حمزة بن عبد المطلب
(55 ق.هـ ـ 3 هـ)
(55 ق.هـ ـ 3 هـ)
هو
حمزة بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي، أبوه عبد المطلب
بن هاشم، كبير قريش وسيدها وصاحب السقاية والرفادة فيها، وأمه هالة بنت
أهيب بن عبد مناف بن زهرة القرشية، وهو عم رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وأخوه من الرضاعة، وكنيته أبو عمارة وأبو يعلى، ولقبه سيد الشهداء، وأسد
الله، وأسد رسوله .
ولد في مكة المكرمة قبل عام الفيل بسنتين فهو أسن من
رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين، أرضعتهما ثويبة جارية أبي لهب في
فترتين متقاربتين، فنشأ رضي الله عنه وتربى بين قومه بني هاشم سادة قريش
ومكة معززاً مكرماً، وكان موصوفاً بالشجاعة والقوة والبأس حتى عُرف أنه أعز
فتى في قريش وأشدهم شكيمة، يشارك في الحياة الاجتماعية مع سادة قومه في
أنديتهم ومجتمعاتهم، ويهوى الصيد والقنص وكل أعمال البطولة والفروسية، شهد
وهو ابن اثنين وعشرين عاماً حرب الفجار الثانية بين قومه قريش وحلفائهم
وبين قيس وحلفائها، وكان النصر لقريش .
كان ترباً لرسول الله وصديقاً له
لذا كانت بذور الإسلام موجودة في نفسه ولكن لم يعلن إسلامه إلا في السنة
السادسة من البعثة إثر موقف غيرة وانتصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم،
فقد كان عائداً من الصيد مرة وبلغه أن أبا جهل بن هشام المخزومي لقي النبي
صلى الله عليه وسلم عند الكعبة فتعرض له بما يكره وسبّه سباً قبيحاً وآذاه،
فغضب وأقبل على أبي جهل بعد أن طاف بالبيت، وضربه على رأسه بقوسه فشجّه
شجة منكرة، وقال: (أتشتمه وأنا على دينه، أقول ما يقول، فاردد علي إن
استطعت ؟ ثم مضى إلى رسول الله في دار الأرقم وأعلن إسلامه، ففرح به الرسول
عليه السلام والمسلمون فرحاً كبيراً، وعز جانبهم بإسلامه، ولما أسلم عمر
بن الخطاب بعده بفترة وجيزة، خرج المسلمون من دار أبي الأرقم بقيادة حمزة
وعمر الفاروق وهم يكبرون ويهللون جهاراً نهاراً .
وفي السنة السابعة من
البعثة شارك حمزة قومه بني هاشم وبني المطلب الحصار الذي فرضته عليهم قريش
في شِعب أبي طالب وعانوا منه المشقة والعذاب، ولكنهم خرجوا منه في السنة
العاشرة وهم أشد قوة وأكثر صلابة .
ولما أمر النبي صلى الله عليه وسلم
المسلمين بالهجرة إلى المدينة، هاجر حمزة مع من هاجر إليها قبيل هجرة النبي
عليه السلام بوقت قصير، ونزل فيها على سعد بن زرارة من بني النجار، وآخى
الرسول عليه السلام بينه وبين زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه
وسلم، وبعد مرور سبعة شهور على الهجرة النبوية عقد رسول الله صلى الله عليه
وسلم أول لواء لحمزة بن عبد المطلب، وبعثه في ثلاثين رجلاً من المهاجرين
لاعتراض عير قريش القادمة من الشام إلى مكة المكرمة بقيادة أبي جهل بن هشام
في ثلاثمائة رجل، ولم يحصل بين الطرفين قتال، إذ حجز بينهما مجدي بن عمرو
الجهني، وكان حليفاً للطرفين .
شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة
ودّان ـ قرية قريبة من الجحفة بين مكة والمدينة ـ وحمل لواء الغزوة. وظهرت
بطولته رضي الله عنه في معركة بدر الكبرى التي وقعت في رمضان من السنة
الثانية للهجرة حيث اختاره الرسول صلى الله عليه وسلم مع عبيدة بن الحارث
وعلي بن أبي طالب لمبارزة فرسان كفار قريش: عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة،
والوليد بن عتبة، فبارز حمزة شيبة وقتله وشارك الآخرين في قتل عتبة، كما
قتل عدداً آخر من أبطال قريش منهم طعيمة بن عدي، وأبلى بلاء حسناً، وقاتل
بسيفين، وكان يعلّم نفسه بريشة نعامة في صدره، وقال عنه أمية بن خلف أحد
سادة قريش قبل أن يقتله المسلمون ذلك فعل بنا الأفاعيل، وقد كان حمزة بحق
بطل غزوة بدر الكبرى، وبعد معركة بدر وفي شهر شوال من السنة الثانية للهجرة
كان حمزة رضي الله عنه حاملاً لواء النبي لغزو يهود بني قينقاع وإجلائهم
عن المدينة، وقد تجلت بطولته وشجاعته بشكل كبير في معركة أحد التي حدثت في
شهر شوال سنة 3هـ، وأبلى فيها بلاء عظيماً، وقتل أكثر من ثلاثين شخصاً من
الكفار، وكان يقاتل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيفين كأنه
الجمل الأورق، فقد استشهد حمزة بن عبد المطلب في معركة أحد، قتله وحشي
الحبشي، ولقتله قصة ذكرها وحشي حيث كان غلاماً لجبير بن مطعم، وكان عمه
طعيمة بن عدي قد أصيب يوم بدر كما ذكر، فلما سارت قريش إلى أحد، قال جبير
لوحشي (إن قتلت حمزة عم محمد، فأنت عتيق)، فخرج وحشي مع الناس، وكان رجلاً
حبشياً يقذف بالحربة قذف الحبشة، قلما يخطئ، قال وحشي: (والله إني لأنظر
إلى حمزة يهد الناس بسيفه ما يبقي به شيئاً مثل الجمل الأورق) إذ تقدمني
إليه سبّاع بن عبد العزى، فقال له حمزة: هلمّ إليّ يا ابن مقطعة البظور،
فضربه ضربة فقتله، وهززت حربتي، حتى إذا رضيت منها دفعتها إليه فوقعت في
أسفل بطنه، حتى خرجت من بين رجليه وقضت عليه.
ثم إن نسوة من قريش ومنهن
هند بنت عتبة بن ربيعة التي قُتل أبوها وأخوها في معركة بدر مثّلن في جثته
وبقرن بطنه، ولاكت هند كبده فلم تستسغه فلفظته، فلما وقف عليه رسول الله
صلى الله عليه وسلم ورآه قتيلاً بكى، فلما رأى ما مُثِّل به شهق وقال (رحمك
الله أي عم، فلقد كنت وصولاً للرحم فعولاً للخيرات)، وقال أيضاً (لن أصاب
بمثلك أبداً، ما وقفت موقفاً أغيظ إليَّ من هذا) ثم قال: (لولا جزع النساء
لتركته حتى يحشر من حواصل الطير وبطون السباع)، ثم أمر بالقتلى، فجعل يصلي
عليهم بسبع تكبيرات ويرفعون ويترك حمزة، ثم يُجاء بسبعة فيكبر عليهم سبعاً
حتى فرغ منهم، وقال بحقه (سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب) .
وكان
استشهاد حمزة رضي الله عنه في منتصف شهر شوال سنة 3هـ (624م) وله من العمر
نحو (58سنة) ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة رضي الله عنه فدفن
في موقع المعركة في بطن جبل أحد ودفن معه ابن أخته عبد الله بن جحش وقبرهما
معروف حتى اليوم وتسمى المنطقة منطقة سيد الشهداء، ولما رجع رسول الله صلى
الله عليه وسلم من احد إلى المدينة سمع بعض نساء الأنصار يبكين شهداءهن،
فقال: (لكن حمزة لا بواكي له) فاجتمع نساء وبكين حمزة ولما أطلن البكاء قال
عليه السلام: (مروهنّ لا يبكين على هالك بعد اليوم) .
وكانت السيدة فاطمة الزهراء تأتي قبر حمزة .. ترمه وتصلحه .
وقد رثاه عدد من الشعراء منهم كعب بن مالك الذي يقول فيه :
بكت عيني وحق لها بكاها وما يغني البكاء ولا العويل
على أسد الإله غداة قالوا أحمزة ذاكم الرجل القتيل
أصيب المسلمون به جميعاً هناك وقد أصيب به الرسول
منقول