـرات مـا وصف بهن نكرة ، وإنَّما نكَّرهنَّ معـانيهن ، ألا ترى أنّك إذا قـلت : ( مثلك ) جـاز أن يكـون مثلك فـي طولك ، أو لونك ، أو فـي علمك ، ولن يُحاط بالأشياء التي يكون بها الشيء مثل الشيء ؛ لكثرتها ، وكذلك ( شبهك ) ، وأما ( غـــيرك ) فصار نكــــرة ؛ لأنَّ كل شيء مثل الشيء عداك فهـو ( غيرك ) . )) ([1]).
ومِـن أدلة بقاء (غير ) على التنكير وإن أُضيفت إلى الْمعارف كثرة وجـوه الْـمغايرة ، ودخـول ( رُبّ ) عليها ، ومَجيئها نعــــتاً لنكراتٍ ، ففـي قول الله تبارك وتعالى : { قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} [الشعراء : 29] أضيفت (غير ) إلى الضمير مع وقوعها نعتاً لكلمة (إِلَهاً) النكرة .
ويعضد هذا قول سيبويه في الكتاب : (( و( غير ) … ليس باسم متمكن ، ألا ترى أنـّها لا تكـــون إلا نكـــرةً ولا تْجـمع ولا تدخلها الألف واللام . ))([2]) .
-------------------------------------
الْمذهب الثاني :
أنّ (غير ) تتعرف إذا وقعت بـين ضدين ، وهـذا الْمذهب قـال به جـمــع من علماء النحو والتفسير والقراءات واللغة والحديث ([3]).
ومن أمثلة ذلك وقوع كـلــمة ( غير ) بين الْمُنعَم عليهم ، والْمغضوب عليهم فتعينت الْمغــايرة فـي قــول الله سبحانه وتعــالى :{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ }[الفاتحة : 7]
فـ(غَيرِ) في الآية لَمَّا وقعت بين ضدين تعينت أوجــــــه الْمغايرة فصح وقوعها نَعْتاً لكلمة ( الذين ) الْمعرفة .
ا لمقدمة الثانية : الخلاف فـي جواز قطع (غير ) عن الإضافة
لا شك أنّ التزام العلماء بذكر كلمة (غير ) في باب الإضافة دليل على لزومها للإضافة ، ولا خلاف بينهم في ذلك ، وأسلوب القرآن الكريم والعرب يُعضِّـدُ ذلك ، ولكن الخـلاف بينهم فـي جـواز قطعها عـن الإضافة لفظاً ومعنىً ، ولَهم فـي ذلك مذهبان :
===========================
الْمذهب الأول :
أن كلمة (غير ) ملازمة للإضافـة مطلقاً ، وهـو مذهب جـمهور العلمـاء ؛ لأنّ الإضافـة هـي الأصل ، ومـا خالفـها يعد عـارضاً ، قال مكي في مشكل إعراب القرآن : (( ( غير ) اسم مبهم إلا أنه أُعْرِبَ للزومه الإضافة . )) ([4]) ، وهذا الْحكم ثابت لبقية أخواتها ؛ لعدمِ مَجيئها في نصٍ صحيح مُحتجٍ به غير مضافة بهذا المعنى ، سواء كانت الإضافة لفظية أو معنوية ، بدليل قول ابن يعيش في شرح المفصل في حديثه عن الأسْماء المتوغلة في الإبهام : (( فهذه الأسْماء كلها تلزم الإضافة ولا تفارقها ، وإذا أفـردت كان مـعناها على الإضـافـة ؛ ولذلك لا يَحسن دخـول الألف واللام عليها فلا يقـال : ( الْمثل ، ولا الشبه … ) ؛ لأنَّ ذلك كالْـجمع بين الألف واللام ومعنى الإضافة مـن جهـة تضمنها مـعنى الإضافـة فيها كالْـملفوظ بها ، وذلك مـن قِبل أنَّ ( مثلا ) يقتضي مُمَـاثِلاً وشبهاً يقتضي مشبهـا به ، وكذلك سائرهمـا من نـحو : ( قيد ) …)) ([5])، وإلى هذا أشار ابن مالك فقال :
قَبلُ كَغَيرُ بَعدُ حَسبُ أوَّلُ وَدُونُ والجِهَاتُ أيضاً وَعَلُ ([6])
فابن مالك قاس ( غير ، وحسب ) على ( قبل ، وبعد ، والْجهات الست ) التي لا تنفك عن الإضافة معنىً ، كما هو معلوم في باب الإضافة ـ فثبت بذلك عدم صحة قطع ( غير ) وأخواتها عن الإضافة .
المذهب الثاني :
أن كلمة (غير ) يَجوز قطعها عن الإضافة ، وهذا ما يُفهَمُ من قول الفخر الرازي : (( إذا قلت : ( غير زيد ) صار في غاية الإبهام فإنه يتناول أموراً لا حصر لها ، وأما إذا قطعته عن الإضافة ربما تقول : ( الغير والمغايرة ) من باب واحد ، وكذلك التغير فتجعل الغير كأسْماء الأجناس . )) ([7]).
والراجح ـ والله تعالى أعلم ـ أن كلمة (غير ) لا تُقطع عن الإضافة إذا كانت بالْمعنى الذي تقدم تقريره إلا بدليل سَماعي يُخرِجُها عن قياسها ، وهو الإضافة ، وما ورد منها في القرآن الكريم يُؤيد ذلك ، كما يؤيده حصر النحاة هذه النكرات مع ( قبل ، وبعد ) .
أمّا قول علماء اللغة : (الغَيْر) فلم يُطَّلَع على دليل مسموع من كلام العرب يُعضّد ذلك إذا كانت هذه الكلمة تدل على معنى الْمغايرة .
===============================
ـ الْــــخــلاف فـي تَجـــــويــز دخــــول ( أل ) على كلمة ( غير )
اختلف العلماء في جواز دخول ( أل ) على كلمة (غير )، بناء على اختلافهم في جواز قطعها عن الإضافة ، فمَن مَنَع قطعها عن الإضافة منع دخول ( أل ) عليها ، ومَنْ أجاز قطعها عن الإضافة لفظاً ومعْنىً أجاز إدخال ( أل ) عليها ، إذا علم هذا بان أن الخلاف بينهم منحصر في مذهبين :
الْمذهب الأول :
=======
الْمنع ، وهو مذهب جـمع مِـن علماء اللغة ، والنحو ، والتفسير ([8]) ، وهو ما صرّح به سيبويه فقال : (( و( غير ) … ليس باسم متمكن ألا ترى أنها لا تكون إلا نكرة ، ولا تُجمع ولا تدخلها الألف واللام ، وكذلك ( حَسْبك ) . )) ([9]).
ولعل منع دخـــــــول ( أل ) على كلمـــة ( غــــير ) ينطبق على شبيهاتها من النكـــــرات الْمتوغلــــة فـي الإبهــــــام ؛ بدليل قــــول سيبويه ـ هنا ـ : ( وكذلك ( حَسْبك ) . ) ، وقول ابن يعيش في كتابه شرح المفصل : (( فهذه الأسْمــــاء كــلها تلزم الإضافـــة ولا تفـــارقهــا ، وإذا أفــردت كــان معناها على الإضافــــــة ؛ ولذلك لا يـحسن دخــول الألــف واللام عليها فلا يقال : ( المثل ، ولا الشبه ) …)) ([10])، وقـــول الصبان في حاشيته على شرح الأشموني : (( ينبغي أن هذه الكلـمات كما لا تتعرف بالإضافة إلا فـيما استثنى لا تتعرف بـ( أل ) ـ أيضاً ـ ؛ لأن الـمانعَ من تعريفها بالإضافة مانع من تعريفها بـ( أل ) . )) ([11]) .
الْمذهب الثاني :
جـواز دخـول ( أل ) على ( غير ) ، وقـد صرَّح به الفخـر الـرازي فِـي التفسـير الـــكبير فقـال : (( إذا قلت : ( غير زيد ) صـار في غـاية الإيهام فـإنه يتناول أمـوراً لا حصـر لـها ، وأمـَّا إذا قـــــطـعته عـن الإضـافة ربّما تقـول : ( الغـير ، والْمغايرة ) مـِن باب واحد ، وكذلك التغير فتجعل الغير كأسْماء الأجناس )) ([12]).
الراجـح ـ والله تعالى أعلم ـ منع دخـول ( أل ) على ( غير ) وشبيهاتها مـن النكرات ؛ لعدة أوجه :
الوجه الأول:عـدم مـجيء ذلك فـي نص مسموع صحيح مُحتج به .
الوجه الثاني : ملازمة كلمة (غير ) للإضافة لفظاً أو معنىً ـ كما عُلِمَ ـ وهذا يَمنع قــطعــاً دخـول ( أل ) عليها ؛ لأن الإضافــة لا تَجتمع مــع ( أل ) التعريف ، ثم إنه حتى وإن سُلِّـمَ بِجـواز ذلك فذلك مشروط بكـونها مضافـة إضافـة لـفظية لا تستفيد تعريفاً ولا تخصيصاً .
قال سيبويه : (( واعلم أنَّه ليس في العربية مضافٌ يَدخل عليه الألفُ واللام غيرُ الْمضاف إلى الْمعرفة فـي هـذا الباب وذلك قولك : ( هذا الحَسَنُ الوجهِ ) أدخلوا الألفَ واللام على ( حسنِ الوجهِ ) ؛ لأنه مضافٌ إلى معـرفة لا يكون بها معـرفةً أبداً فاحتاجَ إلى ذلك حيث مُنعَ ما يكـون في مثله ألبتَّةَ ولا يُجـاوَزُ به معنى التنوين . )) ([13]) .
الوجـه الثالث : أنّ مـا يستدل به بعضهم عـلى جـواز دخـول ( أل ) عـلى كلمة (غــير ) لا يرتفــع إلى مـرتبة الــدليل الـراجـــح ؛ إما لكـونـه دليلاً لا ينهـض لذلك ، أو لكونه مُختلفاً فيه .
ـ أدلة مُجِيزِي دخول ( أل ) على ( غير ) وأخواتها
قد يقـول قـــائل : هناك أدلــة يَجـوز الاستدلال بها على جـواز دخـول ( أل ) على كلمة (غير )، وسأتناول هـذه الأدلـة واحـداً تِلْـوَ الآخـر مبيناً ما لَها ، وما عليها .
الدليل الأول : جواز نيابة ( أل ) عن الْمضاف إليه
وهذا الدليل ليس بِمُسَلَّمٍ على إطلاقه ؛ لثلاثة أسباب :
السبب الأول : خلاف العلماء في جواز ذلك .
فالعلماء مختلفون في جواز نيابة ( أل ) عن المضاف إليه ، قال الفراء في كتابه معاني القـرآن عقب قـول الله تبارك وتعالى : {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ }[ص : 50]: (( تُرفَعُ ( الأبواب ) ؛ لأنّ الْمعنى : مفتحة لهم أبوابها ، والــعرب تَجعل الألـف واللام خَلَفــاً من الإضافـــة فيقولـــون : مررت على رجـــلٍ حسنةٍ الــعينُ قبيحٍ الأنفُ ، والْمعنى : حسنةٍ عــينُه قبيحٍ أنفُه ..))([14]) ، وقد نقل أبوحيان في البحر المحيط ([15]) جوازه عن عامة الكوفيين ، ومنعه عن البصريين ، وقال به من البغـداديين الزمـخشري فـي الكشــاف فإنّه قـال عقب قول الله سبحانه وتعالى : {َإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى }[النازعات : 41]: (( والْمعـنى : فإنَّّ الْــجحيم مـــأواه كما تقول للرجل : ( غض الطَّـرْفَ تريد طـرفك ) . ))(4).
وما دامت المسألة خـلافية فلا تصح أن تكـــون نصّاً فـي جــواز نيابة ( أل) عن المضاف إلى ( غير ) وأمثالها مع وجـود الفارق بينها وبين ما مُثِّل به فهذه ملازمة للإضافة ، وتلك غير ملازمة لَها .
السبب الثاني : خلاف مُجيزي نيابة ( أل ) عن المضاف إليه في ماهيته .
فالكوفيون أجازوا نيابة ( أل ) عن المضاف إليه الواقع ضميراً غائباً فحسب ، ولهذا قال ابن هشام الأنصاري : (( والمعروف من كلامهم إنما هو التمثيل بضمير الغائب )) ([16])، بينما أجـاز الـزمَـخشري أن يكون المضـاف إليه اسْمـاً ظـاهراً فقـد قـال عقـب قـوله تبارك وتعـالى : {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }[البقرة : 31] : (( أي : أسْماء الْمسميات فحذف الْمضاف إليه ؛ لكونه معلوما مدلولاََ عليه بذكـر الأسْماء ؛ لأنّ الاسم لا بد له مِـن مسمى ، وعوض منه اللام )) ([17]).
إذا عُلم هذا بان عدم صحة القول بجواز دخول ( أل ) على ( غير ) ـ مطلقاً ـ اعتماداً على هذا القول ؛ لاختلاف مُجِيزِي نيابة ( أل ) عن الْمضاف إليه في صحة تلك النيابة .
السبب الثالث : خــلاف العلماء في ماهية ( أل ) النائبة عن المضاف إليه
اختلف العلماء فــي ماهية ( أل ) النائبة عن الْمضاف إليه على قولــــين ، فــالـــزمـخشري يرى أنها للتعـريف ([18])، بينما يرى ملك النحـاة ([19]) أنها للمعاقبة جـاء فـي كتاب تهذيب الأسْماء واللغات نقلا عنه : (( قال : وعندي أنه تدخل اللام على ( غير ، وكل ، وبعض ) فيقال : ( فعل الغير ذلك ، والكل خير من البعض ) ، وهذا ؛ لأن الألف واللام هنا ليستا للتعريف ولكنها المعاقبة للإضافة )) ([20]).
وعلى هذا فخلاف العلماء في ماهية ( أل ) النائبة عن المضاف إليه يُضعِف القول بإفادة ( أل ) التي أُدخِلت على ( غير ) معنى التعريف .
السبب الرابع : أنّ كلَّ ما مثل به العلماء في هذه المسالة إنما هو من باب الأسْماء التي لا تلازم الإضافـة ، وعلى هـذا فلا يَجـوز قياس ( غير ) وأمثالها على ما مثّل به العلماء فـي هذه الْمسالة .
إذا عُلِم هـذا بان أنَّ الْخلاف الْمتشعب في مسائل نيابة ( أل ) عن المضاف إليه يدل على عـدم قوة القول بِجواز دخول ( أل ) على ( غير) وأمثالها اعتماداً على هذه الْمسألة ، ويشهد لذلك ـ أيضاً ـ عدم الاطلاع عـلى شاهد في كتب الزمخشري التي اطلعت عليها دخلت فيه ( أل ) على ( غـير) مــع تقَـدُّم تَجـويزه لنيابـة ( أل ) عــن الـْمضاف إليه مـطلقاً فــدل ذلك على أنَّ تَجـويزَه عـامٌ فـي الأسْماء التي لَم تُلازم الإضافـة ، أما الأسْماء الْملازمة للإضافة لفظاً أو معنى فيمنعها لــزوم الإضافة من دخول ( أل ) عليها .
======================================
الدليل الثاني : حـمل ( غير ) على الضد
وهـــذا الدليل استدل به النَّوَوِّي فـي كتابه تهذيب الأسْماء واللغات علـــــى جواز دخــول ( أل ) على ( غير) فقال : (( ثم إِنّ الغير يحمل على الضد ، والكل يحمل على الجملة ، والبعض يـحمل على الجزء فصلح دخول الألف واللام ـ أيضا ـ من هذا الوجه ، والله تعالى أعلم . )) ([21]).
فهـــو ـ هنا ـ أجـــاز دخــول ( أل ) على ( غير) بِحملها على مــرادفها ( الضد ) ، وهـذا ليس بِمُسَلَّمٍ على إطلاقه ؛ لأنَّ ( غير) وإن كانت تدل على معنى من معـــاني ( الضد ) فهي تدل على ضدية خاصة تتمثل فـي معــايرة مِـــن عـــدة أوجـــه للاسم الذي قبلها ، وهــذا ما لا تدل عليه كلمة ( الضد ) ـ والله تعالى أعلم ـ .
الدليل الثالث : الاستناد إلى قول العلماء
عُلِمَ أنّ بعض العلماء منع دخول ( أل ) على ( غير) ، ولكن بعضهم وإن منع ذلك لَم يلتزم بذلك ، وبعضهم أجاز ذلك إما بفعله ، وإما بقوله اعتماداً على مَجموع الأدلة السابقة ، أو على واحدٍ منها .
فالناظر في مصنفات العلماء في مـختلـف فنون العـلــم يَجد أنهم أدخلوا( أل ) على ( غير) ، إلا أنه قليل عند علماء اللغة ، كثير عند غيرهم ، فمثال مَجيئه في معاجم اللغة ما جاء في الصحاح : (( الوَسيلَةُ : ما يتقرَّب به إلى الغير )) ([22]) ، ومثال مَجيئه في كتب الفقه ما جـاء فـي مواهب الجليل : (( تعيّن ذلك الغير لأجله )) ([23])، ومثال مَجيئه فـي كتب التفسير ما جاء في تفسير ابن كثير : (( كأكل مال الغير للمضطر )) ([24])
، ومثال مَجيئه فـي كتب أصول الفقه ما جاء في الْمعتمد : (( حكاية عن الغير )) ([25]).
وما تقدّم إيراده إنّما هو من باب ضرب المثال لا الْحصر ، وإلا فالأمثلة أكثر مِن أن تُحْصَى ، وهنا مسألة مفادها هل يجوز الاستشهاد بكلام العلماء في اللغة أم لا ؟
وللجواب عن ذلك يُقال ظاهر قول السيوطي : (( أجمعوا على أنه لا يحتج بكلام الْمُولِّدين والْمُحْدِثِين في اللغة والعربية . )) ([26]) يُفهم منه الإجْـماع على عدم الاحتجاج بكلام المولدين ، كما يُفهَم منه دخول العلماء في ذلك ؛ لكونهم في عصور الْمولدين ، لكن فـي الكشاف ما يقتضي جـواز الاستشهاد بكلامهم في اللغة ، قـال الزمَـخـشري : (( وجــاء فِي شعـر حَبِيب بن أَوْس ([27])... وهـو وإن كــان مُحـدثاً لا يُستشهد بشعره فـي اللغة فهــو من علمــاء الــعربية فاجعل ما يقــولــه بِمنزلة مـــا يرويه ، ألا ترى إلى قول العلماء الدليل عليه بيت الْحماسة فيقتنعون بذلك ؛ لوثوقهم بروايته وإتقانه . )) ([28]).
قول الزمخشري ـ هذا ـ جعله بعضهم دليلاً على جواز الاستشهاد بكلام العلماء وإن كان مخالفاً لقواعد العربية ، والراجح ـ والله أعلم ـ عدم قوة ذلك ؛ لأنّ فـي قــول الزمـخشري : ( فاجعل ما يقوله ِبمنزلة ما يرويه ) ما يدل على أنَّ ما يقوله العالِم الأصل فيه أن يكون موافقاً لما يرويه من اللغة ، فإذا خالف قولُه روايتَه بطُل الاحتجاج به كما يبطُل الاحتجاج بفعله إن كان مُخالفـــاً لعِلمه ،فالاحتجاج بقول الــعــالم مقبولٌ ما دام موافقاً لما يرويه من اللغة .
ولو سُلِّمَ أنّ الزمخشري يرى صحة الاستشهاد بكلام العلماء فإنّ المحققين من العلماء ردوا ذلك ، ومن ذلك قـول البغدادي في خزانة الأدب : (( واعْتُرِضَ عليه بأن قبول الرواية مبني على الضبط والـوثوق ، واعتبار القـول مبني على معرفة أوضاع اللغـة العربية ، والإحاطة بقوانينها ، ومِن الْبَيِّنِ أنَّ إتقان الرواية لا يستلزم إتقان الدراية . )) ([29]) .
ثُمّ إنّ الزمخشري لو كان مُجِيزاً للاستشهاد بكلام العلماء وإن كان مخالفاً للمنقول عن العرب لشُوهِدَ ذلك فـي كتبه ، وخـاصة فـي هذه الْمسألة فقد سبقه جـمعٌ مِـن العلماء بإدخـال ( أل ) على ( غير) وأشباهها ، لكنه ما تبعهم في ذلك ، وقدتتبعَّت بعض كتبه الْمطبوعـة فـي اللغة ، والنحو ، والتفسير ، ومـا وجَدَت فيها شاهـدٌ يدل على إدخـاله ( أل ) على ( غير) فدلّ ذلك على عـدم جـواز الاستشهاد بقولـه على الاستشهاد بكـلام العلمـاء الْمخالـف لقواعد العربية .
كما يشهد لذلك رد الشِّهَـاب الْخَفَـاجِي ([30]) لدليل من استدل بفعـل العلماء في إدخال ( أل ) على ( غير) فقـال : (( إذا لم يكن دخول اللام عليه ([31]) مرضياً للأدباء ، وهم علماء العربية ، ومنهم علماء اللغة كيف يتأتى استشهاده به ؟ )) ([32]).
وعـــدّ الْحريريُّ إدخـالَ ( أل ) على ( غير) مِـن أوهام الْخواص ([33])، ولا شكّ أنّ مراده بالخواص في كتابه العلماء ؛ لأن مراده تنبيه العلماء إلى بعض الأخطاء اللغوية التي يقعون فيها ، وقـد ألف العلماء كثيراً مـن الكتب التي تصحح أخطاء العلماء الأسلوبية واللغوية منها : كتاب درة الغواص فـي أوهام الخواص ، وكتاب تصحيح التصحيف وتحرير التحريف ، وكتاب غلط الفقهاء ، وكتاب غلط المحدثين ، وغيرها ، ولا شكّ أنّ هذه الكتب لا تعد انتقاصاً مِـن حـقِّ العلماء ، بل هـي من باب بيان الصحيح من الْخطأ ، ثُم إنّ هذه الكتب هي من باب حفظ لغة القـــرآن الكـريم التي وعـد الله بِحفظه ، قـال الله جل وعلا : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }[الحجر : 9] ، ولا ريْبَ أنّ مِـن حفـظ القرآن الـكريم حِفـظَ لغتِه التي نزل بها مِـن كـل لَحْنٍ وتَحريف ، وقـد يسّر الله جل وعلا لذلك جهابذةً قاموا بذلك خير قيام ، ولا يَجوز مسايرة اللهجـات فيما لَحَنَتْ فيه باسم التطور ؛ لأنّ هـذا مِـن الإعانة على إفشاء اللحن فـي لغة القرآن الكريم .
يُعلـمُ مِما تقـدّم أن الْأَوْلَى عـدم إدخـالِ ( أل ) على ( غير) وأشباهها ؛ لأنّ أدلة مُجيزي ذلك إمّا مُتوهّمَـة ، أو مرجــوحـة ، أو مُختَلَفٌ فيها ، والسلامـة الالتزام بِمــا ورد عن الــعـــرب فـي ذلك ، وما سُمّيَ هـذا العلم بـ( النحو ) إلا لكون الْمراد منه قصد سَمْتِ العرب في طريقة كلامهم ، ومن ذلك هذه المسألة ، ثُم إنّ في إجازة ذلك تعارضاً للقياس مع السماع ، والقاعدة عند العلماء أنه متى تعارضا قُدَّم السماع على القياس ، قال ابن جني في الخصائص : (( بابٌ في تعارض السماع والقياس إذا تعارضا نطقت بالمسموع على ما جاء عليه ولم تقسه في غيره )) ([34])؛ لأنّ المسموع أقوى حجة ؛ لنقله عن أصحاب اللغة ؛ ولكون القياس يرِد فيه الوهم ، والشك ، والاختلاف بين العلماء ، وزد على ذلك كونه في بعض المسائل قياساً مع الفارق ، فأنت ترى أنّ النكرات المتوغلة في الإبهام ملازمة للإضافة لفظاً أو معنىً ، ومِنْ ثَمّ فقياسها على نكــرات غير متوغلة فـي الشيوع ، وليست ملازمـة للإضافـة إنَّما هــو من باب التكــلف ؛ لِمخالفتها لَها معنىً واستعمالاً .
ثُمّ إنَّ القاعدة عند العلمـاء أنّ المجمـع عليه أولى من المختلف فيه ، قال السيوطي في الاقتراح في علم أصول النحو: (( إذا تعارض مجمعٌ عليه ومختلَفٌ فيه ، فالْأَوّل أوْلى . )) ([35])، وهذا ينطبق على الخلاف ـ هنا ـ ؛ لأنّ من الْمجمع عليه أن الأصل عدم دخول اللام على (غير) وأمثالها ؛ لأنها مِما لزم الإضافة ، وعدم سماع نص مُحتجٍ به عن العرب يخالف ذلك يُؤيدُ ذلك ، بينما دخول ( أل ) عليها مختَلفٌ فيه ، وعلى ما نصت عليه هذه القاعـدة فالأوْلَى تقديم الْمجمَعِ عليه ، وهـو امتناع ( أل ) من دخول هذه النكرات .
كما أنّ مـِن قـواعد العلماء أنّ (( مَن تَمَسَّك بالأصل خرج عن عهدة المطالبة بالدليل ، ومَن عَدَلَ عن الأصل افتقر إلى إقامة الدليل ؛ لعدوله عن الأصل ، واستصحاب الْحال أحد الأدلة الْمعتبرة . )) ([36])، فـ( غير ) وأمثالها الأصل فيها لزوم الإضافة لفظاً أو معنىً ، ومَن ادعى مفارقتها لِهذا الأصل فليأتِ بدليلٍ عن العرب الْمحتج بكلامهـم ، وإلا وجب عليه التمسك بلزومها للإضافـة ، وامتنع من إدخال ( أل ) عليها .
=========================================
- مما راق لي لأهميته وضرورته نقلته لتجنب الزلل في غير التي توصل بألف التعريف -
قائمة المراجع :
([1])ـ الأصول في النحو :1/153.
([2])ـ الكتاب :3/479 .
([3])ـ كالفراء في معاني القرآن :1/7 ، والطبري في جامع البيان عن تأويل آي القرآن :1/77 ، ومكي في مشكل إعراب القرآن :1/72 ، والزمخشري في المفصل :117، وابن عطية في المحرر الوجيز :1/76 ، والعكبري في المتبع في شرح اللمع :2/403 ، وإمـلاء ما من به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات :1/8 ، وابن يعيش في شــرح المفصـل :1/502 ، والقرطبي في الجـامع لأحكـام القـرآن :1/151، وابن القيم في بدائع الفوائد :2/263 ، والعيني في عمدة القاري :1/306 ، والشهاب الخفاجي في حاشيته على تفسير البيضاوي :1/212 ، والآلوسي في روح المعاني :1/94 .
([4])ـ مشكل إعراب القرآن :1/72 .
([5])ـ شرح المفصل :1/508 .
([6])ـ ألفية ابن مالك :51 .
([7])ـ التفسير الكبير :28/222 .
([8])ـ كسيبويه في الكتاب :3/479 ، والحريري في درة الغواص في أوهام الخواص :51 ، وابن يعيش فـي شرح المفصل :1/508 ، وأبي حيان في البحر المحيط :1/28 ، والفيومي فـي المصباح المنير :2/458 ، وابن عادل الْحنبلي فـي أحد قوليه فـي اللباب فـي علوم الكتاب :1/221 ، والخضري في حاشيته على شرح ابن عقيل :1/52 .
([9])ـ الكتاب :3/479 .
([10])ـ شرح المفصل :1/508 .
([11]) ـ حاشية الصبان :2/244 .
([12])ـ التفسير الـكبير :28/222 ، وبِمثلـه قـال ابن عـادل فـي أحـد قـوليه فـي اللباب فـي عـلوم الكتاب :1/221 .
([13]) ـ الكتاب :1/199 ـ 200 .
([14]) ـ معاني القرآن للفراء :2/408 .
([15])ـ ينظر : البحر المحيط :1/113.
(4) ـ الكشاف :4/698 .
([16])ـ مغني اللبيب :1/78 .
([17]) ـ الكشاف :1/154 ـ 155.
([18]) ـ ينظر : الكشاف :4/698 .
([19])ـ هو أبونزار الحسن بن صافي الملقب بملك النحاة ( 489 هـ ـ 568 هـ ) ، من شيوخه : عبدالقاهر الجرجاني ، له : الحـاوي في النحو ، والمقتصد في التصريف . ينظر : معجم الأدباء :2/493 ، وبغية الوعاة :1/504 .
([20]) ـ تهـذيب الأسْمـاء واللغـات للنووي :3/246.
([21]) ـ تهـذيب الأسْمـاء واللغـات :3/246.
([22]) ـ الصحاح :3/246 .
([23])ـ مواهب الجليل :2/291 .
([24])ـ تفسير القرآن العظيم :1/455 .
([25])ـ المعتمد :2/79 .
([26])ـ الاقتراح في علم أصول النحو:70.
([27])ـ هو أَبوتَمّام حبيب بن أوس بن الحارث الطائي ( 188هـ ـ 231 هـ ) ، أحد أمراء البيان ، في شعره قوة وجزالة ، واختلف في التفضيل بينه وبين المتنبي والبحتري . ينظر : الأغاني :16/414 ، ونزهة الألباء :109 .
([28])ـ الكشاف :1/119.
([29]) ـ خزانة الأدب :1/4 .
([30])ـ هو شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن عمر الخفاجي المصري الحنفي ( 979 هـ ـ 1069 هـ ) ، من تلاميذه : البغدادي صاحب خزانة الأدب ، من تصانيفه : عناية القاضي وكفاية الراضي ، وشرح درة الغواص في أوهام الخواص . ينظر : كشف الظنون :1/699 ، وهدية العارفين :1/160.
([31]) ـ الضمير عائد على ( غير ) .
([32])ـ حاشية الشهاب :1/217 .
([33])ـ ينظر : درة الغواص في أوهام الخواص :51 .
([34])ـ الخصائص :1/117 .
([35])ـ الاقتراح في علم أصول النحو :194.
([36])ـ الإنصاف في مسائل الخلاف :1/300 .
====================
م/ن
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
===================
الحمدلله وكفى وصلاة وسلامــا على الحبيب المصطفى والنبي المجتبى نور الهدى ومصبـاح الدجى السراج المنير رحمة الله للعالمين
وبعــــد
------------------------------------
إن الناظر في كلام الكُتَّابَ المعاصرين وبعض المتأخرين يجد أنهم يُدْخِلُون اللام على كلمة ( غير ) كثيراً مع مخالفة ذلك لكلام الله عزوجل ، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكلام العرب المنثور والمنظوم ؛ ولتحرير رجحان ذلك من عدمه لابد من ذكر مقدمتين وبيان خلاف العلماء في إدخال ( أل ) على ( غير )
المقدمة الأولى : مذاهب العلماء فـي جواز تعريف (غير)
للعلماء مذهبان في ذلك :
الْمذهب الأول :
أن (غير ) لا تتعــرف مطلقـاً ، قـال ابن السراج في كتابه الأصول فـي النحو: (( واعـلم أن مـــن الأسْماء مضافـات إلى مــعـارف ، ولكنها لا تتعـرف بها لأنهـا لا تَخـص شيئا بعينه ، فمن ذلك : ( مثلك ، وشبهك ، وغيرك ) تقول : ( مررت برجلٍ مثلِك ، وبرجلٍ شبهِك ، وبرجلٍ غيرِك ) ، فلو لَم يكنَّ نكـرات مـا وصف بهن نكرة ، وإنَّما نكَّرهنَّ معـانيهن ، ألا ترى أنّك إذا قـلت : ( مثلك ) جـاز أن يكـون مثلك فـي طولك ، أو لونك ، أو فـي علمك ، ولن يُحاط بالأشياء التي يكون بها الشيء مثل الشيء ؛ لكثرتها ، وكذلك ( شبهك ) ، وأما ( غـــيرك ) فصار نكــــرة ؛ لأنَّ كل شيء مثل الشيء عداك فهـو ( غيرك ) . )) ([1]).
ومِـن أدلة بقاء (غير ) على التنكير وإن أُضيفت إلى الْمعارف كثرة وجـوه الْـمغايرة ، ودخـول ( رُبّ ) عليها ، ومَجيئها نعــــتاً لنكراتٍ ، ففـي قول الله تبارك وتعالى : { قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} [الشعراء : 29] أضيفت (غير ) إلى الضمير مع وقوعها نعتاً لكلمة (إِلَهاً) النكرة .
ويعضد هذا قول سيبويه في الكتاب : (( و( غير ) … ليس باسم متمكن ، ألا ترى أنـّها لا تكـــون إلا نكـــرةً ولا تْجـمع ولا تدخلها الألف واللام . ))([2]) .
-------------------------------------
الْمذهب الثاني :
أنّ (غير ) تتعرف إذا وقعت بـين ضدين ، وهـذا الْمذهب قـال به جـمــع من علماء النحو والتفسير والقراءات واللغة والحديث ([3]).
ومن أمثلة ذلك وقوع كـلــمة ( غير ) بين الْمُنعَم عليهم ، والْمغضوب عليهم فتعينت الْمغــايرة فـي قــول الله سبحانه وتعــالى :{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ }[الفاتحة : 7]
فـ(غَيرِ) في الآية لَمَّا وقعت بين ضدين تعينت أوجــــــه الْمغايرة فصح وقوعها نَعْتاً لكلمة ( الذين ) الْمعرفة .
ا لمقدمة الثانية : الخلاف فـي جواز قطع (غير ) عن الإضافة
لا شك أنّ التزام العلماء بذكر كلمة (غير ) في باب الإضافة دليل على لزومها للإضافة ، ولا خلاف بينهم في ذلك ، وأسلوب القرآن الكريم والعرب يُعضِّـدُ ذلك ، ولكن الخـلاف بينهم فـي جـواز قطعها عـن الإضافة لفظاً ومعنىً ، ولَهم فـي ذلك مذهبان :
===========================
الْمذهب الأول :
أن كلمة (غير ) ملازمة للإضافـة مطلقاً ، وهـو مذهب جـمهور العلمـاء ؛ لأنّ الإضافـة هـي الأصل ، ومـا خالفـها يعد عـارضاً ، قال مكي في مشكل إعراب القرآن : (( ( غير ) اسم مبهم إلا أنه أُعْرِبَ للزومه الإضافة . )) ([4]) ، وهذا الْحكم ثابت لبقية أخواتها ؛ لعدمِ مَجيئها في نصٍ صحيح مُحتجٍ به غير مضافة بهذا المعنى ، سواء كانت الإضافة لفظية أو معنوية ، بدليل قول ابن يعيش في شرح المفصل في حديثه عن الأسْماء المتوغلة في الإبهام : (( فهذه الأسْماء كلها تلزم الإضافة ولا تفارقها ، وإذا أفـردت كان مـعناها على الإضـافـة ؛ ولذلك لا يَحسن دخـول الألف واللام عليها فلا يقـال : ( الْمثل ، ولا الشبه … ) ؛ لأنَّ ذلك كالْـجمع بين الألف واللام ومعنى الإضافة مـن جهـة تضمنها مـعنى الإضافـة فيها كالْـملفوظ بها ، وذلك مـن قِبل أنَّ ( مثلا ) يقتضي مُمَـاثِلاً وشبهاً يقتضي مشبهـا به ، وكذلك سائرهمـا من نـحو : ( قيد ) …)) ([5])، وإلى هذا أشار ابن مالك فقال :
قَبلُ كَغَيرُ بَعدُ حَسبُ أوَّلُ وَدُونُ والجِهَاتُ أيضاً وَعَلُ ([6])
فابن مالك قاس ( غير ، وحسب ) على ( قبل ، وبعد ، والْجهات الست ) التي لا تنفك عن الإضافة معنىً ، كما هو معلوم في باب الإضافة ـ فثبت بذلك عدم صحة قطع ( غير ) وأخواتها عن الإضافة .
المذهب الثاني :
أن كلمة (غير ) يَجوز قطعها عن الإضافة ، وهذا ما يُفهَمُ من قول الفخر الرازي : (( إذا قلت : ( غير زيد ) صار في غاية الإبهام فإنه يتناول أموراً لا حصر لها ، وأما إذا قطعته عن الإضافة ربما تقول : ( الغير والمغايرة ) من باب واحد ، وكذلك التغير فتجعل الغير كأسْماء الأجناس . )) ([7]).
والراجح ـ والله تعالى أعلم ـ أن كلمة (غير ) لا تُقطع عن الإضافة إذا كانت بالْمعنى الذي تقدم تقريره إلا بدليل سَماعي يُخرِجُها عن قياسها ، وهو الإضافة ، وما ورد منها في القرآن الكريم يُؤيد ذلك ، كما يؤيده حصر النحاة هذه النكرات مع ( قبل ، وبعد ) .
أمّا قول علماء اللغة : (الغَيْر) فلم يُطَّلَع على دليل مسموع من كلام العرب يُعضّد ذلك إذا كانت هذه الكلمة تدل على معنى الْمغايرة .
===============================
ـ الْــــخــلاف فـي تَجـــــويــز دخــــول ( أل ) على كلمة ( غير )
اختلف العلماء في جواز دخول ( أل ) على كلمة (غير )، بناء على اختلافهم في جواز قطعها عن الإضافة ، فمَن مَنَع قطعها عن الإضافة منع دخول ( أل ) عليها ، ومَنْ أجاز قطعها عن الإضافة لفظاً ومعْنىً أجاز إدخال ( أل ) عليها ، إذا علم هذا بان أن الخلاف بينهم منحصر في مذهبين :
الْمذهب الأول :
=======
الْمنع ، وهو مذهب جـمع مِـن علماء اللغة ، والنحو ، والتفسير ([8]) ، وهو ما صرّح به سيبويه فقال : (( و( غير ) … ليس باسم متمكن ألا ترى أنها لا تكون إلا نكرة ، ولا تُجمع ولا تدخلها الألف واللام ، وكذلك ( حَسْبك ) . )) ([9]).
ولعل منع دخـــــــول ( أل ) على كلمـــة ( غــــير ) ينطبق على شبيهاتها من النكـــــرات الْمتوغلــــة فـي الإبهــــــام ؛ بدليل قــــول سيبويه ـ هنا ـ : ( وكذلك ( حَسْبك ) . ) ، وقول ابن يعيش في كتابه شرح المفصل : (( فهذه الأسْمــــاء كــلها تلزم الإضافـــة ولا تفـــارقهــا ، وإذا أفــردت كــان معناها على الإضافــــــة ؛ ولذلك لا يـحسن دخــول الألــف واللام عليها فلا يقال : ( المثل ، ولا الشبه ) …)) ([10])، وقـــول الصبان في حاشيته على شرح الأشموني : (( ينبغي أن هذه الكلـمات كما لا تتعرف بالإضافة إلا فـيما استثنى لا تتعرف بـ( أل ) ـ أيضاً ـ ؛ لأن الـمانعَ من تعريفها بالإضافة مانع من تعريفها بـ( أل ) . )) ([11]) .
الْمذهب الثاني :
جـواز دخـول ( أل ) على ( غير ) ، وقـد صرَّح به الفخـر الـرازي فِـي التفسـير الـــكبير فقـال : (( إذا قلت : ( غير زيد ) صـار في غـاية الإيهام فـإنه يتناول أمـوراً لا حصـر لـها ، وأمـَّا إذا قـــــطـعته عـن الإضـافة ربّما تقـول : ( الغـير ، والْمغايرة ) مـِن باب واحد ، وكذلك التغير فتجعل الغير كأسْماء الأجناس )) ([12]).
الراجـح ـ والله تعالى أعلم ـ منع دخـول ( أل ) على ( غير ) وشبيهاتها مـن النكرات ؛ لعدة أوجه :
الوجه الأول:عـدم مـجيء ذلك فـي نص مسموع صحيح مُحتج به .
الوجه الثاني : ملازمة كلمة (غير ) للإضافة لفظاً أو معنىً ـ كما عُلِمَ ـ وهذا يَمنع قــطعــاً دخـول ( أل ) عليها ؛ لأن الإضافــة لا تَجتمع مــع ( أل ) التعريف ، ثم إنه حتى وإن سُلِّـمَ بِجـواز ذلك فذلك مشروط بكـونها مضافـة إضافـة لـفظية لا تستفيد تعريفاً ولا تخصيصاً .
قال سيبويه : (( واعلم أنَّه ليس في العربية مضافٌ يَدخل عليه الألفُ واللام غيرُ الْمضاف إلى الْمعرفة فـي هـذا الباب وذلك قولك : ( هذا الحَسَنُ الوجهِ ) أدخلوا الألفَ واللام على ( حسنِ الوجهِ ) ؛ لأنه مضافٌ إلى معـرفة لا يكون بها معـرفةً أبداً فاحتاجَ إلى ذلك حيث مُنعَ ما يكـون في مثله ألبتَّةَ ولا يُجـاوَزُ به معنى التنوين . )) ([13]) .
الوجـه الثالث : أنّ مـا يستدل به بعضهم عـلى جـواز دخـول ( أل ) عـلى كلمة (غــير ) لا يرتفــع إلى مـرتبة الــدليل الـراجـــح ؛ إما لكـونـه دليلاً لا ينهـض لذلك ، أو لكونه مُختلفاً فيه .
ـ أدلة مُجِيزِي دخول ( أل ) على ( غير ) وأخواتها
قد يقـول قـــائل : هناك أدلــة يَجـوز الاستدلال بها على جـواز دخـول ( أل ) على كلمة (غير )، وسأتناول هـذه الأدلـة واحـداً تِلْـوَ الآخـر مبيناً ما لَها ، وما عليها .
الدليل الأول : جواز نيابة ( أل ) عن الْمضاف إليه
وهذا الدليل ليس بِمُسَلَّمٍ على إطلاقه ؛ لثلاثة أسباب :
السبب الأول : خلاف العلماء في جواز ذلك .
فالعلماء مختلفون في جواز نيابة ( أل ) عن المضاف إليه ، قال الفراء في كتابه معاني القـرآن عقب قـول الله تبارك وتعالى : {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ }[ص : 50]: (( تُرفَعُ ( الأبواب ) ؛ لأنّ الْمعنى : مفتحة لهم أبوابها ، والــعرب تَجعل الألـف واللام خَلَفــاً من الإضافـــة فيقولـــون : مررت على رجـــلٍ حسنةٍ الــعينُ قبيحٍ الأنفُ ، والْمعنى : حسنةٍ عــينُه قبيحٍ أنفُه ..))([14]) ، وقد نقل أبوحيان في البحر المحيط ([15]) جوازه عن عامة الكوفيين ، ومنعه عن البصريين ، وقال به من البغـداديين الزمـخشري فـي الكشــاف فإنّه قـال عقب قول الله سبحانه وتعالى : {َإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى }[النازعات : 41]: (( والْمعـنى : فإنَّّ الْــجحيم مـــأواه كما تقول للرجل : ( غض الطَّـرْفَ تريد طـرفك ) . ))(4).
وما دامت المسألة خـلافية فلا تصح أن تكـــون نصّاً فـي جــواز نيابة ( أل) عن المضاف إلى ( غير ) وأمثالها مع وجـود الفارق بينها وبين ما مُثِّل به فهذه ملازمة للإضافة ، وتلك غير ملازمة لَها .
السبب الثاني : خلاف مُجيزي نيابة ( أل ) عن المضاف إليه في ماهيته .
فالكوفيون أجازوا نيابة ( أل ) عن المضاف إليه الواقع ضميراً غائباً فحسب ، ولهذا قال ابن هشام الأنصاري : (( والمعروف من كلامهم إنما هو التمثيل بضمير الغائب )) ([16])، بينما أجـاز الـزمَـخشري أن يكون المضـاف إليه اسْمـاً ظـاهراً فقـد قـال عقـب قـوله تبارك وتعـالى : {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }[البقرة : 31] : (( أي : أسْماء الْمسميات فحذف الْمضاف إليه ؛ لكونه معلوما مدلولاََ عليه بذكـر الأسْماء ؛ لأنّ الاسم لا بد له مِـن مسمى ، وعوض منه اللام )) ([17]).
إذا عُلم هذا بان عدم صحة القول بجواز دخول ( أل ) على ( غير ) ـ مطلقاً ـ اعتماداً على هذا القول ؛ لاختلاف مُجِيزِي نيابة ( أل ) عن الْمضاف إليه في صحة تلك النيابة .
السبب الثالث : خــلاف العلماء في ماهية ( أل ) النائبة عن المضاف إليه
اختلف العلماء فــي ماهية ( أل ) النائبة عن الْمضاف إليه على قولــــين ، فــالـــزمـخشري يرى أنها للتعـريف ([18])، بينما يرى ملك النحـاة ([19]) أنها للمعاقبة جـاء فـي كتاب تهذيب الأسْماء واللغات نقلا عنه : (( قال : وعندي أنه تدخل اللام على ( غير ، وكل ، وبعض ) فيقال : ( فعل الغير ذلك ، والكل خير من البعض ) ، وهذا ؛ لأن الألف واللام هنا ليستا للتعريف ولكنها المعاقبة للإضافة )) ([20]).
وعلى هذا فخلاف العلماء في ماهية ( أل ) النائبة عن المضاف إليه يُضعِف القول بإفادة ( أل ) التي أُدخِلت على ( غير ) معنى التعريف .
السبب الرابع : أنّ كلَّ ما مثل به العلماء في هذه المسالة إنما هو من باب الأسْماء التي لا تلازم الإضافـة ، وعلى هـذا فلا يَجـوز قياس ( غير ) وأمثالها على ما مثّل به العلماء فـي هذه الْمسالة .
إذا عُلِم هـذا بان أنَّ الْخلاف الْمتشعب في مسائل نيابة ( أل ) عن المضاف إليه يدل على عـدم قوة القول بِجواز دخول ( أل ) على ( غير) وأمثالها اعتماداً على هذه الْمسألة ، ويشهد لذلك ـ أيضاً ـ عدم الاطلاع عـلى شاهد في كتب الزمخشري التي اطلعت عليها دخلت فيه ( أل ) على ( غـير) مــع تقَـدُّم تَجـويزه لنيابـة ( أل ) عــن الـْمضاف إليه مـطلقاً فــدل ذلك على أنَّ تَجـويزَه عـامٌ فـي الأسْماء التي لَم تُلازم الإضافـة ، أما الأسْماء الْملازمة للإضافة لفظاً أو معنى فيمنعها لــزوم الإضافة من دخول ( أل ) عليها .
======================================
الدليل الثاني : حـمل ( غير ) على الضد
وهـــذا الدليل استدل به النَّوَوِّي فـي كتابه تهذيب الأسْماء واللغات علـــــى جواز دخــول ( أل ) على ( غير) فقال : (( ثم إِنّ الغير يحمل على الضد ، والكل يحمل على الجملة ، والبعض يـحمل على الجزء فصلح دخول الألف واللام ـ أيضا ـ من هذا الوجه ، والله تعالى أعلم . )) ([21]).
فهـــو ـ هنا ـ أجـــاز دخــول ( أل ) على ( غير) بِحملها على مــرادفها ( الضد ) ، وهـذا ليس بِمُسَلَّمٍ على إطلاقه ؛ لأنَّ ( غير) وإن كانت تدل على معنى من معـــاني ( الضد ) فهي تدل على ضدية خاصة تتمثل فـي معــايرة مِـــن عـــدة أوجـــه للاسم الذي قبلها ، وهــذا ما لا تدل عليه كلمة ( الضد ) ـ والله تعالى أعلم ـ .
الدليل الثالث : الاستناد إلى قول العلماء
عُلِمَ أنّ بعض العلماء منع دخول ( أل ) على ( غير) ، ولكن بعضهم وإن منع ذلك لَم يلتزم بذلك ، وبعضهم أجاز ذلك إما بفعله ، وإما بقوله اعتماداً على مَجموع الأدلة السابقة ، أو على واحدٍ منها .
فالناظر في مصنفات العلماء في مـختلـف فنون العـلــم يَجد أنهم أدخلوا( أل ) على ( غير) ، إلا أنه قليل عند علماء اللغة ، كثير عند غيرهم ، فمثال مَجيئه في معاجم اللغة ما جاء في الصحاح : (( الوَسيلَةُ : ما يتقرَّب به إلى الغير )) ([22]) ، ومثال مَجيئه في كتب الفقه ما جـاء فـي مواهب الجليل : (( تعيّن ذلك الغير لأجله )) ([23])، ومثال مَجيئه فـي كتب التفسير ما جاء في تفسير ابن كثير : (( كأكل مال الغير للمضطر )) ([24])
، ومثال مَجيئه فـي كتب أصول الفقه ما جاء في الْمعتمد : (( حكاية عن الغير )) ([25]).
وما تقدّم إيراده إنّما هو من باب ضرب المثال لا الْحصر ، وإلا فالأمثلة أكثر مِن أن تُحْصَى ، وهنا مسألة مفادها هل يجوز الاستشهاد بكلام العلماء في اللغة أم لا ؟
وللجواب عن ذلك يُقال ظاهر قول السيوطي : (( أجمعوا على أنه لا يحتج بكلام الْمُولِّدين والْمُحْدِثِين في اللغة والعربية . )) ([26]) يُفهم منه الإجْـماع على عدم الاحتجاج بكلام المولدين ، كما يُفهَم منه دخول العلماء في ذلك ؛ لكونهم في عصور الْمولدين ، لكن فـي الكشاف ما يقتضي جـواز الاستشهاد بكلامهم في اللغة ، قـال الزمَـخـشري : (( وجــاء فِي شعـر حَبِيب بن أَوْس ([27])... وهـو وإن كــان مُحـدثاً لا يُستشهد بشعره فـي اللغة فهــو من علمــاء الــعربية فاجعل ما يقــولــه بِمنزلة مـــا يرويه ، ألا ترى إلى قول العلماء الدليل عليه بيت الْحماسة فيقتنعون بذلك ؛ لوثوقهم بروايته وإتقانه . )) ([28]).
قول الزمخشري ـ هذا ـ جعله بعضهم دليلاً على جواز الاستشهاد بكلام العلماء وإن كان مخالفاً لقواعد العربية ، والراجح ـ والله أعلم ـ عدم قوة ذلك ؛ لأنّ فـي قــول الزمـخشري : ( فاجعل ما يقوله ِبمنزلة ما يرويه ) ما يدل على أنَّ ما يقوله العالِم الأصل فيه أن يكون موافقاً لما يرويه من اللغة ، فإذا خالف قولُه روايتَه بطُل الاحتجاج به كما يبطُل الاحتجاج بفعله إن كان مُخالفـــاً لعِلمه ،فالاحتجاج بقول الــعــالم مقبولٌ ما دام موافقاً لما يرويه من اللغة .
ولو سُلِّمَ أنّ الزمخشري يرى صحة الاستشهاد بكلام العلماء فإنّ المحققين من العلماء ردوا ذلك ، ومن ذلك قـول البغدادي في خزانة الأدب : (( واعْتُرِضَ عليه بأن قبول الرواية مبني على الضبط والـوثوق ، واعتبار القـول مبني على معرفة أوضاع اللغـة العربية ، والإحاطة بقوانينها ، ومِن الْبَيِّنِ أنَّ إتقان الرواية لا يستلزم إتقان الدراية . )) ([29]) .
ثُمّ إنّ الزمخشري لو كان مُجِيزاً للاستشهاد بكلام العلماء وإن كان مخالفاً للمنقول عن العرب لشُوهِدَ ذلك فـي كتبه ، وخـاصة فـي هذه الْمسألة فقد سبقه جـمعٌ مِـن العلماء بإدخـال ( أل ) على ( غير) وأشباهها ، لكنه ما تبعهم في ذلك ، وقدتتبعَّت بعض كتبه الْمطبوعـة فـي اللغة ، والنحو ، والتفسير ، ومـا وجَدَت فيها شاهـدٌ يدل على إدخـاله ( أل ) على ( غير) فدلّ ذلك على عـدم جـواز الاستشهاد بقولـه على الاستشهاد بكـلام العلمـاء الْمخالـف لقواعد العربية .
كما يشهد لذلك رد الشِّهَـاب الْخَفَـاجِي ([30]) لدليل من استدل بفعـل العلماء في إدخال ( أل ) على ( غير) فقـال : (( إذا لم يكن دخول اللام عليه ([31]) مرضياً للأدباء ، وهم علماء العربية ، ومنهم علماء اللغة كيف يتأتى استشهاده به ؟ )) ([32]).
وعـــدّ الْحريريُّ إدخـالَ ( أل ) على ( غير) مِـن أوهام الْخواص ([33])، ولا شكّ أنّ مراده بالخواص في كتابه العلماء ؛ لأن مراده تنبيه العلماء إلى بعض الأخطاء اللغوية التي يقعون فيها ، وقـد ألف العلماء كثيراً مـن الكتب التي تصحح أخطاء العلماء الأسلوبية واللغوية منها : كتاب درة الغواص فـي أوهام الخواص ، وكتاب تصحيح التصحيف وتحرير التحريف ، وكتاب غلط الفقهاء ، وكتاب غلط المحدثين ، وغيرها ، ولا شكّ أنّ هذه الكتب لا تعد انتقاصاً مِـن حـقِّ العلماء ، بل هـي من باب بيان الصحيح من الْخطأ ، ثُم إنّ هذه الكتب هي من باب حفظ لغة القـــرآن الكـريم التي وعـد الله بِحفظه ، قـال الله جل وعلا : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }[الحجر : 9] ، ولا ريْبَ أنّ مِـن حفـظ القرآن الـكريم حِفـظَ لغتِه التي نزل بها مِـن كـل لَحْنٍ وتَحريف ، وقـد يسّر الله جل وعلا لذلك جهابذةً قاموا بذلك خير قيام ، ولا يَجوز مسايرة اللهجـات فيما لَحَنَتْ فيه باسم التطور ؛ لأنّ هـذا مِـن الإعانة على إفشاء اللحن فـي لغة القرآن الكريم .
يُعلـمُ مِما تقـدّم أن الْأَوْلَى عـدم إدخـالِ ( أل ) على ( غير) وأشباهها ؛ لأنّ أدلة مُجيزي ذلك إمّا مُتوهّمَـة ، أو مرجــوحـة ، أو مُختَلَفٌ فيها ، والسلامـة الالتزام بِمــا ورد عن الــعـــرب فـي ذلك ، وما سُمّيَ هـذا العلم بـ( النحو ) إلا لكون الْمراد منه قصد سَمْتِ العرب في طريقة كلامهم ، ومن ذلك هذه المسألة ، ثُم إنّ في إجازة ذلك تعارضاً للقياس مع السماع ، والقاعدة عند العلماء أنه متى تعارضا قُدَّم السماع على القياس ، قال ابن جني في الخصائص : (( بابٌ في تعارض السماع والقياس إذا تعارضا نطقت بالمسموع على ما جاء عليه ولم تقسه في غيره )) ([34])؛ لأنّ المسموع أقوى حجة ؛ لنقله عن أصحاب اللغة ؛ ولكون القياس يرِد فيه الوهم ، والشك ، والاختلاف بين العلماء ، وزد على ذلك كونه في بعض المسائل قياساً مع الفارق ، فأنت ترى أنّ النكرات المتوغلة في الإبهام ملازمة للإضافة لفظاً أو معنىً ، ومِنْ ثَمّ فقياسها على نكــرات غير متوغلة فـي الشيوع ، وليست ملازمـة للإضافـة إنَّما هــو من باب التكــلف ؛ لِمخالفتها لَها معنىً واستعمالاً .
ثُمّ إنَّ القاعدة عند العلمـاء أنّ المجمـع عليه أولى من المختلف فيه ، قال السيوطي في الاقتراح في علم أصول النحو: (( إذا تعارض مجمعٌ عليه ومختلَفٌ فيه ، فالْأَوّل أوْلى . )) ([35])، وهذا ينطبق على الخلاف ـ هنا ـ ؛ لأنّ من الْمجمع عليه أن الأصل عدم دخول اللام على (غير) وأمثالها ؛ لأنها مِما لزم الإضافة ، وعدم سماع نص مُحتجٍ به عن العرب يخالف ذلك يُؤيدُ ذلك ، بينما دخول ( أل ) عليها مختَلفٌ فيه ، وعلى ما نصت عليه هذه القاعـدة فالأوْلَى تقديم الْمجمَعِ عليه ، وهـو امتناع ( أل ) من دخول هذه النكرات .
كما أنّ مـِن قـواعد العلماء أنّ (( مَن تَمَسَّك بالأصل خرج عن عهدة المطالبة بالدليل ، ومَن عَدَلَ عن الأصل افتقر إلى إقامة الدليل ؛ لعدوله عن الأصل ، واستصحاب الْحال أحد الأدلة الْمعتبرة . )) ([36])، فـ( غير ) وأمثالها الأصل فيها لزوم الإضافة لفظاً أو معنىً ، ومَن ادعى مفارقتها لِهذا الأصل فليأتِ بدليلٍ عن العرب الْمحتج بكلامهـم ، وإلا وجب عليه التمسك بلزومها للإضافـة ، وامتنع من إدخال ( أل ) عليها .
=========================================
- مما راق لي لأهميته وضرورته نقلته لتجنب الزلل في غير التي توصل بألف التعريف -
قائمة المراجع :
([1])ـ الأصول في النحو :1/153.
([2])ـ الكتاب :3/479 .
([3])ـ كالفراء في معاني القرآن :1/7 ، والطبري في جامع البيان عن تأويل آي القرآن :1/77 ، ومكي في مشكل إعراب القرآن :1/72 ، والزمخشري في المفصل :117، وابن عطية في المحرر الوجيز :1/76 ، والعكبري في المتبع في شرح اللمع :2/403 ، وإمـلاء ما من به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات :1/8 ، وابن يعيش في شــرح المفصـل :1/502 ، والقرطبي في الجـامع لأحكـام القـرآن :1/151، وابن القيم في بدائع الفوائد :2/263 ، والعيني في عمدة القاري :1/306 ، والشهاب الخفاجي في حاشيته على تفسير البيضاوي :1/212 ، والآلوسي في روح المعاني :1/94 .
([4])ـ مشكل إعراب القرآن :1/72 .
([5])ـ شرح المفصل :1/508 .
([6])ـ ألفية ابن مالك :51 .
([7])ـ التفسير الكبير :28/222 .
([8])ـ كسيبويه في الكتاب :3/479 ، والحريري في درة الغواص في أوهام الخواص :51 ، وابن يعيش فـي شرح المفصل :1/508 ، وأبي حيان في البحر المحيط :1/28 ، والفيومي فـي المصباح المنير :2/458 ، وابن عادل الْحنبلي فـي أحد قوليه فـي اللباب فـي علوم الكتاب :1/221 ، والخضري في حاشيته على شرح ابن عقيل :1/52 .
([9])ـ الكتاب :3/479 .
([10])ـ شرح المفصل :1/508 .
([11]) ـ حاشية الصبان :2/244 .
([12])ـ التفسير الـكبير :28/222 ، وبِمثلـه قـال ابن عـادل فـي أحـد قـوليه فـي اللباب فـي عـلوم الكتاب :1/221 .
([13]) ـ الكتاب :1/199 ـ 200 .
([14]) ـ معاني القرآن للفراء :2/408 .
([15])ـ ينظر : البحر المحيط :1/113.
(4) ـ الكشاف :4/698 .
([16])ـ مغني اللبيب :1/78 .
([17]) ـ الكشاف :1/154 ـ 155.
([18]) ـ ينظر : الكشاف :4/698 .
([19])ـ هو أبونزار الحسن بن صافي الملقب بملك النحاة ( 489 هـ ـ 568 هـ ) ، من شيوخه : عبدالقاهر الجرجاني ، له : الحـاوي في النحو ، والمقتصد في التصريف . ينظر : معجم الأدباء :2/493 ، وبغية الوعاة :1/504 .
([20]) ـ تهـذيب الأسْمـاء واللغـات للنووي :3/246.
([21]) ـ تهـذيب الأسْمـاء واللغـات :3/246.
([22]) ـ الصحاح :3/246 .
([23])ـ مواهب الجليل :2/291 .
([24])ـ تفسير القرآن العظيم :1/455 .
([25])ـ المعتمد :2/79 .
([26])ـ الاقتراح في علم أصول النحو:70.
([27])ـ هو أَبوتَمّام حبيب بن أوس بن الحارث الطائي ( 188هـ ـ 231 هـ ) ، أحد أمراء البيان ، في شعره قوة وجزالة ، واختلف في التفضيل بينه وبين المتنبي والبحتري . ينظر : الأغاني :16/414 ، ونزهة الألباء :109 .
([28])ـ الكشاف :1/119.
([29]) ـ خزانة الأدب :1/4 .
([30])ـ هو شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن عمر الخفاجي المصري الحنفي ( 979 هـ ـ 1069 هـ ) ، من تلاميذه : البغدادي صاحب خزانة الأدب ، من تصانيفه : عناية القاضي وكفاية الراضي ، وشرح درة الغواص في أوهام الخواص . ينظر : كشف الظنون :1/699 ، وهدية العارفين :1/160.
([31]) ـ الضمير عائد على ( غير ) .
([32])ـ حاشية الشهاب :1/217 .
([33])ـ ينظر : درة الغواص في أوهام الخواص :51 .
([34])ـ الخصائص :1/117 .
([35])ـ الاقتراح في علم أصول النحو :194.
([36])ـ الإنصاف في مسائل الخلاف :1/300 .
====================
م/ن