الإخـتـراق .. من أروع قصص الجاسوسية
بسم الله الرحمن الرحيم" من ملفات المخابرات الفلسطينية "
رصدالاخـتـراق بقلم : عبدالله عيسى
مقدمة
الهالة الإعلاميةالتي أحاطت بجهاز المخابرات الإسرائيلية , ولاسيما بالفرع الخارجي " الموساد" المسؤول عن عمليات الاغتيالات للرموز الوطنيةالفلسطينية والعربية في بلدان أوروبية وعربية , كانت جزء من الحرب النفسية الموجهةضد العالم العربي منذ بداية الصراع العربي – الإسرائيلي .
وقد حاولت الدعايةالصهيونية التي تسيطر على جزء كبير من وسائل الإعلام العالمية , ترسيخ عدة مفاهيمفي ذهن الإنسان العربي , لخلق حالة من الإحباط والخوف , يسهل معها تنفيذ المخططاتالعدوانية الإسرائيلية .
وقد أرادت الأجهزة المعادية تحقيق الهزيمة في العقلالعربي قبل تحقيقها على أرض الواقع وفى ميدان المعركة فأخذت تروج لفكرة " إسرائيلالكبرى " و
"الجندي الإسرائيلي الذي لا يقهر " وجهاز " الموساد " الغير قابلللاختراق وأقوى أجهزة المخابرات في العالم .
ورغم هذه الدعاية لم تستطع أجهزةالمخابرات الإسرائيلية إخفاء فشلها في جولات عديدة . وللتخلص من عقدة الهزيمة أخذتتروج لدعاية تقول " إن أجهزة المخابرات العربية والفلسطينية لم تستطع في تاريخالصراع تجنيد أي ضابط أو عامل في المخابرات الإسرائيلية .
إلا أن أجهزة الأمنالفلسطينية تقول عكس ذلك وهذه القصة الواقعية , تؤكد بالأدلة كذب الادعاءاتالإسرائيلية . وهى قصة تجنيد المخابرات الفلسطينية لضابط إسرائيلي برتبة " نقيب " في جهاز " الموساد " " الاختراق " تروى فصلاً من فصول الصراع الدموي بين أجهزةالمخابرات الفلسطينية والموساد انطلق من داخل الأرض المحتلة ليمتد إلى بلدان عربيةولأوروبية , وتدور أحداث هذا الصراع ما بين عامي 1976 , 1988 وصولاً إلى الانتفاضةفي الأراضي العربية المحتلة كلها تحكى عن دور أجهزة الأمن الفلسطينية في تصفيةالعملاء وضباط المخابرات الإسرائيلية في الداخل .
الفصل الأول
ليالي الموساد في نتانيا
كانت طفولته عادية في ظروف عائلية غير طبيعية , فالمال بين يديهو" الدلال القاتل " خلق منه شخصيات غريبة وشاذة . كان وحيداً لأبويه يعيش في منزلخلا منه الحب والتفاهم , فالخلافات العائلية تتزايد يوماً بعد يوم بين الأب والأمالتي تسيطر سيطرة مطلقة وتبعد أي دور للأب في التربية والعلاقة مع الأقارب .
فيقرية " قباطيا " وعلى بعد 8 كيلومترات من مدينة جنين جنوباً , عاش أحمد طفولته فيعائلة ميسورة تملك الأراضي والسهول الشاسعة في القرية و " قباطيا " ما تزال معقلاًمن معاقل المقاومة الوطنية الفلسطينية , شهدت أحداثاً عديدة منذ بداية الصراعالعربي الإسرائيلي , وكانت حديث الأهالي ومبعث اعتزازهم وفخرهم قبل اندلاع المقاومةالفلسطينية المسلحة في الأراضي المحتلة . خلال عامي 1947 , و1948 دارت المعارك فيكافة أرجاء فلسطين ولكن الهجوم العسكري الإسرائيلي على مناطق جنين وقباطيا والمثلثفشل فشلاً ذريعاً وتوقف عند تخوم " جنين " وسقط عدد من الشهداء في تلك المعاركواقيم نصبا تذكاريا للشهداء في قرية " المثلث " وأطلق عليها اسم " مثلث الشهداء " نسبة إلى الشهداء الفلسطينيين والأردنيين إلى قضوا في تلك المعارك .
بعد إعلانالهدنة اضطر قسم كبير من الشعب الفلسطيني اللجوء إلى الضفة الغربية وقطاع غزةوالدول العربية المجاورة بسبب المجازر الجماعية التي تعرضت لها عدة قوى فلسطينيةوبفعل عمليات الطرد الجماعي التي نفذتها العصابات الصهيونية بقوة السلاح .
محطة القادمين
وكانت سهول " جنزور " في منطقة جنين محطة للقادمين من " حيفا " وقراها شمال فلسطين المحتلة , وأطلق هذا الاسم على السهول نسبة إلى بئر حفره الأتراك أثناء حكمهم للمنطقة .
استقر اللاجئون الفلسطينيون عدو شهور تحت الخيام , حتى بدا الشتاء ذلك العام , فاجتاحت المنطقة الثلوج واضطر اللاجئون إلى الرحيل إلى مناطق أخرى من فلسطين بحثاًعن مأوى , واقامت لهم وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين مخيمات بنيتبمواصفات رديئة للغاية , ولكنها كانت افضل من الخيام على كل حال . وأقيمت هذهالمخيمات في مناطق مختلفة في الضفة الغربية وقطاع غزة ولفترة عشر سنوات على أمل أنتجد القضية الفلسطينية حلاً لها إلى مدنهم وقراهم .
وفى 5 حزيران 1967 كان لواءمن الدبابات الأردنية يرابط في منطقة " جنين " حيث تصدى للعدوان الإسرائيلي ودارتمعركة ضارية لم يستطع الجيش الإسرائيلي التقدم فيها إلا بفعل تدخل الطيرانالإسرائيلي الذي حسم المعركة على كافة الجبهات لصالح إسرائيل .
وبعد احتلالإسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة وتنامى أعمال المقاومة الفدائية ضد الاحتلال , أقامت سلطات الاحتلال في كافة المدن الفلسطينية مراكز ضخمة تشمل الشرطة والمخابراتوحرس الحدود وسجن , وكل مركز يشبه قلعة من قلاع العصور الوسطى .
سقوط عميل
في صيف عام 1968كان أحمد لا يتجاوز الثانية عشرة من عمره خرج من منزله في الصباح كسائر الأطفال حتىتقع عيناه على مشهد مخيف . كان يسير في الشارع أمام المنزل رجل في الثلاثين منالعمر وكان الشارع خالياً في تلك الساعة . وفجأة اقترب رجل يلف رأسه بالكوفيةالفلسطينية , واستل مسدساً وأطلق النار على الميل الذي سقط صريعاً يتخبط بدمائهخلال لحظات اختفى
" الفدائي " بينما وقف أحمد مسمراً في مكانه والعرق ينصب منجبينه خوفاً .
خرجت والدته على صوت إطلاق الرصاص فشاهدت الرجل ممددا في الشارعوأحمد واقفاً كالتمثال . وتعرفت على القتيل وهو معروف بعمله مع المخابراتالإسرائيلية فأمسكت بولدها ودفعته داخل المنزل وأغلقت الباب . كان الفتى تحت تأثيرصدمة كبيرة , فاندفع إلى سريره وغطى نفسه وراحت حرارته ترتفع وتنخفض بسبب الرعبالذي أصابه .
لم يفارق المشهد مخيلته وراحت تنتابه الكوابيس المزعجة في الليل , وكلما سأل والدته : " لماذا قتل هذا الرجل " ؟ كانت إجابتها واحدة : " هذا الأمر لايعنيك , ولا يعنينا " .
كانت إجابة والدته هي حبل المشنقة الذي سيلتف حول رقبتهفيما بعد فالتربية فى الأسرة هي التي تحدد هوية النشء ومستقبلهم , ووالدة أحمد وضعتقدم ابنها على أول طريق الانحراف – بحسن نية – لأنها كانت تعتقد أنها بهذا النمط منالتربية الخاطئة تحافظ على ابنها ووحيدها .
بعد سنوات نسى أحمد الحادثة تماما , ولم يجد من حوله ما يذكره بها , فأصبح يهمل دروسه كما أصبح يقضى معظم وقته خارجالمنزل مع أصدقاء السوء بسبب انعدام الرقابة والمتابعة من قبل الأب , وتشجيع الأملابنها بأن يعيش حياته ويستمتع بها فلديه من المال ما يكفيه وهو ليس بحاجة إلىالدراسة حسب رأيها.
وفى أحد الأيام جرى نقاش فقال " أبو أحمد " لزوجته بلهجةيائسة : " .. انك ستوصلين ابنك إلى الهاوية بهذا الأسلوب " ؟ردت زوجته قائلة : " لسنا بحاجة إلى الدراسة , لدينا من المال ما يكفى أحمد ليعيش كيفما يريد "
بلغ أحمد سن المراهقة وأخذ ينحرف عن عادات وتقاليد عائلته المحافظة . كان كلواحد من أهله يحاول جذبه إليه بمده بمزيد من النقود التي كان يحصل عليها يومياًوأصبح الفتى يتردد على المقاهي ودور السينما ويتسكع في الشوارع ويتعاطى الخمر .
وانعكس هذا الأسلوب على دراسته فأهملها وأصبح يرسب في المدرسة حتى طرد منها فيالصف الثالث الإعدادي بعد أن رسب عامين متتاليين .
وكان لحادثة طرده من المدرسةوقع كبير على والده , ولكنه اكتفى بنصحه ليبدأ حياته العملية بشكل جاد .
ولكنأحمد كان سعيداّ بخروجه من المدرسة كما كان سعيداً بدفاع والدته المستمر عنه . ولاسيما بعد أن بدأ والده يتخذ موقفاً متشدداً معه بشأن سلوكه خارج المنزل . غير أنالفتى اعتبر انقطاعه عن الدراسة فرصة لا تعوض ليتصرف كما يريد .
في المستودع
تململ أحدالرجال الجالسين حول الطاولة في المقهى وقال موجها حديثه لـ "أبو أحمد" ألا تلاحظما يفعله ابنك يوميا ؟فتح الرجل عينيه بدهشة وقال : " ماذا تقصد " ؟قالالرجل : انه يتردد على الحانات ويعاكس الفتيات .. ونحن عرفناك رجلاً فاضلا ولا تقبلبمثل هذا السلوك المشين .
انتفض " أبو أحمد " من مكانه كالملدوغ وخرج من المقهىوهو يردد " أعوذ بالله أعوذ بالله " ؟لم يكن أبو أحمد يتصور أن سلوك ابنه سيصلإلى هذا الدرك فعاد إلى المنزل والشرر يتطاير من عينيه , بحث عن " أحمد " ولم يجدهوبقى في انتظاره حتى ساعة متأخرة من الليل .
وانزوى الرجل في ركن من أركانالمنزل , جلس على كرسى خشبي , وبقى في مكانه لا يتحرك كالتمثال , ولم تسأله زوجتهعن حاله فقد تعودت ذلك وهى تعتبر أن مشاكله لا تعنيها .كان الظلام يخيم على المنزل , وعند الساعة الحادية عشرة ليلاً سمع أبو أحمد صوتاً خفيفاً قادماً من ناحية الباب , فأصغى إليه ثم وقف ليشاهد " أحمد " وهو يدخل المنزل مترنحاً في مشيته .
صاحوالده بعصبية " أين كنت " ؟لم يكن أحمد يتوقع أن يجد والده صاحياً , فهو يناممباشرة بعد صلاة العشاء , فقال متلعثماً : " كنت .. مع أصدقائي " .
اقترب والدهمنه فإذا رائحة الخمر تفوح , فهوى على ابنه يصفعه وهو يصرخ: "
أنا برئ منك .. لست ابني " .
صحت " أم أحمد " على هذا الصراخ ودخلت في معركة كلامية مع وزجهاوكان الرجل مغلوباً على أمره وزوجته لم تقدر مخاطر موقفها فأثر الانسحاب بعد أنتأكد أنه غير قادر على السيطرة على زوجته وابنه .
فجأة قرر الانسحاب بعد أن أدركأنه لا يستطيع أن يواصل ولا يستطيع حسم " الصراع " لصالحه , وبعد أن يأس من إصلاحابنه في ظل حماية والدته له .
في تلك اللحظة استبد به الغضب وحسم الموقف فترددفي جنبات المنزل وهو يقول لزوجته : " أنت طالق طالق طالق " .
استدار الرجل وسارخطوات وهو يستغفر الله فسمع صوت زوجته خلفه تقول لابنها : " ولا يهمك ارتحنا منه ..
بعد انفصال أبويه تمادى أحمد في سلوكه واستهتاره , حتى أصبح معزولاً في قريته , ولم يجد حوله سوى الأصدقاء الذين دفعوه إلى هذا الطريق .
بلغ الشاب العشرين منالعمر . والدته التي ضحت بكل شئ لا تراه إلا فيما ندر , وحتى عندما مرضت لم يزرهاإلا مرة واحدة كأي غريب , فشعرت بالندم على ما فعلته بحق زوجها وكيف تسببت فيانحراف ابنها .
إلى نتانيا
وفى أغسطس ( آب ) 1976 اقترح عليه أحد أصدقائه أن يعمل شفى مستودع لشركة باصات " ايجد " الإسرائيلية في مدينة " نتانيا " فأبدى الشاب استغرابه من هذا العمل وهو ليس بحاجةماسة إلى المال , ولكنه في الوقت نفسه لم يعد يحصل على كل ما يريد من والدته .
وأراد صديقه " مصطفى " المنحرف أيضاً , أن يقنعه فقال : " وهل ستعتقد أنكستعمل في المستودع من أجل العمل أو المال ؟ انك ستكون في نتانيا يا صديقي .. ستعملفي المستودع ليلاً وطول النهار في الملاهي وعلى الشاطئ آه لو ترى بنات نتانيا " ؟لمعت عيني أحمد وهو يستمع إلى هذا الكلام وتداعت في ذهنه صورة والده وهو يؤنبهويصفعه على سلوكه وكيف أصبح أهل البلدة يتحدثون عنه بامتعاض , خصوصاً بعد أن شاهدوهأكثر من مرة في " جنين " يتسكع ثملاً .
رفع رأسه , وقال : " وهل المستودع بحاجة إلى عمال ؟ "
قال مصطفى : " نعم إننياعمل بالقرب منه , ولكن في النهار في بلدة " نتانيا " ويومياً أمر بالقرب منه وأعرفبعض الشباب العرب واليهود الذين يعملونهناك " .
انتابت الشاب مشاعر متناقضةما بين الخوف من المجهول والحماس .. سيعيش في وسط غريب , ولكنه حسم الأمر وقال فينفسه : " إنني غريب هنا أيضاً فلم لا ؟ "
في صباح اليوم التالي وعند الساعةالسادسة صباحاً كان " أحمد " ينتظر في محطة الأتوبيس في قرية " قباطيا " حسب الموعدالمتفق عليه مع صديقه للتوجه إلى نتانيا .
مضت دقائق وأحمد يحملق في وجوه العمالالقادمين المحطة حتى لمح"مصطفى " وهو يسير بخطى متثاقلة , في تلك الأثناء كان أحدالأتوبيسات " ايجد " المخصص لنقل العمال العرب قد توقف في المحطة , فسارع إليهمشيراً لأحمد أن يصعد بسرعة .
انطلق الأتوبيس باتجاه مدينة " جنين " حيث كان فيانتظاره عدد من العمال ثم خرج من المدينة باتجاه " نتانيا " ونزل عدد كبير منالعمال في المنطقة التي تقع بين أحياء " الفاتيكيم " و " بيت اسحق " من جهة وسجن " بيت ليد " من جهة نتانيا المدينة .
كان الباص يسير على " الأوتوستراد " الذييبدأ من المنطقة الصناعية ويشق المدينة حتى الشاطئ وقرب المستودع توقف الأتوبيسونزلا منه , وسارا باتجاه الباب الرئيسي , وكانت الشوارع شبه خالية في تلك الساعةباستثناء حركة العمال وسيارات النقل .
كان احمد مرتبكاً , متردداً ينظر حوله فلميسبق له أن عمل على الإطلاق . تبع
" مصطفى " الذي دخل بخطى ثابتة متوجهاً إلىأحد العمال في المستودعوسأل : " أين الياهو ؟ " رد العامل بدون اكتراث وكأنهمتعود على مثل هذه الأسئلة " لا أعرف "
اعتقد أنه لم يأت بعد "
التفت مصطفىلأحمد وقال : " انتظر المعلم الياهو , وعندما يأت قل له أريد أن اعمل كحارس ليلى " لا أستطيع البقاء معك فقد تأخرت عن عملي .
أمسك به محمد متوسلاً : " أرجوك لاتذهب أنا لا أعرف أحدا هنا ابق نعى " .
مصطفى : " وعملي " ؟محمد : يا آخي خذإجازة اليوم .
تذمر صديقه وقال : " أمري لله سأبقى معك " .
بعد ساعة منالانتظار قرب البوابة وبين الأتوبيسات التي تجرى عليها عمليات الصيانة , أطل رجلطويل القامة , أشقر اللون قوى البنية يسير في ساحة المستودع مثل المصارع على الحلبة , يرتدى قميصاً أزرق فاتح اللون صيفي وسروال قصير من نوعية رديئة .
دخل إلىالمستودع ومر بالشابين وكأنه لم يشاهدهما فاستوقفه مصطفى قائلاً
" مناهيل " معلم " الياهو " .
توقف الياهو ونظر الياهو ونظر إليه ثم قال : ماذا تريد ؟ابتسممصطفى وقال وهو يقترب منه : " صديقي أحمد " يريد العمل في المستودع كحارس ليلى " .
التفت الياهو إلى أحمد وقال : " هل تستطيع السهر " ؟أحمد : " نعم " ..
الياهو : كله يقول نعم .. وبعدين ينام " .
تدخل مصطفى قائلاً : " إننيأعرف شاب نشيط وجيد ويلتزم بالعمل .
الياهو : " سنرى , الشغل شغل في المساء تعالواستلم عملك " .
خرجا من الباب الرئيسي للمستودع وأخذ مصطفى يحدثه عن الياهوقائلاً : " كان الياهو في الجيش الإسرائيلي ووصل إلى رتبة ملازم أول قبل أن يتقاعد , وبعد تقاعده أصبح مسؤولاً عن هذا المستودع الذي تراه .. وأعتقد أنه في المخابرات "
صاح به احمد قائلاً : " طيب وأنا شو دخلي ؟ كلها شغلة في الليل ويرتاح الواحدمن القرف في القرية " .
في نهاية الشارع انحرف مصطفى يساراً فقال " أحمد " أينستذهب ؟ "
مصطفى : " أريد إن أعرفك على بعض الأماكن في المدينة الشاطئ أجملها , أخذ يسيران في الشارع الذي يتصل في نهايته " بالأوتوستراد " القادم من المنطقةالصناعية , إلى الشاطئ فبينما راح " مصطفى " يتحدث دون انقطاع عن الشاطئ ونتانياوالملاهي ...
دورية مفاجئة
في نهايةالشارع الفرعي بدت ساحة مبلطة بالأسمنت بشكل هندسي جميل , لا تدخلها السيارات رغماتساعها , وقد أقيمت على مداخلها المرتبطة بشوارع المدينة حواجز من الأعمدةالإسمنتية القصيرة بشكل هندسي يتناسب والطابع السياحي للمنطقة .
على طول شاطئ " نتانيا " تمتد الساحة المبلطة بالإسمنت وتنتشر المطاعم والملاهي . بينما تمتدالمتنزهات والحدائق العامة بمحاذاة الشاطئ تماماً وترتفع عن مستواه حوالي أربعةأمتار تقريباً .
أعجب " أحمد " بهذا المنظر فطلب من صديقه أن يجلسا في أحدالكازينوهات ولكن " مصطفى " رفض الفكرة قائلاً : " أرى أن نذهب للسباحة ألم تجربالسباحة في الصباح ؟ إنها شئ جميل ومنعش " .
رد مصطفى وقد أصيب بخيبة أمل " إذننتجول على الشاطئ الآن , وفيما بعد سأعلمك السباحة .
قطعا الساحة الإسمنتيةودخلا إلى الحدائق العامة المحاذية للشاطئ ثم نزلا من إحدى المداخل إلى الشاطئالرملي حيث تنتشر المظلات والمصطافين ونقاط المراقبة .
أخذا يتسكعان على الرمالوفجأة توقفت أمامهما فتاة إسرائيلية تبدو في الخامسة والعشرين من العمر , ترتدىسروالاً قصيراً بنياً وقميصاً من لون " الكاكى " أخرجت من جيبها بطريقة آلية بطاقةزرقاء عليها شعار الشرطة الإسرائيلية
" سنبلتان تحيطان بالنجمة السداسية " وقالت وهى تبرزها في وجه الشابين , باللغة العبرية " مشتراه " همس " مصطفى " لصديقه : " تقول إنها من الشرطة
" أخرج بطاقتك " تفحصت البطاقتين , ثم قالت : " انتظرالحظة " .
توجهت إلى أحد أكشاك المراقبة القريبة غابت حوالة خمس دقائق ثم عادت , وأعادت البطاقتين إليهما ثم انصرفت .
تذمر " محمد " من هذه الحادثة وقال : " ماهذا بدأنا بالمشاكل" .
ضحك مصطفى وقال : " لا تقلق هذا إجراء روتيني " .
كان مصطفى يعرف بمثل هذه الإجراءات التي يتعرض إليها باستمرار أثناء تجواله فيالمناطق الإسرائيلية , فالمخابرات الإسرائيلية تفرض إجراءات عديدة منها محلاتالتفتيش المستمرة فعلى الشاطئ مثلاً , تقوم دوريات الشرطة الإسرائيلية بطلب بطاقاتالعرب الذين يتواجدون يومياً في هذا المكان , وتسجل المعلومات لديها في الأكشاكالمنتشرة هناك والمخصصة للأمن , وإذا حصلت عملية فدائية فان الشرطة تقوم بتحديدوحصر المشبوهين وتستدعى الأشخاص العرب الذي وجدوا شفى المكان خلال 24 ساعة . هذهالإجراءات تعكس حالة الفزع التي يعيشها الكيان الإسرائيلي من الداخل , فقد خلقالعمل الفدائي هذه الحالة التي امتدت إلى كافة مرافق الحياة في إسرائيل شفى الشارعوالمصنع والملهى والمنزل والفندق .
بعد خروجهما من الشاطئ جلسا حوالة ساعة فىإحدى الكازينوهات ثم واصلا سيرهما داخل المدينة ,, حتى حل المساء فاستلم " أحمد " مكانه في العمل فى المستودع وعاد " مصطفى " إلى منزله فى القرية .
فى المصنع
بدأ أحمد يتفحصالوجوه ويتعرف على الموجودين فى مكان العمل , وسرعان ما تحلق العمل فى أحاديث وسمرحتى ساعات الفجر .
تعرف على معظم زملائه من العرب واليهود , وفى تلك الليلة جرىحادث بسيط بينه وبين زملائه من العرب الذي حاول منعه من شرب الكحول مع الشباباليهود , فقد ظن ذلك الزميل الذي يدعى " عدنان " أن هذا الوافد الجديد يريد الشربلأول مرة كما أظهر للجماعة , وعندما عرفه يتعاطى الكحول منذ فترة طويلة اعتذر منهوحاول التعرف على ظروف ساب صغير فى مقتبل العمر , يتعاطى الكحول منذ سنوات , فهذهظاهرة غريبة وليست عادية .
كان " عدنان " فى مثل سنه تقريباً ولكنه نمط مختلففهو يميل إلى الصمت والعزلة ويضع حداًَ بينه وبين بعض التصرفات المشينة لزملائه مثلتعاطى الكحول والمخدرات .
فى ساعات الفجر , جمعت جلسة " عدنان " و " أحمد " بينما كان معظم الشباب ينام فحاول عدنان معرفة تفاصيل عن الحياة فى جنين وظروفالناس هناك ولكنه اكتشف أن أحمد لا يعرف شيئاً وكان قادم من عالم آخر , عندها فقطفهم لماذا أقدم على تعاطى الكحول منذ سن مبكرة . الشيء الوحيد الذي يتقنه أحمد هوالشتم والتأفف من الناس الذي سببوا له ضيقاً فى حياته .
" عدنان " الذي فضلالعمل فى هذا المستودع بعد حصوله على شهادة الثانوية العامة , بسبب ظروف عائلتهالمادية , أثر أن يحدثه عن المدينة التي يسكن فيها وهى " نابلس " .
بعد أسبوعينمن عمله فى المستودع , انتقل " مصطفى " للعمل فى " تل أبيب " فترك فراغاً لدى أحمدالذي اعتاد أن يذهب معه فى أوقات عديدة إلى الملاهي بعد انتهاء العمل .
فى أوائلأيلول كان " أحمد " يجلس فى إحدى الكازينوهات القريب من الشاطئ كعادته , فى مثل تلكالساعة من الصباح , وبعد برع ساعة دخل رجل أسمر البشرة , متوسط القامة ممتلئ الجسم , شعره خفيف فى الأربعينات من العمر , جلس حول إحدى الطاولات خلفه وطلب فنجاناً منالقهوة ثم أخرج علبة سجائر فرنسية من نوع " جيتان " وأشعل السيجارة . مرت دقائق كانفيها " أحمد " شارد الذهن يلاحق بعينيه الفتيات خارج الكازينو , وفجأة قام الرجل منمكانه واقترب منه ثم تعثر بكرسي قريب من طاولة " أحمد " صاح الرجل قائلاً : " ماهذا " !
ثم التفت إلى " أحمد " قائلاً : أنا آسف , يبدو إنني لم أنتبه " أكررأسفي رد أحمد " لا شئ يدعو للأسف لم يحصل شئ " .
أبدى الرجل دماثة أخلاق ولطفكبيرين فقال : " أعتذر مجدداً " !
ثم استدرك قائلاً : " الأخ عربي ؟ "!
سحبالرجل الكرسي وجلس وهو يقول : " هل تسمح لي " ؟.
أحمد : " تفضل " .
قدم الرجلنفسه قائلاً : " أنا زاهر من عكا ولدى شركة سياحية وجئت إلى هنا للاتفاق مع أحدالفنادق لوفد سياحي إيطالي , عمل مزعج والسياح يا أخي طلباتهم لا تنتهي صحيح عملالشركة السياحية مربح ولكنه متعب أيضاً " .
دخول زاهر
هكذا اقتحم " زاهر " حياة " أحمد " وفجأة بدل " أحمد " من لهجته , فقد كان مستاء من هذا الرجلالغريب الثرثار , عندما خطرت فى ذهنه فكرة : " لماذا لا اعمل معه والفرصة قد أتت " ! واصل " زاهر " حديثه عن السياحة ومشاكلها والفنادق , فقاطعه " أحمد " قائلاً : " هل أستطيع أن أجد لي عملاً معك فى شركتك " ؟فكر الرجل ملياً ثم رفع رأسه وقال : " ماذا تستطيع أن تعمل ؟ هل عملت سابقاً فى شركة سياحية " ؟
"أحمد " : كلا ولكنأستطيع أن أتعلم بسرعة " .
زاهر : " ولكن المشكلة أنني لا أعرفك . على كل حال لنأخيب رجاءك ,أنت شاب لطيف , وسأجد لك عملاً يناسبك .. مثلاً الاتصال بالفنادقوالاتفاق معها , تعمل معي فى البداية حتى تتعلم , ثم بعدها تقوم بالعمل بمفردك " .
كاد أحمد يطير منالفرح , فقال زاهر : " ولكن يجب أن أجربك فى البداية , لا تغضب منى , الشغل شغل , هذه وفود سياحية والمعاملة والأسلوب عنصران أساسيان فى العمل " .
أحمد : " ابدأهذا من حقك , وستجدني عند حسن ظنك " .
زاهر : " إن صلحت للعمل , ستصبح نائباً لي , نائب مدير الشركة " .
أحس احمد بأن الحظ قد بدأ يبتسم له , نائب مدير دفعةواحدة ! نهض " زاهر " من مكانه فاستوقفه " أحمد " قائلاً : " كيف سأتصل بك " ؟ .
عاد " زاهر" للجلوس ثانية وقال معتذراً : آسف لقد نسيت , على كل حال ما رأيكلو تزورني فى شقتي الليلة .. قد يأتيني ضيوف وستتعرف عليهم لأن هذا جزء من العملأيضاً .
أحمد وعملي فى المستودع ؟قال " زاهر" بسخرية : تريد أن تصبح مسؤولفى الشركة وبتدور على الباصات " ؟اندفع " أحمد " خلف هذا الحلم قائلاً : " بلاحراسات بلا بطيخ " !
زاهر : " انتظرني فى الكازينو واستغرق الشاب فى أحلامه : ماأجمل هذا اليوم الذي ساق إليه هذا الرجل الطيب ...
فى الموعد المحدد وعند الساعةالسابعة مساء , كان " أحمد " فى انتظار " زاهر " وكان الكازينو يعج بالزبائن فى تلكالساعة وبعد حوالي 20 دقيقة جاء الرجل وقال له : " هيا بنا " !
خرج " أحمد " معهوكانت سيارة " زاهر " الفيات البيضاء تقف على جانب الشارع .
انطلقت السيارة فىشوارع نتانيا , حتى توقفت قرب إحدى العمارات السكنية فى وسط المدينة , ثم صعدا إلىشقة فى الطابق الثالث .
فتح " زاهر " الباب ودخل خلفه الفتى , كانت شقة زاهر لاتدل على ثراء , فجلس " أحمد " فى الصالون فى حين أحضر زاهر شراباً وجلس يتحدث معه , بعد نصف ساعة قرع جرس الشقة فقام " زاهر " وفتح الباب , وراح يرحب بالزائربالإنجليزية .
دخلت فتاة شقراء , طويلة القامة ابتسامتها لا تفارق شفتيها وحيتبالإنجليزية .
جلست الفتاة فقدم لها زاهر شراباً , وكان يترجم الحديث بالعبريةل" أحمد " فأخبره أنها فتاة سويسرية لا تجيد إلا اللغتين الإنجليزية والألمانية , كانت " تريز " تتصرف بشكل عادى فى الشقة , وكأنها فى بيتها , كما لاحظ " أحمد " أنها تعرف زاهر معرفة جيدة , وتتحدث معه بدون تكليف .
قال له " زاهر" إنها تعملفى شركة سياحية سويسرية ولدينا علاقات عمل معها وتتردد على إسرائيل .
فى صباحاليوم التالي كان " أحمد " ما يزال يغط فى نوم عميق ففتح عينيه على صوت " زاهر " وهو يهزه من يده ويقول " الساعة عشرة " !
حاول أحمد أن ينهض ولكنه لم يستطع فقدكان يحس بصداع شديد فى رأسه , وضع يديه على رأسه وقال بصوت خافت : " رأسي .. رأسي " .
زاهر : " أنتا ذاهب لعملي , إن أردت أحضر لك طبيباً " !
أحمد : " لا داعي " .
وألقى برأسه على الوسادة , ثم عاد يغط فى نوم عميق .
عند الظهر بدأ يشعربتحسن , ولكنه كان يحس بدوار خفيف فى رأسه وبالغثيان .
فى المساء عاد إلى عمله , وقد بدأ يستعيد عافيته , وهناك جاءه عدنان يستفسر عن صحته فقد كانت علامات الإعياءبادية على وجهه , ولكنه استغرب لماذا لم يسأل عنه الياهو فذهب إليه وقال له : " لقدكنت تعباً بالأمس , ولم أستطع المجيء " .
قال الياهو بكل لطف وعلى غير عادته : " إذا كنت مريضاً باستطاعتك التغيب عن هذه الليلة أيضاً " .
ظن الفتى أن المعلميسخر منه فقال : " أقسم لك أنني كنت مريضاً " .
الياهو : " أنا لا أسخر منك " عاد الفتى إلى حيث يجلس " عدنان " وهو لا يصدق ما سمعه ورآه , كيف انقلب الرجل فجأة , فجلس وهو يقول : " سبحان مغير الأحوال " !
" عدنان " ما بك ؟
" أحمد : " لقد جئت اليوم وأنا أتوقع أن يطردني من العمل , فهو رجل كما تعرفه لا يعرف الرحمة , وفجأة أخذ يستفسر عن صحتي وطلب منى التغيب اليوم أيضاً إن كنت لا أزال متعباً .
صمت عدنان قليلاً ثم قال : " أين كنت بالأمس ؟أخذ أحمد يروى قصة لقائهبزاهر فى الكازينو والعمل الموعود به والفتاة السويسرية الشقراء " تريز " التيالتقاها بشقة " زاهر " .
قال عدنان : " هل هو عربي ؟ "
قال " أحمد " بلهجةلا تخلو من الحماس : " انه عربي من عكا .صحيح يتكلم العربية بلكنة أجنبية , ولكنهذا الأمر عائد لاحتكاكه المستمر بالأجانب والشركات فى أوروبا وإسرائيل " .
هز " عدنان " رأسه وقال " ممكن " .
ثم قال : طمتى ستراه مرة ثانية " ؟أحمد : بعدغد الساعة عشرة صباحاً فى الشقة .
شريط فيديو
فى تمام الساعةالحادية عشرة صباحاً كان أحمد يقرع جرس الباب , مرت دقائق فخيل إليه أن الشقة فارغةوان " زاهر " قد نسى الموعد . هز رأسه بيأس وقال لنفسه : " لماذا سيتذكرني , أنامجرد موظف أطلب عملاً لديه " .
كاد أن يعدو لولا أن سمع المفتاح يدور فى القفلمن الداخل فتنفس الصعداء انفتح الباب فتحة صغيرة وظهر وجه زاهر فابتسم وقال : " لحظة ! ثم فتح البابوقال : " تفضل " .
دخل شاب وجالت عيناه فى الشقة كانواضحاً انه لا يوجد بها أحد جلس على مقعد فى الصالون , بينما جلس " زاهر " بقربهمسترخياً فى مقعده , فسأله أحمد : " ماذا حصل بالنسبة لعملي " ؟ابتسم " زاهر " ابتسامة صفراء وقال : " حسناً عماك الآن بين يديك " . ثم قام باتجاه جهاز التلفزيونالذي كان يبث برنامج للأطفال باللغة العربية , أدار جهاز الفيديو وهو يقول : " لقدحضرت لك مفاجأة ما رأيك بشريط فيديو يعجبك " !
مرت دقائق والشريط لا يطهر شيئاًعلى الشاشة وفجأة بدت المناظر تجهو وجه الشاب وهو يشاهد مناظر الشقة من الداخلوغرفة النوم وفيها أحمد وتريز . فقفز من مكانه كأنما أصابه مس من الجنون وصرخ : ماهذا , كيف فعلت هذا , هذا شريط مزور " أنت لا تعمل فى شركة أنت تعمل فى عصابةسأشكوك للشرطة " .
كان " زاهر " صامتاً يشاهد الشريط وينفث دخان السجائر فىالهواء علامة استمتاعه بالمشاهد وكأنه لم يسمع شيئاً ولكنه التفت إليه عندما سمعهيقول سأشكوك للشرطة .
واصل الشاب ثورته وقال : " لن أسكت " !
وهجم الشابباتجاه الشريط لانتزاعه من الفيديو فسمع زاهر يقول : " أنت تتعب نفسك , لدى عشريننسخة أخرى .
عاد الفتى إلى أحد المقاعد وارتمى وهو ينتفض من الغضب وقال : " ماذاتريد منى " ؟قام " زاهر " وأطفأ الجهاز وهو يقول : " الآن بدأت تفهم أقدم لكنفسي " زاهر " من المخابرات الإسرائيلية .
أخذ الشاب يتصبب عرقاً وقال ويداهترتعشان من العصبية " لم أفعل شيئاً ولا دخل لي بالسياسة " .
زاهر : " اعرف هذا " ..
أحمد : " ماذا تريد منى إذن ؟ " .
زاهر : " أن تعمل معنا " .
أحمد : " أنا لا أفهم فى عمل المخابرات , ولن تستفيدوا منى " !
زاهر : ط هذه مسألة نحننقررها وليس أنت . الآن اسمع كلامي , أفضل لك من الفضيحة .. إن سمعت كلامي لن يرأحد الشريط , وإلا تتحمل المسؤولية يا بطلأحمد : " ماذا سأفعل " ؟زاهر : " سأكلفك بمهمة وستحصل على مبلغ كبير من المال , والآن سنبدأالعمل
الإخـتـراق - من ملفات المخابرات الفلسطينية (رصد)
الــفـــصـــل الــثانــي
عميل فاشل وآخر مزدوجوقع فيالفخ وقام ضابط المخابرات الإسرائيلية بالسيطرة عليه من خلال شريط الفيديو الذي تمتصويره بالكاميرات السرية المزروعة في الشقة وهى"البيت الآمن"
الذي تستخدمه " الموساد " لعمليات الإسقاط والسيطرة كما تستخدمه للمقابلات في إدارة العملاء . هذهالكاميرات الدقيقة تعمل بشكل أتوماتيكي وعادة تكون مزروعة مع أجهزة التصنت في غرفالنوم , وعملها يتم من خلال لمسة بسيطة لمزهرية أو منفضة بجانب السرير .
ومنعادة ضباط المخابرات الإسرائيلية أن يطلقوا على أنفسهم أسماء عربية (حركية) وذلكلاعتبارات نفسية حتى يكونوا مقبولين لدى العربي الذين يتعاملون معهم .
في تلكالجلسة بين الضابط زاهر وأحمد , طلب الأول من الثاني أن يجمع معلومات عن أحدأصدقائه دون تحديد , والمعلومات المطلوبة هي ما إذا كانت له انتماءات سياسية , وهللديه سلوك شاذ , وكذلك دراسته وطفولته ووضعه بين زملائه في الدراسة , ومعلومات عنأصدقائه القدامى وخلفيته السياسية , وحالة أهله المادية سابقاً وحالياً , وتحصيلهالعلمي ومهنته وقدراته التي يتقنها , فزواجه وحالته الاجتماعية وجيرانه وسمعته بينالناس , أصدقائه الحاليين وأسفاره خارج البلد ولماذا ؟ وهل هو كريم أم بخيل ؟ وهلهو نشيط أم يتأخر في النوم , ونظرته إلى الأمور.
بعد أن استوعب أحمد هذه النقاطقال له زاهر : نلتقي الأسبوع المقبل يوم الثلاثاء الساعة الحادية عشرة صباحاً .
ثم أضاف قائلاً : ولكن ليس هنا .
رفع الشاب عينيه مستفسراً : أين ؟زاهر : هل تعرف تل أبيب جيداً ؟حرك رأسه علامة النفي , فقال الضابط باستطاعتكالاستفسار , وهى مسألة سهلة . احفظ العنوان في رأسك ولا تكتب شيئاً . قرب الشاطئوبشارع مواز له يوجد استراحة مطلة على بعد على البحر قرب فندق " الأمباسادور " اسمها
" مسعدات دالية " أي " استراحة دالية " وقبل أن تصلها هناك من أتوبيس علىبعد 50 متر في الشارع ذاته . ابحث في المحطة ستجد سهماً مرسوماً . إن كان لونه أخضرفيعنى ذلك أن المقابلة استراحة دالية في موعدها وتتوجه فوراً إلى هناك , وان كانالسهم أحمر فذلك يعنى أن المقابلة قد تأجلت 24 ساعة وفى المكان نفسه , وتبقى تترددحتى يتغير لون السهم ويشير إلى أن المقابلة فى موعدها .
قال أحمد بضجر : ولماذاكل هذا التعقيد ؟الضابط : هذا جزء من العمل والتدريب الذي يجب أن تتعرف عليه .
تناول الضابط من جيبه ظرفاً صغيراً وقال له : خذ هذا المبلغ لنفقاتك خلالالأسبوع المقبل . ثم لا تنسى أن لا تخبر أحداً بما حصل هنا يجب أن يكون العمل سرياً .
حمل أحمد الظرف ودسه في جيبه وانصرف . وأخذ يسير في الشارع فأحس بالجوع فتوجهإلى أحد المطاعم الصغيرة وطلب ساندويتش . ولكنه لم يسطع أن يأكل شيئاً , فالدنيامسودة في وجهه لا يدرى أين يذهب .
نزل إلى الحدائق العامة قرب الشاطئ وجلس علىأحد المقاعد وهو يفكر : كيف حصل ذلك ما سر الصداع واللقاء المفاجئ ؟ هل كان مراقباًمن المخابرات الإسرائيلية ؟ هل يعمل معهم أم يهرب ؟ ولكن إلى أين ؟ كيف سيتصرف؟في مساء ذلك اليوم عاد إلى عمله ولكن علامات التفكير العميق كانت بادية عليهوهو شارد الذهن صامت لا يشعر بما يدور حوله .
لاحظ عدنان ذلك , فسأله عن السبب , واكتفى بالإجابة قائلاً : لا شئ ألح عليه بالسؤال لكن إجابته لم تتغير لا شئ أنامتعب .
شك عدنان بالأمر فسأله : ماذا حصل لعملك في الشركة السياحية ؟وفجأةانفجر أحمد غضباً وقال : لا أريد العمل في الشركة .
عدنان : ماذا حصل ؟تنبهاحمد فعاد يقول : لا شئ لم أجد الرجل .
أدرك عدنان أن أمراً خطيراً حصل لأحمدفتركه وشأنه , ولكن أحمد عاد بعد ساعة ليقول له : لا تغضب منى , فأعصابي متعبةقليلاً اليوم .
وجلس يتحدث معه , وفجأة أخذ يحدث عدنان بأمور لم يتحدث بها منقبل , وراح يستفسر عن حياته وعلاقاته وعائلته في نابلس وتأكدت الشكوك لدى عدنانفأخذ يجيبه بشكل حذر .
عميل مزدوجفيصباح اليوم التالي خرج عدنان كعادته من المستودع وهو غالباً ما يعود إلى منزله فيمدينة نابلس فتوجه إلى المحطة المركزية في نتانيا " تحنا مركزيت " ومنها استقلالأوتوبيس إلى طولكرم التي لا تبعد عن نتانيا سوى 18 كيلومتراً . وفى طولكرم تجولقليلاً ثم توجه إلى المحطة حيث تعمل شرطة باصات " الشخشير " في النقل بين المدينتين .
وصل إلى منزله في حي رافيديا قرب مستشفى رافيديا ومكث ساعة ثم نزل إلى السوقيتجول . وبعد حوالي نصف ساعة انحرف في شارع وسط البلدة وسار على الرصيف الأيسر وكانيسير قليلاً ويتوقف أمام الواجهات حتى مر من أمام مكتبة واجهتها زجاجية , عرضت فيهامجموعة كبيرة من الكتب منسقة بعناية وتدل على ذوق واهتمام صاحبها . مر من أمامالمكتبة ذهاباً وإيابا ثم واصل سيره إلى منزله . عند الساعة الواحدة تماماً كانيطرق طرقات خفيفة على باب شقة في وسط المدينة , بعد ثوان فتح الباب وأطل رجل فيالثلاثينات من العمر وقال همساً : تفضل ادخل .
جلس عدنان وراح يتحدث إلى عبدالرحمن عن شكوكه في أحمد , وكان رد الرجل بأن يواصل مراقبته ثم زوده بتوجيهات وطلبمنه أن يذكر له في معرض حديثه وبطريقة غير مباشرة بعض المعلومات حوله أي " عدنان " التي ستلفت نظر المخابرات الإسرائيلية إليه .
بعد انتهاء المقابلة خرج عدنانمتبعاً الإجراءات الأمنية اللازمة , كان عبد الرحمن هادئ الطباع , يتكلم همساً حتىيظن سامعه أنه يحدث نفسه . دمث الأخلاق متدين يؤدى الصلوات في أوقاتها , بدون تعصب , درس الأدب الإنجليزي في جامعة القاهرة , وحصل منها على شهادة البكالوريوس ثم عملفي إحدى البلدان العربية كمدرس لمدة عامين ثم عاد إلى مسقط رأسه في نابلس حيث افتتحمكتبة كساتر وغطاء لنشاطه بعد أن تلقى دورات تدريبية عديدة في أجهزة الأمنالفلسطينية .
بعد عودته إلى الداخل استقطب مجموعة من الشباب الفلسطيني المميز منأمثال عدنان , وهى مجموعة لا يزيد عددها عن أصابع اليد ولكنها فاعلة وتعمل بنظامدون حدوث أي خلل يذكر وعمله بعيد عن الارتجال , وهو على اتصال دائم بمقر قيادةأجهزة الأمن الفلسطينية في بيروت بوسائل اتصال موثوقة .
أثبت عبد الرحمن كفاءتهفي العمل الأمني وعمل بنجاح فائق داخل الأرض المحتلة سنوات طويلة , وكانت المقابلاتتتم بينه وبين أفراد مجموعته بشكل منفصل ولا يعرف أحدهما الآخر كإجراء أمنى .
وكانت المقابلات تتم بالجدولة , أي يحدد موعد اللقاء المقبل أثناء المقابلةالأخيرة . وفى حال الضرورة القصوى , كانت لكل منهم إشارة معينة , فعدنان كان عليهأن يسير في الشارع ذهاباً وإيابا مرة واحدة من أمام المكتبة , وهذه الإشارة تعنىاللقاء بعد ساعتين , وفى حال عدم حصوله لسبب أو آخر تتكرر الإشارة بعد 24 ساعة , أيفي اليوم التالي .
في هذا اللقاء طرح عبد الرحمن الاحتمالات وهى إما أن تنصب " الشين- بيت " لعدنان فخاً في أحد" البيوت الآمنة " أو يستدعى إلى مكتب المحققالإسرائيلي في نابلس فهوية الجهاز لم تكن واضحة هل هي " الشين-بيت " ( الأمنالداخلي ) أو " الموساد " ( الفرع الخارجي للاستخبارات الإسرائيلية ) .
في مساءذلك اليوم عاد عدنان إلى عمله في المستودع وكان مكلف أيضاً بجمع بعض المعلومات عنأحمد لكنه كان مرتبكاً فهو لم يتوقع أن يدخل في مغامرة كهذه , فالاعتبارات النفسيةفي العملية تلعب دوراً هاما فشاب وطني مثله من الصعب غليه أن يقوم بالتعامل معالعدو حتى في إطار لعبة تجسسية لم يتقبل المسألة بسهولة إلا أن تأثير عبد الرحمنعليه كان كبيراً وأقنعته الهواجس التي انتابته بأن ما سيفعله هو في إطار العملالوطني وليس العكس .
استراحة داليةعندالساعة العاشرة والنصف تقريباً , أي قبل الموعد المحدد بنصف ساعة كان أحمد ينزل منالأتوبيس في المحطة القريبة من " استراحة دالية " وقف في المحطة ولم يكن هناك سوىامرأة يهودية عجوز تنتظر الأوتوبيس , أخذ ينظر في المحطة حتى وجد سهماً صغيراًمرسوماً على العمود الحديدي للمحطة باللون الأخضر ولا يزيد طوله عن أربعة سنتيمترات .
أدرك أن المقابلة في موعدها , فسار مشياً نحو الاستراحة التي كانت قريبة منه . كانت الاستراحة تتألف من طابق أرضى وصالتين واحدة خارجية مكشوفة والأخرى داخلية .
جلس حول إحدى الطاولات في الصالة الخارجية ووجهه إلى الشارع حيث تطل الاستراحةعلى البحر , فهي تقع فوق ربوة صغيرة وعلى اليسار يظهر فندق" الامبسادرو " وعلى بعدحوالي 500 متر من الفندق جنوباً يقع حي المغاربة وهو حي يهودي فقير وبائس وبناياتهقديمة ومتداعية .
بعد أن جلس حول إحدى الطاولات في الصالة الخارجية المكشوفة ,جاءت فتاة في العشرينات من العمر سمراء ممتلئة الجسم , فطلب منها فنجاناً منالقهوة , بعد دقائق عادت بالقهوة فأخذ يتحدث معها فعرف أنها مغربية يهودية مغربية , وقدم لها نفسه وراحت تحدثه عن الحي الفقير الذي تسكن فيه وهو الملاصق لفندقالأمباسادور
وأخذت تشير إلى أماكن المحيطة وتثرثر معه .
عند الحادية عشرةوعشرين دقيقة , أطل زاهر فرأى أحمد يجلس بمفرده فقال : هيا بنا .. ادخل معي .
دخلا معاً وجلسا حول إحدى الطاولات وكانت الصالة شبه فارغة .
جاءت الفتاةوقالت : ماذا تريد يا أحمد ؟حدق زاهر في أحمد بغضب وقال موجهاً حديثه إلىالفتاة : فنجانين من القهوة .
انصرفت الفتاة وصاح به قائلاً : ماذا فعلت يا غبي؟دهش الشاب من هذه اللهجة وقال : ماذا ؟ لم أفعل شيئاً .
زاهر : لماذاأخبرتها عن اسمك ؟ارتبك احمد وقال : المسألة عادية وكنا نتحدث عن تل أبيب .
زاهر : أنت هنا في مهمة سرية , ويجب أن لا يعرف أحد اسمك ولا طبيعة عملك وأيشئ عنك وإلا ما فائدة الإجراءات الأمنية المعقدة التي أدربك عليها ؟أحمد : وهلأكذب عليها ؟زاهر : أذكر لها اسماً آخر أنت الآن تعمل مع المخابرات الإسرائيليةلا حارس مستودع . يجب أن تفهم !
أحس الضابط بأن الشاب غضب من هذا التأنيب ؟ فبدللهجته وقال وهو يبتسم : هيا يا بطل .. ماذا فعلت الأسبوع الماضي ؟أخذ الشابيسرد المعلومات التي حصل عليها فيما كان الضابط زاهر يصغي باهتمام حتى وصل إلى نقطةتقول إن عدنان لديه أخر يدعى خلدون وقد انضم إلى صفوف الثورة الفلسطينية منذ 1974في لبنان كمقاتل .
قاطعه زاهر قائلاً : بالمناسبة يجب أن نتعلم مسألة مهمة فيالعمل السري , أولاً يجب أن تذكر لي كل هذه الأمور بتفاصيلها الدقيقة كتابة حتى لاأنسى , وثانياً تبدأ بالأهم ثم المهم . وفى أي مقابلة عليك أن تبدأ الحديث بالموضوعالأهم والأخطر وتتدرج نحو الأقل أهمية فمثلاً لو انقطعت المقابلة لسبب ما أكون قدحصلت على أهم المعلومات . كما أن هذه المقابلات جزء من التدريب الذي يجب أن تحصلعليه . فأنت ستتعلم من خلالها أشياء هامة جداً .
بطبيعة الحال لم يكن قصد الضابطمن كتابة التقارير سوى المزيد من توريط أحمد خاصة أن معظم المقابلات كانت مسجلةصوتياً لديه .
وفى نهاية المقابلة قدم زاهر إلى أحمد مبلغاً من المال لينفقه كمايريد ثم قال : موعدنا سيكون يوم الأحد الساعة التاسعة صباحاً في مركز الحاكميةالعسكرية في مدينة نابلس .
اصفر وجه الشاب بعد سماعه هذه الجملة فقال : هل فعلتشيئاً ؟ضحك زاهر وقال : لا تخش شيئاً , لن تسجن هناك . كل ما في المسألة أننيسأقدم لك صديقاً لتتعرف عليه .
هم الضابط بالانصراف فقال : لا تخرج الآن بل بعدخروجي بربع ساعة تغادر المكان .
وتوجه إلى الحاسبة ودفع الحساب ثم دس الوصل فيجيبه وانصرف .
بعد يومين من تلقى عدنانوهو في منزله في نابلس استدعاء منالمخابرات الإسرائيلية إلى مقر الحاكمية العسكرية في المدينة , الذي تقع في نهايةشارع عمان بالقرب من مخيم بلاطة , قبالة مديرية صحة نابلس .
كان الموعد المحددفي ورقة الاستدعاء الساعة الثامنة صباحاً من يوم الأحد تأكدت الشكوك وأصبحت العمليةواضحة تماماً , وفى الموعد المحدد توجه إلى مركز الحاكمية العسكرية بعد أن تزودبتوجيهات عبد الرحمن وكيفية التصرف . وأمام باب المركز أبرز بطاقة هويته وورقةالاستدعاء للجندي الذي يقف أمام الصغير الملاصق للباب الكبير المخصص لخروج السياراتالعسكرية ودخولها .
نظر الجندي في بطاقة الاستدعاء ثم أشار إليه أن يتوجه إلىالاستعلامات حيث قدم أوراقه . وبعد حوالي ربع ساعة من الانتظار مع بقية المراجعينالعرب . جاء مراسل مع بقية المراجعين العرب جاء مراسل واصطحبه إلى المبنى الرئيسيفي الطابق عند الساعة التاسعة والنصف تقريباً , وبعد حوالي ساعة ونصف من الانتظارفي قاعة المراجعين , جاء مراسل وناداه بالاسم فخرج يسير خلفه حتى وصل إلى غرفةبابها مفتوح أطل المراسل داخل الغرفة وأشار إلى عدنان بالدخول , دخل الشاب فوجدرجلا يرتدى ملابس مدنية يجلس خلف مكتب ويبدو عليه الانشغال بالكتابة وقف الشابقليلاً ينظر في الغرفة الصغيرة التي لا تحتوى إلا على المكتب الخشبي الذي يجلس خلفهالضابط , وأمام المكتب ثلاثة كراسي خشبية لونها بنى.
بعد دقائق جلس الشابواقفاً وارتبك فأكمل الضابط صراخه قائلاً : من أنت ؟ من أتى بك إلى هنا ؟قالالشاب : أنا عدنان وأتى بي المرسل إلى هنا , يبدو أنه أخطأ .
قهقه الضابط عالياًوهو يقول : آسف . لم أنتبه . تفضل بالجلوس .
كان الشاب مدركاً هذه الأساليب وبقىمتنبهاً ويقظاً فقام الضابط من وراء المكتب وتوجه إلى الباب و أغلقه ثم عاد وهويقول بسخرية : عدنان رمضان .. أنت صاحب مشاكل .
رفع الشاب رأسه وقال : كيف ؟ماذا تقصد ؟جلس زاهر وتناول قلماً عادياً وأخذ يسوى الأوراق أمامه وهو يقول : نحن نعرف كل شئ .
صمت الشاب في حين بدأ زاهر يطرح أسئلته : ما اسمك ؟عدنان : عدنان رمضان .
زاهر : كم عمرك ؟عدنان : عشرون عاماً .
زاهر : ماذا تعمل؟عدنان : حارس ليلى في مستودع شركة باصات " أيجد " في نتانيا .
زاهر : أينأخوك خلدون ؟عدنان : لقد سافر منذ سنوات .
زاهر : ماذا يعمل ؟عدنان : مقاتل في الثورة الفلسطينية في لبنان .
زاهر : لا تذهب لزيارته ؟عدنان : كلا .
زاهر : لماذا ؟عدنان : ظروفي المادية لا تسمح بذلك .
زاهر : إذن كيفتعيش ؟عدنان : قلت لك أنني اعمل في المستودع ليلاً .
زاهر : وفى النهار ماذاتفعل ؟ تقوم بالمظاهرات والتفجيرات أليس كذلك ؟عدنان : هذا ليس صحيحاً؟زاهر : وما هو الصحيح إذن ؟عدنان : أنا إنسان بسيط أعمل لأعيل أهلي ونفسيلا أكثر ..
التفت الضابط إلى أوراق مكتوبة على يمينه باللغة العبرية وأخذ يهزرأسهويقول : أنت تكذب , ولدينا معلومات حولك . أنت تخطط لتفجير باصات " أيجد " عدنان : هذا غير صحيح .
صرخ الضابط في وجهه قائلاً : هل تعتقد أنني كاذب يا وغد؟عدنان : لم أقصد ذلك . ولكنني لا أخطط لتفجير الباصات .
زاهر : ما هيعلاقتك بالثورة الفلسطينية ؟عدنان : لا علاقة لي بالثورة لا من قريب ولا منبعيد .
زاهر : لا تريد الاعتراف أنت حر يوجد شهود عليك , هل تعرف أنك ستحل ضيفاًعلينا ؟ وقضية تفجير الأتوبيسات عقوبتها ... عقوبتها ( يتظاهر بالتفكير )
أولاًتحقيق مفتوح قد يستغرق عاماً أو اثنين أو أربعة ثم المحكمة والمحكمة قد تقرر عشرةأعوام سجن وربما اكثر , هذا يعود إلى مزاج المحكمة .
أخذ عدنان يتظاهر بالخوفوالارتباك وكان يعرف أن كل ذلك مقدمة للموضوعقال : لم افعل شيئاً أرجوك لماذاتظلمني هكذا ؟ألقى الضابط بالقلم على المكتب . ثم قام ليتمشى في الغرفة وهويقول : أريد أن أساعدك ولكن كيف ؟ القانون قانون .
عدنان : ولكنني لم افعل شيئاً .
زاهر : عندي حل .
عدنان : كيف ؟زاهر : أن تتعاون معنا , وأعتبر القضيةانتهت وسأساعدك مالياً وستحصل على كل ما تريد .
عدنان : لا أستطيع أنا لا أفهمفي هذه الأمور .
زاهر : لديك حلان , إما السجن أو العمل معنا , ماذا قررت؟عدنان : لا أستطيع أرجوك .
زاهر : أنت حر .
وعاد إلى مكتبه وجلس علىالكرسي ورن الجرس فجاء المراسل فقال الضابط بالعربية موجهاً حديثه إلى المراسل وهوينظر إلى عدنان : الجماعة جاهزون .
عدنان : الجماعة جاهزون.
قال المراسل: منهم ؟الضابط: يوجد شخص هنا أود كسر رأسه.
قال عدنان: أرجوك ، دعني وشأني .
الضابط: أجب بسرعة قبل أن يذهب المراسل و إلا لا أستطيع أن أفعل لك شيئا وسيخرج الموضوع من يدي . هل تقبل باقتراحي ؟عدنان : نعم .
صرف زاهر المراسلوقال لعدنان : الآن بدأت تفهم .
ثم اخذ يقنعه قائلا : لماذا تعرض نفسك و أهلكللسجن و التشرد ؟أنت تعرف
صرف ز
بسم الله الرحمن الرحيم" من ملفات المخابرات الفلسطينية "
رصدالاخـتـراق بقلم : عبدالله عيسى
مقدمة
الهالة الإعلاميةالتي أحاطت بجهاز المخابرات الإسرائيلية , ولاسيما بالفرع الخارجي " الموساد" المسؤول عن عمليات الاغتيالات للرموز الوطنيةالفلسطينية والعربية في بلدان أوروبية وعربية , كانت جزء من الحرب النفسية الموجهةضد العالم العربي منذ بداية الصراع العربي – الإسرائيلي .
وقد حاولت الدعايةالصهيونية التي تسيطر على جزء كبير من وسائل الإعلام العالمية , ترسيخ عدة مفاهيمفي ذهن الإنسان العربي , لخلق حالة من الإحباط والخوف , يسهل معها تنفيذ المخططاتالعدوانية الإسرائيلية .
وقد أرادت الأجهزة المعادية تحقيق الهزيمة في العقلالعربي قبل تحقيقها على أرض الواقع وفى ميدان المعركة فأخذت تروج لفكرة " إسرائيلالكبرى " و
"الجندي الإسرائيلي الذي لا يقهر " وجهاز " الموساد " الغير قابلللاختراق وأقوى أجهزة المخابرات في العالم .
ورغم هذه الدعاية لم تستطع أجهزةالمخابرات الإسرائيلية إخفاء فشلها في جولات عديدة . وللتخلص من عقدة الهزيمة أخذتتروج لدعاية تقول " إن أجهزة المخابرات العربية والفلسطينية لم تستطع في تاريخالصراع تجنيد أي ضابط أو عامل في المخابرات الإسرائيلية .
إلا أن أجهزة الأمنالفلسطينية تقول عكس ذلك وهذه القصة الواقعية , تؤكد بالأدلة كذب الادعاءاتالإسرائيلية . وهى قصة تجنيد المخابرات الفلسطينية لضابط إسرائيلي برتبة " نقيب " في جهاز " الموساد " " الاختراق " تروى فصلاً من فصول الصراع الدموي بين أجهزةالمخابرات الفلسطينية والموساد انطلق من داخل الأرض المحتلة ليمتد إلى بلدان عربيةولأوروبية , وتدور أحداث هذا الصراع ما بين عامي 1976 , 1988 وصولاً إلى الانتفاضةفي الأراضي العربية المحتلة كلها تحكى عن دور أجهزة الأمن الفلسطينية في تصفيةالعملاء وضباط المخابرات الإسرائيلية في الداخل .
الفصل الأول
ليالي الموساد في نتانيا
كانت طفولته عادية في ظروف عائلية غير طبيعية , فالمال بين يديهو" الدلال القاتل " خلق منه شخصيات غريبة وشاذة . كان وحيداً لأبويه يعيش في منزلخلا منه الحب والتفاهم , فالخلافات العائلية تتزايد يوماً بعد يوم بين الأب والأمالتي تسيطر سيطرة مطلقة وتبعد أي دور للأب في التربية والعلاقة مع الأقارب .
فيقرية " قباطيا " وعلى بعد 8 كيلومترات من مدينة جنين جنوباً , عاش أحمد طفولته فيعائلة ميسورة تملك الأراضي والسهول الشاسعة في القرية و " قباطيا " ما تزال معقلاًمن معاقل المقاومة الوطنية الفلسطينية , شهدت أحداثاً عديدة منذ بداية الصراعالعربي الإسرائيلي , وكانت حديث الأهالي ومبعث اعتزازهم وفخرهم قبل اندلاع المقاومةالفلسطينية المسلحة في الأراضي المحتلة . خلال عامي 1947 , و1948 دارت المعارك فيكافة أرجاء فلسطين ولكن الهجوم العسكري الإسرائيلي على مناطق جنين وقباطيا والمثلثفشل فشلاً ذريعاً وتوقف عند تخوم " جنين " وسقط عدد من الشهداء في تلك المعاركواقيم نصبا تذكاريا للشهداء في قرية " المثلث " وأطلق عليها اسم " مثلث الشهداء " نسبة إلى الشهداء الفلسطينيين والأردنيين إلى قضوا في تلك المعارك .
بعد إعلانالهدنة اضطر قسم كبير من الشعب الفلسطيني اللجوء إلى الضفة الغربية وقطاع غزةوالدول العربية المجاورة بسبب المجازر الجماعية التي تعرضت لها عدة قوى فلسطينيةوبفعل عمليات الطرد الجماعي التي نفذتها العصابات الصهيونية بقوة السلاح .
محطة القادمين
وكانت سهول " جنزور " في منطقة جنين محطة للقادمين من " حيفا " وقراها شمال فلسطين المحتلة , وأطلق هذا الاسم على السهول نسبة إلى بئر حفره الأتراك أثناء حكمهم للمنطقة .
استقر اللاجئون الفلسطينيون عدو شهور تحت الخيام , حتى بدا الشتاء ذلك العام , فاجتاحت المنطقة الثلوج واضطر اللاجئون إلى الرحيل إلى مناطق أخرى من فلسطين بحثاًعن مأوى , واقامت لهم وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين مخيمات بنيتبمواصفات رديئة للغاية , ولكنها كانت افضل من الخيام على كل حال . وأقيمت هذهالمخيمات في مناطق مختلفة في الضفة الغربية وقطاع غزة ولفترة عشر سنوات على أمل أنتجد القضية الفلسطينية حلاً لها إلى مدنهم وقراهم .
وفى 5 حزيران 1967 كان لواءمن الدبابات الأردنية يرابط في منطقة " جنين " حيث تصدى للعدوان الإسرائيلي ودارتمعركة ضارية لم يستطع الجيش الإسرائيلي التقدم فيها إلا بفعل تدخل الطيرانالإسرائيلي الذي حسم المعركة على كافة الجبهات لصالح إسرائيل .
وبعد احتلالإسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة وتنامى أعمال المقاومة الفدائية ضد الاحتلال , أقامت سلطات الاحتلال في كافة المدن الفلسطينية مراكز ضخمة تشمل الشرطة والمخابراتوحرس الحدود وسجن , وكل مركز يشبه قلعة من قلاع العصور الوسطى .
سقوط عميل
في صيف عام 1968كان أحمد لا يتجاوز الثانية عشرة من عمره خرج من منزله في الصباح كسائر الأطفال حتىتقع عيناه على مشهد مخيف . كان يسير في الشارع أمام المنزل رجل في الثلاثين منالعمر وكان الشارع خالياً في تلك الساعة . وفجأة اقترب رجل يلف رأسه بالكوفيةالفلسطينية , واستل مسدساً وأطلق النار على الميل الذي سقط صريعاً يتخبط بدمائهخلال لحظات اختفى
" الفدائي " بينما وقف أحمد مسمراً في مكانه والعرق ينصب منجبينه خوفاً .
خرجت والدته على صوت إطلاق الرصاص فشاهدت الرجل ممددا في الشارعوأحمد واقفاً كالتمثال . وتعرفت على القتيل وهو معروف بعمله مع المخابراتالإسرائيلية فأمسكت بولدها ودفعته داخل المنزل وأغلقت الباب . كان الفتى تحت تأثيرصدمة كبيرة , فاندفع إلى سريره وغطى نفسه وراحت حرارته ترتفع وتنخفض بسبب الرعبالذي أصابه .
لم يفارق المشهد مخيلته وراحت تنتابه الكوابيس المزعجة في الليل , وكلما سأل والدته : " لماذا قتل هذا الرجل " ؟ كانت إجابتها واحدة : " هذا الأمر لايعنيك , ولا يعنينا " .
كانت إجابة والدته هي حبل المشنقة الذي سيلتف حول رقبتهفيما بعد فالتربية فى الأسرة هي التي تحدد هوية النشء ومستقبلهم , ووالدة أحمد وضعتقدم ابنها على أول طريق الانحراف – بحسن نية – لأنها كانت تعتقد أنها بهذا النمط منالتربية الخاطئة تحافظ على ابنها ووحيدها .
بعد سنوات نسى أحمد الحادثة تماما , ولم يجد من حوله ما يذكره بها , فأصبح يهمل دروسه كما أصبح يقضى معظم وقته خارجالمنزل مع أصدقاء السوء بسبب انعدام الرقابة والمتابعة من قبل الأب , وتشجيع الأملابنها بأن يعيش حياته ويستمتع بها فلديه من المال ما يكفيه وهو ليس بحاجة إلىالدراسة حسب رأيها.
وفى أحد الأيام جرى نقاش فقال " أبو أحمد " لزوجته بلهجةيائسة : " .. انك ستوصلين ابنك إلى الهاوية بهذا الأسلوب " ؟ردت زوجته قائلة : " لسنا بحاجة إلى الدراسة , لدينا من المال ما يكفى أحمد ليعيش كيفما يريد "
بلغ أحمد سن المراهقة وأخذ ينحرف عن عادات وتقاليد عائلته المحافظة . كان كلواحد من أهله يحاول جذبه إليه بمده بمزيد من النقود التي كان يحصل عليها يومياًوأصبح الفتى يتردد على المقاهي ودور السينما ويتسكع في الشوارع ويتعاطى الخمر .
وانعكس هذا الأسلوب على دراسته فأهملها وأصبح يرسب في المدرسة حتى طرد منها فيالصف الثالث الإعدادي بعد أن رسب عامين متتاليين .
وكان لحادثة طرده من المدرسةوقع كبير على والده , ولكنه اكتفى بنصحه ليبدأ حياته العملية بشكل جاد .
ولكنأحمد كان سعيداّ بخروجه من المدرسة كما كان سعيداً بدفاع والدته المستمر عنه . ولاسيما بعد أن بدأ والده يتخذ موقفاً متشدداً معه بشأن سلوكه خارج المنزل . غير أنالفتى اعتبر انقطاعه عن الدراسة فرصة لا تعوض ليتصرف كما يريد .
في المستودع
تململ أحدالرجال الجالسين حول الطاولة في المقهى وقال موجها حديثه لـ "أبو أحمد" ألا تلاحظما يفعله ابنك يوميا ؟فتح الرجل عينيه بدهشة وقال : " ماذا تقصد " ؟قالالرجل : انه يتردد على الحانات ويعاكس الفتيات .. ونحن عرفناك رجلاً فاضلا ولا تقبلبمثل هذا السلوك المشين .
انتفض " أبو أحمد " من مكانه كالملدوغ وخرج من المقهىوهو يردد " أعوذ بالله أعوذ بالله " ؟لم يكن أبو أحمد يتصور أن سلوك ابنه سيصلإلى هذا الدرك فعاد إلى المنزل والشرر يتطاير من عينيه , بحث عن " أحمد " ولم يجدهوبقى في انتظاره حتى ساعة متأخرة من الليل .
وانزوى الرجل في ركن من أركانالمنزل , جلس على كرسى خشبي , وبقى في مكانه لا يتحرك كالتمثال , ولم تسأله زوجتهعن حاله فقد تعودت ذلك وهى تعتبر أن مشاكله لا تعنيها .كان الظلام يخيم على المنزل , وعند الساعة الحادية عشرة ليلاً سمع أبو أحمد صوتاً خفيفاً قادماً من ناحية الباب , فأصغى إليه ثم وقف ليشاهد " أحمد " وهو يدخل المنزل مترنحاً في مشيته .
صاحوالده بعصبية " أين كنت " ؟لم يكن أحمد يتوقع أن يجد والده صاحياً , فهو يناممباشرة بعد صلاة العشاء , فقال متلعثماً : " كنت .. مع أصدقائي " .
اقترب والدهمنه فإذا رائحة الخمر تفوح , فهوى على ابنه يصفعه وهو يصرخ: "
أنا برئ منك .. لست ابني " .
صحت " أم أحمد " على هذا الصراخ ودخلت في معركة كلامية مع وزجهاوكان الرجل مغلوباً على أمره وزوجته لم تقدر مخاطر موقفها فأثر الانسحاب بعد أنتأكد أنه غير قادر على السيطرة على زوجته وابنه .
فجأة قرر الانسحاب بعد أن أدركأنه لا يستطيع أن يواصل ولا يستطيع حسم " الصراع " لصالحه , وبعد أن يأس من إصلاحابنه في ظل حماية والدته له .
في تلك اللحظة استبد به الغضب وحسم الموقف فترددفي جنبات المنزل وهو يقول لزوجته : " أنت طالق طالق طالق " .
استدار الرجل وسارخطوات وهو يستغفر الله فسمع صوت زوجته خلفه تقول لابنها : " ولا يهمك ارتحنا منه ..
بعد انفصال أبويه تمادى أحمد في سلوكه واستهتاره , حتى أصبح معزولاً في قريته , ولم يجد حوله سوى الأصدقاء الذين دفعوه إلى هذا الطريق .
بلغ الشاب العشرين منالعمر . والدته التي ضحت بكل شئ لا تراه إلا فيما ندر , وحتى عندما مرضت لم يزرهاإلا مرة واحدة كأي غريب , فشعرت بالندم على ما فعلته بحق زوجها وكيف تسببت فيانحراف ابنها .
إلى نتانيا
وفى أغسطس ( آب ) 1976 اقترح عليه أحد أصدقائه أن يعمل شفى مستودع لشركة باصات " ايجد " الإسرائيلية في مدينة " نتانيا " فأبدى الشاب استغرابه من هذا العمل وهو ليس بحاجةماسة إلى المال , ولكنه في الوقت نفسه لم يعد يحصل على كل ما يريد من والدته .
وأراد صديقه " مصطفى " المنحرف أيضاً , أن يقنعه فقال : " وهل ستعتقد أنكستعمل في المستودع من أجل العمل أو المال ؟ انك ستكون في نتانيا يا صديقي .. ستعملفي المستودع ليلاً وطول النهار في الملاهي وعلى الشاطئ آه لو ترى بنات نتانيا " ؟لمعت عيني أحمد وهو يستمع إلى هذا الكلام وتداعت في ذهنه صورة والده وهو يؤنبهويصفعه على سلوكه وكيف أصبح أهل البلدة يتحدثون عنه بامتعاض , خصوصاً بعد أن شاهدوهأكثر من مرة في " جنين " يتسكع ثملاً .
رفع رأسه , وقال : " وهل المستودع بحاجة إلى عمال ؟ "
قال مصطفى : " نعم إننياعمل بالقرب منه , ولكن في النهار في بلدة " نتانيا " ويومياً أمر بالقرب منه وأعرفبعض الشباب العرب واليهود الذين يعملونهناك " .
انتابت الشاب مشاعر متناقضةما بين الخوف من المجهول والحماس .. سيعيش في وسط غريب , ولكنه حسم الأمر وقال فينفسه : " إنني غريب هنا أيضاً فلم لا ؟ "
في صباح اليوم التالي وعند الساعةالسادسة صباحاً كان " أحمد " ينتظر في محطة الأتوبيس في قرية " قباطيا " حسب الموعدالمتفق عليه مع صديقه للتوجه إلى نتانيا .
مضت دقائق وأحمد يحملق في وجوه العمالالقادمين المحطة حتى لمح"مصطفى " وهو يسير بخطى متثاقلة , في تلك الأثناء كان أحدالأتوبيسات " ايجد " المخصص لنقل العمال العرب قد توقف في المحطة , فسارع إليهمشيراً لأحمد أن يصعد بسرعة .
انطلق الأتوبيس باتجاه مدينة " جنين " حيث كان فيانتظاره عدد من العمال ثم خرج من المدينة باتجاه " نتانيا " ونزل عدد كبير منالعمال في المنطقة التي تقع بين أحياء " الفاتيكيم " و " بيت اسحق " من جهة وسجن " بيت ليد " من جهة نتانيا المدينة .
كان الباص يسير على " الأوتوستراد " الذييبدأ من المنطقة الصناعية ويشق المدينة حتى الشاطئ وقرب المستودع توقف الأتوبيسونزلا منه , وسارا باتجاه الباب الرئيسي , وكانت الشوارع شبه خالية في تلك الساعةباستثناء حركة العمال وسيارات النقل .
كان احمد مرتبكاً , متردداً ينظر حوله فلميسبق له أن عمل على الإطلاق . تبع
" مصطفى " الذي دخل بخطى ثابتة متوجهاً إلىأحد العمال في المستودعوسأل : " أين الياهو ؟ " رد العامل بدون اكتراث وكأنهمتعود على مثل هذه الأسئلة " لا أعرف "
اعتقد أنه لم يأت بعد "
التفت مصطفىلأحمد وقال : " انتظر المعلم الياهو , وعندما يأت قل له أريد أن اعمل كحارس ليلى " لا أستطيع البقاء معك فقد تأخرت عن عملي .
أمسك به محمد متوسلاً : " أرجوك لاتذهب أنا لا أعرف أحدا هنا ابق نعى " .
مصطفى : " وعملي " ؟محمد : يا آخي خذإجازة اليوم .
تذمر صديقه وقال : " أمري لله سأبقى معك " .
بعد ساعة منالانتظار قرب البوابة وبين الأتوبيسات التي تجرى عليها عمليات الصيانة , أطل رجلطويل القامة , أشقر اللون قوى البنية يسير في ساحة المستودع مثل المصارع على الحلبة , يرتدى قميصاً أزرق فاتح اللون صيفي وسروال قصير من نوعية رديئة .
دخل إلىالمستودع ومر بالشابين وكأنه لم يشاهدهما فاستوقفه مصطفى قائلاً
" مناهيل " معلم " الياهو " .
توقف الياهو ونظر الياهو ونظر إليه ثم قال : ماذا تريد ؟ابتسممصطفى وقال وهو يقترب منه : " صديقي أحمد " يريد العمل في المستودع كحارس ليلى " .
التفت الياهو إلى أحمد وقال : " هل تستطيع السهر " ؟أحمد : " نعم " ..
الياهو : كله يقول نعم .. وبعدين ينام " .
تدخل مصطفى قائلاً : " إننيأعرف شاب نشيط وجيد ويلتزم بالعمل .
الياهو : " سنرى , الشغل شغل في المساء تعالواستلم عملك " .
خرجا من الباب الرئيسي للمستودع وأخذ مصطفى يحدثه عن الياهوقائلاً : " كان الياهو في الجيش الإسرائيلي ووصل إلى رتبة ملازم أول قبل أن يتقاعد , وبعد تقاعده أصبح مسؤولاً عن هذا المستودع الذي تراه .. وأعتقد أنه في المخابرات "
صاح به احمد قائلاً : " طيب وأنا شو دخلي ؟ كلها شغلة في الليل ويرتاح الواحدمن القرف في القرية " .
في نهاية الشارع انحرف مصطفى يساراً فقال " أحمد " أينستذهب ؟ "
مصطفى : " أريد إن أعرفك على بعض الأماكن في المدينة الشاطئ أجملها , أخذ يسيران في الشارع الذي يتصل في نهايته " بالأوتوستراد " القادم من المنطقةالصناعية , إلى الشاطئ فبينما راح " مصطفى " يتحدث دون انقطاع عن الشاطئ ونتانياوالملاهي ...
دورية مفاجئة
في نهايةالشارع الفرعي بدت ساحة مبلطة بالأسمنت بشكل هندسي جميل , لا تدخلها السيارات رغماتساعها , وقد أقيمت على مداخلها المرتبطة بشوارع المدينة حواجز من الأعمدةالإسمنتية القصيرة بشكل هندسي يتناسب والطابع السياحي للمنطقة .
على طول شاطئ " نتانيا " تمتد الساحة المبلطة بالإسمنت وتنتشر المطاعم والملاهي . بينما تمتدالمتنزهات والحدائق العامة بمحاذاة الشاطئ تماماً وترتفع عن مستواه حوالي أربعةأمتار تقريباً .
أعجب " أحمد " بهذا المنظر فطلب من صديقه أن يجلسا في أحدالكازينوهات ولكن " مصطفى " رفض الفكرة قائلاً : " أرى أن نذهب للسباحة ألم تجربالسباحة في الصباح ؟ إنها شئ جميل ومنعش " .
رد مصطفى وقد أصيب بخيبة أمل " إذننتجول على الشاطئ الآن , وفيما بعد سأعلمك السباحة .
قطعا الساحة الإسمنتيةودخلا إلى الحدائق العامة المحاذية للشاطئ ثم نزلا من إحدى المداخل إلى الشاطئالرملي حيث تنتشر المظلات والمصطافين ونقاط المراقبة .
أخذا يتسكعان على الرمالوفجأة توقفت أمامهما فتاة إسرائيلية تبدو في الخامسة والعشرين من العمر , ترتدىسروالاً قصيراً بنياً وقميصاً من لون " الكاكى " أخرجت من جيبها بطريقة آلية بطاقةزرقاء عليها شعار الشرطة الإسرائيلية
" سنبلتان تحيطان بالنجمة السداسية " وقالت وهى تبرزها في وجه الشابين , باللغة العبرية " مشتراه " همس " مصطفى " لصديقه : " تقول إنها من الشرطة
" أخرج بطاقتك " تفحصت البطاقتين , ثم قالت : " انتظرالحظة " .
توجهت إلى أحد أكشاك المراقبة القريبة غابت حوالة خمس دقائق ثم عادت , وأعادت البطاقتين إليهما ثم انصرفت .
تذمر " محمد " من هذه الحادثة وقال : " ماهذا بدأنا بالمشاكل" .
ضحك مصطفى وقال : " لا تقلق هذا إجراء روتيني " .
كان مصطفى يعرف بمثل هذه الإجراءات التي يتعرض إليها باستمرار أثناء تجواله فيالمناطق الإسرائيلية , فالمخابرات الإسرائيلية تفرض إجراءات عديدة منها محلاتالتفتيش المستمرة فعلى الشاطئ مثلاً , تقوم دوريات الشرطة الإسرائيلية بطلب بطاقاتالعرب الذين يتواجدون يومياً في هذا المكان , وتسجل المعلومات لديها في الأكشاكالمنتشرة هناك والمخصصة للأمن , وإذا حصلت عملية فدائية فان الشرطة تقوم بتحديدوحصر المشبوهين وتستدعى الأشخاص العرب الذي وجدوا شفى المكان خلال 24 ساعة . هذهالإجراءات تعكس حالة الفزع التي يعيشها الكيان الإسرائيلي من الداخل , فقد خلقالعمل الفدائي هذه الحالة التي امتدت إلى كافة مرافق الحياة في إسرائيل شفى الشارعوالمصنع والملهى والمنزل والفندق .
بعد خروجهما من الشاطئ جلسا حوالة ساعة فىإحدى الكازينوهات ثم واصلا سيرهما داخل المدينة ,, حتى حل المساء فاستلم " أحمد " مكانه في العمل فى المستودع وعاد " مصطفى " إلى منزله فى القرية .
فى المصنع
بدأ أحمد يتفحصالوجوه ويتعرف على الموجودين فى مكان العمل , وسرعان ما تحلق العمل فى أحاديث وسمرحتى ساعات الفجر .
تعرف على معظم زملائه من العرب واليهود , وفى تلك الليلة جرىحادث بسيط بينه وبين زملائه من العرب الذي حاول منعه من شرب الكحول مع الشباباليهود , فقد ظن ذلك الزميل الذي يدعى " عدنان " أن هذا الوافد الجديد يريد الشربلأول مرة كما أظهر للجماعة , وعندما عرفه يتعاطى الكحول منذ فترة طويلة اعتذر منهوحاول التعرف على ظروف ساب صغير فى مقتبل العمر , يتعاطى الكحول منذ سنوات , فهذهظاهرة غريبة وليست عادية .
كان " عدنان " فى مثل سنه تقريباً ولكنه نمط مختلففهو يميل إلى الصمت والعزلة ويضع حداًَ بينه وبين بعض التصرفات المشينة لزملائه مثلتعاطى الكحول والمخدرات .
فى ساعات الفجر , جمعت جلسة " عدنان " و " أحمد " بينما كان معظم الشباب ينام فحاول عدنان معرفة تفاصيل عن الحياة فى جنين وظروفالناس هناك ولكنه اكتشف أن أحمد لا يعرف شيئاً وكان قادم من عالم آخر , عندها فقطفهم لماذا أقدم على تعاطى الكحول منذ سن مبكرة . الشيء الوحيد الذي يتقنه أحمد هوالشتم والتأفف من الناس الذي سببوا له ضيقاً فى حياته .
" عدنان " الذي فضلالعمل فى هذا المستودع بعد حصوله على شهادة الثانوية العامة , بسبب ظروف عائلتهالمادية , أثر أن يحدثه عن المدينة التي يسكن فيها وهى " نابلس " .
بعد أسبوعينمن عمله فى المستودع , انتقل " مصطفى " للعمل فى " تل أبيب " فترك فراغاً لدى أحمدالذي اعتاد أن يذهب معه فى أوقات عديدة إلى الملاهي بعد انتهاء العمل .
فى أوائلأيلول كان " أحمد " يجلس فى إحدى الكازينوهات القريب من الشاطئ كعادته , فى مثل تلكالساعة من الصباح , وبعد برع ساعة دخل رجل أسمر البشرة , متوسط القامة ممتلئ الجسم , شعره خفيف فى الأربعينات من العمر , جلس حول إحدى الطاولات خلفه وطلب فنجاناً منالقهوة ثم أخرج علبة سجائر فرنسية من نوع " جيتان " وأشعل السيجارة . مرت دقائق كانفيها " أحمد " شارد الذهن يلاحق بعينيه الفتيات خارج الكازينو , وفجأة قام الرجل منمكانه واقترب منه ثم تعثر بكرسي قريب من طاولة " أحمد " صاح الرجل قائلاً : " ماهذا " !
ثم التفت إلى " أحمد " قائلاً : أنا آسف , يبدو إنني لم أنتبه " أكررأسفي رد أحمد " لا شئ يدعو للأسف لم يحصل شئ " .
أبدى الرجل دماثة أخلاق ولطفكبيرين فقال : " أعتذر مجدداً " !
ثم استدرك قائلاً : " الأخ عربي ؟ "!
سحبالرجل الكرسي وجلس وهو يقول : " هل تسمح لي " ؟.
أحمد : " تفضل " .
قدم الرجلنفسه قائلاً : " أنا زاهر من عكا ولدى شركة سياحية وجئت إلى هنا للاتفاق مع أحدالفنادق لوفد سياحي إيطالي , عمل مزعج والسياح يا أخي طلباتهم لا تنتهي صحيح عملالشركة السياحية مربح ولكنه متعب أيضاً " .
دخول زاهر
هكذا اقتحم " زاهر " حياة " أحمد " وفجأة بدل " أحمد " من لهجته , فقد كان مستاء من هذا الرجلالغريب الثرثار , عندما خطرت فى ذهنه فكرة : " لماذا لا اعمل معه والفرصة قد أتت " ! واصل " زاهر " حديثه عن السياحة ومشاكلها والفنادق , فقاطعه " أحمد " قائلاً : " هل أستطيع أن أجد لي عملاً معك فى شركتك " ؟فكر الرجل ملياً ثم رفع رأسه وقال : " ماذا تستطيع أن تعمل ؟ هل عملت سابقاً فى شركة سياحية " ؟
"أحمد " : كلا ولكنأستطيع أن أتعلم بسرعة " .
زاهر : " ولكن المشكلة أنني لا أعرفك . على كل حال لنأخيب رجاءك ,أنت شاب لطيف , وسأجد لك عملاً يناسبك .. مثلاً الاتصال بالفنادقوالاتفاق معها , تعمل معي فى البداية حتى تتعلم , ثم بعدها تقوم بالعمل بمفردك " .
كاد أحمد يطير منالفرح , فقال زاهر : " ولكن يجب أن أجربك فى البداية , لا تغضب منى , الشغل شغل , هذه وفود سياحية والمعاملة والأسلوب عنصران أساسيان فى العمل " .
أحمد : " ابدأهذا من حقك , وستجدني عند حسن ظنك " .
زاهر : " إن صلحت للعمل , ستصبح نائباً لي , نائب مدير الشركة " .
أحس احمد بأن الحظ قد بدأ يبتسم له , نائب مدير دفعةواحدة ! نهض " زاهر " من مكانه فاستوقفه " أحمد " قائلاً : " كيف سأتصل بك " ؟ .
عاد " زاهر" للجلوس ثانية وقال معتذراً : آسف لقد نسيت , على كل حال ما رأيكلو تزورني فى شقتي الليلة .. قد يأتيني ضيوف وستتعرف عليهم لأن هذا جزء من العملأيضاً .
أحمد وعملي فى المستودع ؟قال " زاهر" بسخرية : تريد أن تصبح مسؤولفى الشركة وبتدور على الباصات " ؟اندفع " أحمد " خلف هذا الحلم قائلاً : " بلاحراسات بلا بطيخ " !
زاهر : " انتظرني فى الكازينو واستغرق الشاب فى أحلامه : ماأجمل هذا اليوم الذي ساق إليه هذا الرجل الطيب ...
فى الموعد المحدد وعند الساعةالسابعة مساء , كان " أحمد " فى انتظار " زاهر " وكان الكازينو يعج بالزبائن فى تلكالساعة وبعد حوالي 20 دقيقة جاء الرجل وقال له : " هيا بنا " !
خرج " أحمد " معهوكانت سيارة " زاهر " الفيات البيضاء تقف على جانب الشارع .
انطلقت السيارة فىشوارع نتانيا , حتى توقفت قرب إحدى العمارات السكنية فى وسط المدينة , ثم صعدا إلىشقة فى الطابق الثالث .
فتح " زاهر " الباب ودخل خلفه الفتى , كانت شقة زاهر لاتدل على ثراء , فجلس " أحمد " فى الصالون فى حين أحضر زاهر شراباً وجلس يتحدث معه , بعد نصف ساعة قرع جرس الشقة فقام " زاهر " وفتح الباب , وراح يرحب بالزائربالإنجليزية .
دخلت فتاة شقراء , طويلة القامة ابتسامتها لا تفارق شفتيها وحيتبالإنجليزية .
جلست الفتاة فقدم لها زاهر شراباً , وكان يترجم الحديث بالعبريةل" أحمد " فأخبره أنها فتاة سويسرية لا تجيد إلا اللغتين الإنجليزية والألمانية , كانت " تريز " تتصرف بشكل عادى فى الشقة , وكأنها فى بيتها , كما لاحظ " أحمد " أنها تعرف زاهر معرفة جيدة , وتتحدث معه بدون تكليف .
قال له " زاهر" إنها تعملفى شركة سياحية سويسرية ولدينا علاقات عمل معها وتتردد على إسرائيل .
فى صباحاليوم التالي كان " أحمد " ما يزال يغط فى نوم عميق ففتح عينيه على صوت " زاهر " وهو يهزه من يده ويقول " الساعة عشرة " !
حاول أحمد أن ينهض ولكنه لم يستطع فقدكان يحس بصداع شديد فى رأسه , وضع يديه على رأسه وقال بصوت خافت : " رأسي .. رأسي " .
زاهر : " أنتا ذاهب لعملي , إن أردت أحضر لك طبيباً " !
أحمد : " لا داعي " .
وألقى برأسه على الوسادة , ثم عاد يغط فى نوم عميق .
عند الظهر بدأ يشعربتحسن , ولكنه كان يحس بدوار خفيف فى رأسه وبالغثيان .
فى المساء عاد إلى عمله , وقد بدأ يستعيد عافيته , وهناك جاءه عدنان يستفسر عن صحته فقد كانت علامات الإعياءبادية على وجهه , ولكنه استغرب لماذا لم يسأل عنه الياهو فذهب إليه وقال له : " لقدكنت تعباً بالأمس , ولم أستطع المجيء " .
قال الياهو بكل لطف وعلى غير عادته : " إذا كنت مريضاً باستطاعتك التغيب عن هذه الليلة أيضاً " .
ظن الفتى أن المعلميسخر منه فقال : " أقسم لك أنني كنت مريضاً " .
الياهو : " أنا لا أسخر منك " عاد الفتى إلى حيث يجلس " عدنان " وهو لا يصدق ما سمعه ورآه , كيف انقلب الرجل فجأة , فجلس وهو يقول : " سبحان مغير الأحوال " !
" عدنان " ما بك ؟
" أحمد : " لقد جئت اليوم وأنا أتوقع أن يطردني من العمل , فهو رجل كما تعرفه لا يعرف الرحمة , وفجأة أخذ يستفسر عن صحتي وطلب منى التغيب اليوم أيضاً إن كنت لا أزال متعباً .
صمت عدنان قليلاً ثم قال : " أين كنت بالأمس ؟أخذ أحمد يروى قصة لقائهبزاهر فى الكازينو والعمل الموعود به والفتاة السويسرية الشقراء " تريز " التيالتقاها بشقة " زاهر " .
قال عدنان : " هل هو عربي ؟ "
قال " أحمد " بلهجةلا تخلو من الحماس : " انه عربي من عكا .صحيح يتكلم العربية بلكنة أجنبية , ولكنهذا الأمر عائد لاحتكاكه المستمر بالأجانب والشركات فى أوروبا وإسرائيل " .
هز " عدنان " رأسه وقال " ممكن " .
ثم قال : طمتى ستراه مرة ثانية " ؟أحمد : بعدغد الساعة عشرة صباحاً فى الشقة .
شريط فيديو
فى تمام الساعةالحادية عشرة صباحاً كان أحمد يقرع جرس الباب , مرت دقائق فخيل إليه أن الشقة فارغةوان " زاهر " قد نسى الموعد . هز رأسه بيأس وقال لنفسه : " لماذا سيتذكرني , أنامجرد موظف أطلب عملاً لديه " .
كاد أن يعدو لولا أن سمع المفتاح يدور فى القفلمن الداخل فتنفس الصعداء انفتح الباب فتحة صغيرة وظهر وجه زاهر فابتسم وقال : " لحظة ! ثم فتح البابوقال : " تفضل " .
دخل شاب وجالت عيناه فى الشقة كانواضحاً انه لا يوجد بها أحد جلس على مقعد فى الصالون , بينما جلس " زاهر " بقربهمسترخياً فى مقعده , فسأله أحمد : " ماذا حصل بالنسبة لعملي " ؟ابتسم " زاهر " ابتسامة صفراء وقال : " حسناً عماك الآن بين يديك " . ثم قام باتجاه جهاز التلفزيونالذي كان يبث برنامج للأطفال باللغة العربية , أدار جهاز الفيديو وهو يقول : " لقدحضرت لك مفاجأة ما رأيك بشريط فيديو يعجبك " !
مرت دقائق والشريط لا يطهر شيئاًعلى الشاشة وفجأة بدت المناظر تجهو وجه الشاب وهو يشاهد مناظر الشقة من الداخلوغرفة النوم وفيها أحمد وتريز . فقفز من مكانه كأنما أصابه مس من الجنون وصرخ : ماهذا , كيف فعلت هذا , هذا شريط مزور " أنت لا تعمل فى شركة أنت تعمل فى عصابةسأشكوك للشرطة " .
كان " زاهر " صامتاً يشاهد الشريط وينفث دخان السجائر فىالهواء علامة استمتاعه بالمشاهد وكأنه لم يسمع شيئاً ولكنه التفت إليه عندما سمعهيقول سأشكوك للشرطة .
واصل الشاب ثورته وقال : " لن أسكت " !
وهجم الشابباتجاه الشريط لانتزاعه من الفيديو فسمع زاهر يقول : " أنت تتعب نفسك , لدى عشريننسخة أخرى .
عاد الفتى إلى أحد المقاعد وارتمى وهو ينتفض من الغضب وقال : " ماذاتريد منى " ؟قام " زاهر " وأطفأ الجهاز وهو يقول : " الآن بدأت تفهم أقدم لكنفسي " زاهر " من المخابرات الإسرائيلية .
أخذ الشاب يتصبب عرقاً وقال ويداهترتعشان من العصبية " لم أفعل شيئاً ولا دخل لي بالسياسة " .
زاهر : " اعرف هذا " ..
أحمد : " ماذا تريد منى إذن ؟ " .
زاهر : " أن تعمل معنا " .
أحمد : " أنا لا أفهم فى عمل المخابرات , ولن تستفيدوا منى " !
زاهر : ط هذه مسألة نحننقررها وليس أنت . الآن اسمع كلامي , أفضل لك من الفضيحة .. إن سمعت كلامي لن يرأحد الشريط , وإلا تتحمل المسؤولية يا بطلأحمد : " ماذا سأفعل " ؟زاهر : " سأكلفك بمهمة وستحصل على مبلغ كبير من المال , والآن سنبدأالعمل
الإخـتـراق - من ملفات المخابرات الفلسطينية (رصد)
الــفـــصـــل الــثانــي
عميل فاشل وآخر مزدوجوقع فيالفخ وقام ضابط المخابرات الإسرائيلية بالسيطرة عليه من خلال شريط الفيديو الذي تمتصويره بالكاميرات السرية المزروعة في الشقة وهى"البيت الآمن"
الذي تستخدمه " الموساد " لعمليات الإسقاط والسيطرة كما تستخدمه للمقابلات في إدارة العملاء . هذهالكاميرات الدقيقة تعمل بشكل أتوماتيكي وعادة تكون مزروعة مع أجهزة التصنت في غرفالنوم , وعملها يتم من خلال لمسة بسيطة لمزهرية أو منفضة بجانب السرير .
ومنعادة ضباط المخابرات الإسرائيلية أن يطلقوا على أنفسهم أسماء عربية (حركية) وذلكلاعتبارات نفسية حتى يكونوا مقبولين لدى العربي الذين يتعاملون معهم .
في تلكالجلسة بين الضابط زاهر وأحمد , طلب الأول من الثاني أن يجمع معلومات عن أحدأصدقائه دون تحديد , والمعلومات المطلوبة هي ما إذا كانت له انتماءات سياسية , وهللديه سلوك شاذ , وكذلك دراسته وطفولته ووضعه بين زملائه في الدراسة , ومعلومات عنأصدقائه القدامى وخلفيته السياسية , وحالة أهله المادية سابقاً وحالياً , وتحصيلهالعلمي ومهنته وقدراته التي يتقنها , فزواجه وحالته الاجتماعية وجيرانه وسمعته بينالناس , أصدقائه الحاليين وأسفاره خارج البلد ولماذا ؟ وهل هو كريم أم بخيل ؟ وهلهو نشيط أم يتأخر في النوم , ونظرته إلى الأمور.
بعد أن استوعب أحمد هذه النقاطقال له زاهر : نلتقي الأسبوع المقبل يوم الثلاثاء الساعة الحادية عشرة صباحاً .
ثم أضاف قائلاً : ولكن ليس هنا .
رفع الشاب عينيه مستفسراً : أين ؟زاهر : هل تعرف تل أبيب جيداً ؟حرك رأسه علامة النفي , فقال الضابط باستطاعتكالاستفسار , وهى مسألة سهلة . احفظ العنوان في رأسك ولا تكتب شيئاً . قرب الشاطئوبشارع مواز له يوجد استراحة مطلة على بعد على البحر قرب فندق " الأمباسادور " اسمها
" مسعدات دالية " أي " استراحة دالية " وقبل أن تصلها هناك من أتوبيس علىبعد 50 متر في الشارع ذاته . ابحث في المحطة ستجد سهماً مرسوماً . إن كان لونه أخضرفيعنى ذلك أن المقابلة استراحة دالية في موعدها وتتوجه فوراً إلى هناك , وان كانالسهم أحمر فذلك يعنى أن المقابلة قد تأجلت 24 ساعة وفى المكان نفسه , وتبقى تترددحتى يتغير لون السهم ويشير إلى أن المقابلة فى موعدها .
قال أحمد بضجر : ولماذاكل هذا التعقيد ؟الضابط : هذا جزء من العمل والتدريب الذي يجب أن تتعرف عليه .
تناول الضابط من جيبه ظرفاً صغيراً وقال له : خذ هذا المبلغ لنفقاتك خلالالأسبوع المقبل . ثم لا تنسى أن لا تخبر أحداً بما حصل هنا يجب أن يكون العمل سرياً .
حمل أحمد الظرف ودسه في جيبه وانصرف . وأخذ يسير في الشارع فأحس بالجوع فتوجهإلى أحد المطاعم الصغيرة وطلب ساندويتش . ولكنه لم يسطع أن يأكل شيئاً , فالدنيامسودة في وجهه لا يدرى أين يذهب .
نزل إلى الحدائق العامة قرب الشاطئ وجلس علىأحد المقاعد وهو يفكر : كيف حصل ذلك ما سر الصداع واللقاء المفاجئ ؟ هل كان مراقباًمن المخابرات الإسرائيلية ؟ هل يعمل معهم أم يهرب ؟ ولكن إلى أين ؟ كيف سيتصرف؟في مساء ذلك اليوم عاد إلى عمله ولكن علامات التفكير العميق كانت بادية عليهوهو شارد الذهن صامت لا يشعر بما يدور حوله .
لاحظ عدنان ذلك , فسأله عن السبب , واكتفى بالإجابة قائلاً : لا شئ ألح عليه بالسؤال لكن إجابته لم تتغير لا شئ أنامتعب .
شك عدنان بالأمر فسأله : ماذا حصل لعملك في الشركة السياحية ؟وفجأةانفجر أحمد غضباً وقال : لا أريد العمل في الشركة .
عدنان : ماذا حصل ؟تنبهاحمد فعاد يقول : لا شئ لم أجد الرجل .
أدرك عدنان أن أمراً خطيراً حصل لأحمدفتركه وشأنه , ولكن أحمد عاد بعد ساعة ليقول له : لا تغضب منى , فأعصابي متعبةقليلاً اليوم .
وجلس يتحدث معه , وفجأة أخذ يحدث عدنان بأمور لم يتحدث بها منقبل , وراح يستفسر عن حياته وعلاقاته وعائلته في نابلس وتأكدت الشكوك لدى عدنانفأخذ يجيبه بشكل حذر .
عميل مزدوجفيصباح اليوم التالي خرج عدنان كعادته من المستودع وهو غالباً ما يعود إلى منزله فيمدينة نابلس فتوجه إلى المحطة المركزية في نتانيا " تحنا مركزيت " ومنها استقلالأوتوبيس إلى طولكرم التي لا تبعد عن نتانيا سوى 18 كيلومتراً . وفى طولكرم تجولقليلاً ثم توجه إلى المحطة حيث تعمل شرطة باصات " الشخشير " في النقل بين المدينتين .
وصل إلى منزله في حي رافيديا قرب مستشفى رافيديا ومكث ساعة ثم نزل إلى السوقيتجول . وبعد حوالي نصف ساعة انحرف في شارع وسط البلدة وسار على الرصيف الأيسر وكانيسير قليلاً ويتوقف أمام الواجهات حتى مر من أمام مكتبة واجهتها زجاجية , عرضت فيهامجموعة كبيرة من الكتب منسقة بعناية وتدل على ذوق واهتمام صاحبها . مر من أمامالمكتبة ذهاباً وإيابا ثم واصل سيره إلى منزله . عند الساعة الواحدة تماماً كانيطرق طرقات خفيفة على باب شقة في وسط المدينة , بعد ثوان فتح الباب وأطل رجل فيالثلاثينات من العمر وقال همساً : تفضل ادخل .
جلس عدنان وراح يتحدث إلى عبدالرحمن عن شكوكه في أحمد , وكان رد الرجل بأن يواصل مراقبته ثم زوده بتوجيهات وطلبمنه أن يذكر له في معرض حديثه وبطريقة غير مباشرة بعض المعلومات حوله أي " عدنان " التي ستلفت نظر المخابرات الإسرائيلية إليه .
بعد انتهاء المقابلة خرج عدنانمتبعاً الإجراءات الأمنية اللازمة , كان عبد الرحمن هادئ الطباع , يتكلم همساً حتىيظن سامعه أنه يحدث نفسه . دمث الأخلاق متدين يؤدى الصلوات في أوقاتها , بدون تعصب , درس الأدب الإنجليزي في جامعة القاهرة , وحصل منها على شهادة البكالوريوس ثم عملفي إحدى البلدان العربية كمدرس لمدة عامين ثم عاد إلى مسقط رأسه في نابلس حيث افتتحمكتبة كساتر وغطاء لنشاطه بعد أن تلقى دورات تدريبية عديدة في أجهزة الأمنالفلسطينية .
بعد عودته إلى الداخل استقطب مجموعة من الشباب الفلسطيني المميز منأمثال عدنان , وهى مجموعة لا يزيد عددها عن أصابع اليد ولكنها فاعلة وتعمل بنظامدون حدوث أي خلل يذكر وعمله بعيد عن الارتجال , وهو على اتصال دائم بمقر قيادةأجهزة الأمن الفلسطينية في بيروت بوسائل اتصال موثوقة .
أثبت عبد الرحمن كفاءتهفي العمل الأمني وعمل بنجاح فائق داخل الأرض المحتلة سنوات طويلة , وكانت المقابلاتتتم بينه وبين أفراد مجموعته بشكل منفصل ولا يعرف أحدهما الآخر كإجراء أمنى .
وكانت المقابلات تتم بالجدولة , أي يحدد موعد اللقاء المقبل أثناء المقابلةالأخيرة . وفى حال الضرورة القصوى , كانت لكل منهم إشارة معينة , فعدنان كان عليهأن يسير في الشارع ذهاباً وإيابا مرة واحدة من أمام المكتبة , وهذه الإشارة تعنىاللقاء بعد ساعتين , وفى حال عدم حصوله لسبب أو آخر تتكرر الإشارة بعد 24 ساعة , أيفي اليوم التالي .
في هذا اللقاء طرح عبد الرحمن الاحتمالات وهى إما أن تنصب " الشين- بيت " لعدنان فخاً في أحد" البيوت الآمنة " أو يستدعى إلى مكتب المحققالإسرائيلي في نابلس فهوية الجهاز لم تكن واضحة هل هي " الشين-بيت " ( الأمنالداخلي ) أو " الموساد " ( الفرع الخارجي للاستخبارات الإسرائيلية ) .
في مساءذلك اليوم عاد عدنان إلى عمله في المستودع وكان مكلف أيضاً بجمع بعض المعلومات عنأحمد لكنه كان مرتبكاً فهو لم يتوقع أن يدخل في مغامرة كهذه , فالاعتبارات النفسيةفي العملية تلعب دوراً هاما فشاب وطني مثله من الصعب غليه أن يقوم بالتعامل معالعدو حتى في إطار لعبة تجسسية لم يتقبل المسألة بسهولة إلا أن تأثير عبد الرحمنعليه كان كبيراً وأقنعته الهواجس التي انتابته بأن ما سيفعله هو في إطار العملالوطني وليس العكس .
استراحة داليةعندالساعة العاشرة والنصف تقريباً , أي قبل الموعد المحدد بنصف ساعة كان أحمد ينزل منالأتوبيس في المحطة القريبة من " استراحة دالية " وقف في المحطة ولم يكن هناك سوىامرأة يهودية عجوز تنتظر الأوتوبيس , أخذ ينظر في المحطة حتى وجد سهماً صغيراًمرسوماً على العمود الحديدي للمحطة باللون الأخضر ولا يزيد طوله عن أربعة سنتيمترات .
أدرك أن المقابلة في موعدها , فسار مشياً نحو الاستراحة التي كانت قريبة منه . كانت الاستراحة تتألف من طابق أرضى وصالتين واحدة خارجية مكشوفة والأخرى داخلية .
جلس حول إحدى الطاولات في الصالة الخارجية ووجهه إلى الشارع حيث تطل الاستراحةعلى البحر , فهي تقع فوق ربوة صغيرة وعلى اليسار يظهر فندق" الامبسادرو " وعلى بعدحوالي 500 متر من الفندق جنوباً يقع حي المغاربة وهو حي يهودي فقير وبائس وبناياتهقديمة ومتداعية .
بعد أن جلس حول إحدى الطاولات في الصالة الخارجية المكشوفة ,جاءت فتاة في العشرينات من العمر سمراء ممتلئة الجسم , فطلب منها فنجاناً منالقهوة , بعد دقائق عادت بالقهوة فأخذ يتحدث معها فعرف أنها مغربية يهودية مغربية , وقدم لها نفسه وراحت تحدثه عن الحي الفقير الذي تسكن فيه وهو الملاصق لفندقالأمباسادور
وأخذت تشير إلى أماكن المحيطة وتثرثر معه .
عند الحادية عشرةوعشرين دقيقة , أطل زاهر فرأى أحمد يجلس بمفرده فقال : هيا بنا .. ادخل معي .
دخلا معاً وجلسا حول إحدى الطاولات وكانت الصالة شبه فارغة .
جاءت الفتاةوقالت : ماذا تريد يا أحمد ؟حدق زاهر في أحمد بغضب وقال موجهاً حديثه إلىالفتاة : فنجانين من القهوة .
انصرفت الفتاة وصاح به قائلاً : ماذا فعلت يا غبي؟دهش الشاب من هذه اللهجة وقال : ماذا ؟ لم أفعل شيئاً .
زاهر : لماذاأخبرتها عن اسمك ؟ارتبك احمد وقال : المسألة عادية وكنا نتحدث عن تل أبيب .
زاهر : أنت هنا في مهمة سرية , ويجب أن لا يعرف أحد اسمك ولا طبيعة عملك وأيشئ عنك وإلا ما فائدة الإجراءات الأمنية المعقدة التي أدربك عليها ؟أحمد : وهلأكذب عليها ؟زاهر : أذكر لها اسماً آخر أنت الآن تعمل مع المخابرات الإسرائيليةلا حارس مستودع . يجب أن تفهم !
أحس الضابط بأن الشاب غضب من هذا التأنيب ؟ فبدللهجته وقال وهو يبتسم : هيا يا بطل .. ماذا فعلت الأسبوع الماضي ؟أخذ الشابيسرد المعلومات التي حصل عليها فيما كان الضابط زاهر يصغي باهتمام حتى وصل إلى نقطةتقول إن عدنان لديه أخر يدعى خلدون وقد انضم إلى صفوف الثورة الفلسطينية منذ 1974في لبنان كمقاتل .
قاطعه زاهر قائلاً : بالمناسبة يجب أن نتعلم مسألة مهمة فيالعمل السري , أولاً يجب أن تذكر لي كل هذه الأمور بتفاصيلها الدقيقة كتابة حتى لاأنسى , وثانياً تبدأ بالأهم ثم المهم . وفى أي مقابلة عليك أن تبدأ الحديث بالموضوعالأهم والأخطر وتتدرج نحو الأقل أهمية فمثلاً لو انقطعت المقابلة لسبب ما أكون قدحصلت على أهم المعلومات . كما أن هذه المقابلات جزء من التدريب الذي يجب أن تحصلعليه . فأنت ستتعلم من خلالها أشياء هامة جداً .
بطبيعة الحال لم يكن قصد الضابطمن كتابة التقارير سوى المزيد من توريط أحمد خاصة أن معظم المقابلات كانت مسجلةصوتياً لديه .
وفى نهاية المقابلة قدم زاهر إلى أحمد مبلغاً من المال لينفقه كمايريد ثم قال : موعدنا سيكون يوم الأحد الساعة التاسعة صباحاً في مركز الحاكميةالعسكرية في مدينة نابلس .
اصفر وجه الشاب بعد سماعه هذه الجملة فقال : هل فعلتشيئاً ؟ضحك زاهر وقال : لا تخش شيئاً , لن تسجن هناك . كل ما في المسألة أننيسأقدم لك صديقاً لتتعرف عليه .
هم الضابط بالانصراف فقال : لا تخرج الآن بل بعدخروجي بربع ساعة تغادر المكان .
وتوجه إلى الحاسبة ودفع الحساب ثم دس الوصل فيجيبه وانصرف .
بعد يومين من تلقى عدنانوهو في منزله في نابلس استدعاء منالمخابرات الإسرائيلية إلى مقر الحاكمية العسكرية في المدينة , الذي تقع في نهايةشارع عمان بالقرب من مخيم بلاطة , قبالة مديرية صحة نابلس .
كان الموعد المحددفي ورقة الاستدعاء الساعة الثامنة صباحاً من يوم الأحد تأكدت الشكوك وأصبحت العمليةواضحة تماماً , وفى الموعد المحدد توجه إلى مركز الحاكمية العسكرية بعد أن تزودبتوجيهات عبد الرحمن وكيفية التصرف . وأمام باب المركز أبرز بطاقة هويته وورقةالاستدعاء للجندي الذي يقف أمام الصغير الملاصق للباب الكبير المخصص لخروج السياراتالعسكرية ودخولها .
نظر الجندي في بطاقة الاستدعاء ثم أشار إليه أن يتوجه إلىالاستعلامات حيث قدم أوراقه . وبعد حوالي ربع ساعة من الانتظار مع بقية المراجعينالعرب . جاء مراسل مع بقية المراجعين العرب جاء مراسل واصطحبه إلى المبنى الرئيسيفي الطابق عند الساعة التاسعة والنصف تقريباً , وبعد حوالي ساعة ونصف من الانتظارفي قاعة المراجعين , جاء مراسل وناداه بالاسم فخرج يسير خلفه حتى وصل إلى غرفةبابها مفتوح أطل المراسل داخل الغرفة وأشار إلى عدنان بالدخول , دخل الشاب فوجدرجلا يرتدى ملابس مدنية يجلس خلف مكتب ويبدو عليه الانشغال بالكتابة وقف الشابقليلاً ينظر في الغرفة الصغيرة التي لا تحتوى إلا على المكتب الخشبي الذي يجلس خلفهالضابط , وأمام المكتب ثلاثة كراسي خشبية لونها بنى.
بعد دقائق جلس الشابواقفاً وارتبك فأكمل الضابط صراخه قائلاً : من أنت ؟ من أتى بك إلى هنا ؟قالالشاب : أنا عدنان وأتى بي المرسل إلى هنا , يبدو أنه أخطأ .
قهقه الضابط عالياًوهو يقول : آسف . لم أنتبه . تفضل بالجلوس .
كان الشاب مدركاً هذه الأساليب وبقىمتنبهاً ويقظاً فقام الضابط من وراء المكتب وتوجه إلى الباب و أغلقه ثم عاد وهويقول بسخرية : عدنان رمضان .. أنت صاحب مشاكل .
رفع الشاب رأسه وقال : كيف ؟ماذا تقصد ؟جلس زاهر وتناول قلماً عادياً وأخذ يسوى الأوراق أمامه وهو يقول : نحن نعرف كل شئ .
صمت الشاب في حين بدأ زاهر يطرح أسئلته : ما اسمك ؟عدنان : عدنان رمضان .
زاهر : كم عمرك ؟عدنان : عشرون عاماً .
زاهر : ماذا تعمل؟عدنان : حارس ليلى في مستودع شركة باصات " أيجد " في نتانيا .
زاهر : أينأخوك خلدون ؟عدنان : لقد سافر منذ سنوات .
زاهر : ماذا يعمل ؟عدنان : مقاتل في الثورة الفلسطينية في لبنان .
زاهر : لا تذهب لزيارته ؟عدنان : كلا .
زاهر : لماذا ؟عدنان : ظروفي المادية لا تسمح بذلك .
زاهر : إذن كيفتعيش ؟عدنان : قلت لك أنني اعمل في المستودع ليلاً .
زاهر : وفى النهار ماذاتفعل ؟ تقوم بالمظاهرات والتفجيرات أليس كذلك ؟عدنان : هذا ليس صحيحاً؟زاهر : وما هو الصحيح إذن ؟عدنان : أنا إنسان بسيط أعمل لأعيل أهلي ونفسيلا أكثر ..
التفت الضابط إلى أوراق مكتوبة على يمينه باللغة العبرية وأخذ يهزرأسهويقول : أنت تكذب , ولدينا معلومات حولك . أنت تخطط لتفجير باصات " أيجد " عدنان : هذا غير صحيح .
صرخ الضابط في وجهه قائلاً : هل تعتقد أنني كاذب يا وغد؟عدنان : لم أقصد ذلك . ولكنني لا أخطط لتفجير الباصات .
زاهر : ما هيعلاقتك بالثورة الفلسطينية ؟عدنان : لا علاقة لي بالثورة لا من قريب ولا منبعيد .
زاهر : لا تريد الاعتراف أنت حر يوجد شهود عليك , هل تعرف أنك ستحل ضيفاًعلينا ؟ وقضية تفجير الأتوبيسات عقوبتها ... عقوبتها ( يتظاهر بالتفكير )
أولاًتحقيق مفتوح قد يستغرق عاماً أو اثنين أو أربعة ثم المحكمة والمحكمة قد تقرر عشرةأعوام سجن وربما اكثر , هذا يعود إلى مزاج المحكمة .
أخذ عدنان يتظاهر بالخوفوالارتباك وكان يعرف أن كل ذلك مقدمة للموضوعقال : لم افعل شيئاً أرجوك لماذاتظلمني هكذا ؟ألقى الضابط بالقلم على المكتب . ثم قام ليتمشى في الغرفة وهويقول : أريد أن أساعدك ولكن كيف ؟ القانون قانون .
عدنان : ولكنني لم افعل شيئاً .
زاهر : عندي حل .
عدنان : كيف ؟زاهر : أن تتعاون معنا , وأعتبر القضيةانتهت وسأساعدك مالياً وستحصل على كل ما تريد .
عدنان : لا أستطيع أنا لا أفهمفي هذه الأمور .
زاهر : لديك حلان , إما السجن أو العمل معنا , ماذا قررت؟عدنان : لا أستطيع أرجوك .
زاهر : أنت حر .
وعاد إلى مكتبه وجلس علىالكرسي ورن الجرس فجاء المراسل فقال الضابط بالعربية موجهاً حديثه إلى المراسل وهوينظر إلى عدنان : الجماعة جاهزون .
عدنان : الجماعة جاهزون.
قال المراسل: منهم ؟الضابط: يوجد شخص هنا أود كسر رأسه.
قال عدنان: أرجوك ، دعني وشأني .
الضابط: أجب بسرعة قبل أن يذهب المراسل و إلا لا أستطيع أن أفعل لك شيئا وسيخرج الموضوع من يدي . هل تقبل باقتراحي ؟عدنان : نعم .
صرف زاهر المراسلوقال لعدنان : الآن بدأت تفهم .
ثم اخذ يقنعه قائلا : لماذا تعرض نفسك و أهلكللسجن و التشرد ؟أنت تعرف
صرف ز