حمد لله والصلاة والسلام على خير خلقه ومصطفاه وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
إن الله تعالى شرع الصوم لعباده رحمة لهم وعناية بهم فهو الغني الذي لا
يضن عليهم برزقه، كيف؟! وهو الذي جاد عليهم بالجود قبل الوجود وتكفل لهم
بإيصال أرزاقهم وحوائجهم مع كلتا حالتيهم من إقرار وجحود..
ولا أراد لهم العنت والمشقة أو العذاب بالجوع والعطش، وهو الرؤوف بهم والرحيم لشأنهم؟!
وإنما أراد لهم عبادة تكف النفس عن شهواتها وتردعها عن غيها فيصير
العبد المؤمن سيداً عليها لا عبداً لها.. فيرتفع بها عن ضعة الحيوانات
اللائكة إلى رتبة الصديقين والملائكة..
فيترك العبد طعامه وشرابه
وشهوته لله كمن لا حاجة له في هذه الدنيا إلا رضاه والمسارعة في الخيرات
ولسان حاله يقول: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ} [طه: 84].
ومن أعظم ثمرات الصوم: الإقبال على الله وتحصيل التقوى التي لا تُنال
بشيء مثله، وكسر شهوات النفس، والنشاط للعبادة، والشعور بحال المعوزين
وذلة المحتاجين فيرق قلب الصائم لهم ويحمد نعمة الله عليه ويقبل على الزهد
والتخلي، ويرغب فيما عند الله.
وأعظم ما فيه من اللطائف والمنن هو شهود حكمة الله وحكمه وشرعه
وتشريعه، وشهود مقام الرسول وصدقه فإن الدعي ـوحاشاهـ لا يأمر الناس بما
يعسر معيشتهم ويشق على أنفسهم ويلجم شهواتهم، وفيه شهود معجزة الدين
الباهرة وحجته البالغة فإتباع الناس له ولو مع شقاء أبدانهم في الظاهر لما
يصلح لهم من حال معاشهم ومعادهم وشيء يجدونه في قلوبهم، لهو دليل أنه من
عند الله..
ومن أجل ذلك وغيره كثير، قال سيد الورى صلى الله عليه وسلم عن ربه جل
وعلا: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به» (متفق عليه
واللفظ للبخاري) ولننعم بالسياحة في روض هذا الحديث العاطر قليلاً أقول:
في ذات الإله:
فكل الأركان "راحة للعبد" في سبيل الله فالشهادتين
راحة من الشرك والشركاء المتشاكسين ومن المناهج المنحرفة وتقلبها
وانتكاسها، والصلاة راحة من التوجه لمن لا ينفع ولا يضر ولا يغني شيئاً،
والزكاة راحة من حقد الفقير وإضراره وأمل في كفالة الغني إذا احتاج أو
أدركه العوز، والحج شهود لحالة الذل الجماعي وشهود عز الربوبية وهكذا، إذ
أن جميع هذه الطاعات هي عبودية وخدمة فهي مناسبة للحال، إلا الصوم فهو
"تعب للعبد" من أجل مرضات الله فهو ترك -لا للحركات والممارسات- وإنما
لأمس حاجات الإنسان الفطرية والبدنية من الشهوة والطعام والشراب، فهو من
باب التنزه والترقي.
لم ينصرف لغير الله قط:
وهو العبادة الوحيدة التي لم تنصرف قط لغير
الله، فربما شهد الناس لمخلوق بالألوهية بغير حق، وربما سجدوا له أو
ركعوا، وربما تكافلوا بنظم اجتماعية ومؤسسات تأمينية وغيرها، وربما حجوا
لغير الله من حجر أو شجر أو بشر، وربما دخلوا على الملوك دخول الذليل
الصعلوك ليزيدوا في كبره وجبروته، لكن الصوم له شأن آخر فإنه لا صوم إلا
لله وإلا فخبروني متى صام أحد من أجل أحد؟! ومتى تعبد المتعبدون أو تحنث
المتحنثون لسمعه أو لبصره في غيبته أو أمن حضوره، فلا والله ما كان، ولو
كان لتعب المعبود -بالباطل- من عابديه وتعذب بكثرة مراقبة صائميه؟! إلا
السميع البصير الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض.
مراقي الصعود:
والصوم رفع للعبد في مراقي الصعود من الطاعة والكمالات شهراً كاملاً، فكيف له أن يتسافل في دركات المعصية والدناءات بقية العام؟!
لا رياء فيه:
و «إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به» إذ لا يظهر ولا
يطلع عليه بمجرد فعله إلا الله فبقية العبادات إنما تكون بالحركات
والسكنات إلا الصوم فإنه يكون بالنيات والامتناعات.. فلذا لا يدخله شوب
الرياء في ظاهره إلا قليلاً ولذلك قال: «من أجلي» و في الحديث الضعيف:
«ليس في الصوم رياء» (رواه البيهقي) ولو صح لحسم المسألة..
أعظم السر:
وسرية الصوم أعظم من بقية العبادات، والله تعالى هو الذي
يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور فهو الذي يعلم الخطرات والنظرات فضلاً
عن فلتات اللسان وغيرها مما قد ينغص الصوم فيجزي بكل ذلك لأنه أعلم به،
فالصوم من أعظم ما يتحقق فيه مقام الإحسان! الذي قال فيه صلى الله عليه
وسلم: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» (رواه مسلم
وغيره).
قد لا يقتص منه:
وربما كان معناه أنه يقتص للمظلومين يوم القيامة من
أجر كل عمل ابن آدم إلا الصوم فإنه لا يقتص منه (على قول بعض أهل العلم)،
قال صلى الله عليه وسلم: «لكل عمل كفارة، والصوم لي وأنا الذي أجزي به»
(رواه البخاري) تفسرها رواية أحمد من هذا الوجه: «كل عمل ابن آدم له كفارة
إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به» (مسند أحمد)، وربما كان في هذا نظر إذ
يرده خبر مسلم: "أنهم يتعلقون حتى بالصوم(1)".
إن الله تعالى شرع الصوم لعباده رحمة لهم وعناية بهم فهو الغني الذي لا
يضن عليهم برزقه، كيف؟! وهو الذي جاد عليهم بالجود قبل الوجود وتكفل لهم
بإيصال أرزاقهم وحوائجهم مع كلتا حالتيهم من إقرار وجحود..
ولا أراد لهم العنت والمشقة أو العذاب بالجوع والعطش، وهو الرؤوف بهم والرحيم لشأنهم؟!
وإنما أراد لهم عبادة تكف النفس عن شهواتها وتردعها عن غيها فيصير
العبد المؤمن سيداً عليها لا عبداً لها.. فيرتفع بها عن ضعة الحيوانات
اللائكة إلى رتبة الصديقين والملائكة..
فيترك العبد طعامه وشرابه
وشهوته لله كمن لا حاجة له في هذه الدنيا إلا رضاه والمسارعة في الخيرات
ولسان حاله يقول: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ} [طه: 84].
ومن أعظم ثمرات الصوم: الإقبال على الله وتحصيل التقوى التي لا تُنال
بشيء مثله، وكسر شهوات النفس، والنشاط للعبادة، والشعور بحال المعوزين
وذلة المحتاجين فيرق قلب الصائم لهم ويحمد نعمة الله عليه ويقبل على الزهد
والتخلي، ويرغب فيما عند الله.
وأعظم ما فيه من اللطائف والمنن هو شهود حكمة الله وحكمه وشرعه
وتشريعه، وشهود مقام الرسول وصدقه فإن الدعي ـوحاشاهـ لا يأمر الناس بما
يعسر معيشتهم ويشق على أنفسهم ويلجم شهواتهم، وفيه شهود معجزة الدين
الباهرة وحجته البالغة فإتباع الناس له ولو مع شقاء أبدانهم في الظاهر لما
يصلح لهم من حال معاشهم ومعادهم وشيء يجدونه في قلوبهم، لهو دليل أنه من
عند الله..
ومن أجل ذلك وغيره كثير، قال سيد الورى صلى الله عليه وسلم عن ربه جل
وعلا: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به» (متفق عليه
واللفظ للبخاري) ولننعم بالسياحة في روض هذا الحديث العاطر قليلاً أقول:
في ذات الإله:
فكل الأركان "راحة للعبد" في سبيل الله فالشهادتين
راحة من الشرك والشركاء المتشاكسين ومن المناهج المنحرفة وتقلبها
وانتكاسها، والصلاة راحة من التوجه لمن لا ينفع ولا يضر ولا يغني شيئاً،
والزكاة راحة من حقد الفقير وإضراره وأمل في كفالة الغني إذا احتاج أو
أدركه العوز، والحج شهود لحالة الذل الجماعي وشهود عز الربوبية وهكذا، إذ
أن جميع هذه الطاعات هي عبودية وخدمة فهي مناسبة للحال، إلا الصوم فهو
"تعب للعبد" من أجل مرضات الله فهو ترك -لا للحركات والممارسات- وإنما
لأمس حاجات الإنسان الفطرية والبدنية من الشهوة والطعام والشراب، فهو من
باب التنزه والترقي.
لم ينصرف لغير الله قط:
وهو العبادة الوحيدة التي لم تنصرف قط لغير
الله، فربما شهد الناس لمخلوق بالألوهية بغير حق، وربما سجدوا له أو
ركعوا، وربما تكافلوا بنظم اجتماعية ومؤسسات تأمينية وغيرها، وربما حجوا
لغير الله من حجر أو شجر أو بشر، وربما دخلوا على الملوك دخول الذليل
الصعلوك ليزيدوا في كبره وجبروته، لكن الصوم له شأن آخر فإنه لا صوم إلا
لله وإلا فخبروني متى صام أحد من أجل أحد؟! ومتى تعبد المتعبدون أو تحنث
المتحنثون لسمعه أو لبصره في غيبته أو أمن حضوره، فلا والله ما كان، ولو
كان لتعب المعبود -بالباطل- من عابديه وتعذب بكثرة مراقبة صائميه؟! إلا
السميع البصير الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض.
مراقي الصعود:
والصوم رفع للعبد في مراقي الصعود من الطاعة والكمالات شهراً كاملاً، فكيف له أن يتسافل في دركات المعصية والدناءات بقية العام؟!
لا رياء فيه:
و «إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به» إذ لا يظهر ولا
يطلع عليه بمجرد فعله إلا الله فبقية العبادات إنما تكون بالحركات
والسكنات إلا الصوم فإنه يكون بالنيات والامتناعات.. فلذا لا يدخله شوب
الرياء في ظاهره إلا قليلاً ولذلك قال: «من أجلي» و في الحديث الضعيف:
«ليس في الصوم رياء» (رواه البيهقي) ولو صح لحسم المسألة..
أعظم السر:
وسرية الصوم أعظم من بقية العبادات، والله تعالى هو الذي
يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور فهو الذي يعلم الخطرات والنظرات فضلاً
عن فلتات اللسان وغيرها مما قد ينغص الصوم فيجزي بكل ذلك لأنه أعلم به،
فالصوم من أعظم ما يتحقق فيه مقام الإحسان! الذي قال فيه صلى الله عليه
وسلم: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» (رواه مسلم
وغيره).
قد لا يقتص منه:
وربما كان معناه أنه يقتص للمظلومين يوم القيامة من
أجر كل عمل ابن آدم إلا الصوم فإنه لا يقتص منه (على قول بعض أهل العلم)،
قال صلى الله عليه وسلم: «لكل عمل كفارة، والصوم لي وأنا الذي أجزي به»
(رواه البخاري) تفسرها رواية أحمد من هذا الوجه: «كل عمل ابن آدم له كفارة
إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به» (مسند أحمد)، وربما كان في هذا نظر إذ
يرده خبر مسلم: "أنهم يتعلقون حتى بالصوم(1)".