بسم الله الرحمن الرحيم
منقول من كتاب الرحيق المختوم
منقول من كتاب الرحيق المختوم
إسلام حمزة رضي الله عنه
خلال
هذا الجو الملبد بغيوم الظلم والعدوان ظهر برق أضاء الطريق، وهو إسلام
حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه أسلم في أواخر السنة السادسة من النبوة،
والأغلب أنه أسلم في شهر ذى الحجة.
وسبب إسلامه: أن أبا جهل مر برسول الله يومًا عند الصفا فآذاه ونال منه، ورسول الله
ساكت لا يكلمه، ثم ضربه أبو جهل بحجر في رأسه فَشَجَّهُ حتى نزف منه الدم،
ثم انصرف عنه إلى نادى قريش عند الكعبة، فجلس معهم، وكانت مولاة لعبد الله
بن جُدْعَان في مسكن لها على الصفا ترى ذلك، وأقبل حمزة من القَنَص
مُتَوَشِّحًا قوسه، فأخبرته المولاة بما رأت من أبي جهل، فغضب حمزة ـ وكان
أعز فتى في قريش وأشده شكيمة ـ فخرج يسعى، لم يقف لأحد؛ معدًا لأبي جهل إذا
لقيه أن يوقع به، فلما دخل المسجد قام على رأسه، وقال له: يا مُصَفِّرَ
اسْتَه، تشتم ابن أخي وأنا على دينه ؟ ثم ضربه بالقوس فشجه شجة منكرة،
فثار رجال من بني مخزوم ـ حى أبي جهل ـ وثار بنو هاشم ـ حي حمزة ـ فقال أبو
جهل: دعوا أبا عمارة، فإني سببت ابن أخيه سبًا قبيحًا.
وكان إسلام حمزة أول الأمر أنفة رجل، أبي أن يهان مولاه، ثم شرح الله صدره فاستمسك بالعروة الوثقى، واعتز به المسلمون أيما
إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وخلال
هذا الجو الملبد بغيوم الظلم والعدوان أضاء برق آخر أشد بريقًا وإضاءة من
الأول، ألا وهو إسلام عمر بن الخطاب، أسلم في ذى الحجـة سـنة سـت مـن
النبـوة. بعد ثلاثة أيام من إسلام حمزة رضي الله عنه وكان النبي قد دعا الله تعالى لإسلامه. فقد أخرج الترمذى عن ابن عمر، وصححه، وأخرج الطبراني عن ابن مسعود وأنس أن النبي
قال: (اللّهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك: بعمر بن الخطاب أو
بأبي جهل بن هشام) فكان أحبهما إلى الله عمر رضي الله عنه.
وبعد
إدارة النظر في جميع الروايات التي رويت في إسلامه يبدو أن نزول الإسلام
في قلبه كان تدريجيًا، ولكن قبل أن نسوق خلاصتها نرى أن نشير إلى ما كان
يتمتع به رضي الله عنه من العواطف والمشاعر.
كان رضي الله عنه
معروفًا بحدة الطبع وقوة الشكيمة، وطالما لقى المسلمون منه ألوان الأذى،
والظاهر أنه كانت تصطرع في نفسه مشاعر متناقضة؛ احترامه للتقاليد التي سنها
الآباء والأجداد وتحمسه لها، ثم إعجابه بصلابة المسلمين، وباحتمالهم
البلاء في سبيل العقيدة، ثم الشكوك التي كانت تساوره ـ كأي عاقل ـ في أن ما
يدعو إليه الإسلام قد يكون أجل وأزكى من غيره، ولهذا ما إن يَثُور حتى
يَخُور.
وخلاصة الروايات ـ مع الجمع بينها ـ في إسلامه رضي الله
عنه: أنه التجأ ليلة إلى المبيت خارج بيته، فجاء إلى الحرم، ودخل في ستر
الكعبة، والنبي
قائم يصلي، وقد استفتح سورة {الْحَاقَّةُ}،فجعل عمر يستمع إلى القرآن،
ويعجب من تأليفه، قال: فقلت ـ أي في نفسي: هذا والله شاعر، كما قالت
قريش، قال: فقرأ {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ
بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ} [الحاقة:40، 41]
قال: قلت: كاهن. قال:{ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا
تَذَكَّرُونَ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ} إلى آخر السورة
[الحاقة:42، 43] . قال: فوقع الإسلام في قلبي.
كان هذا
أول وقوع نواة الإسلام في قلبه، لكن كانت قشرة النزعات الجاهلية، وعصبية
التقليد، والتعاظم بدين الآباء هي غالبـة على مخ الحقيقة التي كان يتهمس
بها قلبه، فبقى مجدًا في عمله ضد الإسلام غير مكترث بالشعور الذي يكمن وراء
هذه القشرة.
وكان من حدة طبعه وفرط عداوته لرسول الله أنه خرج يومًا متوشحًا سيفه يريد القضاء على النبي ،
فلقيه نعيم بن عبد الله النحام العدوي، أو رجل من بني زهرة، أو رجل من بني
مخزوم فقال: أين تعمد يا عمر؟ قال: أريد أن أقتل محمدًا. قال:
كيف تأمن من بني هاشم ومن بني زهرة وقد قتلت محمدًا؟ فقال له عمر: ما
أراك إلا قد صبوت، وتركت دينك الذي كنت عليه، قال: أفلا أدلك على العجب
يا عمر! إن أختك وخَتَنَكَ قد صبوا، وتركا دينك الذي أنت عليه، فمشى عمر
دامرًا حتى أتاهما، وعندهما خباب بن الأرت، معه صحيفة فيها: [طه]
يقرئهما إياها ـ وكان يختلف إليهما ويقرئهما القرآن ـ فلما سمع خباب حس عمر
توارى في البيت، وسترت فاطمة ـ أخت عمر ـ الصحيفة. وكان قد سمع عمر حين
دنا من البيت قراءة خباب إليهما، فلما دخل عليهما قال: ما هذه الهينمة
التي سمعتها عندكم؟ فقالا: ما عدا حديثًا تحدثناه بيننا. قال:
فلعلكما قد صبوتما. فقال له ختنه: يا عمر، أرأيت إن كان الحق في غير
دينك؟ فوثب عمر على ختنه فوطئه وطأ شديدًا. فجاءت أخته فرفعته عن
زوجها، فنفحها نفحة بيده، فدمى وجهها ـ وفي رواية ابن إسحاق أنه ضربها
فشجها ـ فقالت، وهي غضبى: يا عمر، إن كان الحق في غير دينك، أشهد أن لا
إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله.
فلما يئس عمر، ورأي ما
بأخته من الدم ندم واستحيا، وقال: أعطونى هذا الكتاب الذي عندكم فأقرؤه،
فقالت أخته: إنك رجس، ولا يمسه إلا المطهرون، فقم فاغتسل، فقام فاغتسل،
ثم أخذ الكتاب، فقرأ: {بسم الله الرحمن الرحيم} فقال: أسماء طيبة
طاهرة. ثم قرأ [طه] حتى انتهي إلى قوله: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ
لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}
[طه:14] فقال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه؟ دلوني على محمد.
فلما سمع خباب قول عمر خرج من البيت، فقال: أبشر يا عمر، فإني أرجو أن تكون دعوة الرسول لك ليلة الخميس: (اللّهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام)، ورسول الله في الدار التي في أصل الصفا.
فأخذ عمر سيفه، فتوشحه، ثم انطلق حتى أتى الدار، فضرب الباب، فقام رجل ينظر من خلل الباب، فرآه متوشحًا السيف، فأخبر رسول الله ،
واستجمع القوم، فقال لهم حمزة: ما لكم ؟ قالوا: عمر؟ فقال:
وعمر؟ افتحوا له الباب، فإن كان جاء يريد خيرًا بذلناه له، وإن كان جاء
يريد شرًا قتلناه بسيفه، ورسول الله
داخل يوحى إليه، فخرج إلى عمر حتى لقيه في الحجرة، فأخذ بمجامع ثوبه
وحمائل السيف، ثم جبذه جبذة شديدة فقال: (أما أنت منتهيًا يا عمر حتى
ينزل الله بك من الخزى والنكال ما نزل بالوليد بن المغيرة؟ اللهم، هذا
عمر بن الخطاب، اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب)، فقال عمر: أشهد أن
لا إله إلا الله، وأنك رسول الله. وأسلم، فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها
أهل المسجد.
كان عمر رضي الله عنه ذا شكيمة لا يرام، وقد أثار
إسلامه ضجة بين المشركين، وشعورا لهم بالذلة والهوان، وكسا المسلمين عزة
وشرفًا وسرورًا.
الرجاء الدعاء لبنات المسلمين بالستر والهدايه والعفه