بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الأول
أخترق
المركب الجميل النهر بهدوء وانسيابية رائعة , جاذبا إليه مجموعة من
الأطفال على الضفة , الذين قامو بملاحقته على الشاطئ ليتوقفوا بعد قليل
ملاحظين إبتعاده. ليعودوا بعد ذلك بأقدامهم الحافية وملابسهم الممزقة إلى
جانب أمهاتهم, اللواتي جلسن على ضفاف النهر يغسلن ملابسهن. وكانت البيوت
الفقيرة المتداعية خلفية ملائمة لمنظر الفقر والبؤس البادي عليهم, في عالم
توسعت فيه الهوة بين الفقراء والأغنياء, حيث زاد الفقراء فقرآ, والأغنياء
ثراءً. وبينما يقضي الفقير حياته في محاولة سداد ديونه التي تزداد يوما
بعد يوم ولا تنقص, صار الأغنياء يتنافسون في زيادة أرباحهم ورفع أسعارهم,
غير مبالين بأنهم يقومون بذبح الفقراء والقضاء عليهم, وكأن الحرب
والإستعمار لم تفعل ما يلزم .
وعلى
مقدمة المركب وقف الشاب الوسيم إبن السابعة والعشرين يراقب منظر الأفق
الجميل, حيث ظهرت الجبال الشاهقة بلون رمادي, لتتصل بالتلال الخضراء
الجميلة, التي يخترقها النهر بلونه الأزرق الرائع راسماً لوحة في منتهى
الجمال. وعلى مسافة من النهر فوق أحد التلال القريبة كان القصر الشاهق
بشرفاته الواسعة وحدائقه الجميلة, مكملاً الجمال الساحر ولم يكن يفسد ذلك
الإبداع الرائع غير تلك البيوت الحقيرة المصنوعة من أغصان الأشجار
المدعومة ببعض الحجارة والقش بسكانها البؤساء.
استدار
عائدا لمقطورته وهو يشعر بإحتقار واشمئزاز, فهو لايشعر أنهم بشر مثله .
فقد تعلم منذ طفولته أن هؤلاء الرعاع حوله خلقو من اجله, واجل راحته .ولم
يكن يستطيع أن يتصور أن لهم مشاعر وأحاسيس مثله ,فهم مجرد شيء لا أكثر في
حياته بعضهم وجد للتنظيف, والأخر للزراعة, والبعض للتعليم, وهناك من وجد
فقط لتعكير صفو الجمال المحيط به .
كان
يتمني لو أنه يستطيع إقتلاع هذه الأكواخ الحقيرة حول النهر, وأن ينهي منظر
الأطفال القذرة من الوجود, ولكن للأسف الشديد هؤلاء الرعاع هم ما يسميهم
والده الحبيب بالشعب.
شخر سيف حين وصل بتفكيره لهذا الحد : أي شعب ؟؟
للأسف تفكيره المتعالي هذا كان يبعده عن والده بينما يقرب شقيقه نورالدين من أبيه.
نور
الدين !! فكر سيف بذلك الشاب الطويل السريع الحركة المبتسم الثغر, ورغم
أنهما متشابهان شكليا وجسديا إلا أنهما مختلفان تماماً في طباعهما مثل
الليل والنهار فقد كان شقيقه يهتم كثيراً بالناس و يقوم بتعليم أطفال
البلدة القراءة والكتابة وبعض سور القرآن الكريم وكذلك يقوم بمعالجة الناس
على حسابه الخاص كيف بإمكان أمير أن يدرس الطب إن الطب فقط للجزارين حتى
يرتدوا عباءة محترمة وتكون لهم سمعة طيبة بين الناس لكنهم في النهاية ليسو
أكثر من جزارين قرويين حمقى .كيف قبل نور أن يكون واحد منهم وليس هذا فقط
بل أن يفتح عيادة مجانية للأطفال.
فكر
سيف ساخراً أن شقيقه يحب الأطفال كثيراً لابد أنه سيكون أبا رائعاً. وهنا
ظهرت تكشيره على وجهه فقد تذكر والده الذي سيصبح في أي لحظة أب للمرة
الثالثة.
فقد
تزوج بعد سنوات من الحزن على زوجته المرحومة. واحضر شابة جميلة من أحد
القرى في الجنوب الغربي من البلاد وأعلنها زوجة له من غير تمهيد وهاهي هذه
الشابة تحمل له طفلاً ربما يكون صبياً ينافسه على مكانته عند والده كلا لن
ينافسه فهو لم يكن يوما محبوب والده بل سينافس نور الإبن الغالي لوالده.
ولكن
لم يشعر هو بهذه الغيرة القاتلة ولكن له عذره فكونه الإبن الأصغر فقد تعلق
كثيراً بأبيه بعد وفاة والدته, ودلـله أباه كثيراً ليعوضه عن حنان الأم
وعاطفتها وهاهو الأن يشتكي منه ويتذمر بأنه أفسده.
حتى نور رغم أنه يحاول إصلاحه إلا أنه يشعر في بعض الأحيان بنفاذ صبره .حاول سيف طرد هذه الأفكار من رأسه قائلاً:
- يالهما من معقدين لقد حرما الكثير بسبب القيم والمبادئ.
أم
هو فقد أستمتع بأوقات رائعة في حياته وخاصة خلال الأيام الماضية. تذكر
عندها تلك الفتاة الرائعة الجمال التي قضى معها وقتاً رائعاً ما أسمها,
وظهرت تقطيبه على وجه فهو لا يتذكر أسمها هل هو حقا مبالغ في تصرفاته ؟؟
ولكن
عاد فشخر ساخراً وأقترب من النافذة وراح يراقب المنظر الرائع للجبال
البعيدة المكسوة بالخضرة بتدرجاتها الرائعة والقصر الذهبي الذي يقف شامخاً
على تله غير بعيدة تحيط به الحدائق.
كم
كان سعيداً هناك حين كان يركض بين الخمائل ووالدته تلعب معه, ورغم ما يشعر
به من حزن لذكرياته, كان يشعر بالراحة عند عودته للقصر, بيته, هذا ما يشعر
به هنا رغم صراخ والده ومواعظ شقيقه.
فجأة قطع حبل أفكاره طرق على الباب.
ودخل الخادم بعد الإستئذان وقال:
- مولاي الأمير سيف الدين, جاءت رسالة من القصر.
كان يبدو على الخادم الخوف مما جعل سيف يرتاب من الأخبار التي تنتظره ليته لم يعد.
- ما الأمر تكلم
تكلم سيف بهدوء يثير الرعب أكثر من الصراخ . عندها ركع الخادم على ركبتيه من الخوف وقال بصوت مرتجف:
- الأميرة جوهرة أنجبت صبياً.
وكان هذا كافياً ليسوٍد وجه سيف وصرخ هذه المرة بغضب:
- دعهم يرسون على المرفأ.
***************************
كانت
الأميرة جوهرة تهدهد المهد وتنظر بعينيها العسليتين الناعستين إلى طفلها
الصغير الذي كان يقاوم النوم وتغني له بحنان لعله يقبل وينام . كم هو حبيب
هذا المخلوق الصغير حتى بكاءه كان في منتهي الروعة.
- من الأفضل أن تحكي له قصة.
تفاجاءت
الأميرة بهذا الصوت وخاصة بالشخص صاحب الصوت كانت تعتقد أنه سيعود الأسبوع
القادم فمالذي أعاده الأن . إنها لا تشعر بالراحة بوجوده فدائماً تشعر
بعينيه الساخرتين تنظران إليها بسخرية وإحتقار لطالما شعرت أنه يتهمها
بأنها تزوجت والده عن طمع.
إنه
لا يفهم. لا يمكنها أن تدعي أنها تزوجت الحاكم بسبب الحب, لكن في مجتمع
قروي في منطقة نائية بعيدة , تتوقع الفتاة الأسوء. فالزواج الذي يبدو كحلم
للفتيات يصبح في هذه القرى كالكابوس. فعلى الأمهات أن يجهزن بناتهن منذ
الصغر لدخول غابة الزواج, عليهن أن يعلموهن أن يأكلن قبل أن يؤكلن. فهناك
والدة وأقارب الزوج الذين لا محال يبحثون عن أي نقطة ضدها ليخضعوها.
فالسيدة المحسودة هي من تستطيع إخضاع كناتها وجعلهن خادمات لها ولبناتها .
وبالنسبة للأزواج فهم أولا يخضعون لسيطرة أمهاتهم , وثانية لقوانين
المجتمع الذي يسخر ممن يعامل زوجته بالطيبة , فيدعون أنه ليس رجلاً , فحسب
إعتقادهم الرجل هو من يضرب زوجته ويهينها ويخضعها . وفوق هذا كله كثيراً
ما شاهدت في غياب القانون قتل هؤلاء الفتيات على يد أزواجهن ,أو على يد
أهل الزوج , وذلك أمام مرئ من أهل الفتاة العاجزين عن أي أمر .
وربما
لذلك السبب سن القدماء قانون البدل لحماية هؤلاء الفتيات. فعلى الرجل الذي
يريد الزواج أن يعطي فتاة مقابل المرأة التي يريد الزواج بها, وهذه الفتاة
يمكن أن تكون أخته أو إبنته أو إبنة أخيه أو إبنة أخته. في هذه الحالة
يخاف الزوج وأهله من إيذاء الزوجة مخافة من أن تتعرض إبنتهم بالمقابل
للإيذاء على يد أهل الزوجة.
وحتى
في هذه العادة التي كان القصد منها حماية الفتيات, ظُلمت الفتيات. فكثيراً
ما تعذبت فتاة بغير سبب لأن شقيقها قام بتعذيب زوجته التي هي شقيقة زوجها
. لهذا في مجتمع لا عزاء فيه للمرأة. تكون المرأة التي يتقدم للزواج منها
رجل متعلم وثري محظوظة جدا, حتى ولو كان هذا الرجل بعمر جدها, فما أجمل أن
تسمع المرأة كلمة جميلة من زوجها, ونظرة حانية, ومعاملة عادلة. هل
بالإمكان بعد ذلك أن لا تغرم وبجنون من منقذها؟! و تحمد ربها كل ليلة على
هذا الزوج الرائع .
ولكن
أين لهذا الإبن المتغطرس أن يفهم هذا. فهو رجل, وأيضا عاش في مجتمع متحضر
نسبيا أمام مجتمعها, غير حياة القصر الراقية التي تربى فيها. كم تتمنى أن
يكون إبنها راقياً مثله, كلا ليس مثله بل مثل نور هذا الشاب الرائع
المختلف عن سيف . والذي فتح ذراعيه لها وعاملها كأخت له, إنها تحبه وتقدره
كثيراً على عكس شقيقه الذي تخافه وتكرهه.
عادت إلى الواقع على صوت سيف .
- في الغناء لن يتعرف على صوتك جيداً, مثلما يمكنه التعرف عليه في قراءة القصة.
ردت عليه بابتسامة محاولة التعامل معه بهدوء:
- ولكنه لن يفهم القصة.
فقال بسخرية:
- ولن يفهم الأغنية.
ثم تراجع حين أحس بارتباكها وحرجها.
- ما يهمه هو أن يسمع صوتك لكي يعرف أنك موجودة بقربه ومن أجله. وحين يكبر قليلاً سيفهم القصص أسرع ويستوعبها أكثر.
فضحكت بإرتباك حين لمست منه قليلاً من عطف لم تكن تعرف أنه يمتلكه.
- وأي قصة تنصحني بقراءتها له.
فقال ساخراً:
- إختاري أنت القصة وسيختار هو الشخصية.
وحين لاحظ الإرتباك وعدم الفهم على وجهها أجاب:
-
بإمكانك إختيار أي قصة علاء الدين والمصباح السحري مثلاً أو علي بابا
والأربعين حرامي أو سندباد البحري بإمكانك إختيار أي قصة فالقصص تربي ,
أنشانا والدنا على القصص , تعلمنا من صغرنا الخير والشر, والصح والخطأ,
وكذلك المبادئ السامية من القصص .
ثم أكمل بسخرية مرة:
- وحين يكبر سيختار هو أي شخصية منها يختار, أيختار دور البطل أم
الشرير ؟؟
- وهل هناك من يختار شخصية الشرير؟!
وكانت هذه المقاطعة من والده الذي دخل الغرفة وسمع حوارهم الأخير وكان نور كالعادة يتبعه.
فتقدم سيف وقبل والده على يده فسحبه الأب إلى حضنه وضمه وقال له:
- لقد اشتقت إليك كثيراً بني . يجب أن تقلل من رحلاتك. أعتقد أن علينا أن نبحث لك عن عروس لتستقر.
رد سيف :
- لم اُخلق للإستقرار يا أبي.
هنا تدخل نور حين راء أن الأجواء قد تتصاعد بين والده وشقيقه:
- ألن تصافحني أخي.
حينها
تقدم سيف من أخيه معانقاً بينما ذهب الوالد بقرب زوجته وابنه المولود وحمل
صغيره وراح ينظراليه بحنان وحين أستدار سيف وراء ذلك المنظر شعر بخنجر
يطعن قلبه لقد سلب الصغير قلب أبيه.
نظر الوالد إلى إبنه سيف متذكراً.
- كنت تقول إن هناك من سيختار دور الشرير ؟؟
فأجاب سيف بجدية مصطنعة:
- طبعا أبي فالشرير شخصية محبوبة.
نظر الوالد إليه بإستغراب يصل لدرجة الصدمة:
- محبوب؟؟
قال سيف ساخراً:
- الشرير يصنع القصة بينما كل ما يفعله البطل هو إنهاء القصة, وقتل الشرير المسكين.
ضحك نور:
- لم أكن أعرف أن الشرير مسكين.
رد سيف بسخرية:
-
حسناً الم يكن ريئس العصابة في على بابا مسكيناً, لقد جمع ثروة طائلة عبر
سنين ليأتي صبي تافه ويأخذها منه . ألم يكن يحق له إسترجاع ماله ؟.
فقال الأب بإعتراض:
- ولكنه كسبها عن طريق السرقة ونهب الناس.
فرفع سيف حاجبه وقال باستغراب:
- وبأي طريقة كسبها على بابا ؟
قال الأب بإعتراض:
- لا يمكن أن تكون مقتنعاً بذلك.
قال سيف بتمرد:
-
أبي الحبيب الحياة ليست جانباً واحداً والبشر ليسو ملائكة أو شياطين.لكن
المجتمع والقصص علمتنا أن نأخذ جانبا واحداً, وأن نشجع البطل مهما فعل ,
ندين غيره إذا ما أجرم ,ونبرر تصرف البطل , لا يمكن أن تكون شخصيتنا
محكومة من جانب الأبطال فقط .
فقال الأب وقد هدأ قليلاً:
- وأي شخصية تختار أنت.
فأنحنى سيف محيياً أبيه بسخرية:
- طبعا الشرير.
- ماذا.
كان الأستغراب من الجميع.
فقال هو بإستغراب:
- لقد تركت شخصية البطل لشقيقي نور الدين.
ورحل تاركاً الغرفة في جو من الأستغراب والحزن والكره ..
يتبع........................
الفصل الأول
أخترق
المركب الجميل النهر بهدوء وانسيابية رائعة , جاذبا إليه مجموعة من
الأطفال على الضفة , الذين قامو بملاحقته على الشاطئ ليتوقفوا بعد قليل
ملاحظين إبتعاده. ليعودوا بعد ذلك بأقدامهم الحافية وملابسهم الممزقة إلى
جانب أمهاتهم, اللواتي جلسن على ضفاف النهر يغسلن ملابسهن. وكانت البيوت
الفقيرة المتداعية خلفية ملائمة لمنظر الفقر والبؤس البادي عليهم, في عالم
توسعت فيه الهوة بين الفقراء والأغنياء, حيث زاد الفقراء فقرآ, والأغنياء
ثراءً. وبينما يقضي الفقير حياته في محاولة سداد ديونه التي تزداد يوما
بعد يوم ولا تنقص, صار الأغنياء يتنافسون في زيادة أرباحهم ورفع أسعارهم,
غير مبالين بأنهم يقومون بذبح الفقراء والقضاء عليهم, وكأن الحرب
والإستعمار لم تفعل ما يلزم .
وعلى
مقدمة المركب وقف الشاب الوسيم إبن السابعة والعشرين يراقب منظر الأفق
الجميل, حيث ظهرت الجبال الشاهقة بلون رمادي, لتتصل بالتلال الخضراء
الجميلة, التي يخترقها النهر بلونه الأزرق الرائع راسماً لوحة في منتهى
الجمال. وعلى مسافة من النهر فوق أحد التلال القريبة كان القصر الشاهق
بشرفاته الواسعة وحدائقه الجميلة, مكملاً الجمال الساحر ولم يكن يفسد ذلك
الإبداع الرائع غير تلك البيوت الحقيرة المصنوعة من أغصان الأشجار
المدعومة ببعض الحجارة والقش بسكانها البؤساء.
استدار
عائدا لمقطورته وهو يشعر بإحتقار واشمئزاز, فهو لايشعر أنهم بشر مثله .
فقد تعلم منذ طفولته أن هؤلاء الرعاع حوله خلقو من اجله, واجل راحته .ولم
يكن يستطيع أن يتصور أن لهم مشاعر وأحاسيس مثله ,فهم مجرد شيء لا أكثر في
حياته بعضهم وجد للتنظيف, والأخر للزراعة, والبعض للتعليم, وهناك من وجد
فقط لتعكير صفو الجمال المحيط به .
كان
يتمني لو أنه يستطيع إقتلاع هذه الأكواخ الحقيرة حول النهر, وأن ينهي منظر
الأطفال القذرة من الوجود, ولكن للأسف الشديد هؤلاء الرعاع هم ما يسميهم
والده الحبيب بالشعب.
شخر سيف حين وصل بتفكيره لهذا الحد : أي شعب ؟؟
للأسف تفكيره المتعالي هذا كان يبعده عن والده بينما يقرب شقيقه نورالدين من أبيه.
نور
الدين !! فكر سيف بذلك الشاب الطويل السريع الحركة المبتسم الثغر, ورغم
أنهما متشابهان شكليا وجسديا إلا أنهما مختلفان تماماً في طباعهما مثل
الليل والنهار فقد كان شقيقه يهتم كثيراً بالناس و يقوم بتعليم أطفال
البلدة القراءة والكتابة وبعض سور القرآن الكريم وكذلك يقوم بمعالجة الناس
على حسابه الخاص كيف بإمكان أمير أن يدرس الطب إن الطب فقط للجزارين حتى
يرتدوا عباءة محترمة وتكون لهم سمعة طيبة بين الناس لكنهم في النهاية ليسو
أكثر من جزارين قرويين حمقى .كيف قبل نور أن يكون واحد منهم وليس هذا فقط
بل أن يفتح عيادة مجانية للأطفال.
فكر
سيف ساخراً أن شقيقه يحب الأطفال كثيراً لابد أنه سيكون أبا رائعاً. وهنا
ظهرت تكشيره على وجهه فقد تذكر والده الذي سيصبح في أي لحظة أب للمرة
الثالثة.
فقد
تزوج بعد سنوات من الحزن على زوجته المرحومة. واحضر شابة جميلة من أحد
القرى في الجنوب الغربي من البلاد وأعلنها زوجة له من غير تمهيد وهاهي هذه
الشابة تحمل له طفلاً ربما يكون صبياً ينافسه على مكانته عند والده كلا لن
ينافسه فهو لم يكن يوما محبوب والده بل سينافس نور الإبن الغالي لوالده.
ولكن
لم يشعر هو بهذه الغيرة القاتلة ولكن له عذره فكونه الإبن الأصغر فقد تعلق
كثيراً بأبيه بعد وفاة والدته, ودلـله أباه كثيراً ليعوضه عن حنان الأم
وعاطفتها وهاهو الأن يشتكي منه ويتذمر بأنه أفسده.
حتى نور رغم أنه يحاول إصلاحه إلا أنه يشعر في بعض الأحيان بنفاذ صبره .حاول سيف طرد هذه الأفكار من رأسه قائلاً:
- يالهما من معقدين لقد حرما الكثير بسبب القيم والمبادئ.
أم
هو فقد أستمتع بأوقات رائعة في حياته وخاصة خلال الأيام الماضية. تذكر
عندها تلك الفتاة الرائعة الجمال التي قضى معها وقتاً رائعاً ما أسمها,
وظهرت تقطيبه على وجه فهو لا يتذكر أسمها هل هو حقا مبالغ في تصرفاته ؟؟
ولكن
عاد فشخر ساخراً وأقترب من النافذة وراح يراقب المنظر الرائع للجبال
البعيدة المكسوة بالخضرة بتدرجاتها الرائعة والقصر الذهبي الذي يقف شامخاً
على تله غير بعيدة تحيط به الحدائق.
كم
كان سعيداً هناك حين كان يركض بين الخمائل ووالدته تلعب معه, ورغم ما يشعر
به من حزن لذكرياته, كان يشعر بالراحة عند عودته للقصر, بيته, هذا ما يشعر
به هنا رغم صراخ والده ومواعظ شقيقه.
فجأة قطع حبل أفكاره طرق على الباب.
ودخل الخادم بعد الإستئذان وقال:
- مولاي الأمير سيف الدين, جاءت رسالة من القصر.
كان يبدو على الخادم الخوف مما جعل سيف يرتاب من الأخبار التي تنتظره ليته لم يعد.
- ما الأمر تكلم
تكلم سيف بهدوء يثير الرعب أكثر من الصراخ . عندها ركع الخادم على ركبتيه من الخوف وقال بصوت مرتجف:
- الأميرة جوهرة أنجبت صبياً.
وكان هذا كافياً ليسوٍد وجه سيف وصرخ هذه المرة بغضب:
- دعهم يرسون على المرفأ.
***************************
كانت
الأميرة جوهرة تهدهد المهد وتنظر بعينيها العسليتين الناعستين إلى طفلها
الصغير الذي كان يقاوم النوم وتغني له بحنان لعله يقبل وينام . كم هو حبيب
هذا المخلوق الصغير حتى بكاءه كان في منتهي الروعة.
- من الأفضل أن تحكي له قصة.
تفاجاءت
الأميرة بهذا الصوت وخاصة بالشخص صاحب الصوت كانت تعتقد أنه سيعود الأسبوع
القادم فمالذي أعاده الأن . إنها لا تشعر بالراحة بوجوده فدائماً تشعر
بعينيه الساخرتين تنظران إليها بسخرية وإحتقار لطالما شعرت أنه يتهمها
بأنها تزوجت والده عن طمع.
إنه
لا يفهم. لا يمكنها أن تدعي أنها تزوجت الحاكم بسبب الحب, لكن في مجتمع
قروي في منطقة نائية بعيدة , تتوقع الفتاة الأسوء. فالزواج الذي يبدو كحلم
للفتيات يصبح في هذه القرى كالكابوس. فعلى الأمهات أن يجهزن بناتهن منذ
الصغر لدخول غابة الزواج, عليهن أن يعلموهن أن يأكلن قبل أن يؤكلن. فهناك
والدة وأقارب الزوج الذين لا محال يبحثون عن أي نقطة ضدها ليخضعوها.
فالسيدة المحسودة هي من تستطيع إخضاع كناتها وجعلهن خادمات لها ولبناتها .
وبالنسبة للأزواج فهم أولا يخضعون لسيطرة أمهاتهم , وثانية لقوانين
المجتمع الذي يسخر ممن يعامل زوجته بالطيبة , فيدعون أنه ليس رجلاً , فحسب
إعتقادهم الرجل هو من يضرب زوجته ويهينها ويخضعها . وفوق هذا كله كثيراً
ما شاهدت في غياب القانون قتل هؤلاء الفتيات على يد أزواجهن ,أو على يد
أهل الزوج , وذلك أمام مرئ من أهل الفتاة العاجزين عن أي أمر .
وربما
لذلك السبب سن القدماء قانون البدل لحماية هؤلاء الفتيات. فعلى الرجل الذي
يريد الزواج أن يعطي فتاة مقابل المرأة التي يريد الزواج بها, وهذه الفتاة
يمكن أن تكون أخته أو إبنته أو إبنة أخيه أو إبنة أخته. في هذه الحالة
يخاف الزوج وأهله من إيذاء الزوجة مخافة من أن تتعرض إبنتهم بالمقابل
للإيذاء على يد أهل الزوجة.
وحتى
في هذه العادة التي كان القصد منها حماية الفتيات, ظُلمت الفتيات. فكثيراً
ما تعذبت فتاة بغير سبب لأن شقيقها قام بتعذيب زوجته التي هي شقيقة زوجها
. لهذا في مجتمع لا عزاء فيه للمرأة. تكون المرأة التي يتقدم للزواج منها
رجل متعلم وثري محظوظة جدا, حتى ولو كان هذا الرجل بعمر جدها, فما أجمل أن
تسمع المرأة كلمة جميلة من زوجها, ونظرة حانية, ومعاملة عادلة. هل
بالإمكان بعد ذلك أن لا تغرم وبجنون من منقذها؟! و تحمد ربها كل ليلة على
هذا الزوج الرائع .
ولكن
أين لهذا الإبن المتغطرس أن يفهم هذا. فهو رجل, وأيضا عاش في مجتمع متحضر
نسبيا أمام مجتمعها, غير حياة القصر الراقية التي تربى فيها. كم تتمنى أن
يكون إبنها راقياً مثله, كلا ليس مثله بل مثل نور هذا الشاب الرائع
المختلف عن سيف . والذي فتح ذراعيه لها وعاملها كأخت له, إنها تحبه وتقدره
كثيراً على عكس شقيقه الذي تخافه وتكرهه.
عادت إلى الواقع على صوت سيف .
- في الغناء لن يتعرف على صوتك جيداً, مثلما يمكنه التعرف عليه في قراءة القصة.
ردت عليه بابتسامة محاولة التعامل معه بهدوء:
- ولكنه لن يفهم القصة.
فقال بسخرية:
- ولن يفهم الأغنية.
ثم تراجع حين أحس بارتباكها وحرجها.
- ما يهمه هو أن يسمع صوتك لكي يعرف أنك موجودة بقربه ومن أجله. وحين يكبر قليلاً سيفهم القصص أسرع ويستوعبها أكثر.
فضحكت بإرتباك حين لمست منه قليلاً من عطف لم تكن تعرف أنه يمتلكه.
- وأي قصة تنصحني بقراءتها له.
فقال ساخراً:
- إختاري أنت القصة وسيختار هو الشخصية.
وحين لاحظ الإرتباك وعدم الفهم على وجهها أجاب:
-
بإمكانك إختيار أي قصة علاء الدين والمصباح السحري مثلاً أو علي بابا
والأربعين حرامي أو سندباد البحري بإمكانك إختيار أي قصة فالقصص تربي ,
أنشانا والدنا على القصص , تعلمنا من صغرنا الخير والشر, والصح والخطأ,
وكذلك المبادئ السامية من القصص .
ثم أكمل بسخرية مرة:
- وحين يكبر سيختار هو أي شخصية منها يختار, أيختار دور البطل أم
الشرير ؟؟
- وهل هناك من يختار شخصية الشرير؟!
وكانت هذه المقاطعة من والده الذي دخل الغرفة وسمع حوارهم الأخير وكان نور كالعادة يتبعه.
فتقدم سيف وقبل والده على يده فسحبه الأب إلى حضنه وضمه وقال له:
- لقد اشتقت إليك كثيراً بني . يجب أن تقلل من رحلاتك. أعتقد أن علينا أن نبحث لك عن عروس لتستقر.
رد سيف :
- لم اُخلق للإستقرار يا أبي.
هنا تدخل نور حين راء أن الأجواء قد تتصاعد بين والده وشقيقه:
- ألن تصافحني أخي.
حينها
تقدم سيف من أخيه معانقاً بينما ذهب الوالد بقرب زوجته وابنه المولود وحمل
صغيره وراح ينظراليه بحنان وحين أستدار سيف وراء ذلك المنظر شعر بخنجر
يطعن قلبه لقد سلب الصغير قلب أبيه.
نظر الوالد إلى إبنه سيف متذكراً.
- كنت تقول إن هناك من سيختار دور الشرير ؟؟
فأجاب سيف بجدية مصطنعة:
- طبعا أبي فالشرير شخصية محبوبة.
نظر الوالد إليه بإستغراب يصل لدرجة الصدمة:
- محبوب؟؟
قال سيف ساخراً:
- الشرير يصنع القصة بينما كل ما يفعله البطل هو إنهاء القصة, وقتل الشرير المسكين.
ضحك نور:
- لم أكن أعرف أن الشرير مسكين.
رد سيف بسخرية:
-
حسناً الم يكن ريئس العصابة في على بابا مسكيناً, لقد جمع ثروة طائلة عبر
سنين ليأتي صبي تافه ويأخذها منه . ألم يكن يحق له إسترجاع ماله ؟.
فقال الأب بإعتراض:
- ولكنه كسبها عن طريق السرقة ونهب الناس.
فرفع سيف حاجبه وقال باستغراب:
- وبأي طريقة كسبها على بابا ؟
قال الأب بإعتراض:
- لا يمكن أن تكون مقتنعاً بذلك.
قال سيف بتمرد:
-
أبي الحبيب الحياة ليست جانباً واحداً والبشر ليسو ملائكة أو شياطين.لكن
المجتمع والقصص علمتنا أن نأخذ جانبا واحداً, وأن نشجع البطل مهما فعل ,
ندين غيره إذا ما أجرم ,ونبرر تصرف البطل , لا يمكن أن تكون شخصيتنا
محكومة من جانب الأبطال فقط .
فقال الأب وقد هدأ قليلاً:
- وأي شخصية تختار أنت.
فأنحنى سيف محيياً أبيه بسخرية:
- طبعا الشرير.
- ماذا.
كان الأستغراب من الجميع.
فقال هو بإستغراب:
- لقد تركت شخصية البطل لشقيقي نور الدين.
ورحل تاركاً الغرفة في جو من الأستغراب والحزن والكره ..
يتبع........................